الأربعين: بشارة بحكومة الصالحين
الأربعين: الجنّةُ الموعودة
مسيرة الأربعين: رمز حكومة الصالحين
إن رؤية الأديان كلّها عن مستقبل العالم تتفق في جوهرها على أن الغاية المنشودة هي مستقبل يسوده السرور والحب والسلام. مجتمع تتلاشى فيه الصراعات وتزدهر فيه القيم الإنسانية. وقد بشرت جميع الأديان السماوية بقدوم منقذ موعود مبارك يحكم في العالم بالعدل والإحسان، ويعم فيه الرخاء والسلام.
ستكون الجنة الأرضية التي سيقيمها المنقذ الموعود، كما نشاهده في زيارة الأربعين من حب وسلام ووئام، والذي تشهده أرض العراق كل عام. إن مستوى الأمن الذي يعمّ مسار الزيارة الأربعينية لدرجة تمكن النساء من السير فيه ليلاً ونهاراً بكل أمان، يشكل شاهداً قاطعاً على حالة الاستقرار والطمأنينة التي تسود هذا الحدث العظيم. إن حضور النساء والأطفال، وتوفير الخدمات الأساسية والثقافية والصحية مجاناً للجميع في مسار زيارة الأربعين، يشكّل دليلا قاطعا لمن تأمل وتدبر، على أن هذه الزيارة تمثل نموذجًا مصغرًا للحكومة العالمية الموعودة. حكومة الصالحين التي تسوده العدل والمساواة، ويُحترم فيه الإنسان من أجل کرامته الإنسانية بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو مركزه الاجتماعي.





ما معنى مناسبة الأربعين؟
الأربعين... لقاءٌ مع الهويّة الإنسانية
كلمة “الأربعين” تعني في اللغة العربية العدد أربعون. أما في الاصطلاح الشيعي، فهي تشير إلى اليوم الأربعين الذي يلي يوم عاشوراء، وهو يوم استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام. يوافق يوم الأربعين في التقويم الهجري يوم العشرين من شهر صفر. وأول أربعين للإمام الحسين عليه السلام وقع في العام الحادي والستين للهجرة.
في هذا اليوم العظيم، يسير ملايين الزوّار من أنحاء الأرض، في مسيرةٍ هادرة نحو ضريح الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدّسة. ليسوا فقط من الشيعة، بل من كلّ الأديان والمذاهب، بل ومن لا يؤمنون بأيّ دينٍ على الإطلاق؛ الجميع يشاركون، بلا تمييز ولا حدود، في هذا اليوم العظيم، يسير ملايين الزوّار من أنحاء الأرض، في مسيرةٍ هادرة نحو ضريح الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدّسة. ليسوا فقط من الشيعة، بل من كلّ الأديان والمذاهب، بل ومن لا يؤمنون بأيّ دينٍ على الإطلاق؛ يشارك الجميع في هذا الحدث الإنساني العالمي بلا تمييز ولا حدود.
ما الذي يجمعهم؟
إنّه الشوق إلى الكمال، والعشق للجمال، والرغبة الدفينة في الخير المطلق.
فالأربعين ليس مجرّد ذكرى، بل هو مرآةٌ تنعكس فيها صورة “الإنسان الكامل” الذي يُلهم البشر جميعًا بمُثُله العليا.
كلُّ إنسان، بحكم النفخة الإلهية التي جُبِلَ عليها، يحمل في أعماقه توقًا فطريًّا نحو اللانهاية…
وفي مسيرة الأربعين، يجد صدى ذلك التوق وتجلياته، متجسّدةً في مظهر من مظاهر اللانهاية، يوقظ روحه ويوحّد نداؤه مع ملايين الأرواح العاشقة.
تُعد مسيرة الأربعين ظاهرة عالمية فريدة، تسجل سنويًا أرقامًا قياسية جديدة، ليس فقط من حيث عدد المشاركين، بل أيضًا في نشر القيم الإنسانية السامية كالمحبة والسرور والحب.
لماذا مسيرة الأربعين لا تزال تُقام حتى اليوم؟
إن مسيرة الأربعين تجسيد حيّ لعشقٍ خالص تحمله الأرواح التوّاقة للكمال الإنساني. المشاركون في هذه المسيرة الاستثنائية هم ضيوف الوليمة المجانية الأكبر على وجه الأرض، من حيث مدّتها، وحجم خدماتها، وامتدادها الجغرافي والإنساني، وهي تجربة لا مثيل لها في أيّ مكان في العالم.
تختصر هذه المسيرة، في مشهدٍ رمزيّ، ما نحلم به من خصائص دولة الصالحين: كرمٌ لا يُحدّ، تعاونٌ بلا شروط، ومجتمعٌ يتنفس السلام والتضحية والوحدة والمحبة.
وما يميز هذه المسيرة، ليس فقط أعداد المشاركين أو مشقّات الطريق، بل قدرتها العجيبة على إرواء روح الإنسان العاشقة لما هو لانهاية له، وتقديم لمحة من المستقبل الموعود الذي تتعطّش له القلوب منذ الأزل.
كتيّب "بشارات الأربعين"
لماذا تسود مسيرة الأربعين روح التطلّع إلى الإمام المنتظر والسعي نحو المنقذ الموعود؟ وكيف يمكن إثبات أنّ هذه الروح هي الجوهر العميق لهذا الحدث العالمي؟ ما هو السرّ في مشاركة غير المسلمين بل وحتى اللادينيّين في هذه المسيرة الكبرى؟ وماذا يبحث عنه أكثر من 22 مليون زائر يشتركون سنويًا في هذه الرحلة الروحية الفريدة؟ جميع هذه الأسئلة الجوهرية تجدون أجوبتها في كتيّب “بشارات الأربعين”، الذي يقدم رؤية مختصرة وعميقة لفهم فلسفة الأربعين وأبعادها الإنسانية والإلهية.
إذا كنت تفضّل الاستماع على القراءة، أو تودّ التعرّف بشكل أعمق على البُعد الإنساني لمسيرة الأربعين وتأثيرها في بناء حضارة إنسانية، ندعوك للاستماع إلى بودكاست «حضارة الأربعين السلمية» أثناء مشيك في الطريق.
تاريخ الأربعين
لإجراء دراسة تاريخية حول واقعة الأربعين، لا بد من التطرق أولًا إلى خلفية وأسباب الحدث المحفز لها، ألا وهو واقعة عاشوراء. بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في العام الحادي عشر للهجرة، ورغم تأكيده الصريح على خليفته من بعده، خالف المسلمون وصيته وانتخبوا غير من دلَّ عليه في مجلس شورى. أدى هذا الانحراف الخطير، الذي كان مقرونًا بعدم فهم المسلمین لحقيقة أن الله وحده هو المخول بتعيين خلفاء رسوله، إلى تدهور الأوضاع، ووصول شخصٍ فاسقٍ لا يلتزم بأحكام الإسلام الظاهرة كيزيد بن معاوية إلى الحكم في العام الستين للهجرة، وقد باشر يزيد حكمه بإرسال أمر إلى واليه على المدينة، يُجبر فيه الحسين بن علي عليه السلام، حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وثالث أئمّة أهل الالصفحة الرئيسية عليهم السلام، على مبايعته.
عندما امتنع الإمام الحسين(عليه السلام) عن مبايعة يزيد، مقتنعًا بعدم أهليته لحكومة المسلمين، هاجر من المدينة إلى مكة المكرمة. وبعد أن استدعاه أهل الكوفة، انطلق قاصدًا إياهم، إلا أنه حوصر في طريق كربلاء مع اثنين و سبعين من أصحابه الأوفياء واستشهدوا في معركة ضارية وقعت في العاشر من محرم الحرام سنة إحدى وستين هجرية. بعد انتهاء المعركة، تم رفع رؤوس الشهداء الأطهار على الرماح إلى قصر يزيد، واقتيدت نساء وأطفال آل الالصفحة الرئيسية ونقلوهم كأسرى غير مسلمين إلى الشام. ولكن، أدّت خطبة الإمام السجاد عليه السلام، وهو الوارث الوحيد من ذكور آل الالصفحة الرئيسية في كربلاء، وكلام السيدة زينب(عليها السلام) أخت الحسين (عليه السلام)، إلى فضيحة زيف الادعاءات التي أطلقها يزيد، وأحرجاه أمام الناس، فاضطر إلى إطلاق الأسارى إرجاعهم إلى المدينة المنورة.
عاد آل الالصفحة الرئيسية الطاهرون عليهم السلام من سبي الشام إلى المدينة، وحطّت بهم الرحال في كربلاء، وهناك التقت الأجساد الطاهرة برؤوسها الشريفة، فكانت هذه اللحظة الفارقة بدايةً لمراسم الأربعين، كأحد مظاهر الحداد والبكاء على شهداء كربلاء بعد أربعين يوماً من رحیلهم. ويُعدّ الإمام الحسين وأصحابه النجباء هم الشخصيات الوحيدة التي يُقام لهم مهرجان عظيم كهذا.
مسيرة الأربعين : نافذة على ميراث الصالحين
إن حضور الجموع الشيعية في زيارة الأربعين ليس مجرد حدث ديني تقليدي، بل هو رمز بالغ المعنى، يحمل في طياته رسالة واضحة مفادها أن الإمام المعصوم، والقدوة الإنسانية الكاملة، إذا استشهد ذات يوم في كربلاء وحيدًا، فلن نسمح بتكرار مثل هذه المأساة مرة أخرى. يرى الزوار أنفسهم جنوداً لإمام زمانهم الحي الذي يستعد للظهور، ويفسرون مسيرة الأربعين بأنها تجديد العهد والميثاق في حضن الحسين سنة 61 هجرية، مع حسين زمانهم. إن هذا التجمع الهائل للمؤمنين، إعلان عن استعداد الأمة للولاء والتعاطف لبناء حكومة الصالحين، والتي سيعلن فيها المخلص الموعود عن نفسه عند ظهوره بالقرب من الكعبة المشرفة بأنه من وُلد الإمام الحسين عليه السلام:
- ألا یا أهلَ العالَم أنَا الإمام القَائِم.
- اَلا یا اَهلَ العالَم اَنَا الصَّمصامُ المُنتَقِم.
- اَلا یا اَهلَ العالَم اِنَّ جَدِی الحُسَین قَتَلُوهُ عَطشاناً.
- الا یا اَهلَ العالَم اِنَّ جَدِی الحُسَین طَرَحُوهُ عُریاناً.
- اَلا یا اَهلَ العالَم اِنَّ جَدِی الحُسَین سَحَقُوهُ عُدواناً.
حقيقة الأربعين
جهود لإقامة حکومة الصالحين
إن المشاركة في مسيرة الأربعين لن تؤتي ثمارها الحقيقية المرجوة في نفوسنا إلا إذا أدركنا حقيقة هذه الزيارة من منظور إنساني عميق، وعرفنا أنّ المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الإنسان المعاصر تكمن في ابتعاده عن الإمام باعتباره الإنسان الكامل، وقدوة مثالية وحيدة للإنسانية. إذا لم يعرّف الإنسان نفسه على أساس منزلته الإنسانية، فسوف يؤدّي عدم إدراكه لهذه الحقيقة أن يقتصر على الحزن على الماضي في كربلاء سنة 61 للهجرة، ويغفل عن الخسارة الحقيقية التي حلّت بالبشرية إلى يومنا هذا، وهي خسارة الارتباط بالإمام المعصوم.
إن أشد ما يعاني منه العالم اليوم، ليس إلا الحرمان من الإمام المعصوم المتخصص الذي يقود البشرية إلى بر الأمان، ويخلصها من كل فتنة وشر. هذا الغياب العظيم هو الداء الذي يسري في جسد الإنسانية، وهو الذي يسبب كل ما نعانيه من اضطرابات وأزمات في يومنا هذا. ولعلنا جميعًا نشترك في المسؤولية عن استمرار هذه الآفة، فكل فرد منا يلعب دوراً، وإن كان صغيراً، في إطالة أمد هذا الغياب. يكمن الحل في أن نبدأ بأنفسنا، وأن نسعى جاهدين لمعرفة أنفسنا، وإدراك حقيقة الإمام الحاضر واليقين بأن الخلاص الحقيقي لن يحلّ بالعالم إلا بظهور الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) في نفوسنا وقلوبنا.
تشكيل حكومة الصالحين: الرؤية النهائية للأربعين
الأربعين، بكل عظمتها وجمالها وروعتها، ليست سوى نموذجٍ مصغّرٍ لحكومة الصالحين.
وما يمنح هذه المسيرة خصوصيّتها وتميّزها هو ذلك التدريب الجماعي الذي يخوضه الناس سويًّا لنشر ثقافتها في أنحاء العالم، وربطها بحكومة الصالحين التي ستنقذ البشرية قريبًا من ربقة الظلم، والفقر، والفساد، والجوع، والحروب، وسفك الدماء.
لیست الدولة الكريمة وحكومة الصالحين مجرد مفاهيم جغرافية أو زمنية. فهما لا تتعلقان بزمان محدد أو مكان معين، بل هما مرتبطتان بظروف اجتماعية ونفسية خاصة. متى ما توفرت هذه الظروف في أي مجتمع وأي زمان، فإن أركان الدولة الكريمة ستُبنى وتُثبت. غير أن الأهم من تحقيق الدولة الكريمة في الواقع الخارجي، هو تحقيقها في أنفسنا. فالدولة الكريمة تبدأ من قلوبنا ونفوسنا، حيث يجب أن نتهيأ نفسيًا وروحيًا للعيش وفق مبادئها. إن انسجام ذواتنا مع قيم هذه الدولة هو المفتاح الحقيقي للانتقال إلى دائرة المنتظرين الصادقين. وحين يتحقق هذا الانسجام، سيصبح سعينا نحو إقامة حكومة الصالحين أمرًا طبيعيًا ينبع من إيمان راسخ ووعي عميق.
لمن يتطلّع إلى فهمٍ أعمق واستيعابٍ أوفى لما طُرح في هذا القسم، ننصح بالتمعّن في مشاهدة الفيديوهات، والتأمّل في قراءة المقالات المرفقة، ثم الانتقال إلى القسم التالي من الموقع بعنوان: دور كل منا في ظهور الموعود
المقالات
مسيرة الأربعين عبر التاريخ والتحديات التي واجهتها تُعتبر مسيرة الأربعين...
الأربعين: بشارة بحكومة الصالحين
مسيرة الأربعين عبر التاريخ والتحديات التي واجهتها تُعتبر مسيرة الأربعين...
الأربعين: بشارة بحكومة الصالحين
ما سرّ أهمية زيارة الأربعين حتى عُدّت علامةً من علامات...
الأربعين: بشارة بحكومة الصالحين
دراسة تاريخية لمسيرة الأربعين: أسرار الزيارة و أول زائر للإمام...
الأربعين: بشارة بحكومة الصالحين