إثبات إمكانية طول عمر الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) ومكان إقامته
إن مسألتي طول عمر الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) ومكان إقامته قد حظيتا باهتمام بالغ ليس فقط لدى الشيعة، بل لدى أتباع الأديان والمذاهب الأخرى على حد سواء. سؤال شغل بال الكثيرين: هل يمكن للإنسان أن يعيش ألف عام؟ وهل يستطيع الجسد البشري أن يتحدى الزمن ويستمر في الحياة لقرون؟ قد تبدو الإجابة مستحيلة، ولكن الحقيقة تكمن في صفحات التاريخ وفي أحدث الأبحاث العلمية. عند استعراض التاريخ، نرى أن العمر الطويل ليس موضوعًا غريبًا أو معقدًا على الإطلاق، فمئات الأشخاص عبر التاريخ عاشوا أعمارًا طويلة جدًا وعاشوا لقرون بصحة جيدة. وقد تم التطرق بوضوح إلى هذا الموضوع في القرآن والكتب السماوية الأخرى، وتم الحديث عن العديد من الأشخاص الذين عاشوا طويلا مثل هذه الأعمار.
يمكن إثبات موضوع طول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشريف) من الناحية العلمية والعقلية. فقد أثبت معظم العلماء والأطباء وعلماء الأحياء في أبحاثهم أن الإنسان يمكن أن يعيش عمرًا طويلًا جدًا شرط اتباع أسلوب حياة صحي والتغلب على العوامل التي تعيق ذلك.
تختلف الآراء في تحديد مكان إقامة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، فقد ذكرت مصادر مختلفة أماكن عديدة لمكانه الشريف، من بينها المدينة المنورة، وجبال ذي طوى والرضوى، ومسجد السهلة، ومسجد جمكران، والجزيرة الخضراء. الأهم من ذلك أن نعلم أن الإمام لا يمكث في مكان ثابت، بل يتخفى عن الأنظار، ويتردد بين الناس بوجه غير معروف. قد يصادف الإمام أي منا مرارًا وتكرارًا دون أن نعرفه. مما لا شك فيه أن أمن الإمام وحفظ سلامته أمر بالغ الأهمية، ولا يجوز لأعدائه معرفة مكان إقامته. ولهذا السبب نجد في معظم روايات أهل البيت(عليهم السلام) إشارات إلى غربته ووحشته وتشرده. فیعتبر التنقل في الصحاري، والسكن في الجبال، واختفاء مكان إقامته، والعيش في الخفاء من صفات الإمام المميزة.
إذا كنتم مهتمين بمعرفة الأسباب التي تدعم فكرة طول عمر الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) وقراءة تفاصيل حول مكان إقامته، فإننا نقدم لكم هذه الدراسة التفصيلية.
استعراض إمكانية طول عمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)
في هذا القسم سوف نتناول مسألة طول عمر الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). رغم أن إمكانية طول عمر الإمام المهدي تبدو غامضة في عصرنا الحالي، إلا أنه من المثير للاهتمام أن نعلم أن هذه المسألة واردة من الناحية العلمية والعقلية والفلسفية والروائية والتاريخية. وسنوضح بإيجاز كلًا من هذه الجوانب.
إمكانية طول العمر في القرآن والكتب السماوية الأخرى
نجد في القرآن الكريم إمكانية طول العمر للإنسان، كما نرى في قصة سيدنا نوح عليه السلام الذي بلغ من العمر ألف عام تقريبًا ، ولبث بين قومه يدعوهم إلى الإيمان تسعمائة وخمسين عامًا. وكذلك في قصة سيدنا يونس، حيث يقول الله تعالى: “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ” . ومن هنا يمكننا استنتاج أن الله قادر على أن يمد في عمر الإنسان مئات السنين، وأن طول عمر الإمام المهدي عليه السلام ليس أمراً مستبعدًا. كما نجد في التوراة إشارات إلى العديد من الأشخاص الذين عاشوا أعمارًا طويلة، مثل أنوش الذي عاش 905 سنة، ومتوشالح الذي عاش 969 عامًا، وقينان الذي عاش 910 عاماً. وكذلك في الإنجيل نجد إشارات إلى أشخاص عاشوا أعمارًا تتراوح بين 900 و2000 عام. أما المسيحيون، شأنهم شأن المسلمين، يؤمنون بأن المسيح حي إلى الآن وأن غيبته استمرت حوالي ألفي عام. وبناءً على ما سبق، فإن طول العمر ليس أمراً مستحيلاً، ويمكن تفسير طول عمر الإمام المهدي عليه السلام في ضوء هذه الأدلة.
إمكانية طول العمر في الروايات
ورد في الروايات الإسلامية مرارًا وتكرارًا إمكانية طول عمر الأفراد، لا سيما أولياء الله تعالى. وقد تمّ تشبيه عمر الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) بعمر النبي نوح والنبي الخضر الذي هو من أنبياء الله الذين هم على قيد الحياة وفقًا للروايات الموثوقة. وقد صرح الإمام الرضا(عليه السلام) بأن الخضر سيعيش إلى يوم القيامة.5 نقل الإمام الصادق(عليه السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله) أن هدف الله من إطالة عمر النبي الخضر هو إثبات إمكانية طول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).6 وقد تطرق العديد من علماء الشيعة إلى هذا الموضوع في كتبهم، بما في ذلك الشيخ الصدوق في فصل المعمرين في كتاب “كمال الدين وتمام النعمة” والشيخ الطوسي في كتاب “الغيبة”.7
لم يغفل أهل السنة عن هذا الموضوع الجلل، فهم يؤيدون اعتقاد الشيعة الإمامية بطول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وببقائه على قيد الحياة. ولإثبات ذلك، يشيرون إلى أمثلة تاريخية لأشخاص عاشوا قروناً عديدة، مثل الخضر وإلياس وذو القرنين الذي عاش ثلاثة آلاف عام.
إمكانية طول العمر والعيش طويلا في التاريخ
ما هو مسجّل في التاريخ يمكن أن يكون الدليل الأبرز على إمكانية طول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف). وقد خصصت كتب عديدة هذا الموضوع، ومن أبرزها: “المعمرون” لمحمد بن سائب، و”المعمرون والوصايا” لابن محمد السجستاني، و”تفسير الجواهر” للطنطاوي. تذكر هذه الكتب أعماراً طويلة لعدد من الأنبياء والصالحين، مثل عمر هود(عليه السلام) الذي بلغ 670 عاماً، وآدم(عليه السلام) الذي بلغ 930 عاماً ، وشيث(عليه السلام) الذي بلغ 912 عاماً، وإدريس(عليه السلام) الذي بلغ 862 عاماً، وبخت النصر الذي بلغ نحو 600 عام، ولقمان الحكيم الذي بلغ نحو 4000 عام.
إمكانية طول العمر من الناحية العلمية والعقلية
من الناحية العقلية، لا يوجد دليل أو برهان منطقي يستحيل معه طول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه). وبالتالي، لا يمكننا بشكل قاطع إنكار إمكانية طول عمر الإنسان. أما من الناحية العلمية، هناك احتمالية لحدوث ذلك، حيث اكتشف بعض الباحثين جينات مسؤولة عن خلود الخلايا، قادرة على إصلاح الخلايا التالفة. وفي إحدى التجارب، قاموا بتنشيط هذه الجينات ووجدوا أن التدهور الفسيولوجي للأعضاء هو الذي يؤدي إلى الموت، وليس موت الخلايا نفسها.
تمكن الباحثون، من خلال تجربة في مجال العلاج الجيني، من استعادة قوة وحجم العضلات في الأمراض المزمنة أو حالات الشيخوخة. وقد أظهرت الدراسات المكثفة على فئة كبيرة من كبار السن أن أسباب وفاتهم المبكرة تعود إلى اليأس أو مضاعفات مثل السكتة الدماغية والتهابات الرئة وهشاشة العظام وغيرها. وبالتالي، فبفضل نمط حياة صحي، يمكن للإنسان أن يعيش حياة أطول بكثير. والموت، شأنه شأن الظواهر الطبيعية الأخرى، له أسبابه، وإذا تمكنّا من إزالة هذه الأسباب، يمكن تأخير الموت. وقد غيرت أبحاث العلماء نظرة الباحثين إلى طول العمر، لدرجة أنهم يعتقدون الآن أنه ينبغي البحث عن أسباب القصر في العمر، وليس البحث عن أسباب طول العمر.
يعتقد البروفيسور إتينجر، أحد كبار علماء الكريونيك، أن الإنسان في القرن الحادي والعشرين يمكنه أن يعيش لآلاف السنين. كما استطاع العلماء زيادة عمر حشرة الفاكهة إلى 900 ضعف. یرى علماء مثل وايزمان، فلوكر، كيلور دهاوز، إتينجر، وديمند وبرل أن الإنسان يمكنه أن يعيش لعدة مئات من السنين.
أين يسكن الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشريف)؟
بعد موضوع طول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشريف) ننتقل إلى موضوع محل سكنه، حيث توجد روايات وآراء مختلفة حول هذا الأمر. للإجابة عن سؤال: “أين يعيش الإمام؟” من الضروري أولاً الإشارة إلى الفترات المختلفة من حياته. عاش الإمام السنوات الخمس الأولى من عمره في سامراء، ثم سكن في فترة الغيبة الصغرى في المدينة والعراق، وخاصة في سامراء، وكان أصدقاؤه المخلصون فقط يعرفون مكان وجوده.
وردت روايات متعددة حول مكان إقامة الإمام في فترة الغيبة الكبرى، إلا أنه من الضروري التذكير بنقطة بالغة الأهمية وهي أنّ الإمام في حالة تنقل مستمر، وليس له مقر إقامة ثابت، وذلك لتعرض حياته للخطر المستمر واحتمالية تعرضه للمضايقات. فقد وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بأنه الشرید الطرید الوحيد الفرید، و الشيعة غافلون عنه ولا يستغيثون لظهوره.
بشكل عام، قد حددت الروايات والمكاشفات الأماكن التي كان الإمام يرتادها بكثرة. وكانت المدينة المنورة من أهم المدن التي كان يتردد إليها الإمام. ومن الأماكن الأخرى المذكورة جبل ذي طوى الذي يبعد فرسخًا واحدًا عن مكة المكرمة، وكذلك جبل رضوى خارج المدينة المنورة. كما أن تردد الإمام على مسجد السهلة ومسجد جمكران متكرر. يُقال في بعض الروايات، إن الإمام يزور الجزيرة الخضراء أو باب الأندلس في جنوب إسبانيا. إلا أن هناك اختلافًا في الرأي بين العلماء حول هذه الزيارة. وقد ورد هذا الخبر في الأدب الشيعي منذ العصر الصفوي، حيث ذكره العلامة المجلسي في الجزء السابع من كتاب بحار الأنوار، وكذلك ذكر المحدث النوري روايات حول ذلك.
بصفة عامة، ما هو مؤكد أن الإمام علیه السلام يتنقل بين أماكن متعددة ولا يستقر في مكان واحد، ومع ذلك، هناك بعض الأماكن التي تشتهر ببركة حضوره المتكرر.
تناول هذا المقال موضوعي طول عمر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومحل إقامته. ورغم أن هذين الموضوعين لا يحظيان بأهمية بالغة في العقيدة الإمامية، إلا أنه من الضروري أحيانًا أن نستدل بأدلة ومنطق سليم لتوضيح بعض المسائل، وإزالة أي لبس قد يثار حولها.