نبذة عن أسباب غيبة الامام المهدي (عليه السلام) وكيفية إصلاح مسألة الغيبة
- ما هي أسباب غيبة الامام المهدي (عليه السلام)؟
- لماذا لم تتوفر شروط ظهوره بعد مرور قرون؟
- ما هي هذه الشروط أصلاً؟
- ما هي الأحداث التي يجب أن تحدث لكي تزول أسباب الغيبة ويكون المجتمع العالمي مستعداً لقبول المنجي الموعود؟
لقد مرت آلاف السنين على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام). خلال هذه الفترة، وبسبب غياب الإمام، تكبد المجتمع العالمي خسائر فادحة لا يمكنه تعويضها. ومن هذه الخسائر، وهو في الواقع أهمها، هو هيمنة الحكومات المتمردة و المستكبرة على ساحة السيادة، هذه الحكومات حددت تعريف الإنسان بدلا من كونه خليفة الله، إلى حيوان ذكي ومدهش، وعلى هذا الأساس حددت نمط حياته. تولّت هذه الحكومات بنية الإنسان الوجودية دون أي فهم له، ومن خلال التدخل في مختلف مجالات حياة الناس، وابعادهم عن هدف الخلق يوما بعد يوم، حتى وصل الأمر إلى أن القيم السلبیة تحولت الی قيم ایجابیة فأصبحت القيم والكمالات الجمادية والنباتية والحيوانية تحل محل الكمال الإنساني وامست روح الإنسان في خدمة جسده، ودُفن طفل روحه العزيز تحت كتلة الرغبات الجسدية والحيوانية.
تعاني البشرية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من العديد من المشاكل. لقد اجتازت الحكومات البشرية أيضًا اختبارها واحدًا تلو الآخر، ولسنوات عديدة، لم يكن لدى أي صاحب نظریة أي أمر جديد ليضيفه. إن تراكم المشاكل الكثيرة فوق بعضها البعض وخلق أزمات جديدة أوصل الكثير من شعوب العالم إلى حد العبث، لكنها في الوقت ذاته أيقظت البعض من سباتهم وأوجدت فكرة إحداث تحول جديد في أذهانهم، وهو تحول لا يمكن تحقيقه إلا في ظل حضور الإمام في المجتمع، لأنه السبيل الوحيد لتحرير الإنسانية من الأزمات.
في سلسلة المقالات التي أمامكم نتناول ضرورة وجود الإمام في المجتمع من مختلف الأبعاد وعلمنا أنه لا يمكن تحقيق مؤشرات الرخاء والسعادة دون وجود الإمام ونائب الله في المجتمع. إن جميع مشاكل الإنسان لها في الحقيقة جذر واحد وهو غياب الإمام. سوف نتناول في هذا المقال أسباب غياب الامام المهدي كآخر الناجين من جيل الأئمة المعصومين (عليهم السلام). ولكن لن يكون من الممكن إزالة العوائق وتمهيد الطريق لظهوره قبل أن تتضح أسباب غيبته.
عدم الاتحاد والوفاء بين الشيعة
أحد الأسباب الرئيسية لغيبة الامام المهدي (عليه السلام) هو عدم الولاء والوحدة بين الشيعة، بالإضافة إلى عدم ولائهم له. إن الاستعدادات الفردية لا تكفي لمجيء الإمام، بل إن ظهوره يتطلب تعاطف ووحدة واستعداد عند مجتمع الشيعة باکمله. فإذا تعاطف المؤمنون مع بعضهم البعض ووفوا بالعهد الذي قطعوه مع الإمام وأبيهم السماوي، فلن يتأخر أمر الفرج وسيتحقق قريباً جداً.
إن الافتقار إلى التعاطف والولاء بين الشيعة مشكلة كبيرة، كانت موجودة أيضًا في زمن المعصومين الثلاثة عشر السابقين. ولم ير أهل البيت (عليهم السلام) الولاء من أحد من الناس في عصرهم، لدرجة أن الأجهزة الحكومية الغاصبة والفاسقة اعتقلتهم أمام الناس واستشهدوا بطرق مختلفة. ومع ذلك فإن أغلبية الشعب لم يرفع أي صوت احتجاجاً؛ ولولا لغيبته (عليه السلام) لما كان له مصير غير آبائه و لاستشهد حتماً، و لحرم العالم من حضوره إلى الأبد، وهذا مخالف لسنّة الله، لأن الله لن يُفرغ الأرض من سلطانه أبدًا.
لقد انتظر المهدي (عليه السلام) تسعة وستين عاماً بعدما بعث إماما، ربما لكي يعود الناس إلى رشدهم أو يدركوا ضرورة وجود إمام. ولكن لم يكن هناك أي طلب حقيقي على وجوده. فانتظر مائة عام أخرى، ثم كتب بعد ذلك رسالة إلى أحد كبار علماء الشيعة يدعى الشيخ المفيد، وذكر في تلك الرسالة أن سبب غيابه هو عدم وجود الاتحاد والولاء بين الشيعة.
خلال جميع هذه السنين، كان الافتقار إلى الاتحاد والولاء بين الشيعة هو أحد الأسباب الرئيسية لغيبة الإمام. ولكن لحسن الحظ، في السنوات الأخيرة ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تمت إزالة هذه العقبات إلى حد كبير. وفي سياق هذه الثورة تم تدريب جنود أظهروا إخلاصهم الحقيقي لدين الله، ومن خلال طاعة ولي أمر الفقيه ونواب الإمام المهدي (عليه السلام)، أثبتوا أن لديهم القدرة على حماية حياة الإمام في حالة وجوده وحضورة في المجتمع وهم على استعداد كامل للتضحية في سبيل الإمام. إن تحقيق هذه المعرفة العميقة بمكانة الإمام و الحصول على هذا المستوى من الاستعداد لإنقاذ حياة الإمام عبر التاريخ وإلى هذا الحد هو حدث نادر بل و فريد من نوعه، ونتيجة لذلك، ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران، زاد الأمل بقرب الظهور لأن أسباب غياب الإمام في زوال الواحدة تلو الأخرى.
سنّة الاختيار
تعتبر سنّة الاختيار من أهم السنن الإلهية. لقد خلق الله البشر بإرادة حرة ولم يجبرهم أبدًا على قبول شيء ما. إن مصير كل أمة بأيديها، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)[1] وظهور المهدي (عليه السلام) ليس استثناءً من هذه القاعدة. وبالمناسبة، فإن ذلك أيضاً من أهم أسباب غيابه.
الإمام هو ميثاق الله، والناس جميعا مسؤولون أمام الإمام، سواء من حيث الفطرة، أو علاقتهم الوجودية به، أو من حيث الشريعة و من باب الواجب الذي أوجبه الدين عليهم. المظهر الخارجي لهذه المسؤولية هو التضحية في سبيل الإمام، حيث نرى ذلك في الادعية والزيارات الموجه إلى أهل البيت (عليهم السلام) حيث نقول: “بِأبى أَنْتُمْ وَ اُمّى وَ أهْلى ومالي وأسرتي”[2] أي أن أهلي وأهلي وجميع مالي فداء لك، ولا يصل إلى هذا المقام إلا من كان فكره نابع من الاختيار والمحبة. معظم الناس يحبون أهل البيت ويعبرون عن إخلاصهم لهم، لكن التعبير عن الإخلاص وحده لا يكفي ولا يزيل عوائق الظهور، بل إن عوائق الظهور تزول عندما يتصدر حب أهل البيت (عليهم الستلام) كافة أنواع الحب الأخرى، وعلى رأسهم حب الامام المهدي (عليه السلام) الإمام الحي، وتكون أنماط حياة الناس بطريقة تجعل الإمام هو الأولوية الأولى في جميع جوانب حياتهم. ولكن لسوء الحظ بالنسبة لمعظمنا، فإن هذا الأمر لم يحدث بعد. إننا لسنا على استعداد لتخصيص حتى عُشر الوقت الذي نقضيه مع عائلاتنا ومهننا لإزالة العوائق التي تحول دون الظهور. الإمام هو كالكعبة، وينبغي للناس أن يقصدوه ويلتفون حوله لا أن يحدث العكس. لذلك، ما لم تتشكل الرغبة والمودة الداخلية لحضور الإمام في المجتمع، و لم يشعر الناس، وخاصة الشيعة، بالطلب الحقيقي فلن يتحقق الظهور.
الاستكبار العالمي والحكام الفاسدين
سبب آخر لغياب الإمام هو وجود قوى فاسدة ومستكبرة على رأس الحكم العالمي. ذكر الإمام الكاظم (عليه السلام) أمرا لو انتبه إليه جميع أهل العالم لنجا العالم كله. وهو أن كل الفحشاء والمعاصي الظاهرة التي حرمها الله في القرآن لها مصدر واحد فقط، وهو وجود أئمة الكفر والقادة الفاسدين. وكل الخير والجمال الذي أباحه الله في القرآن له مصدر واحد وهو وجود الأئمة والقادة الصالحين.
إن للحكام والقادة دور كبير في تعيين نمط حياة الناس وحركتهم نحو البلاء أو الرخاء. فالحاكم الفاسد هو من يصنع القوانين الفاسدة وهذه القوانين تقود الناس إلى الفساد شاءوا أم أبوا. وعندما يفسد المجتمع، فإن الظهور يتأخر تلقائياً، لأن الاستعدادات الشخصية والاجتماعية اللازمة للسير نحو الظهور لا تظهر عند الإنسان. تلعب الحكومات المستكبرة دورًا رئيسيًا في خلق القمع والفساد العالمي بسبب طمعها وإسرافها، ونتيجة لذلك فإن من أهم عوامل حل أسباب غيبة الإمام (عليه السلام) هو قتال هذه الحكومات. بل وإن إعلان البراءة منهم يسبق إعلان الحب والودّ ومن لم يكن في قلبه هذا الانزجار فإن حبه للإمام ليس خالصاً وحقيقياً.
لقد قدمنا في هذا المقال بعض الأسباب الرئيسية لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وشرحنا علاقتها بالغيبة. وبطبيعة الحال، فإن أسباب الغيبة لا تقتصر على هذه الحالات، بل هناك قضايا أخرى في هذا الصدد لن نذكرها تفادياً لإطالة الكلام، ولكننا ندعوك لمشاركة ماتعرفه في هذا المجال معنا ومع القراء الآخرين.
[1] سورةً الرعد الآية 11
[2] الزیاره الجامعة الکبیرة