تعتيم متعمد: خفايا الرقابة على مسيرة الاربعين - من هو الإمام المهدي(عج)؟

تعتيم متعمد: خفايا الرقابة على مسيرة الاربعين

الرقابة على مسيرة الأربعين: رواية الإقصاء والتحريف والتهميش لأكبر تجمّع بشري معاصر

الرقابة على مسيرة الاربعين : رواية الإقصاء والتحريف والتهميش لأكبر تجمّع بشري معاصر

لقد تحوّلت مسيرة الأربعين السنوية، التي يشارك فيها ملايين الزوّار من كلّ أنحاء العالم، إلى ظاهرة مُذهلة تُثير دهشة كلّ مشاهد مُنصف. فالملايين من البشر، بغضّ النظر عن جنسياتهم، أو لغاتهم، أو مذاهبهم، وحتى عقائدهم، يسيرون جنباً إلى جنب في طريق كربلاء ليُجدّدوا ولاءهم لمبادئ الحسين علیه السلام. ومع ذلك، وبشكل مُثير للدهشة، أدّت الرقابة الإعلامية الدولية على الأربعين إلى إخفاء هذا الحدث الضخم عن الرأي العام العالمي، رغم أهميته ورسالته الإنسانية.
الحقيقة أنّ الكثيرين، حتى من النخبة، لا يعلمون بوجود هذا التجمع الضخم، أو لا يرون سوى صورة مُشوّهة ومحدودة عنه. وهذا نتيجة مباشرة لسياسات وأساليب الرقابة على مسيرة الأربعين، التي عملت، بشكل سري أو علني على مدى سنوات، على حجب الرواية الحقيقية لهذه الظاهرة عن أنظار العالم. هل سألت نفسك يوماً: لماذا يُهمّش ويُسكَت صوت أكبر تجمّع بشري معاصر في ضجيج وسائل الإعلام العالمية؟ هذا السؤال هو ما يسعى هذا المقال للإجابة عنه.
إنّ الأربعين لا يُمثّل فقط رمزاً لوحدة المؤمنين ومنطلقاً للحرية في العالم الإسلامي، بل يُقدّم للبشر من منظور ثقافي واجتماعي نموذجاً فريداً للتكافل، والإيثار، وكرم الضيافة، والمشاركة الطوعية. بل يُمكن القول بجرأة إنّه أكبر مؤتمر إنساني في العصر الحديث، وملتقى للهويات والثقافات والقيم السامية. فلماذا تُحجب الصور والتقارير والقصص الحقيقية من مسيرة الأربعين بصعوبة عن الرأي العام العالمي؟ ولماذا لا يعرف الكثيرون خارج الحدود حجم هذا التجمع أو حتى فلسفته؟ هل تُعَدّ الرقابة على مسيرة الأربعين مجرد نتيجة لتوجهات سياسية حكومية، أم أنها تتجذّر في مخاوف أعمق، مثل التنافس بين الهويات والحضارات؟ ومَن هي الجهات أو التيارات التي تستفيد من إخفاء حقيقة الأربعين؟ وهل هذه الرقابة مجرد إهمال إعلامي، أم أنّها مشروع مُتعمّد يهدف إلى منع يقظة الشعوب وتكافلها، وتشكيل هوية عالمية جديدة؟
إنّ الحقيقة القاسية هي أنّ الرقابة على مسيرة الأربعين قد تحوّلت إلى أحد أسرار عصرنا المجهولة والواضحة في آنٍ واحد؛ سرٌّ يتكشف كل عام مع تنامي هذه المسيرة وزيادة عدد زوّارها، مما يجعلها أكثر وضوحاً وإثارةً للأسئلة. فظاهرة كهذه، يشارك فيها ملايين الأفراد من عشرات البلدان بشكل طوعي، يصعب تجاهلها عملياً، ومع ذلك، فإنها لا تجد لها مكاناً في الإطار المظلم للروايات العالمية الكبرى.
إنّ هذه الرقابة هي امتداد للعملية نفسها التي شهدناها سابقاً في تهميش الحركات المطالبة بالهوية والعدالة؛ حيث يتمّ اختزال حقيقة عظيمة إلى حدث محلي، وحذف الصور والأخبار من الشبكات العالمية البارزة، وتحريف رسالتها، وتقليص نطاقها في عيون الغرب، أو حتى إلصاق تهم سلبية بها لتشويه واقعها. لكن الأسئلة لا تتوقف عند هذا الحد: إذا كان الأربعين يتعرض لهذه الرقابة، فكيف استطاعت روايته الحقيقية البقاء حية حتى الآن؟
وما هو دور “الإعلام الشعبي” وروايات الزوّار أنفسهم في كسر هذا الحصار الإعلامي؟ هل يمكن لموجة الهاشتاغات الهائلة، ومقاطع الفيديو المصوّرة بالهواتف، والروايات المباشرة، أن تُدمّر جدار الرقابة وتُعرّف العالم بحقيقة هذه المسيرة؟ وأخيراً، ما هو تأثير رقابة مسيرة الأربعين على الهوية الإسلامية، والشيعية، وحتى على وحدة الشعوب في العالم المعاصر؟
في هذا المقال، سنسعى إلى دراسة ظاهرة الرقابة علی مسيرة الأربعين من زوايا متعددة؛ بدءاً من أسبابها وأساليبها، وصولاً إلى تأثيراتها على الرأي العام، والهوية الثقافية، وفرص اكتشاف الحقيقة على المستوى العالمي؛ لعلّها تكون خطوة صغيرة نحو فهم أعمق وكشف حقائق حُرمت منها الكثير من الأعين.

