الأربعين
حشد الملايين في حب الحسين(ع)
ما معنى مناسبة الأربعين؟
كلمة “الأربعين” تعني في اللغة العربية العدد أربعون. أما في الاصطلاح الشيعي، فهي تشير إلى اليوم الأربعين الذي يلي يوم عاشوراء، وهو يوم استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام. يوافق يوم الأربعين في التقويم الهجري يوم العشرين من شهر صفر. وأول أربعين للإمام الحسين عليه السلام وقع في العام الحادي والستين للهجرة.
يشهد يوم الأربعين تجمعًا ضخمًا للشيعة وعشاق الحرية والسلام من مختلف دول العالم، حيث تتوافد حشود كبيرة إلى مرقد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في كربلاء ويقطع الزوار هذه المسافة سيراً على الأقدام، مما يجعل هذا المشي أضخم مسيرة سنوية عالمية. تُعد مسيرة الأربعين ظاهرة عالمية فريدة، تسجل سنويًا أرقامًا قياسية جديدة، ليس فقط من حيث عدد المشاركين، بل أيضًا في نشر القيم الإنسانية السامية كالمحبة والسرور والحب.
طريق للسلام
تاريخ الأربعين
لإجراء دراسة تاريخية حول واقعة الأربعين، لا بد من التطرق أولًا إلى خلفية وأسباب الحدث المحفز لها، ألا وهو واقعة عاشوراء. بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في العام الحادي عشر للهجرة، ورغم تأكيده الصريح على خليفته من بعده، خالف المسلمون وصيته وانتخبوا غير من دلَّ عليه في مجلس شورى. أدى هذا الانحراف الخطير، الذي كان مقرونًا بعدم فهم المسلمین لحقيقة أن الله وحده هو المخول بتعيين خلفاء رسوله، إلى تدهور الأوضاع، ووصول شخصٍ فاسقٍ لا يلتزم بأحكام الإسلام الظاهرة كيزيد بن معاوية إلى الحكم في العام الستين للهجرة، وقد أجبر يزيد والي المدينة على أخذ البيعة من الإمام الحسين عليه السلام رغماً عنه.
عندما امتنع الإمام الحسين(عليه السلام) عن مبايعة يزيد، مقتنعًا بعدم أهليته لحكومة المسلمين، هاجر من المدينة إلى مكة المكرمة. وبعد أن استدعاه أهل الكوفة، انطلق قاصدًا إياهم، إلا أنه حوصر في طريق كربلاء مع اثنين و سبعين من أصحابه الأوفياء واستشهدوا في معركة ضارية وقعت في العاشر من محرم الحرام سنة إحدى وستين هجرية. بعد انتهاء المعركة، تم رفع رؤوس الشهداء الأطهار على الرماح إلى قصر يزيد، واقتيدت نساء وأطفال آل البيت ونقلوهم كأسرى غير مسلمين إلى الشام. ولكن، أدّت خطبة الإمام السجاد عليه السلام، وهو الوارث الوحيد من ذكور آل البيت في كربلاء، وكلام السيدة زينب(عليها السلام) أخت الحسين (عليه السلام)، إلى فضيحة زيف الادعاءات التي أطلقها يزيد، وأحرجاه أمام الناس، فاضطر إلى إطلاق الأسارى إرجاعهم إلى المدينة المنورة.
عاد آل البيت الطاهرون عليهم السلام من سبي الشام إلى المدينة، وحطّت بهم الرحال في كربلاء، وهناك التقت الأجساد الطاهرة برؤوسها الشريفة، فكانت هذه اللحظة الفارقة بدايةً لمراسم الأربعين، كأحد مظاهر الحداد والبكاء على شهداء كربلاء بعد أربعين يوماً من رحیلهم. ويُعدّ الإمام الحسين وأصحابه النجباء هم الشخصيات الوحيدة التي يُقام لهم مهرجان عظيم كهذا.
زيارة الأربعين
تُعد زيارة الأربعين من أبرز الشعائر الدينية في المذهب الشيعي، إذ اعتبرها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حسب ما ورد في رواية عنه، إحدى العلامات الخمس للمؤمنين. وقد كان الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري أول زائر للأربعين، سار على قدميه إلى كربلاء ليزور قبر الحسين(عليه السلام)، فصادف ذلك اليوم وصول رأس الحسين الطاهر واستقراره في مثواه بيد الامام السجاد(عليه السلام). كان جابر، رغم عماه، قد سار مشيًا على الأقدام من المدينة المنورة إلى كربلاء حزنًا على مصاب الحسين(عليه السلام)، ليؤكد بذلك عمق محبته وإيمانه.
ومنذ ذلك الحين، استمرت زيارة الأربعين سنوياً، رغم محاولات الطغاة المتكررة عبر التاريخ لإخماد شعلة هذه الشعيرة، إلا أنهم فشلوا ذريعاً. ومع مطلع شهر صفر من كل عام، يتوافد الزوار من كل حدب وصوب إلى النجف الأشرف، أو سامراء، أو بغداد، ليمضوا مشياً على الأقدام مسافة طويلة تصل بهم إلى مرقد سيد الشهداء في كربلاء. وهكذا، فإن مسيرة الأربعين منذ انطلاقها على يد جابر بن عبدالله الأنصاري، الذي تحدى الظلم والطغيان، تحمل في طياتها رسالة سامية تدعو إلى الحرية والصمود والعزة.
مسيرة الأربعين رمز حكومة الصالحين
إن رؤية الأديان كلّها عن مستقبل العالم تتفق في جوهرها على أن الغاية المنشودة هي مستقبل يسوده السرور والحب والسلام. مجتمع تتلاشى فيه الصراعات وتزدهر فيه القيم الإنسانية. وقد بشرت جميع الأديان السماوية بقدوم منقذ موعود مبارك يحكم في العالم بالعدل والإحسان، ويعم فيه الرخاء والسلام.
ستكون الجنة الأرضية التي سيقيمها المخلص الموعود، كما نشاهده في زيارة الأربعين من حب وسلام ووئام، والذي تشهده الأراضي العراقية كل عام. إن مستوى الأمن الذي يعمّ مسار الزيارة الأربعينية لدرجة تمكن النساء من السير فيه ليلاً ونهاراً بكل أمان، يشكل شاهداً قاطعاً على حالة الاستقرار والطمأنينة التي تسود هذا الحدث العظيم. إن حضور النساء والأطفال، وتوفير الخدمات الأساسية والثقافية والصحية مجاناً للجميع في مسار زيارة الأربعين، يشكّل دليلا قاطعا لمن تأمل وتدبر، على أن هذه الزيارة تمثل نموذجًا مصغرًا للحكومة العالمية الموعودة. حكومة الصالحين التي تسوده العدل والمساواة، ويُحترم فيه الإنسان من أجل کرامته الإنسانية بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو مركزه الاجتماعي.
التَّعتيم الإعلامي الأكبر على مسيرة الأربعين
تُعدّ زيارة الأربعين أطول مسيرةٍ على الأقدام في العالم، إذ أنها تحتل الرقم القياسي لأكبر عدد من المشاركين. كما أنها تشهد أعظم موائد طعام وأكبر صلاة جماعية في العالم. ومن اللافت للنظر أن هذا الحدث الضخم، الذي يحظى بمتابعة عالمية، يتعرض لأكبر حملة من التعتيم الإعلامي، خاصة من قبل وسائل الإعلام التي تخضع لسيطرة الأنظمة الاستبدادية والطواغيت. ورغم هذا التعتيم الإعلامي المتعمد، فإن عدد المشاركين في هذه الزيارة يتزايد عاماً بعد عام، وذلك لأنها ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي رسالة عالمية تدعو إلى الوصل بين معرفة الإمام الحسين عليه السلام، وبين الحسين المعاصر في العالم أي المهدي عليه السلام.
مقابلات الأربعين
روايات حقيقية من النجف الى كربلاء
إحصائيات الأربعين المدهشة
مسيرة الأربعين: نافذة على المستقبل
هذه الأرقام الخارقة لمشاية الأربعين تجعل منه ظاهرة عالمية فريدة. فليست مسيرة الأربعين مجرد مناسبة دينية، بل هو نموذج مصغر للمستقبل الموعود للعالم.
يكفي أن نلقي نظرة فاحصة على الأرقام؛ إذ يتوافد سنوياً ما يزيد على 22 ملیون زائر إلى العراق في الأربعين، يقضون فترة تتراوح بين عشرة وأربعة عشر يومًا. يتمتّع هؤلاء الزوار من خدمات مجانية شاملة، من المأكل والمشرب والمبيت والمواصلات، والأهم من هذا كله، هو الأمن والطمأنينة طوال رحلتهم في بلد يعاني من الفقر والحرب، مما يبرز عظمة هذا الحدث الإنساني.
إن مسيرة الأربعين تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الحضارة التي تستند إلى تعاليم الإسلام وقيمه، قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الدائم. ولا شك أن الحضارة الإنسانية الحديثة لن تكتمل إلا في ظل راية الإسلام.
حقيقة الأربعين
إن المشاركة في مسيرة الأربعين لن تؤتي ثمارها الحقيقية المرجوة في نفوسنا إلا إذا أدركنا حقيقة هذه الزيارة من منظور إنساني عميق، وعرفنا أنّ المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الإنسان المعاصر تكمن في ابتعاده عن الإمام باعتباره الإنسان الكامل، وقدوة مثالية وحيدة للإنسانية. إذا لم يعرّف الإنسان نفسه على أساس منزلته الإنسانية، فسوف يؤدّي عدم إدراكه لهذه الحقيقة أن يقتصر على الحزن على الماضي في كربلاء سنة 61 للهجرة، ويغفل عن الخسارة الحقيقية التي حلّت بالبشرية إلى يومنا هذا، وهي خسارة الارتباط بالإمام المعصوم.إن أشد ما يعاني منه العالم اليوم، ليس إلا الحرمان من الإمام المعصوم المتخصص الذي يقود البشرية إلى بر الأمان، ويخلصها من كل فتنة وشر. هذا الغياب العظيم هو الداء الذي يسري في جسد الإنسانية، وهو الذي يسبب كل ما نعانيه من اضطرابات وأزمات في يومنا هذا. ولعلنا جميعًا نشترك في المسؤولية عن استمرار هذه الآفة، فكل فرد منا يلعب دوراً، وإن كان صغيراً، في إطالة أمد هذا الغياب.يكمن الحل في أن نبدأ بأنفسنا، وأن نسعى جاهدين لمعرفة أنفسنا، وإدراك حقيقة الإمام الحاضر واليقين بأن الخلاص الحقيقي لن يحلّ بالعالم إلا بظهور الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) في نفوسنا وقلوبنا.
من أربعينية الامام الحسين(ع) إلى جيش الحسين
إن حضور الجموع الشيعية في زيارة الأربعين ليس مجرد حدث ديني تقليدي، بل هو رمز بالغ المعنى، يحمل في طياته رسالة واضحة مفادها أن الإمام المعصوم، والقدوة الإنسانية الكاملة، إذا استشهد ذات يوم في كربلاء وحيدًا، فلن نسمح بتكرار مثل هذه المأساة مرة أخرى. يرى الزوار أنفسهم جنوداً لإمام زمانهم الحي الذي يستعد للظهور، ويفسرون مسيرة الأربعين بأنها تجديد العهد والميثاق في حضن الحسين سنة 61 هجرية، مع حسين زمانهم. إن هذا التجمع الهائل للمؤمنين، إعلان عن استعداد الأمة للولاء والتعاطف لبناء حكومة الصالحين، والتي سيعلن فيها المخلص الموعود عن نفسه عند ظهوره بالقرب من الكعبة المشرفة بأنه من وُلد الإمام الحسين عليه السلام:
- اَلا یا اَهلَ العالَم اَنَا الاِمام القائِم.
- اَلا یا اَهلَ العالَم اَنَا الصَّمصامُ المُنتَقِم.
- اَلا یا اَهلَ العالَم اِنَّ جَدِی الحُسَین قَتَلُوهُ عَطشاناً.
- الا یا اَهلَ العالَم اِنَّ جَدِی الحُسَین طَرَحُوهُ عُریاناً.
- اَلا یا اَهلَ العالَم اِنَّ جَدِی الحُسَین سَحَقُوهُ عُدواناً.