يهودية الحزب النازي ودور الصهيونية في هجرة اليهود من ألمانیا إلى فلسطين
بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، تعرض اليهود لضغوط متزايدة، وأصبح من المستحيل تقريبًا عليهم البقاء، مما دفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين. ولكن:
- ما هي أسباب هذه الضغوط؟
- هل كانت الأجواء السلبية ناتجة عن كراهية هتلر لليهود فقط، أم أنها مجرد حملة إعلامية مُخططة؟
- هل كان هتلر يهوديًا؟
- لماذا اختار اليهود الألمان الهجرة إلى فلسطين دون غيرها من الدول؟
- من كان له دور في اتخاذ هذا القرار؟
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال غريبة ومؤلمة، لكن الحقيقة هي أن العامل الرئيسي وراء ضغوط النازيين على اليهود وإجبارهم على الهجرة كان الصهاینة أنفسهم. إن الصهيونية والنازية هما وجهان لعملة واحدة، حيث اتفقا في الخفاء على تضييق الخناق على اليهود، وزيادة حدة القتل والاضطهاد بينهم، لكي يرغمون اليهود على الهرب. في السنوات الأخيرة، ظهرت ادعاءات حول يهودية نسب هتلر في وسائل الإعلام العالمية، بينما نفى باحثون آخرون هذه الادعاءات واعتبروها مستحيلة. على الرغم من أن إثبات يهودية هتلر يمكن أن يكشف عن شكل جديد من العلاقات السرية للصهيونية العالمية، إلا أن ما يهم أكثر في الوقت الحالي هو السياسات التي اتبعتها حكومة هتلر تجاه اليهود والنتائج التي أسفرت عنها.
قبل صعود النازيين، كانت الجاليات اليهودية في أوروبا، رغم مواجهتها للتمييز، تتمتع بحياة مستقرة ولم يكن لدى أغلبية اليهود رغبة في الهجرة، كانت هذه القضية عقبة كبيرة أمام تحقيق الصهيونية لهدفها المتمثل في إقامة دولة خاصة بها واستقرار غالبية اليهود في وطن خاص بهم. لذا، فإنهم قرروا الدخول في اتفاق سري ومشين يعود بالنفع على الطرفين.
بموجب هذا الاتفاق، كانت ألمانيا ستخلو من اليهود، مما يرضي النازيين، وفي الوقت نفسه، ستتم هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين، مما يحقق للصهيونية هدفها. لم يكن من الممكن تنفيذ الخطة الاستراتيجية السياسية العسكرية لإسرائيل لتهويد فلسطين ثم فتح دول أخرى لتحقيق الحكومة العالمية دون هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين. لذلك كان لا بد للصهيونية من جلبهم إلى المنطقة بأي شكل من الأشكال. ومن ناحية أخرى، كان لا بد لها أن تبني لنفسها تاريخًا حافلاً بالظلم والتشرد واللجوء لتبرير احتلال فلسطين أمام العالم. لم تتردد الصهيونية في استخدام المسيحيين والمسلمين، بل حتى اليهود، لتحقيق أهدافها، حيث احترق العديد من اليهود في أتون شهوات الصهيونية دون أن يدركوا أنهم ضحايا لشيء أكبر. إن المعاناة التي واجهها المهاجرون في المعسكرات، وانفجارات السفن التي أقلّتهم إلى فلسطين، لم تکن سوى جزء من مخطط مُحكم رسمه هذا النظام لتحقيق غاياته الخفية، وهي ما سنتناولها في هذا المقال.
لم يكن صراع الصهيونية مع قوى الحق وليد اللحظة، بل هو امتداد للصراع الأزلي بين الخير والشر، الذي بدأ منذ خُلق الإنسان وتمرد إبليس على أمر الله ووحدانيته. منذ ذلك الحين، يواصل الشيطان حشد أتباعه لإشعال نيران الفوضى وتعطيل المسار الإلهي لتربية الإنسان. وفي خضم هذا الصراع، تُعد الصهيونية من أخطر وأدهى أدواته لتحقيق مآربه في إفساد الأرض.
توافق الصهيونية والنازية
كما سبق ذكره، فإن الغاية عند اليهود تبرر الوسيلة. فقد كانوا مستعدين للتضحية بالكثير من أبناء دينهم لتحقيق هدفهم المتمثل في إقامة دولة خاصة بهم في وطنهم المختار. أشار كريستوفر سيمبسون في كتابه المهم “ضربة التراجع”، إلى أنه حصل على وثائق من منظمة الجستابو خلال فترة النازية. هذه الوثائق تكشف عن وجود اتفاقات سرية بين “الجستابو[1]” و”الهاغاناة“، أي بين الشرطة السرية الألمانية والمنظمة اليهودية شبه العسكرية .
لطالما قدم الصهاينة أنفسهم على أنهم ضحايا، وكأن مصيرهم المشؤوم في فلسطين كان نتيجة لمجرد سوء حظ أو اضطهاد تعرض له اليهود في ألمانيا النازية. لكن الوثائق المسربة وشهادات “أدولف آيخمان”، أحد كبار ضباط النازيين ومؤيدي هتلر، كشفت حقيقة صادمة. فقد أظهرت هذه الشهادات وجود علاقات وثيقة للغاية بين بعض قادة الوكالة اليهودية، الذين تقلدوا فيما بعد مناصب عليا في حكومة إسرائيل، وبين النظام النازي. وهذا يكشف زيف الادعاءات الصهيونية حول كونهم ضحايا أبرياء.
لم تکن حياة اليهود في أوروبا قبل صعود النازيين سيئة، وكانوا قد اعتادوا على الظروف القائمة ولم يكونوا يفكرون كثيرًا في الهجرة أو العودة إلى الأرض المقدسة. كان هذا الأمر يشكل خطرًا كبيرًا على أهداف الصهيونية، مما كان يعوق جهودهم في بناء وطن. لذا، كان عليهم أن يثيروا التوترات في الكواليس لإعادة إحياء فكرة التحرر والحياة الكريمة في الأرض الموعودة في أذهان اليهود.
كانت العلاقة بين النازيين والصهيونيين علاقة تبادلية استفاد منها الطرفان، حيث سعى كل طرف لتحقيق أهدافه الخاصة. تطورت هذه العلاقة إلى حد أن مسؤول الدعاية النازية أعرب عن دعمه للصهاينة، وتم تصميم ميدالية تجمع بين الصليب المعقوف كرمز للنازية ونجمة داود كرمز للصهيونية. تعكس تفاصيل هذا الاتفاق حقائق صادمة ومؤلمة. وقد أشار “ديفيد بن غوريون”، أحد أبرز قادة الصهيونية، إلى أن الصهاينة كانوا على استعداد للتضحية بنصف اليهود مقابل هجرة النصف الآخر إلى فلسطين.
تشابهت أيديولوجيات النازية والصهيونية في عدة نقاط، أبرزها اعتقادهما بضرورة التخلص من الأفراد “الضعفاء وغير المنتجين” في المجتمع، لأنهم يشكلون عبئًا على مستقبل الدولة. وفقًا لاتفاقاتهم، تم استخدام أفران الغاز لترهيب اليهود ودفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين. تكمن المأساة الحقيقية في أن عمليات القتل والاضطهاد لم تكن عشوائية، بل كانت قائمة على انتقائية متعمدة. فقد تعرض اليهود البسطاء والمجهولون لأشد أنواع القتل والاضطهاد، بهدف خلق رواية مأساوية تستدر العواطف وتبرر احتلال فلسطين. وفي المقابل، تم إنقاذ اليهود ذوي النفوذ الذين رأت الصهيونية فيهم أداة مفيدة لدولتهم المستقبلية. خلال عملية تصفية سرية، تم فصل اليهود المؤثرين عن اليهود العاديين والمجهولين، حيث كانت المعاناة والدمار تتركز على أولئك المجهولين، الذين اعتبرهم الصهيونيون غير ذوي فائدة للدولة الجديدة، ولم يكن لإقصائهم أي تأثير سلبي على دولتهم.[2]
عقد اتفاقية هاوارا
عقد “هافارا” هو مثال واضح على التفاهمات الاقتصادية والسياسية التي تمت بين النظام النازي الألماني والمنظمات الصهيونية. هدفت هذه الاتفاقية إلى تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين ونقل أموالهم إلى هناك. تمحور جوهر الاتفاق حول انتقال جزء من ثروات اليهود الألمان إلى فلسطين مقابل السماح لهم بالهجرة. وبذلك، كان اليهود ينقلون بضائعهم الألمانية إلى فلسطين لبيعها هناك، مما كان يعود بالنفع على الاقتصاد الألماني المتعثر في ظل النظام النازي، وفي الوقت نفسه، يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي للمجتمع اليهودي في فلسطين (الييشوف). ولكن عقد هافارا أثار جدلًا سياسيًا كبيرًا؛ حيث اعتبرت بعض الأطراف أن هذا التعاون قد يؤدي إلى تقوية النظام النازي بدلاً من إضعافه، رغم الفائدة التي عاد بها على اليهود.
على الرغم من توقيع الاتفاق بشكل رسمي، إلا أن تفاصيله لم تكن واضحة تمامًا للجميع، ولم تُكشف الكثير من جوانبه إلا لاحقًا. أما هتلر، فلم يشارك بشكل مباشر في مفاوضات هذا الاتفاق، لكنه أقر سياسات ساعدت على تنفيذه. تضمنت هذه السياسات فرض قيود اقتصادية على اليهود، سن قوانين عنصرية، ممارسة ضغوط عليهم لدفعهم إلى الهجرة، وتشجيعهم على الانتقال إلى فلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، أسهمت المعاناة والاضطهاد الذي تعرض له اليهود في ألمانيا في تحفيزهم على مغادرة البلاد. هذا الامتثال الإجباري لتوجهات الحركة الصهيونية أدى في النهاية إلى تأسيس مجتمع يهودي أقوى في فلسطين. بهذا الشكل، لعبت الظروف الاقتصادية والسياسية المتشابكة دورًا حاسمًا في دفع اليهود الألمان للهجرة إلى فلسطين وإنشاء مجتمع يهودي هناك.[3]
منظمة عليابت لدعم المهاجرين اليهود
بفضل الظروف السائدة آنذاك، تمكنت كل من الصهيونية والنازية من تحقيق أهدافها، وأصبح العديد من اليهود عازمين على الهجرة إلى فلسطين. ومع ذلك، لم تكن هذه الهجرة سهلة في ظل تلك الظروف، ولم تكن ممكنة بدون دعم منظم وقوي. في هذا السياق، بدأت الصهيونية في تنفيذ خططها بشكل تدريجي، وظهرت منظمات تهدف إلى مساعدة المهاجرين وتسهيل هجرتهم من ألمانيا إلى فلسطين.
من بين تلك المنظمات، برزت جهات مثل “بناي برث” و”اللجنة المشتركة للتوزيع”، التي سعت لتحسين أوضاع اليهود بطرق مختلفة. لكن الدور الأبرز كان لمنظمة “عليابت” أو “عليا بت”، التي لعبت دورًا محوريًا في تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين. في ظل صعوبة الهجرة القانونية، اعتمدت المنظمة على تنظيم عمليات هجرة غير قانونية، وهو ما تطلب موارد ضخمة وجهودًا مضنية لتحقيق ذلك.
كلمة “عليا” في العبرية تعني الهجرة أو العودة إلى فلسطين، وهي واحدة من المبادئ الأساسية للحركة الصهيونية. شُكلت منظمة عليابت من نشطاء يهود، وجمعيات خيرية، وقادة المجتمع اليهودي، وركزت جهودها على تقديم الدعم اللازم لهجرة اليهود الألمان. تمثلت مهمتها أولاً في مساعدة اليهود في أوروبا على الفرار من النازيين، ثم تأمين هجرتهم إلى فلسطين، وأخيرًا توفير المساكن للاجئين الذين عاشوا لفترات طويلة في المخيمات.
استخدم آلاف المهاجرين الألمان طرقًا متعددة للوصول إلى فلسطين المحتلة، منها الشاحنات والسفن، وقطعوا مسافات شاقة للوصول إلى هناك. ومع ذلك، لم يكن الطريق خاليًا من المخاطر؛ فقد غرق بعض المهاجرين أثناء الرحلة، واعتُقل آخرون بسبب الهجرة غير القانونية.
كانت لهذه الهجرة السرية أهداف متعددة، بعضها ظل مخفيًا حتى عن حلفاء الصهاينة. لم تكن العملية تهدف فقط إلى إنقاذ اليهود من النازيين وأوروبا، بل كانت تسعى أيضًا إلى إنهاء السيطرة البريطانية على فلسطين، وإظهار التحدي للقدرات العسكرية البريطانية.
بهذا الشكل، لم تكن الهجرة غير القانونية مجرد وسيلة للتحرر، بل كانت أيضًا أداة سياسية تهدف إلى تجاوز القيود البريطانية المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين، وفتح الطريق أمام مشروع الدولة الصهيونية.[4]
حريق سفينة باتريا في نار الأهداف الصهيونية
لصياغة تاريخ مظلوم ومليء بالمعاناة، ارتكب الصهاينة العديد من المجازر وحفزوا هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين بشكل مكثف. كما ذكرنا، كانت الصهيونية تسعى لطرد البريطانيين من المنطقة وتعزيز سيطرتها، لذا تجاهلت المساعدات البريطانية في هجرة اليهود واستقبالهم. عندما منعت بريطانيا دخول السفينة “باتريا” التي كانت تحمل مهاجرين يهود غير قانونيين إلى حيفا، حدث انفجار هائل في السفينة، مما أدى إلى غرقها ومقتل المئات من اليهود. استغلت الوكالة اليهودية هذه الفرصة، واعتبرت الانفجار عملاً انتحارياً وشجاعاً ضد بريطانيا بسبب منع دخول اليهود إلى أرضهم، وأعدت أخباراً مؤلمة حول الحادث ونشرتها في وسائل الإعلام العالمية. نجحت الوكالة في تحقيق هدفها، وأصدرت بريطانيا إذن دخول للناجين إلى فلسطين. من خلال هذه الحادثة المفتعلة، أضافت الصهيونية ورقة جديدة من مظلومية اليهود إلى سجل تاريخهم.
بعد عدة سنوات، كشفت وثائق عن حقيقة ما حدث. حيث تبين أن الانفجار كان جزءاً من خطة مسبقة من قبل الصهيونيين خلال هجرة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين. في البداية، أراد الصهيونيون تدمير معدات السفينة حتى لا تتمكن من مغادرة الميناء، لكن المعدات تضررت بسبب المواد المتفجرة، مما أدى إلى انفجار مؤلم. اعترف الإسرائيليون في عام 1950 في صحفهم بأن هذا العمل تم بواسطة “الهاغاناه[5]“.[6] بالطبع، لم تكن “باتريا” السفينة الوحيدة التي احترقت في نار الأهداف الصهيونية، بل كان انفجار سفينة “استروما” التي كانت تحمل مهاجرين يهود في انتظار دخولهم إلى إسطنبول جريمة أخرى من جرائم الصهيونية.
قصة سفينة إكسودوس
تعتبر قضية هجرة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين من القضايا المهمة في تشكيل الدولة الإسرائيلية المزيفة، حيث يمكن من خلالها التعرف على مكر الصهيونية ووسائلها. ومن بين السفن التاريخية التي شهدت أحداثاً مثيرة، تأتي سفينة “إكسودوس”. تتضمن قصة إكسودوس أحداثاً صغيرة تم تضخيمها وتزييفها من قبل الصهيونيين لتظهر للعالم.
بدأت الحكاية بانطلاق سفينة مهاجرين يهود من فرنسا متجهة إلى فلسطين التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني. وعندما وصلت سفينة “إكسودوس” إلى سواحل فلسطين، اعترضتها القوات البريطانية وأمرت بإعادتها إلى أوروبا. كان الهدف من هذا الإجراء البريطاني ردع منظمي الهجرة غير الشرعية وتنبيههم إلى عواقب أفعالهم.
ولكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد، فقد نجحت الدعاية الصهيونية المكثفة في استقطاب اهتمام الرأي العام العالمي، مما دفع منظمات دولية مثل اليونسكو إلى التدخل في القضية. ظل المهاجرون اليهود حبيسي السفينة لعدة أسابيع، ثم قررت السلطات البريطانية نقلهم إلى مخيمات تحت سيطرتها في دول مثل قبرس وألمانيا. غير أن الحملة الإعلامية الصهيونية الضخمة أثمرت عن موجة من الاحتجاجات والتهديدات الدولية، مما اضطر السلطات البريطانية في النهاية إلى التراجع عن قرارها التعسفي، وتحويل وضع المهاجرين غير الشرعيين على متن سفينة “إكسودوس” إلى وضع قانوني. وبعد أشهر من المعاناة، تمكن الكثير من هؤلاء المهاجرين من الوصول إلى فلسطين.
أثار هذا الحدث اهتمام العالم بوضع اليهود المهاجرين، وتحول إلى عامل حاسم في تغيير الرأي العام تجاه فكرة إنشاء دولة يهودية. هذه الحملة البسيطة الظاهرة، ولكنها منظمة بعناية، كانت قفزة نوعية نحو تأسيس إسرائيل، حيث تضافرت جهود الصهيونية الأمريكية والأوروبية مع نظيرتها في فلسطين المحتلة، وحشدوا العالم للدفاع عن هذه القضية، مما أدى إلى حركة عالمية لتضخيم الأمر وإنشاء دولة مزورة.
قرار نهب فلسطين
حتى هذه المرحلة، تم تجميع قطع اللغز، بما في ذلك هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين بدعم من الحركة الصهيونية، للوصول إلى مرحلة تأسيس الدولة اليهودية. وفي 29 نوفمبر 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين لصالح إسرائيل. وقد صوتت الأمم المتحدة في القرار المشين 181 على تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، واحدة لليهود والأخرى للعرب المقيمين في فلسطين.
على الرغم من المعارضة الشديدة من العرب، لم تسفر الاحتجاجات عن أي نتائج ملموسة، مما أدى إلى اندلاع حروب متواصلة ومقاومة دائمة من الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، تجاهلت الأمم المتحدة مبادئها الأساسية، مثل شروط الوصاية على فلسطين وتحقيق العدالة. بل واعتمد قرار التقسيم على وسائل مثل الرشوة، النفوذ، الضغط السياسي غير المسبوق، والتهديدات المباشرة من الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذا الأسلوب أثار تساؤلات جدية حول مصداقية القرار. کما دعم الرئيس الأمريكي ترومان ومستشاره كليفورد بشكل صريح فكرة إقامة وطن قومي لليهود، مما عزز الضغوط الدولية لاعتماد القرار.[7]
من العوامل الحاسمة التي ساعدت في تمرير القرار کانت تقديم رشاوى ضخمة لبعض ممثلي الدول. هناك وثائق رسمية تدل على دفع رشاوى بقيمة 45 ألف دولار و75 ألف دولار.[8] بالإضافة إلى ذلك، مارست الصهيونية وداعموها ضغوطًا هائلة على أعضاء المنظمة الدولية وممثليها، بما في ذلك الإكراه والترهيب، مما دفع العديد منهم إلى التراجع خوفًا من الانتقام. تثبت الوثائق التاريخية بوضوح حجم هذه الضغوط والتدخلات في اعتماد القرار. [9]
محتوى قرار 1947
هذا القرار، الذي كان مدافعًا عن تقسيم فلسطين، لم يكن يسعى فقط إلى إنشاء دولة خاصة لليهود، بل كان يهدف أيضًا إلى الاعتراف بحق اليهود في ذلك على مستوى العالم. بعد اعتماد القرار، أصبحت فلسطين المحتلة ملاذًا لجميع المهاجرين اليهود المنتشرين في أنحاء العالم[10].
محتوى القرار يعكس الظلم الواضح والنهب الفاضح لفلسطين من قبل الصهاينة. في وقت اعتماد القرار، كان عدد سكان العرب الفلسطينيين حوالي مليون وثلاثمائة ألف نسمة، بينما كان عدد اليهود حوالي ستمائة وخمسين ألفًا. ومع ذلك، فإن خطة تقسيم الأراضي منحت حوالي 57% من الأراضي للصهاينة، الذين كانوا يشكلون فقط 33% من السكان ويمتلكون حوالي 5% من المناطق، مما جعلهم يحصلون على عشرة أضعاف ما كانوا يمتلكونه[11].
الظلم الآخر الكبير الذي وقع على العرب الفلسطينيين في هذا القرار کان أن الحصة المخصصة لليهود تضمنت الأراضي الخصبة، بينما الأراضي المخصصة للفلسطينيين كانت تشمل المناطق الجبلية وغير القابلة للزراعة. في الواقع، لم يكن هذا القرار خطة لتقسيم الأراضي، بل كان خريطة دولية لنهب أرض بلا حماية.[12]
حقيقة هجرة اليهود إلى فلسطين
إن قصة هجرة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين وحتى تأسيس دولة الصهيونية ليست سوى قشرة تخفي حقيقة كبيرة في العالم. حقيقة لم يتناولها الكثيرون، وقد اختبأت خلف الأخبار السياسية والصراع بين فلسطين وإسرائيل. إن جذور الفكر الصهيوني تعود إلى زمن أبعد بكثير من عام 1947. هذا الفكر له جذور في صراع بدأ منذ بداية خلق الإنسان، وهو صراع متبادل بين جيش التوحيد وجيش الشيطان.
هذا الصراع مستمر حتى يوم إقامة الحضارة العالمية الحديثة على يد الإمام المعصوم، ومنذ بداية الخلق وحتى يوم الظهور، حيث تسعى كل من جبهتي التوحيد والشيطان لتجنيد قواتها. في هذا السياق، يُعتبر الصهاينة من أفضل جنود الشيطان في تحقيق أهدافه، أي منع إقامة الدين الحق على يد الإمام المعصوم وتربية الإنسان الكامل.
إننا نرى آثار جهودهم المستمرة لتحقيق سيطرة اليهود وإذلال وتدمير الأديان الأخرى وأتباعها في جميع نقاط التاريخ. بما أن الشيطان يسيطر على الصهيونية، فإن دولتهم هي دولة الشيطان، ويسعون لتحقيق أهدافهم بكل الوسائل الممكنة. إن الاتفاقيات، الصفقات السياسية، الرشاوى الضخمة، معسكرات الإبادة، النفي والمعاناة في المخيمات، تفجير السفن، السيطرة على وسائل الإعلام، وغيرها، هي مجرد جزء من خطط وبروتوكولات الصهيونية لدفع العالم نحو حكم عالمي شيطاني لليهود.
لم يكن الصهاينة يومًا يسعون لتأسيس دولة صغيرة، بل اعتبروها نقطة انطلاق لحكمهم، ليجعلوا جميع شعوب العالم عبيدًا لهم، ويحولوا البشر إلى حيوانات أليفة. كما أن الشيطان أقسم أنه سيقف في طريق الإنسان ولن يرضى بالقليل، فإن جيش الشيطان يسعى أيضًا لتحقيق هدف الشيطان ومنع إقامة حكم إنساني وإلهي على يد الإمام المعصوم.
لا يتردد الصهاينة في التضحية بملايين البشر، حتى من أتباعهم، لأن عقيدتهم تقوم على أن فئة محددة منهم فقط هي التي ستملك السيادة على العالم. لذا، لا يشكل تدمير أي شخص أو التضحية به عائقًا أمام تحقيق أهدافهم والسيطرة المطلقة.
على عكس الحكومة الإلهية للإمام المعصوم، التي تعتبر الله محور جميع العلاقات والقوانين، فإن حياة وكرامة كل إنسان تعادل قيمة جميع البشر، وهدف تلك الحكومة هو تربية الإنسان ليصل إلى مقام خليفة الله ونيابة الله على الأرض.
في هذا المقال، تناولنا حقيقة مثيرة للجدل تُظهر أنه، وفقًا للوثائق التاريخية، لا توجد أدلة قاطعة تثبت أو تنفي يهودية نسب هتلر. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل كراهيته العميقة لليهود. ورغم ذلك، كانت سياساته ومنظمة الجستابو تسير بطريقة تخدم المصالح العالمية للصهيونية. من خلال تعاون مشترك بين الطرفين، تسارعت وتيرة هجرة اليهود إلى فلسطين، مما مكن الصهاينة من تحقيق حلمهم في “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. هذا التعاون، الذي ظل خفيًا عن أنظار العالم خلال الحرب العالمية الثانية، كان معروفًا فقط لزعماء الصهيونية والنازية. وفي النهاية، ساهمت هذه التفاهمات في تقسيم فلسطين عام 1948، ليصبح هذا الاتفاق جزءًا من التاريخ الذي لا يزال يثير التساؤلات والجدل حتى يومنا هذا.
[1] الشرطة السرية الألمانية
[2] سوكولوف، ناهوم، “تاريخ الصهيونية”، داوود حيدري، مؤسسة دراسات التاريخ المعاصر في إيران، 1377/ روجيه غارودي، “تاريخ الارتداد”، مجيد شريف، طهران، مؤسسة خدمات الثقافة رسا، 1377/ إيفانوف، يوري، “الصهيونية”، إبراهيم يونس، طهران، أمير كبير، 1353/ شيخ نوري، محمد أمير، “الصهيونية ونقد التاريخ المعاصر في الغرب”، پژوهشگاه فرهنگ و اندیشه اسلامی، 1390.
[3] Kruger, C. G (2009). The English Historical Review 124 (510). Oxford University Press: 1208-18. / Yf’aat Weiss, The Transfer Agreement and The Boycott Movement: A Jewish Dilemma on the Eve of Holocaust.
[4] Hiam H. Ben Sasson , A History of Jewish people, Harvard University Press, 1976/ Gur Alroey, The Jewish Migration to Palestine in the Early Twentieth Century, 1882-1903
[5] ديروجی، ژاک وكارمل، هنري، “تاريخ إسرائيل السري”، ترجمة عربية، دمشق، 1979.
[6] Edwin Samuel: Immigration to Israel, Its causes and consequences, Herael year book , 11. 1959
[7] كتان، هنري، “فلسطين وحقوق الإنسان الدولية”، غلامرضا فدائي، طهران، أمير كبير، 1354، ص 61.
[8] ليليانتال، ألفرد، “الاتصال الصهيوني”، سيد أبوالقاسم حسيني، طهران، پژوهشگاه فرهنگ و اندیشه الإسلامية، 1379، ص 77.
[9] غارودي روجية، “ماجرى إسرائيل: الصهيونية السياسية”، منوچهر بيات، مشهد، آستان قدس، 1364، ص 64.
[10] أندرو ولسكي، “كوكبورن: الاتصال الخطير (القصة غير المروية للعلاقة السرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل)”، محسن أشرفي، طهران، مؤسسة معلومات، 1371، ص 50.
[11] ليليانتال، ألفرد، “الاتصال الصهيوني”، سيد أبوالقاسم حسيني، طهران، پژوهشگاه فرهنگ و اندیشه الإسلامية، 1379، ص 78 و 79.
[12] صفاتاج، مجيد، “دانشنامه فلسطين”، طهران، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، الجزء الأول، 1380.