دراسة تأثير الأحداث التاريخية بعد يوم النكبة على مقاومة فلسطين

مسار الأحداث في عام 1948 من يوم النكبة إلى تأسيس جذور المقاومة الفلسطينية

مسار الأحداث في عام 1948 من يوم النكبة إلى تأسيس جذور المقاومة الفلسطينية

بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 294 الصادر في نوفمبر 1947، والذي سبق أن تناولناه في مقالات سابقة، تم تقسيم فلسطين وتنفيذ هذا التقسيم. وفي الرابع عشر من مايو عام 1948، أعلن دافيد بن غوريون، رئيس الوزراء المؤقت لإسرائيل عن قيام دولة إسرائيل. يطلق الفلسطينيون على هذا اليوم اسم “النكبة”، وهو يوم حُرِموا فيه من وطنهم. بعد النكبة، بدأ تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين قسراً من أراضيهم التي صارت تحت الاحتلال الإسرائيلي بموجب هذا القرار. وفي الحادي عشر من مايو عام 1949، وبعد أن أصبحت إسرائيل مالكة لـ 57% من أراضي فلسطين بموجب اتفاقية 1948، اعترفت الأمم المتحدة بدولة إسرائيل كعضو كامل فيها، بعد أن استولت على أكثر من نصف مساحة فلسطين.

لقد كان يوم النكبة، وأحداث عام  1948 بشكل عام،  بمثابة تمهيد لتحولات أساسية في مقاومة فلسطين. على الرغم من مواجهة الاستعمار والتآمر العالمي، فإن الفلسطينيين لم يستسلموا يوماً لحقوقهم المشروعة، وتجلت مقاومتهم بأشكال متنوعة كالإضرابات والتظاهرات والجهاد المسلح.

شهدت ساحة المقاومة الفلسطينية بظهور قادة عظماء، أبرزهم عبد القادر الحسيني الذي ترك بصمة واضحة في تاريخ النضال الفلسطيني. فقد أسس تنظيمات مقاومة عديدة، وصار رمزاً للمقاومة والصمود في وجه الظلم والاستكبار. وقد استشهد في حرب عام 1948 دفاعاً عن أرضه وعرضه.

كان يوم النكبة وحرب 1948 من أصعب الأزمات التي واجهها الفلسطينيون، مما أدى إلى احتلال واسع لأراضيهم وتشريد آلاف الأشخاص. كانت بداية وجود الكيان الصهيوني في فلسطين مصحوبة بالقتل والجرائم والكوارث. ومع مرور الوقت، لم يتغير هذا النهج، بل زادت حدته. تُعتبر مجزرتا دير ياسين وطَنْطُورَة مثالين على الجرائم التي تكشف الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني. ورغم مرارة هذه الأحداث، إلا أنها عززت إرادة الشعب الفلسطيني في مواصلة النضال والمقاومة.

منذ عام 1967 حتى 1998، دخلت مقاومة فلسطين مرحلة جديدة، حيث سعى الفلسطينيون من خلال الانتفاضات والنضالات لاستعادة حقوقهم التي سُلبت منهم في يوم النكبة. تُظهر المقاومة في غزة العزم الراسخ للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال اليهودي منذ يوم النكبة. إن مقاومة فلسطين ليست مجرد نضال حديث، بل هي جزء من صراع تاريخي بين جبهة الحق والباطل. تجسد هذه النضالات مفاهيم مثل عدم الاستسلام والجهاد في سبيل الحق.

في هذه المقالة، سوف نقوم بدراسة وتحليل بعض الأحداث الرئيسية المؤثرة على مقاومة فلسطين منذ عام 1947 وحتى الآن. هذه التحليلات ليست مجرد إعادة قراءة تاريخية، بل هي محاولة لفهم أعمق لطبيعة الأحداث الفلسطينية ودورها الفعال في المعركة الكبرى بين الحق والباطل. الهدف الرئيسي من هذه المعركة هو القضاء على الاستكبار وإقامة حكومة العدل الإلهي في جميع أنحاء العالم، وفلسطين هي الخط الأمامي في هذه المعركة.

 

دور قرار تقسيم 1947 في تحول مقاومة فلسطين

شهدت المقاومة الفلسطينية تحولا جذريا في شكلها و طبيعتها قبل وبعد صدور قرار التقسيم رقم 1947. ففي حين كانت المقاومة الفلسطينية قبل القرار تعتمد على أساليب سلمية كالإضرابات والمفاوضات، إلا أن القرار الذي كان يهدف ظاهريا إلى حل الصراع، أدى في الواقع إلى تفاقم الأزمة واندلاع حرب وبدء فترة مليئة بالعنف والتهجير والمعاناة، مما دفع الفلسطينيين إلى تبني أساليب مقاومة أكثر عنفاً. كانت تقسيمات قرار 1947 غير عادلة وغير متوازنة، مما أثار احتجاجات شديدة من الفلسطينيين منذ البداية. ويمكن اعتبار هذا القرار بداية للمخطط الصهيوني الطموح للتوسع، وعلامة فارقة في بدء نضال الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقوقه المشروعة.

لم يقتصر مشروع الصهاينة على تأسيس كيان صغير في فلسطين، بل كان طموحهم يتجاوز ذلك إلى إقامة كيان عابر للقارات، وكان قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947 مجرد مرحلة انتقالية لتحقيق هذا الهدف. فقد اعتبر الصهاينة هذا القرار وسيلة لتثبيت أقدامهم في فلسطين والتوسع فيها، من أجل تحقيق حلمهم بإقامة “إسرائيل الكبرى”. بعد إعلان قيام دولتهم عام 1948، شرعوا في تنفيذ مخططاتهم التوسعية وقمع الشعب الفلسطيني.

رغم أن قرار التقسيم عام 1947 كان يبدو لصالح الصهاينة، إلا أنهم سرعان ما كشفوا عن نواياهم الحقيقية، فاستخدموا العنف والقوة لخرق بنوده. هذه السياسة العدوانية كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الحرب عام 1948، والتي أسفرت عن النكبة الفلسطينية.

مع تصاعد أعمال العنف وانطلاق شرارة الحرب الأهلية عام 1948، تحولت المقاومة الفلسطينية إلى شكل أكثر تنظيماً ووعياً. فبعد أن كانت المقاومة تتركز على صدّ العدوان الصهيوني على الأرض الفلسطينية، اتسعت لتشمل الدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينية في مواجهة التطهير العرقي والسياسات العنصرية التي مارستها العصابات الصهيونية. وقد استمد الفلسطينيون زخماً كبيراً من إيمانهم بحقهم في أرضهم، وبضرورة الصمود في وجه الظلم والعدوان.

ترافقت التغيرات الفكرية والإيديولوجية للمقاومة الفلسطينية مع تغييرات جذرية في شكلها وطبيعتها. فبعد النكبة، تحولت المقاومة إلى شكل مسلح، ويمكن اعتبار حروب عام 1948 بداية حقبة جديدة من الكفاح المسلح الفلسطيني.

 

تأثير أحداث 1948 على مسار المقاومة الفلسطينية

لقد شكّلت بداية الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني، والتي تزامنت مع النكبة الفلسطينية، نقطة تحول حاسمة في تاريخ المقاومة الفلسطينية. فالحرب التي اندلعت مباشرة بعد الإعلان، والتي عرفت بحرب 1948، كانت بمثابة الشرارة الأولى للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المستمر حتى يومنا هذا. وقد أدت هذه الحرب، المدعومة بقوى الاستعمار وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة، إلى احتلال فلسطين وتشريد شعبها وتهجیرهم والنفي والتدمير الواسع عليهم، مما دفع الفلسطينيين إلى مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة.

أدت حرب عام 1948 إلى ارتكاب مجازر مروعة بحق الفلسطينيين، وتشريد مئات الآلاف منهم، وتدمير قرى ومدن بأكملها. وقد سلبت هذه الحرب الفلسطينيين حقوقهم السياسية والوطنية، وأجبرتهم على النزوح إلى الدول المجاورة. ولم يبقَ للفلسطينيين سوى أجزاء محدودة من أرضهم، مثل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

لم يلبث الكيان الصهيوني، فور إقامته، أن كشف عن نواياه العدوانية، حيث سعى إلى تحقيق حلمه التوسعي الذي يمتد من النيل إلى الفرات. إلا أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم لهذا العدوان، وصمد في وجهه بكل ما أوتي من قوة.

قبل قيام الكيان الصهيوني وحرب عام 1948، كانت هناك بالفعل حركات مقاومة فلسطينية، إلا أن الحرب والنتائج الكارثية التي تلتها شكلت حافزًا قويًا لتبلور وتنظيم هذه الحركات. ويمكن اعتبار حرب 1948 نقطة الانطلاق الحقيقية لتأسيس فصائل مقاومة منظمة مثل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس والجهاد الإسلامي، والتي ارتكزت في نضالها ضد المحتلين على القيم الإسلامية وحقوق الشعب الفلسطيني. لقد أكد الزمن للفلسطينيين أن المنظمات والهيئات الدولية عاجزة عن حمايتهم، وأن القرارات والقوانين الدولية لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل التواطؤ الصهيوني. ولذا، اجتمع الفلسطينيون من كل الأطياف، قوميين كانوا أم إسلاميين، على هدف واحد هو تحرير أرضهم. وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية، يوماً بعد يوم، مدى صمودها وتضحياتها في سبيل هذا الهدف السامي.

 

مذبحة دير ياسين

كانت مذبحة دير ياسين وصمة عار في تاريخ فلسطين، شاهدة على وحشية لا مثيل لها ارتكبت بحق المدنيين العزل. لم تكن هذه الجريمة مجرد حادث عابر، بل كانت حلقة في سلسلة من الجرائم المنظمة التي هدفت إلى تطهير فلسطين عرقياً واحتلالها.

في فجر يوم التاسع من أبريل عام 1948، أي قبل النكبة مباشرة، ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة مروعة في قرية دير ياسين غرب القدس. كانت هذه المجزرة جزءًا من مخطط ممنهج لتطهير عرقي واسع النطاق، ولتوسيع رقعة الاحتلال الصهيوني.

تولت مجموعات إرهابية مثل “إيرغون” و”ليحي” تحت قيادة مجرمين أمثال مناحيم بيغن وإسحاق شامير، المسؤولية المباشرة عن مجزرة دير ياسين. كان الهدف من هذه المجزرة بث الرعب في نفوس الفلسطينيين وتسريع عملية تهجيرهم القسري من أرضهم.

في الهجوم الوحشي على دير ياسين، وُجدت تقارير عديدة عن التعذيب، والاغتصاب، والمجازر، وإحراق المنازل. استشهد العديد من النساء والأطفال الأبرياء في هذا الهجوم، واضطر الكثيرون إلى ترك منازلهم والفرار إلى مناطق أخرى. تُعتبر مذبحة دير ياسين واحدة من أكبر الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين في فترة ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني.[1]

بارتكاب مجزرة دير ياسين، أراد العدو الصهيوني بث الرعب في قلوب الفلسطينيين وإقناعهم بأن لا مكان آمن لهم في وطنهم إذا ما قاوموا الاحتلال. كان الهدف من هذه الجريمة البشعة هو تهجير الفلسطينيين و تفريق شملهم، ومنعهم من تشكيل قوة قادرة على مواجهة المشروع الصهيوني. أسفرت هذه الجريمة النكراء عن تهجير وتشريد أكثر من ثمانين بالمئة من الشعب الفلسطيني، وفقاً لبعض التقديرات.

تم ارتكاب مجزرة دير ياسين في خضم سباق تسلح إسرائيلي مكثف، هدفه مواجهة المقاومة العربية والفلسطينية. وقد ساهمت هذه المجزرة، إلى جانب عمليات التطهير العرقي الأخرى، في تعزيز الموقف العسكري للكيان الصهيوني، ومكنته من الاستيلاء على المزيد من الأراضي لتوسيع المستوطنات اليهودية. فبعد المذبحة، ضُمّت قرية دير ياسين إلى مستوطنة غفعات شائول.

تتباين الأرقام حول عدد ضحايا مجزرة دير ياسين بشكل كبير، حيث تتراوح التقديرات بين 107 و 360 شهيداً. وقد تعمدت العصابات الصهيونية تضخيم أو التقليل من هذا العدد لتحقيق أهداف سياسية، ففي بعض الأحيان كانت تبالغ في الأرقام لزرع الرعب في صفوف الفلسطينيين وتشجيعهم على الفرار، وفي أحيان أخرى كانت تخفي الحقيقة لتغطية على جرائمها. وتؤكد هذه التباينات في الأرقام مدى دقة سياسة التضليل والتشويش التي تمارسها إسرائيل لتشويه الحقائق وتبرير جرائمها.

 

مذبحة الطنطورة

كانت مذبحة طنطورة إحدى أبشع الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية خلال حرب 1948، والتي كانت جزءاً من مخطط أكبر لتطهير عرقي واسع وتهجير الفلسطينيين من ديارهم، وتغيير التركيبة السكانية لأرض فلسطين، وحذف الهوية الفلسطينية، وإنشاء كيان مزيف. تكشف هذه المجزرة عن الوجه القبيح للصهيونية وطبيعتها الاستعمارية القائمة على القتل والتشريد.

شهدت قرية طنطوره عام 1948 مذبحة مروعة ارتكبتها العصابات الصهيونية، حيث ارتكبت مجازر بشعة بحق المدنيين العزل، وارتكبت جرائم حرب لا تغتفر، شملت القتل والنهب والتدمير والتهجير القسري. وقد ارتكبت هذه الجرائم الوحشية من قبل كيان يدعي التمسك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في مذبحة الطنطورة والعديد من الجرائم الأخرى التي ارتكبها الكيان الصهيوني، سعت وسائل الإعلام والأنظمة الدولية إلى إخفاء أو تقليل أهمية هذه الجرائم. إن صمت المجتمع الدولي وتواطؤ بعض القوى الغربية مع الكيان الصهيوني قد أتاحا المجال لتكرار مثل هذه الفظائع، وآخر مثال على ذلك الجرائم التي تحدث حاليًا في غزة. إن عدم محاسبة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم يُظهر ضعف النظام الدولي وتأثير اللوبيات الصهيونية في القرارات العالمية. يُظهر “وثائقي الطنطورة” بوضوح جرائم الصهاينة والجهود التي يبذلونها لإخفاء الحقائق.

إن جرائم الكيان الصهيوني لا تضر فقط بالشعب الفلسطيني، بل تشكل تهديدًا للسلام والأمن العالميين. إن النضال ضد هذا الكيان ودعم الشعب الفلسطيني المظلوم هو واجب كل إنسان حر يؤمن بالعدالة والإنسانية.

 

خيانة كامب ديفيد

تُعتبر صحراء سيناء، شبه جزيرة استراتيجية في شمال شرق مصر، جسرًا يربط بين آسيا وأفريقيا، وقد كانت منذ زمن بعيد محط اهتمام القوى الإقليمية والدولية نظرًا لأهميتها الجيوسياسية. تلعب هذه المنطقة، التي تتمتع بالوصول إلى البحر الأحمر وقناة السويس، دورًا حيويًا في التجارة والنقل العالمي. إن السيطرة على صحراء سيناء تعني السيطرة على جزء مهم من مسارات الطاقة والتجارة الدولية. لهذا السبب، كانت القوى الاستعمارية والكيان الصهيوني دائمًا تتطلع إلى هذه المنطقة.

ازدادت أهمية هذه المنطقة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978. هذه الاتفاقية، التي وُقعت بوساطة أمريكية بين مصر وإسرائيل، بدت ظاهريًا كخطوة نحو السلام بين الطرفين، لكنها في الواقع كانت صفقة استعمارية تهدف إلى تثبيت قوة الكيان الصهيوني في المنطقة وتفكيك جبهة المقاومة الإسلامية. في اتفاقية كامب ديفيد، اعترفت مصر، أكبر دولة عربية، بوجود الكيان الصهيوني وتخلت عن دعمها لقضية فلسطين.

كان أحد الأهداف الرئيسية لاتفاقية كامب ديفيد هو إخراج مصر من جبهة مواجهة الكيان الصهيوني، مما أدى إلى إضعاف الجبهة العربية. من خلال هذه الخطوة، تمكن الكيان الصهيوني من مواصلة احتلاله وقمع الفلسطينيين دون أي عائق. في المقابل، حصلت مصر على امتيازات محدودة تتمثل في استعادة صحراء سيناء، ولكن مع قيود عسكرية وأمنية صارمة.

تُعتبر اتفاقية كامب ديفيد خيانة واضحة لقضية فلسطين ومؤامرة استعمارية تهدف إلى إضعاف الأمة الإسلامية. لم تُحقق هذه الاتفاقية السلام في المنطقة، بل وفرت الظروف لمزيد من الاعتداءات من قبل الكيان الصهيوني. لطالما سعت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الاستعمارية لتحقيق مصالحها في المنطقة، واستخدمت الكيان الصهيوني كأداة لتحقيق هذه المصالح. وُقعت اتفاقية كامب ديفيد في هذا السياق، بهدف تثبيت هيمنة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على المنطقة.

لم تكن استعادة صحراء سيناء من قبل مصر إنجازًا حقيقيًا، بل كانت امتيازًا يهدف إلى خداع الرأي العام ومنح الشرعية للاتفاقية المشؤومة. كان هذا الامتياز ضئيلًا مقارنة بالتخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني والاعتراف بوجود الكيان الصهيوني المزيف.

سعت وسائل الإعلام الغربية إلى تشويه الحقائق وخلق بيئة لتبرير اتفاقية كامب ديفيد، مقدمة إياها كإنجاز كبير للسلام في المنطقة، بينما كانت في الواقع مقدمة لمزيد من الاعتداءات من قبل الكيان الصهيوني.

لم تقتصر عواقب اتفاقية كامب ديفيد على مصر وفلسطين، بل أثرت على المنطقة بأسرها. أدت هذه الاتفاقية إلى إضعاف وحدة العالم الإسلامي وتعزيز مكانة الكيان الصهيوني، كما سمحت للولايات المتحدة بتوسيع وجودها العسكري في المنطقة ومتابعة مصالحها الاستعمارية.

كانت اتفاقية كامب ديفيد، في ظاهرها، اتفاقية للسلام واستعادة الأراضي، لكنها في باطنها أداة لتثبيت الهيمنة الاستعمارية وقمع الشعب الفلسطيني المظلوم. تذكرنا هذه الواقعة بأنه من أجل تحقيق السلام الحقيقي في المنطقة والعالم، يجب علينا محاربة الاستعمار والاحتلال والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وسائر المظلومين في العالم. إن الوصول إلى السلام الحقيقي لن يكون ممكنًا دون حل عادل لقضايا المظلومين في العالم وإنهاء استعمار المستكبرين مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

 

مقاومة فلسطين في الفترة الزمنية 1967-1998

شهدت الفترة الممتدة بين عامي 1967 و 1998 تحولات دراماتيكية في القضية الفلسطينية، فترة مليئة بالتحولات، والاحتلال، والمقاومة، والانتفاضات، والخيانة. حيث أدّت حرب الأيام الستة عام 1967، إلى احتلال واسع للأراضي الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وقد تسبب هذا الاحتلال في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة في المنطقة. على الرغم من أن حرب 1967 أدت إلى احتلال الأراضي الفلسطينية، إلا أنها عززت روح المقاومة والنضال بين الفلسطينيين.

بعد حرب 1967، تشكلت مجموعات مناضلة فلسطينية بهدف استعادة أراضيها وبدأت في تنفيذ نضالات مسلحة. خلال هذه السنوات، واصل الكيان الصهيوني سياساته القمعية والعنيفة ضد الفلسطينيين بالاضافة إلى بناء المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة وخلق ظروف صعبة للفلسطينيين.

في عام 1987، بدأت الانتفاضة الأولى مع قيام الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. كانت هذه الانتفاضة حركة احتجاجية عفوية وواسعة شارك فيها جميع فئات المجتمع الفلسطيني بهدف إنهاء الاحتلال الصهيوني وتحقيق الاستقلال. واجه الفلسطينيون في هذه الانتفاضة الدبابات والأسلحة المتطورة للكيان الصهيوني بالحجارة والعصي وأيديهم العارية. كانت الانتفاضة الأولى رمزًا للمقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، وجذبت انتباه العالم إلى قضية فلسطين. كما أظهرت هذه الانتفاضة أن الشعب الفلسطيني يرفض التنازل والاستسلام، ورغم سنوات الاحتلال والقمع، لا يزال متمسكًا بقضاياه.

في عام 1993، تم توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني. بدت هذه الاتفاقية ظاهريًا كخطوة نحو السلام بين الطرفين، لكنها في الواقع كانت صفقة استعمارية أدت إلى إضعاف قضية فلسطين. من خلال توقيع هذه الاتفاقية، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بوجود الكيان الصهيوني وتنازلت عن العديد من حقوقها.

لم تؤدِ اتفاقية أوسلو إلى السلام، بل وفرت الظروف لتوسيع الاستيطان واعتداءات الكيان الصهيوني. كما أدت هذه الاتفاقية إلى حدوث انقسام وخلاف بين الفصائل الفلسطينية، مما أضعف جبهة المقاومة. تُعتبر الفترة الزمنية من 1967 إلى 1998 فترة لزيادة الاحتلال، وإنشاء مستوطنات غير قانونية، وتكثيف القمع ضد الفلسطينيين، بالإضافة إلى تعزيز روح المقاومة والنضال بينهم.

في هذه المقالة، استعرضنا سلسلة الأحداث التي أثرت بشكل حاسم على مسار المقاومة الفلسطينية، بدءًا بقرار التقسيم المشؤوم عام 1947 وصولًا إلى النكبة واتفاقية كامب ديفيد. وفي كل مرحلة من هذه المراحل، تتجلى بوضوح محاولات الاحتلال الصهيوني المستمرة لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على هوية الشعب الفلسطيني، وكيف واجه الشعب الفلسطيني هذه المحاولات بمقاومة عنيدة. هذه المقاومة تعكس إرادة أمة لا تقبل الذل والظلم. ما يحدث في فلسطين يتجاوز كونه صراعًا سياسيًا وجغرافيًا؛ إنه صراع ايديولوجي وتحدٍ بين الحق والباطل. والسؤال المطروح: أين نقف نحن من هذا الصراع؟ إلى أي الجبهتين ننتمي؟ وبعد كل الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني، هل لا يزال هناك من يتردد في الانحياز إلى جانب الحق؟

 

[1] بیانات قائد الثورة في لقاء مع فئات مختلفة من الشعب؛ 20 – 7 – 1994

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *