من هم المنتظرون الحقيقيون للمنجي الموعود؟ وما هي واجباتهم؟

نحن نعتقد أن ظهور المنجي الموعود وتأسيس حضارة جديدة عالمية تكون مليئة بالسلام والعدل والسكينة. ولكننا نغفل عن الشروط التي يجب توفيرها لحدوث ظهور المنجي وتأسيس الدولة الكريمة. نعتبر أنفسنا في انتظار هذا الحدث الرائع، لكننا لا نولي اهتمامًا لواجبات المنتظرين الحقيقيين في عصر الغيبة. نتحدث كثيرًا عن حكومة الصالحين وورثتهم، لكن نادرًا ما نتحدث عن الإجراءات التي يجب أن يتخذها المنتظرين قبل الظهور، أو بمعنى آخر واجبات المنتظرين لتأسيس الدولة الكريمة الموعودة.

إذا كنا متشوقين أن نكون من المنتظرين الحقيقيين للإمام وورثة الأرض في حضارة جديدة إسلامية، يجب أن نعلم أن هذا الهدف والحلم الكبير لا يمكن تحقيقه بدون جهد وكفاح دؤوب ليلًا ونهارًا. لا يمكن أن نعيش أي نمط حياة وفكر وعلاقة، ثم نصبح من ورثة الأرض في الحضارة الإسلامية الحديثة. على الرغم من أن الكثير من الناس يتلقون تربية إلهية من قبل الإمام في الدولة الكريمة ويحصلون على نمو روحي، إلا أنه لا يستطيع الجميع أن يصبحوا من موظفي حكومة الإمام. في الدولة الكريمة، تشع نور وبركة الإمام على العالم بأسره وتفتح طريق السعادة للجميع، لكن فقط المنتظرون الحقيقيون الذين قدموا أنفسهم إلى حضن الإمام قبل الظهور، يصلون إلى مرتبة التوكيل والتمثيل له. إن بركة و لذة الوجود  والخدمة في خط المقدمة لجيش الامام تختلف كثيرًا عن كون الإنسان مواطنًا عاديًا أو فلاحًا بسيطًا في المجتمع.

كيف يمكن أن نصبح من المنتظرين الحقيقيين للإمام، وورثة الأرض في الحضارة الإسلامية الحديثة، ومن ووكلاء الإمام المحبوبين والموثوق بهم في الدولة الكريمة؟

كيف يتم تشكيل وراثة الأرض؟

ذكرنا إن سائر أهل البيت (عليهم السلام) كان بإمكانهم إدارة وقيادة حكومة إلهية وكان بإمكانهم تربية الناس حتى يصلوا إلى مرتبة خليفة الله، ولكن لماذا لم يحدث ذلك؟ لنجد سبب نفي الأئمة وهجراهم من قبل القلوب الضعيفة المريضة لأصدقائهم وأعدائهم. لا يمكن لأي إمام معصوم أن يحكم الناس دون موافقتهم. لا يفرض أي مأمور متخصص ومعصوم من جانب الله نفسه على الناس، ولا ينشئ حكومة إلهية بالقوة والجبر.

في مناقشة موضوع تأسيس الحضارة الحديثة وإقامة الدولة الكريمة، يوجد رمز مهم، وهو الإختيار. بدون وجود هذا الرمز في الناس، تتوقف كل خطط وبرامج الحضارة الإلهية، لأن هذه الحضارة مبنية على بنية نفس الإنسان، وهدف خلقتنا ومراحل حياتنا مصممة، ومعاييرها تتماشى تمامًا مع خلق الإنسان. أعطى الله للإنسانال قدرة على الاختيار بين الجنة والنار، ومنحنا أيضاً القدرة على الاختيار، لذلك، من أجل إنشاء حكومة من المفترض أن تربينا على سعادة الدنيا والخلود، فإنها لا تسير بالجبر.

يجب أن تصل الأرض وسكانها إلى الاضطرار، ويجب أن يسعوا بجدية لظهور المنجي. وطالما لم يحدث ذلك ولم يجاهد الناس ولم يعملوا ليلا ونهارا، فلن تتم الاستعدادات لتشكيل هذه الحكومة. الدنيا هي دار اختيار، ويتحدد مصير الإنسان من خلال اختياراته وإرادته. بعبارة أخرى، لكي يتحقق يحدث الظهور، يجب أن يُعرض طريق التوحيد على جميع سكان الأرض، ويجد جميع الناس مكانهم في صف التوحيد أو الكفر. هنا يظهر دور المنتظرين الحقيقيين في نشر الثقافة الإسلامية. في فقرة من دعاء سلامة الإمام نقرأ: “حتى تسكنه أرضك طوعًا”؛ حتى تسلم الأرض نفسها بإرادتها إلى إمامها. لذا لا يوجد إكراه في هذا المجال، ويجب على الناس تسليم أنفسهم والأرض إلى الإمام باضطرار و بملء إرادتهم.

 وظيفة القتال مع الكفار ووراثة الأرض

هل تعتقد أن ورثة الأرض في الحضارة الإسلامية الحديثة يصلون بسهولة ويسر إلى هذه المرتبة؟ هل تتصور أن الحكام الحاليين سيسلمون الأرض لأصحابها القادمين دون صراع؟

هذا الاعتقاد خاطئ، ومعظم آيات القرآن تشير إلى صراع عظيم ومعركة بين القوى. قلنا إنه يجب تدمير وقتل المالكين الحاليين حتى يمكن للصالحين المستضعفين أن يصبحوا ورثة الأرض. إلى جانب موضوع وراثة الأرض تشير معظم آيات القرآن بالضرورة إلى مفهوم الصراع والحرب في آخرالزمان. النقطة التي يجب التفكير فيها هي اللهجة السيادية والحاكمة في القرآن في هذا السياق. عبارات قوية مثل “ونرید” ^[1]، “ولو كره المشركون” ^[2]  و”ولو كره الكافرون.^[3] تشهد بوضوح على هذا الموضوع؛ عبارات يتحدث بها الله بلغة حاكمة: “لقد أردنا أن نفعل هذا، سواء أحب المشركون ذلك أم كرهوه.”

بقدر ما تؤمن الآيات المذكورة بأن حكم الصالحين في الأرض مؤكد، فإنها تؤكد أيضًا على الصراع والمعركة بين جبهي الحق والباطل. يتصارع لصالحون والمنتظرون الحقيقيون الذين هم أهل القتال والجهاد، مع الحكام الحاليين من أجل إقامة حكومة إلهية موعودة. إنهم يضعّفون حكم الاستكبار حتى يهلك ويُدمَّر.

واضح أن الحكام الحاليين الذين هم في جبهة الشيطان، لا يسمحون بسهولة لدين الله أن يصل إلى الحكم العالمي؛ لذلك يجب على الصالحين في آخر الزمان أن يصبحوا أقوياء بما فيه الكفاية، حتى يمكنهم تدمير المالكين الحاليين وأن يصبحوا ورثة الأرض في الحضارة الإسلامية الحديثة. قال الإمام الباقر (عليه السلام) في هذا الصدد: “الصالحون هم أصحاب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في آخر الزمان. إنهم يدمرون حضارات المستكبرين الحاكمة على الأرض و يضعون الأساس لظهور المنجي الموعود.^[4]  فسّرت تفاسير أهل السنة أيضًا معنى القرآن من “الصالحين” كونهم الإمام والمنتظرين الحقيقيين له.^[5]

لذلك، فإن وظيفة المنتظرين الحقيقيين هو التقدم واكتساب القوة في مجالات مختلفة من الإيمان والاعتقاد، والنظام والسياسة، والعلم والاقتصاد، وغيرها. على الرغم من أن مفتاح هذه البركات جميعها بيد الإمام، إلا أن تحضيرها وإعدادها يجب أن يتم على يد المنتظرين الحقيقيين للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف). يجب على جبهة الحق أن تبذل قصارى جهدها للوصول إلى السلطة، حتى تتمكن من التنافس مع الأقوياء في العالم.

قلنا إنه منذ عصر آدم إلى اليوم، لم تتمكن أية حكومة أو حضارة من تطوير الإنسان وإيصاله إلى مستوى الإنسانية الحقيقية والتفوق العقلاني وتحقيق الكمال، و ذكرنا بعض الشروط الأساسية لظهور الموعود وتأسيس الدولة الكريمة. الشعب الوحيد الذي نجح في إعداد بعض شروط ظهوره من خلال إنشاء حكومة إسلامية تستند معاييرها إلى تطوير الإنسان وتحقيق كماله هم الإيرانيون، وقد تحقق هذا بنجاح من خلال انتصار الثورة الإسلامية في إيران. الثورة التي أثبتت نجاحها في تطوير الإنسان والوصول به إلى كماله من خلال تقديم آلاف الشهداء، وأكدت مرارًا هدفها الرئيسي للعالم: “لدينا هدف واحد فقط، وهو إنشاء حضارة إسلامية حديثة وتمهيد ظهور الولاية العظمى.”

الثورة الإسلامية في إيران لا تملك نظرة عنصرية أو قومية تجاه الأفراد، بل تعتبر جميع سكان العالم كإنسان واحد. إنسان واحد يحتاج إلى حياة وتربية في ظل حضارة إلهية وإنسانية؛ حضارة تسمح له بأن يكون خليفة الله في الأرض.

الثورة الإيرانية هي الوحيدة التي استطاعت تأهيل جيش قوي من المنتظرين الحقيقيين في آخر الزمان لمواجهة المستكبرين في العالم وحرمان قادتهم من سلطتهم المطلقة. لم تتمكن أية دولة غير إيران قط من تحدي القوى الجهنمية مثل أمريكا وإسرائيل وسحق هيمنتها الزائفة.

موقعنا في بناء مستقبل العالم

الثورة الإسلامية في إيران وتطور حركة العالم نحو ظهور المنجي وتأسيس الدولة الكريمة هي مثل قافلة تتجه بسرعة نحو طواف الكعبة. الإمام هو الكعبة والثورة هي الطريق للوصول إلى طوافه الحقيقي. سواء أردنا ذلك أم لا، تسير هذه القافلة في طريقها وتتّبع مسارها وتصل إلى الهدف. نحن من يجب علينا أن نبقى يقظين ولا نتأخر عن القافلة. يجب أن نعلم أن مساهمتنا لا تؤثر في مصير الثورة، بل الأمر الوحيد الذي يتغير هو مصيرنا. لنغكر في أنفسنا ولا ندع فرص السعادة والنجاح تفوتنا وننخرط في صفوف المنتظرين الحقيقيين.

قد يكون من الأفضل أن نقرأ أهمية هذا الموضوع بوضوح في كلام سماحة الإمام الخامنئي، الذي يروج بصراحة للتطهير الذاتي وتطوير الذات كوسيلة للخلاص: “أنا لست قلقًا بشأن هذه الثورة، فلا تقلقوا أنتم أيضًا. كونوا قلقين بشأن أنفسكم وكونوا حذرين من أنفسكم. يجب علينا تطوير أنفسنا و تهذيبها وربط أهداف ورغبات حياتنا بأهداف ورغبات إمام الزمان. عند ذلك فإننا سوف نرتبط بالإمام وندخل في مستوى الحضارة الإسلامية الحديثة. في هذه الحالة، يكون تنفسنا مثل شخص يعيش في خيمة إمام المهدي.”  ^[6]

إن دور الثورة الإيرانية في تشكيل الحضارة الحديثة هي فريدة لهذه الدرجة حتى أنها أعدت آلاف الأشخاص للانتظار والإعداد لتأسيس هذه الدولة. إذا حقق شخص ما مكانة الانتظار، قم مات، فهو مثل شخص غادر الدنيا وهو في خيمة الإمام.

إذا كنا نريد أن نجد مكانًا في بناء الحضارة الحديثة، يجب علينا استثمار هذا الأمر الهام؛ وإذا أردنا أن نكون أحد المنتظرين الحقيقيين للمهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فإن المهمة والدور الأكثر أهمية لكل واحد منا هو السعي نحو التقوى وتطوير الذات. يجب أن تصبح قلوبنا وأفعالنا شبيهة تمامًا بسيرة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، اكي نتمكن من المشاركة في ثورته العالمية وأن نصبح جنودًا في جيشه. شرط الحضور في ثورة المهدي الموعود ومن ثم العمل في دولة الإمام الكريم، هو التشبّه والتوافق معه. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نقوم بتقوية عوامل مهمة مثل الوحدة والتعاون والأمل والإخلاص في أنفسنا. يمكن لأي شخص في أي مهنة أو مجال أن يساهم في تحقيق هذا الهدف؛ حتى الشيوخ الذين انسحبوا من العمل يمكنهم أيضًا أن يأخذوا حصتهم من هذا الجيش من خلال الدعاء.

في هذه المقالة، قمنا بتحليل خصائص المنتظرين الحقيقيين وتطوير الذات والنمو الشخصي بجانب جهودهم الموجهة نحو تقديم الدين الحقيقي للناس في جميع أنحاء العالم. من يرغب في تحقيق رغبة الإمام يجب أن يكون شخصًا يدرك ضرورة حضور الإمام لتحقيق هدف خلقه، ويفهم نفسه كإنسان ذو معنى. وبالتالي فإنه لا يستطيع أن يكون غير مبالٍ تجاه مصير الآخرين وسيبذل كل جهده لتوجيههم نحو إمامهم.

تعود جذور هذه المكانة العظيمة التي لا توصف إلى أحوالنا قبل ظهور المخلص الموعود. نمط حياتنا، علاقاتنا، أفكارنا، اختياراتنا، هندسة محبوباتنا وأولوياتنا، جميع ذلك يحدد مكانتنا في الحضارة الحديثة قبل الظهور. بمعنى آخر، كل ما زرعناه قبل الظهور، سنحصده في الدولة الكريمة. كلما استطعنا خلال حياتنا أن نصبح شبيهين بالإمام وأن نكتسب صفاته، فإننا سننجذب بعد الظهور إلى الإمام وحكومته كما تنجذب نشارة الحديد إلى المغناطيس. إن سمة المنتظرين الحقيقيين المتميزة هي التشابه والتوافق في التقوى وأسلوب الحياة مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

^[1] سورة القصص/ الآية 5

^[2] سورة التوبه/ الآية 33

^[3]  سورة الصف/ الآية 8

^[4] مکارم شیرازی، ناصر، التفسير الأمثل، طهران، دارالکتب الاسلامیة، 1353، ج 13، ص 564

^[5] آلوسی، محمود بن عبدالله، روح المعانی فی التفسیر القرآن و السبع المثانی، علی عبدالباری، بیروت، دارالکتب العلمیة، 1415ق، ج9، ص97

^[6] الخميس 2017/1/5 لقاء مع راوي الكتاب “عندما ضاع ضوء القمر”