 أبعاد وأساليب الرقابة على مسیرة الأربعين في الإعلام الدولي

إنّ الرقابة على مسيرة الأربعين في وسائل الإعلام الدولية لا تقتصر على مجرد حذف الخبر أو تجاهل هذا الحدث الديني الضخم، بل تشمل مجموعة مُعقدة من الاستراتيجيات الإعلامية المُتعمّدة. إنّ هذه الرقابة المُنظمة، ليست وليدة الإهمال أو قلة الاهتمام، بل هي مُصمّمة للحدّ من موجة التكافل، ومنع تشكّل هوية عالمية جديدة، وحجب ظاهرة إنسانية عظيمة بهدف إبقاء الرأي العام العالمي بعيداً عن الحقيقة والأبعاد الحقيقية لمسيرة الأربعين ودورها الحضاري. ولفهم أعمق لأبعاد هذه الرقابة المُتعمّدة، نستعرض فيما يلي الأنواع والأساليب المُستخدمة في رقابة مسيرة الأربعين في الإعلام الدولي.
• التجاهل التام
يُعَدّ هذا الأسلوب هو الأكثر شيوعاً. ففي ذروة تنظيم أكبر تجمع ديني في العالم، تمتنع العديد من وسائل الإعلام الغربية البارزة، وحتى بعض الوسائل الإعلامية الإقليمية، عن الإشارة إلى الأربعين أو حضور الملايين من الزوار. بلغت هذه المقاطعة الإعلامية من السعة والاستمرار، حتى أنه كلما اقتربت أيام أربعين، برز احتجاج الناشطين والمهتمين على انعدام التغطية الإخبارية والمرئية لهذا التجمع الإنساني الضخم في وسائل الإعلام العالمية.
• التحريف
أمّا الأسلوب الثاني فهو تحريف مسيرة الأربعين. فحتى إذا نُشرت بعض الأخبار عنها، فإنّها غالباً ما تأتي ضمن توجّه معين ورواية مُقتضبة. على سبيل المثال، تُركّز معظم التقارير النادرة على حصر الأربعين في كونه حدثاً محلياً، أو حتى قضية أمنية أو صحية بحتة، بينما يتمّ تجاهل أبعاده الروحية، والاجتماعية، والحضارية تماماً. فوسائل إعلام مثل “بي بي سي” و”سي إن إن” و”فرانس 24″ تحاول أحياناً، عبر اختيار عناوين وصور مُحدّدة، إما التقليل من حجم الحشود المليونية أو إبراز قضايا هامشية مثل الازدحام المروري أو المشاكل الصحية، وذلك لتهميش الرسالة الأساسية وعظمة الأربعين.
• التقليل من الأهمية
يُشكّل هذا الأسلوب مثالاً آخر على الرقابة؛ إذ يتمّ وضع أكبر تجمع شعبي في هذا القرن جنباً إلى جنب مع أحداث أقلّ أهمية، مما يجعله لا يحظى بتغطية عادلة ومناسبة في الإعلام الدولي. فعلى سبيل المثال، تُظهر الأرشيفات في وكالات الأنباء مثل “رويترز” و”أسوشيتد برس” على مدار السنوات الماضية، أنّ العناوين الفرعية والتقارير الموجزة كانت تُسلّط الضوء على جزء ضئيل جداً من الواقع، دون الإشارة إلى روح التكافل والرسالة الحضارية الكبرى للأربعين.
• حذف الصور والإحصاءات
من بين الأساليب الواضحة للرقابة على الأربعين هو حذف الصور والإحصاءات المتعلقة بها. فبمجرد بحث بسيط في خدمات الصور والفيديو لوكالات الأنباء الدولية، يتضح الغياب الملحوظ للصور الواسعة والواقعية لمسيرة الأربعين. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع التغطية الإعلامية التي تُمنح لأحداث أصغر بكثير من حيث عدد المشاركين، لمجرد أنها تحمل جاذبية بصرية أو سياسية تتوافق مع أجندة المحررين الغربيين.
ولإثبات هذه الحقيقة، يكفي الإشارة إلى أمثلة مثل “بي بي سي إنجليزي” أو “سي إن إن”، التي نادراً ما تُقدم تقارير عن مسيرة الأربعين، وإذا فعلت، فإنها تقتصر على عدد قليل من الزوار أو على مشاكل محتملة. وفي بعض السنوات، ركزت وسائل إعلام غير عربية مثل “دويتشه فيله” الألمانية على قضايا هامشية مثل الازدحام أو المشاكل الأمنية بدلاً من رواية مشاهد الوحدة والروحانية، مما يُؤكّد حجم الرقابة على الدور الفريد والملهم للأربعين.
هكذا، فإن هذا التعتيم الاعلامي في أخبار الأربعين ليست مجرد حذفٍ للأخبار؛ بل هي مجموعة من الاستراتيجيات المُحكمة التي تشمل التجاهل، والتحريف، والتقليل من الأهمية، وحذف الصور والإحصاءات، والتحكم في الوعي العام. وتُشير هذه الأساليب بوضوح إلى أن الرقابة على مسيرة الأربعين تتجاوز كونها مجرد رقابة إعلامية بسيطة، وتكتسب أبعاداً حضارية وهوية. هذه الأساليب تُبعد وعي المتلقي العالمي بشكل متعمد عن حقيقة وعظمة هذا الحدث الفريد، مما يُبقي الأربعين على هامش الرواية الإعلامية الغربية والعديد من وسائل الإعلام غير العربية.

أهداف ودوافع الرقابة على مسيرة الأربعين

لا يمكن النظر إلى هذه الرقابة على أنها مجرد إجراء إعلامي تقني أو شخصي، بل إن وراءها أهدافاً ودوافع معقدة تتجذر في صراعات سياسية، وثقافية، وحتى حضارية عميقة. في المقام الأول، ترى العديد من الحكومات ووسائل الإعلام العالمية في مسيرة الأربعين ليس فقط شعيرة دينية، بل ظاهرة حضارية قادرة على إحداث تحول في الرأي العام، بل وحتى تغيير النظام العالمي. تتم هذه الرقابة لمنع تشكّل موجة من الوعي والوحدة بين المسلمين والشعوب الأخرى حول القيم الإسلامية والشيعية. الهدف الأساسي من هذه الرقابة هو التحكم في الهوية الجديدة والمستقلة للمجتمعات المسلمة والحد منها، دون أن يكون هذا التحكم مكشوفاً.
من أهم الدوافع وراء الرقابة علی مسيرة الأربعين هو التنافس الحضاري. فالعالم الغربي الذي فرض هيمنته الإعلامية والثقافية على المعادلات العالمية على مدى العقود الماضية، يرى في ظهور ظاهرة مثل الأربعين تهديداً لاستمرارية هذه الهيمنة. فمسيرة الأربعين، من خلال تجسيده للوحدة، والإيثار، والسعي للعدالة، والقيم الإيمانية، تقدِّم صورة عالمية للتعايش وقوة الحضارة الإسلامية. وهنا تكمن أهمية هذا التعتيم الاعلامي، لأن الغرب يخشى من أن يتشكّل خطاب جديد على أساس هذا التجمع الضخم، مما يُشكّل تحدياً للنظام الإعلامي السائد.
بالإضافة إلى الأبعاد الحضارية، تُشير هذه الرقابة إلى مخاوف أمنية وسياسية جدية. فالعديد من مراكز الأبحاث وصناع القرار الغربيين يرون في الأربعين رمزاً لتشكّل هوية إسلامية جديدة، خاصة الشيعية، يمكن أن تُصبح نموذجاً عملياً للمجتمعات الأخرى. إن هذه الموجة الهائلة من الهوية والعقيدة، إذا ما عُرِفَت ورُوِيَت بشكل صحيح، ستُؤدي إلى تآلف أكبر بين الشعوب الإسلامية وإعادة تعريف مكانتها في المعادلات العالمية. ولذلك، تُعدّ الرقابة على مسيرة الأربعين محاولة ذكية ومُمنهجة لمنع القوى والتيارات التي تحمل هويات مستقلة عن الأُطر الغربية من التطور والتحالف.
في هذا العصر الذي تهيمن فيه وسائل الإعلام الغربية، يُعدّ الحفاظ على النظام الإعلامي العالمي مبدأً أساسيًا. إن الرقابة على مسيرة الأربعين، تسعى عبر حذف أو تحريف هذا الحدث الفريد، لفرض أنماط إخبارية وروائية مُحددة على الجمهور العالمي. فالمحاولات الإعلامية تهدف إلى منع الروايات الشعبية والروحية والحضارية من تجاوز القوالب النمطية التي تفرضها النظرة الاستصغارية. هذه الرقابة تُعيق رؤية القدرات التاريخية والاجتماعية والروحية لهذا التجمع العظيم، مما يؤدي إلى إضعاف أي مرجعية أو خطاب إعلامي مستقل ينبع من قيمنا الأصيلة والإسلامية
وفي نهاية المطاف، فإنّ أهداف هذه الرقابة مرتبطة بحالة العالم الإسلامي اليوم ومستقبل هوية الشعوب. فالانشغال الحضاري، والخوف من نشوء هيمنة جديدة، والتحكم في مسار تشكيل أمة واحدة، كلها عوامل تُحوّل الرقابة علی مسيرة الأربعين من قرار عابر إلى مشروع مُمنهج ومتعدد الأوجه. إنه مشروع يهدف إلى حرمان العالم من مشاهدة بزوغ هوية إسلامية وشيعية جديدة عبر حجب حقيقة الأربعين.

تأثيرات ونتائج الرقابة: من إخفاء الرواية إلى انفجار الرواية الشعبية

إن الرقابة علی أخبار الأربعين ليست ظاهرة إعلامية فحسب، بل هي حدث متعدد الأبعاد يؤثر على الوعي العالمي، وعلى مسيرة الأربعين نفسها. إن الصراع بين الرواية الرسمية (التي تتمثل في الرقابة أو التحريف) والقوة المتزايدة للروايات الشعبية، لم يفتح آفاقًا جديدة أمام المجتمع فحسب، بل عزز أيضًا الهوية الجماعية والأمل العالمي. ويمكن تحليل أبعاد هذه التأثيرات في ثلاثة جوانب:

تضييق المعرفة العالمية وتحريف الحقيقة

لقد خلفت الرقابة علی مسيرة الأربعين آثارًا عميقة ومتعددة الأوجه على الرأي العام العالمي وحتى على ظاهرة الأربعين ذاتها. فمن خلال حذف أو تحريف الروايات الحقيقية، حجبت الرقابة صورة هذا التجمع العظيم ورسائله الروحية والاجتماعية والحضارية عن أعين الكثيرين، أو نقلتها بشكل منقوص وباهت. استمرار هذا الوضع أدى إلى بقاء المعرفة العالمية بالأربعين محدودة وسطحية، وحرم الرأي العام من فرصة فهم الدوافع العميقة لهذا الحدث.
ومع ذلك، لم تكن رقابة علی مسيرة الأربعين مجرد إخماد للروايات؛ بل إنّ هذا الضغط دفع الزوار إلى الاعتماد على الرواية الشعبية والإعلام الذاتي. فالملايين من الناس، عبر مشاركة الصور والفيديوهات والتجارب على شبكات التواصل الاجتماعي، نقلوا جزءًا من حقيقة الأربعين إلى العالم وشكلوا ثقافة جديدة من الرواية الشعبية. وهكذا، فإن رقابة الأربعين، بالإضافة إلى تقييدها للرواية الرسمية، أصبحت عاملًا محفزًا لتقوية الحركات الشعبية والأمل في تجاوز جدران الرقابة.

رد الفعل الشعبي على الرقابة: الرواية المستقلة والمتجذرة في الواقع

في مواجهة الرقابة التي تُمارسها وسائل الإعلام الرسمية على مسیرة الأربعين، انخرط ملايين الزوار في ظاهرة فريدة من نوعها في رواية الأحداث. فكل زائر تحول إلى وسيلة إعلامية فاعلة، مُستخدماً هاتفه الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر صور ومقاطع فيديو وقصص لحظية، مما كشف عن الجوانب الحقيقية لهذا التجمع البشري الضخم. وقد تكررت وسوم (هاشتاغات) مثل #الأربعين و #ArbaeenWalk ملايين المرات، مما مكّن رواية الأربعين ومعنوياتها من تجاوز جدران الرقابة والوصول إلى مختلف أنحاء العالم.
ونتيجة لذلك، لم تُخمِد رقابة الأربعين الروايات، بل أدت إلى ظهور موجة من الإعلام المستقل والجديد الذي جعل كل زائر بمثابة مراسل ميداني. هذا الانفجار في الروايات الشعبية والإنتاج الواسع للمحتوى لم يكسر قوة الرقابة فحسب، بل حوّل الأربعين إلى نموذج جديد لقوة التواصل الشعبي والسعي الجماعي للحقيقة. وبذلك، أصبح من المستحيل عملياً حجب حقيقة هذا الحدث في العصر الرقمي.

الآثار طويلة المدى والمنجزات العالمية: تجاوز الهيمنة وتعزيز الهوية

إنّ المواجهة بين الرواية الرسمية والرواية الشعبية حول الرقابة علی مسيرة الأربعين، لم تُطفئ الحقيقة، بل تحوّلت إلى منصة لتغيير عميق في الفضاء الإعلامي والاجتماعي. فبينما تُقدّم الرواية الرسمية صورة أحادية وناقصة، وتُحاول التقليل من عظمة الأربعين، تمكّنت الروايات الشعبية، المعتمدة على التجربة الميدانية المباشرة، من كشف حقيقة هذا الحدث وإظهار جوانبه الخفية للعالم. وفي كل عام، تُعزز آلاف المنشورات الشعبية من مقاطع فيديو وصور وقصص قصيرة، مقاومة مسيرة الأربعين ضد الرقابة.
ونتيجة لذلك، وفّرت الساحة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي بيئة لظهور تيار حر ومتعدد الروايات، مما قضى على إمكانية الرقابة الأحادية. هذا المسار لم يُعزز الهوية الجماعية وينقل رسالة الأربعين إلى المستوى العالمي فحسب، بل أصبح مصدر إلهام للأمل، والتكافل، والمقاومة بين الشعوب. إن تجاوز الرقابة على مسيرة الأربعين بات يُشكل نقطة تحول في تاريخ الإعلام والمجتمع، حيث أوصل حقيقة هذا التجمع العظيم إلى قلوب الناس في العالم، متخطياً قيود الرواية الرسمية.
إن الرقابة علی مسيرة الأربعين ليست مجرد لغز إعلامي، بل هي رمز لصراع عميق حضاري وهوية يظهر كل عام بحدة أكبر. ففي ظل تعتيم مقصود أو مُمنهج على أكبر تجمع بشري في العصر الحديث، تُشقّ حقيقة الأربعين طريقها إلى قلوب الناس رغم كل القيود. إن استراتيجيات الحجب، والتحريف، والتقليل من الأهمية، وحذف الصور والإحصاءات، ورغم إخفائها لجزء من الواقع، إلا أنها فشلت في إخماد رسالة الأربعين العالمية وقدرتها الفريدة على بناء الهوية والحضارة.
وفي خضم ذلك، أظهرت قوة الرواية الشعبية وحركة الإعلام الذاتي للزوار أن عصر الرقابة الأحادية قد انتهى. فقد تحول كل زائر إلى وسيلة إعلامية حية، يُوثّق الروايات الواقعية ويُعِيدُ تحدّي جدران الرقابة علی مسيرة الأربعين مراراً وتكراراً. إنّ انفجار المحتوى الشعبي والانتشار اللامحدود للصور والتجارب لم يُوصل حقيقة الأربعين إلى العالم فحسب، بل قدّم نموذجاً لقوة التواصل الشعبي وإحياء الهوية الجماعية.

وفي نهاية المطاف، إنّ الرقابة على الأربعين، بكل ما بذلته من جهود وأهداف خفية، لم تُطفئ الحقيقة، بل أدت إلى ظهور عصر جديد في الرواية العالمية. اليوم، أصبح الناس، خارج حدود الإعلام الرسمي، هم حملة وحُماة رواية الأربعين الحقيقية، وهي رواية تُعدّ مصدر إلهام للأمل، والوحدة، واليقظة الروحية للشعوب، وتفتح طريقاً جديداً لتجاوز الهيمنة الإعلامية والعودة إلى حقيقة حية في الساحة الثقافية والحضارية العالمية.

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *