فهم أهمية الحاجة إلى المتخصص في تكامل الإنسان والولادة السليمة إلى الآخرة
يتطلب الدخول إلى أي مجال أو مرحلة من مراحل الحياة مجموعة من المعلومات التي يمكن من خلالها تحسين فهم مسار الحركة والتقدم. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود خبير يستطيع شرح وتوضيح قواعد الحركة هام جدا. نظرًا لأهمية المسار الذي نسعى إليه لتحقيق هدف الخلق، يشعر الإنسان بالحاجة الشديدة إلى خبير في مجال تكامله.
في هذه المقالة، سنلقي نظرة على مسار تكاملنا من نقطة البداية إلى النهاية، ثم سنستعرض احتياجاتنا في هذا المسار وأهم الأعمال التي يجب أن نقوم بها.
تتكون حياتنا من ثلاث مراحل وهي قبل الدنيا، في الدنيا، وبعد الدنيا. يتم تقسيم رسم الخلق من نقطة البداية والأصل، إلى نقطة النهاية والمعاد إلى قسمين. في الفلسفة والعرفان، يُشار إلى هذا الرسم وأقسامه المزدوجة بالدائرة الوجودية وقوس النزول والصعود.
الله عز و جل هو في نقطة البداية لقوس النزول، وهو الوجود المطلق. أول تجلٍ عظيم لله يُعرف باسم روح، ويُعرف بألقاب مثل القلم، العقل، نور محمد وآل محمد وغيره. هذا التجلي العظيم هو نتيجة تجسد روح الله في الإنسان[1]. بعد أن خلق الله المثل الأعلى، تجسدت روحه في باقي البشر، ثم تم خلق عوالم الجبروت والملكوت والناسوت.
الروح هي أقرب وأشبه الكائنات بالله، وهي أكمل الكائنات بعد الله. الروح الحقيقية أعلى وأفضل من الملائكة وعالمهم. بما اننا نملك النفخة الإلهية في وجودنا، ليس هناك فرق بين روحنا وبين الله سوى أنه هو الخالق ونحن عبيده المخلوقين.[2] الفرق الوحيد بين الله والإنسان هو أن الله لديه جوهر و وجود مطلق وهو قائم بذاته، بينما الإنسان هو خليفة الله ومظهره ولا يملك جوهرًا من ذاته.
في مسار حركتنا الروحية نجتاز قوسين من النزول والصعود بالتتابع. كما ذكرنا سابقاً فإننا نحمل جميعًا بدون استثناء حقيقة طاهرة باسم النفخة الإلهية. في قوس النزول، تمر النفخة الإلهية لوجودنا من عوالم الجبروت والملكوت وتنزل إلى عالم الناسوت أو الدنيا. في عالم الدنيا، ترتبط هذه الحقيقة والروح الإلهية بعد تكوين الحيوان المنوي، وبعد نموه قليلًا تصبح جميع الجينات البشرية حاملة للروح وتولد معها. هذا الميلاد يبدأ المرحلة الثانية من حياتنا، أي مرحلة الدنيا. بعد مرحلة الدنيا ومرحلة الولادة إلى الموت، وبعد ترك سلسلة من المستويات المعروفة باسم قوس الصعود، و التي تشمل الموت والمعاد، نعود إلى مكانتنا الأصلية وإلى الله.[3]
إن مبدأ المعاد والعودة یکون منطقيا عندما یوجد هناك رحيل، على سبيل المثال، إذا جاء بعض الضيوف من مشهد إلى طهران، يمكننا أن نسألهم: متى ستعودون إلى مشهد، لأن الذهاب من مشهد قد حدث وبالتالي يتبعه عودة، ولكن السؤال عن متى تعودون إلى شيراز خاطئ. وبالتالي، وفقًا لمبدأ المعاد، نحن لا نذهب إلى الله، بل نعود إليه. قصتنا كبشر هي قصة شخص عاش مع الله من قبل وتذوق طعم الحياة معه والآن قد وجد نفسه مؤقتًا في ضيق الطبيعة. طالما أن الله موجود، فإننا أيضًا موجودون ولا يفصلنا أي شيء عن الوجود.
كما تم ذكره في المقالات السابقة، هناك ستة أنواع من الولادات في قوس الصعود والعودة إلى مكانتنا الأصلية، حيث أن الولادة السليمة هي الولادة الوحيدة التي تم قبولها. لكي نجتاز بسلام المسار العائد ونصل إلى الولادة السليمة، يجب أن نقوم بأداء واجباتنا بشكل صحيح في عالم الطبيعة. لهذا الغرض، نحتاج إلى المبادئ والمعلومات والقوانين والإرشادات، ربما تكون الحاجة إلى خبير في التكامل الإنساني هي أهم حاجة، لأن الشخص المتخصص يعرف كل القوانين والمبادئ ويعرف أفضل طريق للوصول إلى الهدف النهائي.
سبع فئات من المعلومات المتخصصة اللازمة في مسار التكامل
وفقًا للرسم البياني للخلق، في إحدى مراحل حياتنا لدينا توقف قصير في هذا العالم، ثم يجب علينا العودة إلى مكانتنا الأصلية والأبدية مع الله. عند دخول عالم الدنيا، يرتبط كل منا بجسد. هذا الجسم له تعقيدات كبيرة مثل أرواحنا، حيث نحتاج إلى معلومات لا نعرفها. إن تعقيد خلقنا وكذلك تخصص طريقنا من الدنیا إلى الآخرة يبين أن الحاجة إلى متخصص في التكامل الإنساني هي إحدى الضروريات التي لا يمكننا تجاهلها.
العودة والولادة السليمة إلى مكانتنا الحقيقية والتمييز بين الصواب والخطأ يتطلب وجود سبع مجموعات من المعلومات التخصصية. هذه المعلومات موجودة حصريًا عند الله، لأن الإنسان وحياته الدنيوية يعرفها الله فقط. ولكن للأسف، الكثير منا لا يعتبر الله خبيرًا خالقًا يملك كل المعلومات الضرورية حولنا وحول العالم، وإنما يعتبرونه كائن مقدس جالس على عرش عظيم! ولذلك ترانا في الكثير من الأحيان نتوجه إلى أشخاص ليس لديهم تخصص في الإنسان وتطوره، ونعتمد على علوم ليس لها قطعية أو صحة، بل غالبا ما تُقبل كنظرية اليوم وقد تُنفى غدًا.
إن تعاليم الله هي الصيغ الوحيدة لنيل سعادة الإنسان. غير الله والأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين هم ممثلو الله، فلا يملك أحد معرفة تخصصية بشأن الإنسان. أخبرنا الله بهذه المعرفة من خلال مصدرين: القرآن وأهل البيت(عليهم السلام). في الحقيقة، يُعتبر القرآن دستور الله، بينما يكون أهل البيت(عليهم السلام) هم المفسرون والمُطبقون للقرآن.
في هذه المقالة، لا ننوي الدخول في تفاصيل عن المعلومات التخصصية السبعة، بل سنشير إليها فقط على شكل قائمة. هذه المعلومات تتضمن:
- فهم مراحل قبل الدنيا
- فهم جسم الإنسان
- فهم الروح الإنسانية
- فهم العلاقة بين الجسم والروح الإنسانية
- فهم مراحل الدنيا والعالم الطبيعي
- فهم العلاقة بين العالم الطبيعي والجسم والروح
- فهم مراحل بعد الدنيا
العلاقة بين قاعدة أصالة التخصص والحاجة إلى المتخصص في التكامل الإنساني
في علم الإنسان هناك قاعدة طبيعية وفكرية تسمى “قاعدة أصالة التخصص”. وفقًا لهذه القاعدة، عندما نواجه ظاهرة أو نظامًا معينًا، فإننا عند مواجهة هذة المراحل الأربعة: التعريف والتشغيل والاستفادة والتصليح بعد العطل، یجب علینا اللجوء إلى الصانع أو الممثل المعتمد من قبل الصانع. إذا نظرنا إلى حياتنا، فإننا نلتزم جميعًا بهذا المبدأ بشكل طبيعي. على سبيل المثال، عندما نحتاج إلى إصلاح نظاراتنا أو كاميرتنا، نتوجه إلى عامل تصليح متخصص، أو عندما نحتاج إلى علاج لمرض القلب، نذهب إلى طبيب قلب وأوعية متخصص. من المضحك جدًا أن نذهب، على سبيل المثال، إلى بستاني لخياطة ملابسنا، أو أن نطلب علاج آلام الأسنان من طبيب الأعصاب والدماغ. لا يحتاج هذا المبدأ إلى مؤهلات، بل يكفي استخدام العقل لفهم أن الأمور التخصصية يجب أن تكون تحت رعاية متخصص.
وبالمثل وبما أننا أكبر ظاهرة في الوجود، فإن لدينا صانع خالق ونحتاج إلى متخصص في تكاملنا الإنساني للتعرف على أنفسنا والأمور التخصصية المتعلقة بخلقتنا، وللحصول على أفضل طريقة للعيش. و ذلك فإن علينا اللجوء إلى خالقنا أو ممثليه المعتمدين، لأنه لا يتمتع أحد غير الأنبياء وأهل البيت(عليهم السلام) بمعرفة المعلومات التخصصية السبعة اللازمة التي ذكرناها.
نحن البشر، رغم كل التقدم الذي حققناه في مجالات مختلفة من العلوم، إلا أننا لا نمتلك حتى واحدة من هذه المعلومات التخصصية. أظهرت التجربة أن العلوم الإنسانية ليست ثابتة وأن هناك العديد من الأمور التي تم تأكيدها اليوم وإنكارها غدًا، لذا فإنه لا يمكننا أن نعتمد على مثل هذه العلوم وأن نسير في مسار حياتنا بثقة باستخدام هذه العلوم غير الكاملة.
يُبنى الحساب في يوم القيامة على هذا المبدأ العقليّ أيضًا. ففي ذلك اليوم، سنُسأل عن الأشخاص الذين اعتمدنا عليهم في استقاء المعلومات حول مختلف مراحل الحياة، والذين اتخذناهم قدوةً لنا. لا يملك أحد سوى خالق الإنسان وروحه، ومنظم الطبيعة، وعارف أسرار العلاقات بين الجسد والروح، وعلاقتهما بالطبيعة، القدرة على التعبير عن آرائه في هذه المسائل الجوهرية.
يوم الحساب، سينقسم الناس إلى فريقين: فريقٌ آمن بقاعدة أصالة التخصص ونهلَ المعرفةَ من منابعها الصحيحة أي من الله والأئمة المعصومين(عليهم السلام)، وفريقٌ أهملَ هذه القاعدة واعتمدَ على غير المُختصين في أمورهم التخصصية.
عندما نقتدي بالمعصومين ونحذو حذوهم في حياتنا، نكون كمن ركب سفينةً آمنةً وسط أمواج المحيط الهائج، فنصل إلى بر الأمان مهما اشتدت العواصف. أما إن لم نتبع هدي من أرسله الله وجعله قدوة لنا، فكأننا شخصٌ أُلقِيَ به في عرض البحر دون مركب، يتقاذفه الأمواج دون وجهة أو أمل في النجاة. لذلك، فإنّ الاقتداء بمعصومٍ مُختصٍّ بتكامل الإنسان ضرورةٌ حتميةٌ لا غنى عنها، فإذا لم نأخذ بيده، ضلّت دروبنا وضاعت سعادتنا الأبدية.
ضرورة تنظيم العلاقة مع المحبوب في طريق التكامل
وفقًا لقاعدة أصالة التخصص، للوصول إلى المعلومات التخصصية السبعة، يجب علينا اللجوء إلى الله و ممثليه المعتمدين، أي الأنبياء وأهل البيت(عليهم السلام). إن تحديد وتقديم هؤلاء المندوبين مهم لدرجة أن الله يقول في إحدى آياته أن كل الجهد الذي بذله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فی بعثته يضيع هدرا اذا لم یتم تعيين خليفة بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).[4] اذن لابد ان یتم تقديم نماذج متخصصة ومعصومة تمكنها توجيه البشر بخبرتها، لأن القرآن ككتاب أساسي ومعجزة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعبر فقط عن مبادئ توجيهات الله ولابد أن يتم تفسير هذه التوجيهات من قبل المتخصصين.
من خلال مفهوم قاعدة أصالة التخصص والحاجة إلى متخصص في مجال تكامل الإنسان، تمكنّا من استكشاف فلسفة النبوة والإمامة. يمكننا أيضًا من خلال دراسة فلسفة النبوة أن نجد طريقًا إلى موضوع الحب والمودة، ولكن كيف يمكننا ذلك؟
لقد أُرسل الله الأنبياء لإنقاذنا من اختيار المحبوبات الكاذبة والمزيفة وليُرشدونا نحو اختيار أفضل الأحباء. أحد نتائج الامتثال للنموذج المعصوم المتخصص هو تنظيم علاقتنا العاطفية مع الله، حيث نصبح محبوبين لله ونستطيع أن نأمل في غفران خطايانا[5]. هذه المحبة والأمل في مغفرة الذنوب لها صلة بالله الرحمن. اسم “الرحمن” هو أحد الأسماء التي تلعب دورًا بارزًا في مختلف مراحل حياتنا، على سبيل المثال، في سياق النزول وقبل الإشارة إلى الخلق، يبدأ الله حديثه بالإشارة إلى هذا الاسم[6].
دافع مسيرتنا نحو الله هو الرحمة، فلا بد أن نسعى لنتشبه بالله وننال رضاه ونعود إلى مقامنا الأصلي. كلما ازداد تشبهنا بالله وارتفع مقامنا عنده، ازدادت قدرتنا على جذب أسمائه وصفاته، ولن نستطيع جذب أي اسم أو صفة دون أن نجذب “اسم الرحمن” أولاً. لذلك، فإن الرحمة هي المحرك الأساسي لرحلتنا نحو الكمال، ويجب أن يدفعنا إيماننا بالله وحبنا له إلى مزيد من اللطف والرحمة مع الآخرين. بناءً على ما ذکرناه فإننا يمكننا تلخيص أهداف الرسالة في جملة؛ جاء الأنبياء لتنظيم علاقتنا مع الله، حبيبنا الحقيقي. ولتنظيم هذه العلاقة والعودة بسلام إلى مقامنا الأصلي، نحتاج إلى مبادئ ومعلومات ومعرفة تخصصية، يقدمها لنا الخبراء المعصومون، وهم الأنبياء والرسل.
[1] وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي؛ سورة ص، الآية 72
[2] لاَ فَرْقَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهَا إِلاَّ أَنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ خَلْقُكَ؛ شرح دعاء الرجبية، الجزء السادس
[3] وَ اِنّا اِلَیهِ راجِعون؛ سورة البقرة، الآية 156
[4] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ؛ سورة المائدة، الآية 67
[5] قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ سورة آلعمران، الآية 31
[6] الرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ؛ سورة الرحمن، الآيات 1 إلى 3