[rank_math_breadcrumb]

كيف تيسّرت عودة سبايا كربلاء إلى المدينة وما هي أسبابها؟

كيف تيسّرت عودة سبايا كربلاء إلى المدينة وما هي أسبابها؟

عودة سبايا كربلاء إلى المدينة: تحليل الخلفيات والأسباب التاريخية

ربما تساءلت يومًا: كيف تمت عودة سبايا كربلاء إلى المدينة المنورة، وما هي العوامل التاريخية والاجتماعية التي أسهمت في وقوع هذا الحدث الجلل؟ تُعدّ مأساة عاشوراء من أكثر الأحداث مأساوية وتأثيرًا في تاريخ الإسلام، حيث مثلت استشهاد الإمام الحسين علیه السلام وأصحابه المخلصين، وأسر أهل الصفحة الرئيسيةه، نقطة تحوّل في تاريخ التشيّع ووجدان الأمة الإسلامية. بعد انتهاء المعركة، أُسِرَ أهل الصفحة الرئيسية الإمام الحسين علیه السلام وساروا في رحلة مؤلمة من كربلاء إلى الكوفة، ثم إلى الشام. ولم يكن هذا الأسر مجرد حادثة تاريخية، بل كان بداية لعملية كشف الحقائق وفضح ما جرى في عاشوراء أمام العالم الإسلامي. إن عودة السبايا إلى المدينة هي أكثر من مجرد حدث تاريخي، فهي تحمل رسائل ومبادئ إيمانية واجتماعية وسياسية عميقة، ألهمت أجيالًا من المسلمين والأحرار في العالم. لم تكن هذه العودة مجرد إشارة إلى فشل سياسات يزيد والقمع الأموي في إخفاء الحقيقة وإسكات صوت مظلومية أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام، بل كانت بداية موجة من الوعي والاحتجاج في المجتمع الإسلامي، لا سيما في الشام والمدينة.

إن تحليل أسباب وكيفية عودة أهل الصفحة الرئيسية الإمام الحسين علیهم السلام إلى المدينة المنورة يُعرّفنا بأبعاد خفية وغير مطروقة لهذا الحدث العظيم. وتشمل هذه الأبعاد الدور البارز للرأي العام، وردود الفعل الاجتماعية في الشام، وفضح الجرائم التي وقعت في كربلاء، وتأثير خطب الإمام السجاد علیه السلام والسيدة زينب سلام الله علیها، وحتى التغيّرات في سياسات يزيد.

ومن جهة أخرى، يمكن اعتبار عودة أسرى كربلاء إلى المدينة نقطة تحوّل في تاريخ الإسلام، حيث مهّدت الطريق للحركات الاحتجاجية والروحية ضد الظلم، وخلّدت رسالة المقاومة في قلب التاريخ.

إن السؤال الأساسي هنا هو: ما هي العوامل التي أدت إلى عودة أسرى كربلاء إلى المدينة؟ وكيف حدثت هذه العودة التاريخية، وتحت أي ظروف سياسية، واجتماعية، ونفسية وقعت؟ في هذا المقال، نسعى من خلال نهج تحليلي وبالاستناد إلى مصادر تاريخية موثوقة، إلى دراسة الأسباب والخلفيات التي أدّت إلى عودة الأسرى وتوضيح الجوانب الأقل وضوحًا لهذا الحدث.

خلفيات اجتماعية وسياسية قبل عودة أسرى كربلاء إلى المدينة

بعد وقوع کارثة عاشوراء، انخرط المجتمع الإسلامي، وخاصة المناطق المركزية للخلافة، في حملة دعائية شديدة من قبل الأمويين. فقد سعى الأمويون، مستخدمين وسائل الإعلام والمنابر الرسمية، إلى تشويه صورة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وتصوير ثورة عاشوراء كحركة ضد النظام الاجتماعي. وفي خضم هذه الأحداث، كانت مدينة الشام، عاصمة يزيد السياسية، تحت التأثير المباشر والأكثر قسوة لهذه الموجة الدعائية. وبسبب بُعدها الجغرافي والاعتماد على مصدر معلومات أحادي، لم يكن لدى أهل الشام أي معرفة بأهل الصفحة الرئيسية النبي صلی الله علیه وآله وسلم أو بأهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وكانوا يتقبلون الأخبار المصطنعة من الأمويين دون أي تمحيص.

وبعد النهاية المأساوية لعاشوراء، أُرسل أهل الصفحة الرئيسية الإمام الحسين علیه السلام أولاً إلى الكوفة، ثم إلى الشام، وهم مُثقلون بالآلام النفسية والجسدية. كانت ظروفهم خلال هذه الفترة مليئة بالغربة والمظلومية. وقد عُرض الأسرى، وهم أطهر أهل الإيمان وأنقاهم، بطريقة مهينة أمام أهل الشام، بهدف التشكيك في أحقيتهم وإضعاف مكانة الثورة.

لكن خطب السيدة زينب والإمام السجاد علیهما السلام في الشام كانت بمثابة نقطة تحوّل. فبرغم الظروف القاسية للأسر، كشفا بشجاعة وبلاغة مذهلة عن الوجه القبيح للحكم الأموي، وأظهرا الحقائق الخفية لفاجعة عاشوراء. لم تؤثر هذه الخطب على نفوس أهل الشام فحسب، بل هيأت الأرضية لفهم الطبيعة الحقيقية للفاجعة وأحقية ثورة الإمام الحسين علیه السلام. وقد تغلغلت هذه الأفكار المنيرة تدريجيًا في الرأي العام بمدينة الشام، لتكون بداية للتحولات التي أفضت في النهاية إلى عودة الأسرى إلى المدينة المنورة. إن هذه التحولات تُعدّ شاهدًا على قوة الحقيقة وثبات أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام في مواجهة الظلم، وهو ما غيّر الأوضاع السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت لصالح عودة آل الصفحة الرئيسية النبي علیهم السلام.

 الأثر العميق لخطبتي الإمام السجاد والسيدة زينب (عليهما السلام) على الرأي العام

يُعدّ الأثر العميق لخطبتي السيدة زينب والإمام السجاد (عليهما السلام) في قصر يزيد من أهم العوامل التي مهّدت لعودة سبايا كربلاء إلى المدينة المنورة. فبعد وصول السبايا إلى الشام ودخولهم مجلس يزيد، كان جو من الخوف والقمع يخيّم على الناس، وكثيرون لم يكونوا يعرفون حقيقة ما جرى في كربلاء أو هوية السبايا. في هذا الظرف تحديداً، كسر الإمام السجاد والسيدة زينب (عليهما السلام) حاجز الصمت بخطابين شجاعين ولهجة قوية هزّت أرجاء المجلس، وغيّرت الأجواء العامة في الشام. [1]

لقد كانت خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في مجلس يزيد مليئة بالفصاحة والصراحة والكشف، حيث كشفت بلا خوف عن مظلومية أهل الالصفحة الرئيسية والماهية الإجرامية لفاجعة عاشوراء، ووضعت يزيد في موقف حرج، ومما قالته:  « فواللهِ ما فَرَيتَ إلا فَجلك و لا حَزَزْتَ إلا في جِلْدِك، و لَسوف تَلْقى يَزيدُ يوماً تَجزى فيه بما قَدَّمَتْ يَداك، و ما اللَّهُ بظلاّمٍ للعَبيدِ. فَإِنْ كانَ هذا رَأيُكَ فَقَدْ أسَأتَ الرَّأيَ.»[2] هذه الكلمات القوية لم تكن سوى جزء من شجاعة وبصيرة تلك السيدة الجليلة، التي سُرعان ما تداولها أهل الشام وكشفت الحقائق الخفية.

كما ألقى الإمام السجاد (عليه السلام) خطبةً حماسيةً، ذكّر فيها الحاضرين بنَسَب أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام ومكانتهم الرفيعة، ودعاهم إلى التأمل في حقيقة الأمر. وقد قال(عليه السلام): “أَيُّهَا النَّاسُ أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ …”،[3] فأما أهل الشام الذين كانوا يعتقدون أنهم خوارج قد خرجوا على السلطة، فقد بدأوا يدركون تدريجياً عمق المأساة ومظلومية أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام.

إن استعراض هذه الخطب يُبيّن أن أسر أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام كان بحد ذاته فرصةً لفضح الحقائق ونشر الوعي. تأثر أهل الشام بشدة، وبكى كثير منهم، وظهرت أجواء من التعاطف والتضامن مع السبايا، حتى تسرّب الشك في شرعية حكم يزيد إلى القلوب. وفي الحقيقة، كان لهذه الخطب دورٌ لا يُعوّض في تغيير الرأي العام في الشام، ووضع يزيد في مأزق حقيقي. فموجة التعاطف والثورة في الشام كانت من أبرز العوامل التي دفعت باتجاه عودة سبايا كربلاء إلى المدينة، لأن استمرار أسرهم كان يُهدّد بانتفاضة عامة قد تُزعزع أركان الحكم الأموي.

تحوّل الرأي العام في الشام بعد إلقاء الخطب

بعد أن ألقت السيدة زينب والإمام السجاد عليهما السلام خطبهما البليغة في قصر يزيد، شهد الرأي العام في الشام تحولاً كبيراً. فقد نجحت آلة الدعاية الأموية قبل ذلك في تشويه حقائق واقعة كربلاء وطبيعة أسرى أهل الالصفحة الرئيسية عليهم السلام. لكن صراحة وبلاغة خطاب أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام استطاعت أن تحطم رواية بني أمية المزيفة، وتكشف مأساة عاشوراء بحقيقتها الناصعة لأهل الشام جميعاً.

فوجئ أهل الشام، الذين روجت لهم الدعاية الأموية أن الأسرى مجرد متمردين، باكتشاف الحقيقة المروعة. فتحولت نظراتهم من الاشمئزاز إلى التعاطف، ومن الاستخفاف إلى الصدمة والحزن العميق. لم يعد مشهد الأسرى مهيناً في أعينهم، بل أصبح تجسيداً للمأساة التي طالت آل الصفحة الرئيسية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وانتقلت عدوى المشاعر الجياشة من قصر يزيد إلى الشوارع والأسواق، حيث تحولت المدينة التي استقبلت الأسرى ببرود، إلى مجتمع منقسم على نفسه بين نادمٍ وباكٍ، ومحاولٍ يائسٍ لإصلاح ما فات.

أدرك يزيد وحاشيته أن الكشف العلني للحقائق قد قلب المعادلة رأساً على عقب. فوجود سبايا كربلاء في الشام لم يعد مصدر فخر للنظام، بل تحول إلى تهديد وجودي يهدد باستقرار حكمه. لقد أصبحت مشاعر التعاطف الجماعي قوة سياسية لا يمكن قمعها، مما دفع يزيد لقرار الإفراج عن الأسرى عودة إلى المدينة المنورة، في محاولة يائسة لاحتواء الأزمة التي فجرتها كلمة الحق.

يظل تحول الرأي العام في الشام درساً خالداً يُثبت أن الحق قادر على اختراق جدران التضليل، وأن المشاعر الإنسانية الأصيلة يمكنها أن تُحدث تغييراً حتى في أحلك الظروف. فما حدث في الشام لم يكن مجرد رد فعل عاطفي عابر، بل كان تحولاً اجتماعياً عميقاً ساهم في إعادة كتابة الرواية الحقيقية لكربلاء عبر التاريخ.

رد فعل يزيد وجهاز الخلافة: بین الخوف من الثورة وأزمة الشرعية

بعد الخطابين البليغين للسيدة زينب والإمام السجاد (عليهما السلام)، وجد يزيد والنظام الأموي نفسهما أمام موجة عارمة من السخط والغضب الشعبي في الشام. فقد أحدثت كشفية حقيقة واقعة عاشوراء ومظلومية آل الصفحة الرئيسية الرسول (صلى الله عليه وآله) هزة وجدانية في نفوس الناس، مما أدى إلى تحول مفاجئ في الرأي العام. وهكذا تحول يزيد من الادعاء بالنصر في كربلاء إلى مواجهة واقع مليء بالاحتجاج والحزن والشك الجماعي.

و يظهر ذعر يزيد وقلقه جلياً في المصادر التاريخية ككتاب “اللهوف” و”مقتل الخوارزمي”،[4] حيث تذكر الروايات أنه بعد خطب أهل الالصفحة الرئيسية (عليهم السلام) المؤثرة، ارتفعت أصوات النحيب والبكاء في قصر يزيد، حتى أن بعض الحاضرين تجرأوا على الاحتجاج علناً. بل إن مستشاريه حذروه من العواقب الوخيمة لاستمرار أسر عائلة النبي،[5] مؤكدين أن ذلك قد يطلق شرارة ثورة عارمة لا تقتصر على الشام بل تمتد إلى عموم العالم الإسلامي.

لم يكن تأثير هذه الأحداث مقتصراً على شخص يزيد، بل امتد ليهز شرعية الحكم الأموي بأكمله. فأدرك يزيد أن موجة التعاطف مع أهل الالصفحة الرئيسية (عليهم السلام) والتنديد بجريمته تهدد أسس حكمه. وفي محاولة يائسة لاحتواء الأزمة، اضطر إلى تغيير استراتيجيته من التحدي إلى التظاهر بالتراجع، متخذاً إجراءات شكلية تظهره بمظهر حاكم رحيم.

ختاماً، يمكن القول إن الخوف من ثورة شعبية عارمة وفقدان الشرعية السياسية كانا الدافع الرئيسي وراء قرار يزيد بإعادة أسرى كربلاء إلى المدينة المنورة. فذلك القلم لم يكن نابعاً من ندامة أو رحمة، بل كان مخرجاً اضطرارياً لإنقاذ نظامه من الانهيار تحت وطأة الغضب الشعبي المتصاعد.

انكشاف حقيقة الجريمة في الشام وعموم العالم الإسلامي

لم تبقَ حقيقة جريمة كربلاء ومظلومية عائلة النبي صلی الله علیه وآله وسلم، حبيسة حدود الشام بعد الخطاب التاريخي لأهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام، بل امتد صداها سريعاً ليعمّ أرجاء العالم الإسلامي. فقد نقل المسافرون والتجار وأفراد القوافل أخبار الفاجعة المدوية، محملة بشهادات حية من السبايا أنفسهم بعد إطلاق سراحهم، ما أشعل موجة من الصدمة والوعي في صفوف المسلمين.

وفي خضم هذا الانتشار، تحولت مأساة أسر أهل الالصفحة الرئيسية إلى وصمة عار في جبين الدولة الأموية، بعد أن سقطت أقنعة التضليل واحدة تلو الأخرى. فأصبح من المستحيل تبرير الجريمة البشعة بحق الإمام الحسين علیه السلام وأصحابه، أو الاستمرار في تشويه صورة أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام، خاصة بعد تحول شعوب الشام والكوفة والمدينة وغيرها إلى قنوات ناقلة للحقيقة الساطعة.

هذا الكشف الواسع للحقيقة هزّ أركان الشرعية السياسية ليزيد وبني أمية إلى درجة الانهيار. فما إن انتشر خبر معاناة أحفاد الرسول صلی الله عليه وآله وسلم، حتى تحول الصمت إلى صيحة ندّم، واللامبالاة إلى غضب عارم، متجسداً في احتجاجات شعبية طالبت بالقصاص. وأمام هذا الضغط المتصاعد من مختلف البقاع الإسلامية، وجد يزيد نفسه مضطراً للإفراج عن سبايا كربلاء، مدركاً أن بقاءهم في الأسر أصبح مستحيلاً في مناخ الغليان العام. وهكذا كان فضح الجريمة وتنامي التعاطف مع أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام هو المحرك الأساسي الذي مهد لعودة القافلة المظلومة إلى المدينة المنورة، في عودة مثلت انتصاراً خالداً للحقيقة على التضليل، وشهادة على القوة الكاسحة لكلمة الحق أمام بطش السلطان.

استراتيجية يزيد في احتواء الأزمة: التظاهر بالندم والاحترام الظاهري

في أعقاب تزايد الاحتجاجات وانكشاف فظائع جريمة كربلاء، وجد يزيد بن معاوية نفسه مضطراً إلى تغيير استراتيجيته جذرياً. فبدلاً من الاعتماد على أسلوب القمع المباشر، لجأ إلى تكتيك جديد يقوم على التظاهر بالندم وإبداء مظاهر الاحترام تجاه أسرى أهل الالصفحة الرئيسية، في محاولةٍ يائسةٍ لامتصاص غضب الجماهير وإنقاذ ما تبقى من شرعية حكمه. وفي إطار هذه الاستراتيجية، حاول يزيد في المجالس الرسمية أن يظهر بمظهر النادم على ما جرى، مُبدياً نوعاً من الاحترام الظاهري لأهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام. كما أمر – بناءً على ضغط الظروف – بتجهيز موكبٍ خاصٍ لِعودة الأسرى إلى المدينة المنورة، مصحوباً برسائل وهدايا رمزية هدفها تحسين صورته العامة. غير أن هذه الحركات لم تكن سوى مسرحية سياسية مُدبرة، إذ كان الهدف الحقيقي منها كسب الوقت وإخماد ثورة الغضب الشعبي، والحيلولة دون انهيار النظام الأموي. وتكشف عودة الأسرى إلى المدينة كواحدة من أبرز مفردات هذه الخطة عن حقيقة مفادها أن سلطة الطغاة، مهما بلغت قوتها، لا تستطيع الصمود أمام إرادة الشعب وقوة الحق.

مطالبة أهل الالصفحة الرئيسية(ع) المباشرة بالعودة إلى المدينة المنورة

في الأيام الأخيرة لأسر أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام في الشام، طالبت السيدة زينب علیها السلام وباقي الناجين من كربلاء بشكل جاد ومباشر بإنهاء الأسر والعودة إلى المدينة. كانت لهذه المطالبة الشجاعة، وخاصةً من قبل السيدة زينب علیها السلام، دور حاسم في رسم مسار جديد للأحداث. فقد تحدّت يزيد بقوة بيانها وحجتها، كاشفةً مكانة أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام ومظلوميتهم.

تُؤكّد المصادر التاريخية أن السيدة زينب (عليها السلام) وقفت بثبات أمام يزيد مُعلنةً بكل وضوح انعدام الشرعية للأسر والاحتجاز. لم يكن موقفها مجرد احتجاج، بل كان إعلاناً قضائياً يهزّ عرش السلطة الغاشمة.

لم يواجه يزيد مجرد ضغطٍ شعبي أو أزمة شرعية فحسب، بل وجد نفسه أمام حجّةٍ دامغة تفتقر إلى أيّ ثغرة، تقدمها أسرة الرسول (صلى الله عليه وآله). هذا الموقف المُحكم أفقد نظامه آخر حجّةٍ للتشبث بالأسرى، فلم يعد أمام الحاكم المُتغرّب خيارٌ سوى الرضوخ لإرادة الحق. بأمرٍ من يزيد نفسه – الذي أجبرته الحقيقة على الاعتراف بالهزيمة – جُهزت القافلة وأُمن طريق العودة. لقد كانت العودة إلى المدينة المنورة انتصاراً معنوياً خالصاً، صنعته شجاعة السيدة زينب وثبات الإمام السجاد (عليهما السلام)، محوّلين مسار المأساة إلى نقطة انطلاقٍ جديدة في تاريخ الإسلام.

تعد عودة سبايا كربلاء إلى المدينة المنورة محطة فارقة في التاريخ الإسلامي، تجسّد انتصار الحق على الباطل. وقد تحققت هذه العودة نتيجة عوامل حاسمة، أبرزها الدور التوعوي والموقف الصلب لأهل الصفحة الرئيسية الإمام الحسين (عليهم السلام). فقد هزت خطب السيدة زينب والإمام السجاد (عليهما السلام) في الشام أركان الحكم الأموي، وأيقظت ضمير الأمة، محطمة جدار التضليل الإعلامي الذي أقامه النظام، وكاشفةً للحقيقة المروعة لواقعة كربلاء.

و قد أجبرت عوامل عدة يزيدَ على الموافقة على العودة، كتغير الرأي العام، والضغط الشعبي المتصاعد، والفضيحة الأخلاقية التي تعرّض لها نظامه، إضافة إلى المطالبة المباشرة من قبل الأسرى أنفسهم. ولم يكن قراره نابعاً من رحمة أو شهامة، بل كان محاولة يائسة لاحتواء الأزمة وإنقاذ ما تبقى من شرعيته المهترئة.

لا تقتصر أهمية هذه العودة على بعدها السياسي فحسب، بل إنها حوّلت مسيرة الأسر إلى رحلة تحوّل نوعي، حيث انتقل صوت المظلومية من كربلاء إلى العالم الإسلامي كله، لتصبح هذه المحنة منطلقاً لإحياء القيم الإسلامية الأصيلة وإشعال جذوة المقاومة ضد الظلم. وما تزال هذه الواقعة حتى اليوم نبراساً يُستضاء به في مواجهة الاستبداد، ودليلاً على قوة الكلمة الحقّ في تغيير مسار التاريخ.

 

[1]. سید بن طاووس، اللهوف علی قتلى الطفوف، تحقیق مؤسسه نشر الفقه، قم: منشورات دلیلنا، ۱۴۲۷ق، ص ۲۰۹ ـ ۲۱۱ و سید بن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، قم: منشورات دلیلنا، ۱۴۲۷ق، صص ۲۱۱–۲۱۳

[2]. (الاحتجاج، شیخ طبرسی، ج 2، ص 307؛ لهوف سید بن طاووس، ص 187؛ ینابیع المودة، سلیمان قندوزی حنفی، ج 3، ص 99)

[3]. «أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ: أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ…» (المفید، الإرشاد، ج۲، ص۱۳۵؛ ابن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص۱۹۴؛ الطبرسی، الاحتجاج، ج۲، ص۱۱۲)

[4]. «فَلمّا سَمِعَ یَزیدُ أصواتَ النّاسِ و ضَجَّتَهُم … خَافَ الفِتْنَةَ و عَجَّلَ بإخراجِ أهلِ البیتِ» (ابن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص 202،  «فلما اشتدّ بكاء الناس و علت الأصوات… خاف یزید الفتنة فأمر بردّهم إلى المدینة معزّزین مکرّمین» (موفق بن احمد خوارزمی، مقتل الحسین علیه‌السلام، ج ۲، ص ۶۴)

[5]. «…فقال بعضهم لیزید: یا أمیرالمؤمنین! قد أبلیتَ عذرک فیما صنعت، فلو أمرتَ هؤلاء النسوة فأخرجتهنّ عن البلد، و رددتهنّ إلی بلادهنّ و ذوی حرمتهنّ…» (سید بن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص ۲۰۲، قم: مكتب منشورات اسلامیة، ۱۴۲۰ق) و «و خاف یزید عاقبة الأمر، و تشاور الناس حتی أشاروا علیه بردّهم إلی بلدهم…» (ابوالفرج اصفهانی، مقاتل الطالبیین، ص ۷۶، طهران: منشورات علمی و فرهنگی، ۱۳۶۸)

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *