Search
  1. بيت
  2. شرط
  3. الوجود وميزاته: التّعريف والعلاقات

الوجود وميزاته: التّعريف والعلاقات

ما هي ميزات الوجود وأصنافه وما هي علاقتها بالله؟

هل للوجود حقيقة ثابتة؟ هل ثمة حدودٌ تفصل بين الوجود والعدم؟ أين يبدأُ الوجود وأين ينتهي؟

هل تأمّلْت يومًا، أيّها الإنسان الموجود، في حقيقة وجودك؟ هل سعيتَ لفهم نوع ربطك الوجوديّ بهذا العالم الفسيح؟ تُحاصر هذه الأسئلة عادة عقول المُفكّرين في فترة ما من حياتهم. فمنذ القدم، اهتمّ الفلاسفةُ بتأمّل ماهية الوجود وتحليله بعمقٍ وجدّةٍ، مُطرحين أسئلة مثل:

O ما هو الوجود وكيف يمكن تعريفه؟

O ما هي ميزات الوجود وهل يمكن تحديدها؟

O من أين بدأ الوجود وإلى أين يستمر؟

O ما هي علاقتي ببقية الكائنات؟

قد نعتقد أن فهم خصائص الوجود تكفي للوصول إلى إجابات عن أسئلتنا الشخصية، ولكن في الواقع فإن فهم طبيعة الوجود وخصائصه هو مفتاح لحل العديد من ألغاز الكون، ويكشف عن الجوانب غير المعروفة من وجود الإنسان والعلاقات المختلفة بين مكونات الوجود. فما هو الله، ومتى بدأت جذور وجوده، وإلى متى ستستمر، وكيف يتم تعريف علاقة الإنسان بالله وبقية المخلوقات؟ كل ذلك يتضح في ظل معرفة الوجود وخصائصه. في هذا المقال، نعتزم أن نستكشف مراتب الوجود في نظام الکون مرة أخرى و بشكل شامل، وندرس الفرق بين عدم الوجود والوجود، بالاضافة إلى تحديد العلاقة بين الله والوجود أو الكون، ثم نحاول فهم خصائص الوجود لنفهم كيفية علاقة الله ببقية المخلوقات.

 

 أصناف الوجود

الوجود له خصائص مختلفة، وأهمها هو كونه مصدرًا للتأثير. نواجه في نظام الكون أنواعًا وأقسامًا من الوجود والكينونة ونُعرّفُ بعضًا منها من خلال أمثلةٍ توضيحيةٍ:

 الوجود الحسي و الخيالي

إذا كان لديك خاتم في اصبعك، فإن الاتصال الذي يحدث بين الآخرين وبين الخاتم يمكن في الحالة العادية من خلال الرؤية أو البصر فقط. أما أنت، فإنك لا ترى الخاتم فحسب، بل إنك تلمسه أيضًا. إن اتصالك بالخاتم يتم عن طريق اللمس والرؤية. بمعنى آخر، إنك تشعر بوجود الخاتم من خلال الرؤية واللمس، وهذا ما يُسمى بأدنى درجات الوجود أو الوجود الحسي.

أما إذا قمت بإخفاء الخاتم في يدك، فلن يتمكن الآخرون من رؤيته، ولكن سيكونون على علم بوجوده في يدك. إن الخاتم الذي يرونه في هذه الحالة هو نفس الخاتم السابق، لكن بما أنهم لا يرونه بأعينهم فإن القوة التي تُبلغهم بوجود الخاتم لم تعد حسية، بل هي نوع آخر من الوجود تُسمى “قوة الخيال”.

إنّ قوة الخيال تحذف المادة، لكنها تحافظ على شكلها وصورتها وأبعادها وتذكرها. على سبيل المثال، نحفظ عنوان منزلنا باستخدام قوة الخيال لدينا. ما ندركه بقوة الخيال هو نوع من الوجود له تأثير. تخيل أننا نسينا عنوان منزلنا أو وجه زوجنا أو زوجتنا أو والدنا أو والدتنا. في الواقع، ستتوقف قوة الخيال(ما هي القوى الإدراكية عند الإنسان و ماذا تفعل؟| الحس، الخيال، الوهم، العقل و القلب) لدينا عن العمل ولن نتمكن بعد الآن من العيش بمفردنا في العالم الحقيقي. لذلك، لدينا وجود خيالي بداخلنا أهم من الوجود الحسي.

 

 الوجود الوهمي

لنتخيل شخصًا قد احتضن طفلا، ويقبله، ويضمه إلى صدره. من خلال هذه الصورة، ندرك وجود مشاعر الحب والعاطفة دون شك. لكن هل هذه المشاعر حقيقية بالفعل؟ سبق وناقشنا أن معيار وجود الشيء هو كونه مصدرًا للتأثير. فإذا رأينا إنسانًا مستعدًا للتضحية بنفسه من أجل حبه لزوجته، أطفاله، أو وطنه، فهذا يعني أن الحب، والعاطفة، والعزة، والذلة، والفخر، وغيرها من المشاعر، هي مشاعر حقيقية ذات تأثير ملموس، وبالتالي فهي موجودة.

لكن النقطة المهمة هي أن هذا القسم من الوجود يختلف عن الوجودي المادي والخيالي. هذا النوع من الوجود ليس عامًا مثل الأمور الخيالية، بل هو جزئي ويعتمد على شيء آخر. على سبيل المثال، حب الوطن، وحب الزوج أو الزوجة، وحب الأم، وكل ما ينتمي إلينا ويعتمد على أنفسنا، كلها أمثلة على الوجود الوهمي. الوجود الوهمي يعتمد على الأشخاص ولا يملك شكلًا أو صورة مادية وأقوى بكثير من الوجودات الخيالية.

يدور العالم على أساس الأمور الوهمية. فَالأماني، والأحقاد، والانجازات، والآمال، والحبّ الأرضيّ، كلّها تعتبر من هذه الأمور الوهمية. ويكون التفكير فيها غالبًا ما يكون جميلاً وجذاباً. فنحنُ على استعدادٍ للتضحية بحياتنا وأموالنا من أجل حبّ شخصٍ من جنسٍ مختلف، أو نبيع كلّ ما نملك ونُضحي حتّى بحياتنا من أجل شفاء طفلنا المريض. ولكن هل يمكننا رؤية هذا الحبّ والعاطفة أو لمسهما، أو تصوّر شكلٍ أو صورةٍ لهما؟ الإجابة لا. فمن خصائص الوجود الوهميّ هي أنّه لا يمتلك حجمًا أو شكلًا ماديًّا. لا يمكننا رؤيته بأعيننا أو لمسه بأيدينا ومع ذلك، فإنّ الأمور الوهمية حقيقيةً وهي مصدرٌ للتأثير.

 

الوجود العقلي

في المرتبة اللاحقة هناك الوجود العقلي والعلمي، والذي هو أسمى وأقدس وأشدّ تأثيرًا وقوة من الوجود الوهمي. فمن يسعى وراء العلم، ينهل من ينابيع المعرفة، ويُصبح أستاذًا وعالمًا، دون أن يتغير في حجمه أو وزنه أو مظهره الخارجي، إنما يزداد علمًا وفهمًا. ومن خصائص الوجود العقلي أنه ينطبق على عدد لا يحصى من الأفراد، بمعنى أن كثيرًا من الناس يمكنهم اکتساب العلم والمعرفة، وأن يصبحوا أطباء أو مهندسين على سبيل المثال، أو أن يتعلموا جميعًا الصيغة التي يتم اكتشافها.

العلم هو مصدر آثار كبيرة، إذن هو موجود! فبفضل العلم نبني أدواتٍ شتّى، مثل الكاميرات، والكهرباء، والساعات، والسفن الفضائية، والطائرات، والأدوية، وغيرها الكثير. لكنّنا لا نستطيع عرض العلم ذاته أو الوجود العقلي على أحد، فهو أمرٌ خفيّ لا يدرك بالحواسّ. تلعب الجامعات دورًا هامًا في تنمية وجودنا العقلي، من مستوى البكالوريوس إلى أعلى مستويات الماجستير والدكتوراه. وكلما بذلنا المزيد من الجهد، زادت رغبتنا العقلية و قمنا بتحقيق اختراعات واكتشافات أكبر في مجال العقل والعلم.

بواسطة العلم تم إنشاء كل ما لدينا من سيارات و كمبيوترات وأدوات، ولكن أين هو العلم؟ هل يمكننا عرضه أو رؤيته؟ العلم موجود في وجودنا، والعالِم هو من يستطيع في حال فقدان جميع كتبه، أن يقوم بإعادة تأليفها وإنتاج المعرفة.

 

 معنى الوجود والعدم

يُقابل مفهوم الوجود غالباً مفهوم العدم والفناء(هل الموت هو صيرورة الإنسان إلى العدم؟)، لكنّ الحقيقة تكمن في أنّ العدم لا وجود له. فالعَدم هو الفناء، والفناء هو ما لا وجود له. فلو وُجد العدم لكان وجودًا! ممّا يدلّ على أنّ الوجود لا متناه ولا حدود له. فلو نظرنا إلى المكان الذي قد جلسنا فيه،

لن نجد نقطةً واحدةً لا يتواجد فيها الوجود. فوجودنا مُمتدٌّ لا ينتهي إلى عدم.ولكن إذا كان العدم موجودا، فإنه یتحول إلى وجود وكيان، و لذا يمكننا القول أن الوجود لا ينتهي ولا يحد. إذا نظرنا إلى المكان الذي نحن فيه، لن نجد فيه نقطة تخلو من الوجود، فالوجود لا ينتهي ولا يصل إلى أي عدم.

من المحال أن يكون للوجود نهاية. فمثلاً، لا يمكننا تخيّل أنّ وراء المجرات فراغًا مُطلقًا، لأنّنا لو افترضنا أنّ الوجود ينتهي في مكان ما، فسيتبادر إلى أذهاننا سؤالٌ منطقيٌّ: ماذا يوجد بعد ذلك؟ هل يوجد شيءٌ وراء الوجود أم لا؟ وقد بيّنا أنّ العدم لا وجود له في الواقع، فلو وُجد شيءٌ وراء الوجود، فسيكون ذلك استمرارًا للوجود ذاته. ممّا نستنتج أنّ الوجود لا يمكن تحديده بالعدم.

 

الخصائص الجوهرية للوجود

يمكن القول في سمات الوجود أو خصائصه الجوهرية:

  • اللانهائية: الوجود، في جميع أشكاله، لا نهائي.
  • الوحدانية: الوجود لا نهائي، وبالتالي فهو واحدٌ فقط يتجلى بأشكالٍ مختلفة.بناءً على ذلك، فإن جميع الأشياء التي نراها هي أجزاء من الوجود. لذلك، لدينا وجود واحد متكامل. فلو كان لدينا وجودان أو كيانان منفصلان، لوجب وجود فاصل بينهما. هذا الفاصل إمّا وجود أو عدم. العدم لا يمكن أن يكون، لأنه لا وجود لعدم. لذلك، فهذا الفاصل هو وجود. وإذا كان وجودًا، فلدينا ثلاثة وجودات، وجنسها واحد. بما تختلف أشكالها، لكنها كلها وجود. على سبيل المثال، بين يدنا وهاتفنا المحمول، لدينا ثلاثة أشكال مختلفة من الوجود: اليد، والهاتف، والهواء. جميعها موجودة، لكن بأشكال مختلفة.

الوجود واحدٌ لا يتجزأ، فلا يمكننا تصور ثقبٍ أو شقٍّ فيه، ولا يمكننا تخيل ثنّيّةٍ له. فلو تصورنا وجودين منفصلين، لوجب وجود شيءٍ ما يفصل بينهما. وكما ذكرنا سابقًا، إن كان هذا الفاصل هو العدم، فذلك غير منطقيٍّ، وإن كان هو الوجود، ففي هذه الحالة سيكون لدينا ثلاثة وجوداتٍ منفصلةٍ، يفصل بين كلٍّ منها فاصلٌ. وهذا الفاصل مرةً أخرى لا يمكن أن يكون العدم، وهكذا تستمرّ هذه الدائرة المفرغة دون أيّ نتيجةٍ إلى ما لا نهاية. لذلك، نستنتج أنّ الوجود واحدٌ لا يتجزأ، وهو لا متناهٍ وواحدٌ. وهذه هي الخاصية الثانية من خصائص الوجود.

  • لا بداية له: تتميز الوجودية بصفة أساسية وهي عدم وجود بداية لها. يمكننا ملاحظة هذه الخاصية حتى في داخل أنفسنا؛ فنحن لم نكن في أي وقت مضى “اللا شيء”، أو بعبارة أخرى، لم تنبثق وجودنا من العدم. لا أصل للوجود ولا مبدء له؛ فلو افترضنا وجود العدم قبل الوجود، لواجهنا تناقضًا صارخًا، لأن العدم ببساطة غير موجود، ولا يمكن لشيء غير موجود أن يكون مصدرًا للوجود أو أن يخلق شيئًا. وإذا افترضنا وجود الوجود قبل أي شيء آخر، فلا يمكننا تحديد بداية له؛ فمهما تعمقنا في البحث عن أصل الوجود، لن نصل إلى نقطة محددة يمكن اعتبارها بدايةً له. باختصار، لا توجد نقطة بداية للوجود، فهو أزليٌّ لا أول له ولا خالق.
  • خلود الوجود: لا نهاية للوجود، بمعنى أنه لا يمكن تصور نهاية له. فهو أزليٌّ أبديٌّ، لا ينقطع ولا يزول. لنتصور أننا نريد إزالة شيء موجود، مثل مبنى أو هيكل. مهما بذلنا من جهد، فلن يختفي هذا الشيء تمامًا، بل سيتحول من شكل إلى آخر.
  • هو الکمال المطلق: جميع الكمالات التي يمكن تصوّرها، من الكمالات الجمادية والنباتية إلى الكمالات الحيوانية والعقلية، موجودة في قلب الوجود. كما ذكرنا، الوجود لا متناه، وبالتالي لا حدود له. أي أنه من المستحيل أن يخرج شيء من الوجود. فإذا أراد شيء ما الخروج من الوجود، فعليه إما أن ينتقل إلى وجود آخر، أو أن يدخل في العدم. وبما أنه لا وجود لشيء اسمه العدم، فمن المستحيل إذن أن يخرج شيء من الوجود. ولذلك، فإن الوجود غني مطلق. أي أنه لا يوجد شيء على الإطلاق خارج الوجود يحتاج إليه الوجود.
  • غنيّ بالذات: ما دام لدينا شيئًا، فلا حاجة بنا إلى سعيه وطلبه؛ فهذه الحالة في الاصطلاح العلمي تُسمّى “تحصيل الحاصل” وهو أمر مستحيل. فإذا كان كل شيء موجودًا في الوجود، ولم يكن خارجه شيء، فإن الوجود إذن غنيٌّ مطلقٌ. فالأستاذ الجامعيّ، لعدم شعوره بالحاجة الى تعلّم الحروف الأبجدية، لا يخطر بباله أبدًا أن يلتحق بدورات محو الأمية، بينما من لا يقرأ ولا يكتب، تُراودُهُ هذه الرغبة؛ لأنّه يشعر بنقص المعرفة لديه. وبناءً على ذلك، فقد توصّلنا إلى فهمٍ لخصائص الوجود، وهو ما يوضّح أنّ الوجود لا نهائيٌّ وواحد، وأنّه لا أول ولا آخر له، وأنّه لا شيء موجودًا خارج الوجود، كما أنّ الوجود لا يحتاج إلى شيءٍ خارجٍ عنه.

 

حدود الوجود

الوجود في جميع أشكاله لا نهائيٌّ؛ أي أنّ الوجود الماديّ، والخياليّ، والوهميّ، والعقليّ، جميعها لا نهائيّة ولا حدود لها. لفهم هذا المفهوم بشكلٍ أفضل، لنأخذ الماء مثالًا. صحيحٌ أنّ الماء يتكوّن كيميائيًا من تفاعل ذرات الأكسجين والهيدروجين، لكنّنا عندما ننظر إليه، نراه ماءً، لا مجموعة من ذرات الأكسجين والهيدروجين متجاورة.

ينطبق الأمر نفسه على الوجود، نُطلق على اللامتناهي اسمَ الوجود. فنحن، وما حولنا، وكافة الموجودات، والكواكب، وما إلى ذلك، جميعًا نقع ضمن هذا الوجود. إنّ ذات الوجود لا نهائية، فالمحدودية تُنافي جوهر الوجود، وبالتالي لا وجود لما يُسمّى “وجودًا محدودًا”. إنّ الوجود في جميع مظاهره لا نهائيٌّ، بمعنى أنّ الوجود الماديّ، والخياليّ، والوهميّ، والعقليّ، كلّها لا حدود لها ولا نهاية.

 

استکشاف ماهية الله والوجود ماوراء العقلي

عندما ندرك وجودنا، ونتفكّر في ماهيّة هذا الوجود، نُسمّي ذلك الكيان العظيم باسم “الله تعالى”. إنّ الله هو الوجود المطلق الذي يتواجد في كل الأشياء، ونحن ندركه من خلال وجودنا أنفسنا. يتم تعريف استيعابنا لله وخصائص الوجود على النحو التالي:

“هو الوجود المطلق الذي يملأُ كل مكانٍ وزمانٍ، الواحد الأحد، الأزليُّ الأبديُّ، بلا بدايةٍ ولا نهايةٍ لا شريكَ لهُ”

يمكننا القول أنّ أحد نتائج الحديث الشريف “من عرف نفسه فقد عرف ربه” هو أنّنا من خلال التأمّل والتّفكّر والممارسة في وجودنا، نصلُ إلى معرفة وجودٍ أسمى، وهو الله تعالى. فنحن كنّا نُدرك خصائص الوجود وصفاته مسبقًا، ونُعيد تذكّر ما نعرفه فقط. هذه المعرفة تذكّرنا بما نمارسه يوميًا، وهو “سورة التوحيد” أو “هوية الله“!  تُبيّن لنا سورة التوحيد ببساطةٍ أنّ المعشوق والإله الذي نسعى إليه، حتّى لو لم نعرفْ اسمه، فهو ذو علمٍ وقدرةٍ ولذّةٍ ووجودٍ لا نهائيةَ. فنحنُ جميعًا راغبین في اللّانهاية(لماذا الإنسان كائن أبدي و لانهائي؟ وما معنی الرغبة اللانهائية؟)، ونتطلع إلى جميع الكمالات في كلّ جوانب الوجود بشكل غير محدود. ثروة لا نهائية، جمال لا نهائيّ، حبٌّ لا نهائيّ، علمٌ لا نهائيّ، وهكذا. إنّ الرغبة في اللّانهائية هو صفةٌ جوهريةٌ في وجود الإنسان، ولا يمكن لأحدٍ أن يهرب منها، على الرغم من أنّ مصدرها ومكان إشباعها هو في مكان آخر. قد لا نملك أيّ معرفةٍ بالوجود اللّانهائيّ، لكنّنا نرغب فيه ونُحبّه.

الاسم الأول قبل من جميع أسماء الله هو “هو”، أي أنه موجود، عندما يتخذ “هو” شخصية بأسمائه وصفاته ويظهر نفسه، يُطلق عليه اسم الله ويصبح محددًا ومفهومًا. الله هو ذات الوجود اللانهائي و الوجود الجاري في جميع الأشياء. لذلك فإن الله على عكس ما يتصوره العرف، ليس كائنًا في مكان ما وراء المجرات، بل إن الله لا يمكن فصله عن مخلوقاته. قال الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا الشأن: معظم الناس يؤمنون بإله من صنع أيديهم. لا يوجد مكان لا يوجد فيه الله الحقيقي. بعبارة أخرى، تشمل إحاطة الله بكل شيء[1] جميع الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وحتى الجسيمات الأصغر التي لم تُكتشف بعد من قبلنا.

 

ما هي العلاقة بين الله وسائر المخلوقات؟

الله هو الوجود نفسه، وخصائص الوجود تعبر جميعها عن خصائص الله. إذا أردنا أن ندرس خصائص الوجود أو الله، لا بد و أن نقول:

– الله محيط بكل شيء، أي أنه موجود في كل مكان ويحيط بكل شيء.

– الله موجود في جميع الأشياء، لكنه لا يمتزج بها.

– لا يوجد خارج الأشياء شيء سوى الله.

بعبارة أخرى، فإنه لا يمكن فصل الله عن الأشياء. قال الإمام علي (عليه السلام) في هذا المجال: “داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمباينة”، وهذا يعني أن الله خارج عن الأشياء ولكن دون أن يبتعد عنها. لا يمكن القول أن الأرض والمجرات والنجوم موجودة هنا، وفي الجهة الأخرى يوجد هناك من يُدعى الله. الله هو الوجود اللامتناهي وله حضور موحد لكن ظهوره مختلف في كل مكان.

إن علاقة الله بالأشياء كعلاقة النفس بالجسد. هل يمكننا القول إننا داخل أجسادنا أم خارجها؟ إذا كانت النفس داخل الجسد، فإنها لا بد وأن تنقص إذا انقطع عضو ما من الجسد. و إذا كانت النفس خارج الجسد، لكانت نظرتنا إلى أنفسنا مختلفة، مثلاً من أعلى أو من الأمام كما ننظر إلى الأشياء الأخرى. ولكن النفس وحدة متكاملة، وليست داخل أو خارج الجسد.

النقطة هنا هي أنه ليس من الضروري دائما أن يكون هناك ظرف ومظروف، بل هناك نوع آخر من العلاقات، مثل العلاقة التي لدينا مع الأوهام والخيالات. في ظل هذه العلاقة لا يوجد تعريفٌ عن داخل و خارج، بل هناك علاقة تعلّق. إن علاقة الله بالوجود بأكمله هي من نوع علاقة التعلق، أي أن الوجود هو جلوات الله.  ذكرنا سابقا أن الخروج من الوجود محال، لذا فإن تصور أن الله جالس فوق السموات ويخلق مخلوقات خارج نفسه هو تصور مستحيل، لأن هذا التصور يعتبر تحديداً للوجود إذ أن الإله الذي يكون خارج نفسه محدود.

قد يُطرح هنا هذا السؤال: إذا كان الله قد خلق كل شيء، فمن الذي خلق الله؟ لكن الحقيقة أن الله لا أول له ولا آخر. و إذا كان من المفترض أن يُخلق الله من قِبل شخص آخر، لكان السؤال التالي هو من الذي خلق ذلك الشخص، وهكذا يستمر السؤال إلى ما لا نهاية. بينما الله هو الذي لم يخلقه أحد، وهو الوجود المطلق واللانهائي الذي لا بداية له. أشرنا إلى هذه الخاصية في خصائص الوجود.

 

ماهية المخلوقات

علمنا سابقًا في خصائص الوجود أنه لا يوجد خارجٌ لله والوجود. السؤال المطروح هنا هو: ما هي علاقة المخلوقات بالله؟ في الحقيقة، فإن المخلوقات هي تجليات ومظاهر الله. القرآن يسمي المخلوقات وجه الله. أن تكون وجه الله هو بمعنى أن وجه كل مخلوق يعكس وجهًا من وجوه الله. بالطبع، التجلي يختلف عن الذات. على سبيل المثال، إذا قام شخص بتغييرات كبيرة في مظهره، قد لا نعرفه بعد ذلك، لكن ذاته لم تتغير. الذات لا تتطابق مع التجلي ويمكن أن تمتلك هذه الذات تجليات لانهائية.[2]

نتيجة لذلك فإن جميع المخلوقات هي تجليات الله، أي الصور التي يُظهر الله بها نفسه لنا. فأينما نظرنا نرى وجه الله.[3]  إننا نواجه صور الله اللانهائية بصورة دائمة. ومع ذلك، هل يمكن التشكيك في وجود الله؟ [4] إن الله الذي درسنا خصائصه لا يمكن التشكيك فيه أبداً. أي أنه لا يمكن أن يكون هناك شك أو تردد في حقيقة الله.

 

وجودنا قائم بالله عز و جل

نحن من تجليات الله، وجميع أبعاد وجودنا قائمة به. لكي نفهم علاقتنا بالله، نستعين بالعلاقة التي لدينا مع الخيال، لأن علاقتنا بالله تشبه علاقة وجودنا الذهني بأنفسنا. ذكرنا سابقًا أن خيالاتنا مصدر للأثر وهي حقيقية. عندما نفكر بشيء ما فإننا نُكسبه الحياة، وعندما نتخلى عنه في خيالنا، فإنه يزول من وجودنا. على الرغم من ذلك فإننا يمكننا أن نستعيده مرة أخرى متى شئنا. تخيل على سبيل المثال، بيت طفولتك في ذهنك ثم اتركه وتخيل مدرستك. هل تستطيع إعادة تخيل بيت طفولتك إذا أردت؟ الجواب هو نعم. لأن بيت الطفولة حي في خيالك لكنه زائل في وجودك، وتستطيع تذكره متى شئت. إننا نعطي الحياة لخيالنا عن بيت الطفولة لحظة تفكيرنا فيه ونُكسبه  الحياة. وكذلك هي علاقة الله بنا. أي تماما كما أن الخيال قائم بنا، فإننا نتلقى الفيض والوجود من الحق تعالى.

إن الله يمنحنا الوجود لحظة بلحظة، وإذا شاء الله فلا يكون هناك وجود لأي شكل من أشكالنا. في هذه الحالة، فإننا نفنى ونعود إلى الوجود. أحد أسماء الله هو الدائم، إذ أن رعاية الله وعنايته محيطة بنا دوماً. إن خلق الله ليس خلقًا ميكانيكيًا، أي أنه ليس كبنّاء يبني منزلًا، ثم ينهي عمله، ومن ثم تبقى بصماته حتى بعد فنائه. إن علاقتنا بالله من نوع آخر، فنحن نتلقى العناية من الله دائما وإذا انتُزعت عنا للحظة واحدة، فإننا سوف ننتهي. فالله هو مالكنا ومدبرنا.

كل شيء في وجودنا معتمد على إرادة الله وعنايته، وهو أقرب إلينا حتى من أنفسنا. تماما كما أننا قريبين إلى وجودنا الذهني ونفعل به ما نشاء فإن علاقة الله بنا على هذا النحو.

 

ناقشنا في هذا الدرس خصائص الوجود، وذكرنا أن الوجود في جميع أشكاله فريد و لا نهائي. ليس له بداية ولا نهاية، وآخر خصائصه هي أنه يشمل جميع الكمالات التي يمكننا تصورها، وبالتالي فإنه مستغني تمامًا. الله هو ذلك الوجود ويمتلك جميع خصائص الوجود، وهو الوجود الجاري في كل شيء، بينما تُعتبر المخلوقات ظهورات وجلوات لله. إن علاقتنا بالله هي بحيث أننا دوماً في حالة استقبال الوجود والعناية منه، وإن وجودنا معتمد عليه تماماً.

[1] سورة النساء، الآية 126، وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا

[2] . قد تجلّيت للعيان بمائة ألف تجلٍّ ، فأنا أتطلّع إليك بمائة ألف بصر(فروغي البسطامي)

[3] سورة البقرة، الآية 115  فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

[4]  سورة ابراهیم، الآية 10 أَفِي اللَّهِ شَكٌّ

المشارکة

هذا هو عنوانه

۲۲ مرداد ۱۴۰۳

لورم ايبسوم مادة تعليمية بسيطة لتوليد مفهوم ايبسوم صنع لورم ايبسوم هو مفهوم تعليمي بسيط لتوليد ابسوم لورم صنعت شاب إن مادة لورم ايبسوم التعليمية مع إنشاء مفهوم بسيط للصناعة هي مادة لورم ايبسوم.

الرد

ميبسندم

لا يوجد اسم

هذا هو عنوانه

۲۲ مرداد ۱۴۰۳

لورم ايبسوم مادة تعليمية بسيطة لتوليد مفهوم ايبسوم صنع لورم ايبسوم هو مفهوم تعليمي بسيط لتوليد ابسوم لورم صنعت شاب إن مادة لورم ايبسوم التعليمية مع إنشاء مفهوم بسيط للصناعة هي مادة لورم ايبسوم.

الرد

ميبسندم

لا يوجد اسم

هذا هو عنوانه

۲۲ مرداد ۱۴۰۳

لورم ايبسوم مادة تعليمية بسيطة لتوليد مفهوم ايبسوم صنع لورم ايبسوم هو مفهوم تعليمي بسيط لتوليد ابسوم لورم صنعت شاب إن مادة لورم ايبسوم التعليمية مع إنشاء مفهوم بسيط للصناعة هي مادة لورم ايبسوم.

الرد

ميبسندم

لا يوجد اسم

هذا هو عنوانه

۲۲ مرداد ۱۴۰۳

لورم ايبسوم مادة تعليمية بسيطة لتوليد مفهوم ايبسوم صنع لورم ايبسوم هو مفهوم تعليمي بسيط لتوليد ابسوم لورم صنعت شاب إن مادة لورم ايبسوم التعليمية مع إنشاء مفهوم بسيط للصناعة هي مادة لورم ايبسوم.

الرد

ميبسندم

لا يوجد اسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *