من هي السيدة فاطمة (عليها السلام) و ما هي مكانتها في تاريخ الإسلام؟

من هي السيدة فاطمة(عليها السلام) و ما هي مكانتها في تاريخ الإسلام؟

من هي السيدة فاطمة(عليها السلام) و ما هو دورها في مستقبل التاريخ؟

السيدة فاطمة(عليها السلام) بنت رسول الله وخديجة الكبرى(عليهما السلام). ولدت في العام الخامس من البعثة النبوية، و تُعرف أيضاً بفاطمة الزهراء. إحدى الشخصيات الخمس من أصحاب الكساء، ومعصومة عند الشيعة. هي زوجة الإمام علي(عليه السلام) خليفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام الأول عند الشيعة، وهي أم الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) وزينب وأم كلثوم(عليهما السلام). قد تعكس الألقاب التي اشتهرت بها السيدة فاطمة عليها السلام كـ “الزهراء” و”البتول” و “سيدة نساء العالمين” جانبا من فضائلها و مكانتها الفريدة إلى حد ما.

يعتبر الشيعة أن السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) هي خير نساء العالمين، وأن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها. والمشهور أيضاً أن عند ولادتها حضرت سارة زوجة النبي إبراهيم(عليه السلام)، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون، ومريم (سلام الله عليها)، وكلثم أخت النبي موسى(عليه السلام)، وأن هؤلاء النسوة الذين حضرن من الجنة كنّ يراقبن و يعتنين بالسيدة خديجة. إن شأن ومنزلة السيدة فاطمة(سلام الله عليها) كبيرة لدرجة أن سورة الكوثر، وآية التطهير، وآية الإطعام، وآية المودة، وأحاديث مثل حديث البضعة قد نزلت بشأنها في ظروف اجتماعية مختلفة. كما أنها كانت المرأة الوحيدة التي رافقت النبي(صلى الله عليه وآله) في المباهلة مع نصارى نجران.

لكي ندرك من هي السيدة فاطمة، وعلى الرغم من أننا بحاجة إلى معرفة كاملة عن جميع مراحل حياتها، إلا أن المعلومات المتاحة عن طفولتها ومراهقتها قليلة، وتشير فقط إلى مرافقتها للنبي(ص) في مواجهة أذى المشركين، وحضورها في شعب أبي طالب، وهجرتها إلى المدينة مع الفواطم ومع الإمام علي(عليه السلام). أما بعد الهجرة، يتناول التاريخ دور السيدة فاطمة(سلام الله عليها) بتفاصيل أكثر، فقد ورد أنها تزوجت من الإمام علي(عليه السلام) في السنة الثانية للهجرة، ورافقته في بعض الغزوات مثل فتح مكة. بالإضافة إلى ذلك، لم تسكت في المواقف السياسية والاجتماعية المختلفة، بل اتخذت مواقف حازمة، وعارضت مجلس السقيفة الذي تم تشكيله لتحديد خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، ووصفت خلافة أبي بكر بالغصب ولم تبايعه، وأعلنت موقفها بشأن ولاية أمير المؤمنين(ع) كخليفة معصوم بصورة علنية، وألقت خطبة فدك للدفاع عن خلافة الإمام علي(عليه السلام) وتحدثت عن غصب فدك من قبل السلطة الحاكمة.

رغم حب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الشديد لِفاطمة الزهراء عليها السلام، إلا أنها واجهت أحداثا  مؤلمة بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله)، حيث تعرضت لمأساة عظيمة عندما اقتحم أنصار أبي بكر منزلها، مما أدى إلى إصاباتها بجراح بالغة استشهدت على إثرها في يوم الثالث من جمادي الثاني سنة إحدى عشرة هجرية. وتم تشييعها ودفنها بناءً على وصيتها في الليل وبشكل سري، و لا يزال مكان قبرها مجهولاً للعالم.وقد أوصت تشييعها ودفنها سرا ليلاً، فلم يُعرف مكان قبرها حتى يومنا هذا.

السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي قدوةً فاضلة للمؤمنين، وقد خصص الشيعة أياماً عزاءً سنوياً لإحياء ذكرى استشهادها، تعرف بأيام الفاطمية. ورغم قصر عمرها، إلا أنه كان حافلاً بالبركات والعطاء. من أبرز هذه البركات تسبيحات الزهراء(سلام الله عليها)، ومصحف فاطمة، والخطبة الفدكية، وسيرتها العطرة التي تركت إرثاً عظيماً لأهل البيت عليهم السلام، لا سيما في مجال الدفاع عن حق الإمامة.

ولكن، هل توصلنا هذه المعلومات إلى الإجابة عن سؤال من هي السيدة فاطمة(سلام الله عليها)؟ وما هي فائدة معرفتها أو عدم معرفتها بالنسبة لنا؟ لماذا يجب أن نتعمق في حياة شخص عاش قبل أربعة عشر قرنًا؟ وما هي جوانب حياة السيدة الزهراء(سلام الله عليها) التي تزيد من أهميتها، وكيف سيؤثر فهمنا لها على وجودنا الحاضر؟

لفهم أهمية هذا الموضوع، نستعرض في هذه المقالة حياة فاطمة الزهراء(س) من جانبين:

  • دراسة حياتها كنموذج ناجح للمرأة في جميع جوانب الحياة، وهي أفضل قدوة لمن يرغب في النجاح سواء في حياته الشخصية والعائلية أو في المجالات الاجتماعية والسياسية.
  • دراسة مقام السيدة الزهراء(سلام الله عليها) الروحي والعرشي والدور الذي ستلعبه في مستقبل العالم.

في قلب تاريخ صدر الإسلام، وعلى بُعدٍ ليس ببعيد من زمن الجاهلية ووأد البنات، نواجه سيدةً تحتل المرتبة الأولى ليس فقط في حياتها الشخصية والعائلية، بل أيضًا في ساحة النضال الاجتماعي. على الرغم من أنها ابنة رسول الله، وتمتلك أعلى سلطة سياسية واجتماعية في زمانها، إلا أنها لم تستخدم هذا المنصب للتفاخر والانغماس في الدنيا، وعلى الرغم من أنها زوجة أشجع وأكفأ جندي وقائد لرسول الله، إلا أنها تختار البساطة في حياتها وتتصرف بطريقة تجعل منها نموذجًا يُحتذى به الرجال والنساء من يومها إلى قيام الساعة، وذلك على الرغم من قصر حياتها. إن حياة السيدة فاطمة (سلام الله عليها) تحتوي في الحقيقة على مؤشرات مهمة وضرورية لتحقيق السعادة البشرية.

كان الحديث عن دور المرأة دوماً من النقاط التي أثارت الجدل في التاريخ. يُنظر إلى المرأة أحياناً كسلعة، وتُعتبر جزءًا من ممتلكات الرجل، وأحيانًا أخرى، يتم تجاهل كمالاتها وإنسانيتها، ويُجعل منها أداة لتحقيق الرغبات والمصالح الدنيوية، تحت عنوان منح الحرية والمكانة المتساوية مع الرجل، أو أن دورها كأمّ وزوجة يضمحلّ في سبيل الأنشطة الاجتماعية والسياسية، أو تُحرم من المشاركة في المجتمع بحجة الأسرة والدين.

السيدة فاطمة عليها السلام: نموذج كامل

من الطبيعي أنه لا يمكن فهم شخصية السيدة فاطمة(عليها السلام) دون النظر إلى حياتها حتى لو بشكل مختصر. كانت فترة حياتها بوصفها ابنة آخر نبي الله وزوجة أمير المؤمنين(عليه السلام) مليئة بالتقلبات، ومع ذلك، لم تُبدِ في أي نقطة من التاريخ أثر للتكبر أو الفخر.

واجهت السيدة فاطمة منذ طفولتها صعوبات الإسلام الناشئ الذي تعرض لهجمات الأعداء. لم تتجاوز السادسة أو السابعة من عمرها عندما تذوقت صعوبات الحياة في شعب أبي طالب لثلاث سنوات. كانت تلك الأعوام مصحوبة بحزن فقدان والدتها[1]، وبعد ذلك تحملت مسؤولية الرعاية بوالدها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أطلق عليها لقب “أم أبيها”[2]. بعد الهجرة إلى المدينة وزواجها من أمير المؤمنين(عليه السلام) في السنة الثانية للهجرة، لم يتقلص دورها في دعم الإسلام، بل توسع في جميع المجالات السياسية والعسكرية والثورية.

السيدة فاطمة(سلام الله عليها) هي نموذج للمرأة المسلمة التي تؤازر أمير المؤمنين والرسول(عليهم السلام)، وتتحمل صعوبات الحياة مع الإمام علي(عليه السلام) الذي كان في جهاد دائم في حروب الرسول، و تتحمل مسؤولية تربية أبناء على خط الإمامة المستمرة، وتكون مركزاً لمراجعات المسلمين في غياب رسول الله وأمير المؤمنين(عليهم السلام)، وعندما تواجه الأمة أحداثاً سياسية صارمة، تتحدث بحزم وتحدد موقفها وتدافع عن الحق. في هذا السياق تُظهر السيدة فاطمة(عليها السلام) هوية المرأة المسلمة الحقيقية والشاملة بأفضل شكل في ثلاثة مجالات: العبادة، وفي المجتمع، وفي حياتها الشخصية والعائلية. كل هذه الخصائص تظهر مجرد جانب من الحقيقة التي تعبر عن السيدة فاطمة.[3]

إن نوع احترام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعامله مع السيدة فاطمة(عليها السلام) ليس مجرد حب واحترام أب لابنته، بل هو نابع من عظمة ومكانة السيدة فاطمة(سلام الله عليها) عند الله. إنه امتحان قد اجتازته قبل أن تُخلق، وخرجت منه مرفوعة الرأس.[4] من عظم شأنها عند الله وعند الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هو على سبيل المثال: أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بإغلاق جميع الأبواب المؤدية إلى المسجد باستثناء باب أمير المؤمنين والسيدة فاطمة(عليهم السلام)، ومرافقتها للنبي في حادثة المباهلة، ومكانتها المحورية بين خمسة آل الكساء، ونزول آية التطهير[5] وآيات من سورة الإنسان[6] وسورة الكوثر في شأنها، وألقابها مثل الصديقة الكبرى، المحدثة، المطهرة، الزكية… وأحاديث مثل “إن الله ليغضب لغضب فاطمة”[7]، “فاطمة بضعة مني“، “من آذاها فقد آذاني”[8]، كل ذلك لا يعكس شيئًا سوى مكانة السيدة فاطمة الكبرى في نظر الله و رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم).

لا يمكن للإنسان أن يتحرك في مسار اكتساب مقام التشبّه بالله دون أن يدرك أسماءه وصفاته. تحملت السيدة فاطمة(سلام الله عليها) باطنًا عرشياً نابعاً من الجنة، و أظهرت جميع أسماء وصفات الله بشكل كامل في قالب امرأة، ورغم أن كل واحدة من هذه الصفات تكفي لتكون مصدر فخر للأمة بوجود السيدة فاطمة، إلا أن هذه الصفات لا توضح لنا بالكامل من هي السيدة فاطمة وما هو دورها في حياتنا الحالية؟

السيدة فاطمة(سلام الله عليها) ومستقبل التاريخ

ما يجعل دور السيدة فاطمة(سلام الله عليها) متميزًا وبارزًا حتى اليوم، لا يقتصر على كونها نموذجًا في حياتها الشخصية أو الاجتماعية، بل لفهم شخصية السيدة فاطمة(سلام الله عليها)، نحتاج إلى دراسة أعمق لخصائصها الفريدة واستكشاف الأبعاد التاريخية والاجتماعية لأعمالها.

على الرغم من أن السيدة فاطمة(سلام الله عليها) لم تكن نبيا أو إمامًا بشكل رسمي، إلا أنها كانت تتمتع بمقام معنوي عالٍ لا يمكن دركه إلا من خلال كلام المعصومين.[9] يقول الإمام حسن العسكري(عليه السلام) في شأنها: “نحن حجج الله علی خلقه و جدتنا فاطمة حجة الله علینا.”[10] روى عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، “فاطمة حوراء إنسية”[11]، احتفظت بمقامها وباطنها الأساسي وتجلت في صورة امرأة. كما يشير حديث آخر إلى مقام نور السيدة فاطمة(سلام الله عليها) أنها كانت “في حقّة تحت ساق العرش”[12]، مما يشير إلى المقام الذي منحها الله للتدبير والهداية.[13] وفي بيان عظمة شخصيتها يكفي أن الإمام المهدي(عليه السلام) كمعصوم ورث جميع الأنبياء، يشير إلى كونها نموذجًا ويقول: “إن لي في ابنة رسول الله (فاطمة) أسوةٌ حسنةٌ.[14]

مصحف فاطمة(سلام الله علیها)

لم تبقَ السيدة فاطمة(سلام الله عليها) بعد وفاة رسول الله، أكثر من 75 أو 95 يومًا في هذه الدنيا. خلال هذه الفترة، كان جبرائيل(عليه السلام) يهبط لتعزية لسيدة فاطمة(سلام الله عليها) ويبلغها بشارات من الله حول فرج آل محمد ومستقبل التاريخ. في الحقيقة، كانت يُملَى على السيدة فاطمة (سلام الله عليها) برنامج إمامة كل من الأئمة وسيرتهم التاريخية، بالإضافة إلى أخبار أمة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وكل الأحداث الإنسانية الجارية في المستقبل، أي “علم ما يكون”. نزلت هذه الأخبار والتقارير على السيدة فاطمة (سلام الله عليها)، وقام أمير المؤمنين(عليه السلام) بتدوينها في مصحف فاطمة، الذي كما قال الإمام الصادق(عليه السلام): “لا يحتوي على شيء من حلال وحرام الله، بل يحتوي على علم مستقبل التاريخ.”[15] كان هذا المصحف حاضراً بين يدي الأئمة المعصومين عليهم السلام في كل عصر، وهو الآن بحوزة آخر ولي وحجة الله، وهو الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه)، وكما عبّر عنه الإمام الصادق(عليه السلام)، هو أسمى علم مكتوب لأهل البيت(عليهم السلام).

مؤشر في الدفاع عن المتخصص المعصوم

على الرغم الدور المهم الذي كان للسيدة فاطمة(سلام الله عليها) في جميع الأحداث البارزة في الإسلام، إلا أن دورها أصبح محوريًا وأساسياً بعد رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كشفت الأحداث في هذه الفترة القصيرة والمتقلبة من حياة السيدة فاطمة(سلام الله عليها) إلى حد ما عن مقامها العرشي و الحقيقة شخصيتها. في تلك الظروف الحساسة التي أدار فيها الناس ظهورهم لخليفة الله والوصي الذي عيّنه رسول الله، وأعمتهم التعصبات القومية والعشائرية، لم تقصر السيدة فاطمة(سلام الله عليها) في توعية الناس وإعادتهم إلى الشخص الذي يضمن سعادة الدنيا والآخرة. وخلال هذه الفترة القصيرة من حياتها، سعت بطرق متنوعة لتغيير أولويات حياة أفراد المجتمع نحو ما ذكره الله في القرآن[16]، ولإرشاد المجتمع بعيدًا عن الكمالات الطبيعية والجمادية والنباتية والحيوانية نحو الجانب ماوراء العقلي والإنساني. بعبارة أخرى، أرادت السيدة فاطمة(عليها السلام) أن تلفت انتباهنا إلى أننا بحاجة إلى متختصص معصوم ليقود البشرية نحو الكمال والهدف النهائي للخلق، وهو مصدر كل المعروف والخير في الدنيا.

لم تكن نظرة السيدة فاطمة(سلام الله عليها) إلى مسألة الإمامة وقيادة المجتمع تحت هداية المتختصص المعصوم نظرة عادية أو تقليدية، بل كانت نابعة من بصيرتها وتدبيرها الإلهي. كانت الصديقة الكبرى تدرك جيدًا أن جذور جميع المحرمات في المجتمع تكمن في حكم الجور. ومن هنا، بذلت جهدًا كبيرًا لمنع أكبر فاجعة في التاريخ، وهي إقصاء المتختصص المعصوم عن دوره في المجتمع:

  • في المرحلة الأولى، سعت من خلال القول والقاء خطبة في المسجد إلى إيقاظ الناس.
  • في المرحلة الثانية، ذهبت مع أمير المؤمنين علي عليه السلام أربعين ليلة إلى منازل المهاجرين والأنصار، وسعت لكي تعيد التضامن بين الناس والدفاع عنه(عليه السلام) كخليفة للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعملت على إرشاد أصحاب رسول الله إلى طريق الحق.
  • في المرحلة الثالثة، قامت بحظر الأفراد الذين كان لهم دور رئيسي في غصب خلافة أمير المؤمنين وإقصاء المتخصص المعصوم من قيادة المجتمع.
  • في المرحلة الرابعة، عملت من خلال العاطفة. كانت تذهب إلى أُحُد والبقيع الغرقد وإلى قبر رسول الله، وبدأت بالبكاء، وعندما سألها البعض عن سبب بكائها، قالت إن السبب هو الحق الذي ضاع من أمير المؤمنين(عليه السلام).
  • في المرحلة الخامسة، دفعت الثمن باهظا؛ أي أنها تعرضت لمصيبة عظيمة كي تحول دون مصيبة عظمى وهي إقصاء المختص المعصوم، حيث فقدت حياتها، وفقدها أمير المؤمنين، وتيتّم أولادها، وضاعت أجيال من أبنائها.
  • في المرحلة الأخيرة، قامت بخطوة ثورية، وأوصت بدفن جسدها ليلاً، مما شكل عملاً رمزيًا بالغ الدلالة، ساعيةً إلى إبقاء أسرار في ذاكرة التاريخ إلى الأبد: سرّ شخصية السيدة فاطمة وسرّ الله الخفي.

المعصوم فقط يمكنه ادراك شدة الضرر الناتج عن عدم حكومة المعصوم في المجتمع بشكل كامل، ويعلم أن أكبر منكَر في العالم هو حكم الطواغيت والذي ينبع منه كل الفواحش.[17] كانت السيدة فاطمة(سلام الله عليها) تدرك جيدًا أن ثمن الخطأ في الابتعاد عن المعصوم هو الدماء التي ستُهدر ظلماً إلى يوم القيامة، بالإضافة إلى الأجيال التي ستفقد فرصة الحياة الدنيا دون أن تصل إلى هدف خلقها.

لذلك، فإنها رغم الحزن الشديد الناتج عن فقدان رسول الله(ص)، أخذت على عاتقها عَلَم المقاومة وجاهدت بكل ما أُوتيت لإقامة الخلافة الإلهية. إن اقدامات السيدة فاطمة (سلام الله عليها) بعد رسول الله جعلت منها معيارًا نتّبعه لكي لا نضل عندما نكون أمام مفترق طرق بين الولاية وأي فعل مقدس آخر. إن دور السيدة فاطمة (سلام الله عليها) في هذا العالم لا ينتهي عند استشهادها في الثالث من جمادى الآخرة سنة 11 هجرية، بل إن مقامها العرشي في تدبير شؤون الكون وتوجيهه يتجاوز ذلك بكثير؛ ففي الحقيقة، إن مسيرة الانتقام من استبعاد المتخصص المعصوم، والسعي لإقامة حكومة الصالحين وإعادة خليفة لله إلى سدة الحكم بعد قرون من الانتظار، كل ذلك يجري في ظل تدبير السيدة فاطمة(عليها السلام) الذي يشمل نشاطات الأئمة كافة. لذلك، فإذا سئلنا عن هوية السيدة فاطمة(عليها السلام)، فإن الجواب يكون أنها نموذج كامل يجسد فيه حقيقة الإمام، والمتخصص المعصوم، والغاية من خلق الإنسان، إذ إن مقامها العرشي ومكانتها التدبيرية هما المرتكز الأساس لكل ذلك.

[1] . فقد خسر النبي صلى الله عليه وآله سنديْه العظيمين، زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب عليهما السلام، خلال أسبوع واحد في شعب أبي طالب.

[2] . بحارالانوار، ج 43، ص 16

[3].  انسان بعمر 250 سنة، ص 125

[4] . امْتَحَنَكِ اللّهُ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً. روضة المتقین في شرح من لا یحضره الفقیه، ج 5، ص 343

[5] . سورة الاحزاب، الآية 33

[6] . سورة الانسان، الآيتان  7 و 8

[7] . شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار, ج۳, ص۲۹

[8] .. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار, جلد۳, صفحه۳۰

[9] . إِنَّمَا سُمِّیَتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا. المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 65

[10] . أطيب البيان في تفسير القرآن، عبد الحسين الطيب، ج13، ص225

[11] . بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٤٣، ص 4

[12] . معاني الأخبار، الصدوق، ص۳۹۶

[13] . عرش الله هو مركز السيادة والحكم والإدارة.

[14] .   الغیبة، الطوسي، ص 286

[15] . اصول الکافي، ج 1، ص 240

[16] . سورة التوبة، الآية 24

[17] .   میزان الحکمة، ج ۱، ص ۱۴۲

 

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *