كيف يُساعدنا المرشد فی الحیاة على تحقيق السعادة؟
من هو مرشد حياتنا؟ هل نحتاج إلى مرشد في الحياة؟ ما هو دورنا كإنسان في هذا العالم؟ على أي أساس ومعيار يتشكل إرتباطنا مع العالم والكائنات الأخرى؟
يتكون هذا العالم من مجموعة من الكائنات، الذي یوجد لكل منها بنيتها الوجودية الخاصة. البعض منها، لها خصائص جمادیة فقط، والبعض لها كمالات نباتية، وبعضها تظهر من نفسها الصفات والكمالات الحيوانية. بالطبع، یوجد أيضًا في هذا العالم كائنات غير مادية مثل الملائكة، الذين لديهم كمالات عقلیة وهم وسيلة تنفيذ تدابیر الله.
نحن كبشر، بالإضافة إلى هذه الخصائص والکمالات، لدينا أيضًا جانب ماوراء عقلي يشكل الجزء غير المادي من وجودنا ويرتبط بالكمال المطلق واللامتناهي، وهو ذلك الجزء الذي يمنحنا الجانب الإنساني ويميزنا عن الكائنات الأخرى. اننا لا نقدر على إدراك الجزء ماوراء العقلي وغير المادي لوجودنا بإستخدام العقل، الذي ليس لديه القدرة حتی على إدراك جسمنا بشكل كامل، إذن فمن الطبيعي أننا للتعويض عن هذا العجز نرجع إلى خالقنا الذي خلق العالم ويديره، أو إلى المعصوم المتخصص الذي هو النائب(المندوب) الموثوق لخالقنا. في الحقيقة فان أي قرار غير هذا هو قرار غير مهني وجاهل ولا يأتي بنتائج جيدة لنا.
يحتاج أي نظام معقد إلى اتباع التعليمات والعناية التي یحددها الصانع لتحقيق أقصى نتاج. نحن كبشر، عقليًا وجسديًا، نعتبر أكثر المخلوقات تعقيدًا في هذا العالم، ولكن على الرغم من هذا التعقيد، لدينا أيضًا قيود مادية؛ أي أننا لا نملك القدرة على تعريف أنفسنا بشكل صحيح، ومعرفة احتياجات وجودنا وأبعاده وبنيته الرياضية؛ إذن نحن بحاجة إلى مرشد في الحياة لأجل الحصول على إجابات أسئلتنا والإستقرار في طريق تحقيق هدف خلقنا.
مهمة الدين
نحن نتعامل مع أنظمة مختلفة في العالم تدّعي كل منها أنها مسببة في النمو وجلب السعادة لنا في الأبعاد المختلفة من وجودنا. إحداها تدعي أنها تضمن لنا النجاح المادي، وأنها ستمهد لنا طريق النمو الاقتصادي؛ والأخرى تعدنا بالتألق في ساحة الجمال والقدرات الجسدية؛ نظام يمهد لنا الطريق للتقدم في المجالات السياسية والاجتماعية وغيرها، ونظام آخر يساعدنا على الوصول إلى قمم العلم(المعرفة) والإنجازات العلمية.
ورغم أن كل مجموعة من هذه المجموعات قد تكون ناجحة في نطاق عملها، إلا أنه لا توجد مجموعة لديها القدرة على إنجاحنا في جميع المجالات؛ لأنها لا تعرف شیئا عن تعقيدات وجودنا ولا تملك المعلومات اللازمة والكافية لضمان السعادة في جمیع جوانب وجودنا.
لذلک فإن الأنظمة البشرية بالرغم من كل ادعاءاتها، لا تملك حتى القدرة على التعرف على الجزء المادي لوجودنا وإسعاده. إن وجود الأمراض المختلفة وعدم المعرفة الكاملة حتى بأصغر أجزاء جسمنا بعد آلاف السنين هو دليل على وجود هذا العجز، ولكن النقطة المهمه هي أن وجودنا لا يقتصر على الجزء المادي والجمادي، وكما ذکرنا فانا، لدينا أيضًا جزء فطري ذو طبيعة لا متناهية، وهذا هو جانبنا الإنساني. لقد تم تصميم بنيتنا الوجودية بطريقة تجعل الله وحده، أو اللانهاية المطلقة، ان تکون إلهنا في الجزء الإنساني من وجودنا؛ بعبارة أخرى، لا سبيل لتحقيق الكمال الإنساني وبلوغ هدف الخلق إلا بالوصول إلى الله والتشبه به. لذا، فاننا بحاجة إلى برنامج متخصص(تخصصي) ومرشد في جانبنا المادي والجسدي وايضا في جانبنا الفطري والإنساني.
إذا أردنا تعريف الدين بشكل صحيح، فلا بد أن نقول إن الإنسان، كبنية رياضية خلق لهدف محدد وهو التشبه بالله، يحتاج إلى برنامج وطريق ليُمكّنه من تحقيق هذا الهدف، وهذا البرنامج هو الدين. في الواقع، فإن الدين تركيبة ومجموعة من القواعد المصممة وفقاً لهدف الخلق وبنية وجود الإنسان. في النتيجة، فإن الدين يسبق الإنسان، أي أن للدين کان الحق للوجود أولاً ، ثم خلق الله الإنسان حسب مكوناة الدين. الله الذي هو خالق وصانع هذا الوجود المعقد، قد بین لنا مرشد حياتنا حتى قبل خلقنا، ووفر لنا كل ما نحتاجه لتحقيق السعادة والکمال الإنساني بصیغة الدين.
في الواقع فإن الدين هو البرنامج الوحيد الذي يوفر مؤشرات سعادتنا الدنيوية والأبدية الأخروية في أي من الجوانب الخمسة، من الجمادي والنباتي والحيواني والعقلي والإنساني إلى ماوراء العقلي ويغذي ويقوي ويدير جميع أبعاد وجودنا بشكل متوازن ومتسام؛ لأنه تم تقديمه لمرشد حياتنا من قبل الوحيد الذي لديه المعلومات المتخصصة اللازمة لإيصالنا إلى هدف خلقنا، وأما ما هو شرط الوصول إلى هذا الدور للدين؟
لقد فهمنا حتى الآن أن الدين الذی هو برنامج متخصص تمامًا من جانب خالقنا، هو من لديه القدرة على إسعادة جميع أبعاد وجودنا. ولكن للوصول إلى دين فعال ومؤثر، نحتاج إلى شخص لا یملك معرفة كاملة بأبعاد وجودنا واحتياجاتنا فحسب، بل هو عالم بالدين تماماً، وعارف بكيفية تطبيقه تماماً. في الحقيقة فان المعصوم المتخصص هو مرشد حياتنا الذي قدم الله الدين له قبل خلقنا، وهو الوحيد الذي يعلم ما هي احتياجات بنيتنا الوجودية وكيف يمكن للدين أن يوصلنا إلى مقصدنا من خلال تلبية هذه الاحتياجات.
لماذا تکون سیادة المتخصص المعصوم مهمة جدا؟
إن سيادة المعصوم على المجتمع هو أهم أصل في الإسلام، لأنها الحالة الوحيدة التي يكون فيها لجميع أهل العالم القدرة على ازدهار كمالاتهم الوجودية وقواهم المختلفة. ليس هناك مصيبة أعظم من غياب الإمام وحكمه على البشر، لأن غياب الإمام والسيادة الإلهية كمرشد لحياتنا يساوي حكم الطغاة وغير المتخصصين مما يعني بداية الانحرافات ومتاعبنا وسقوط المجتمعات البشرية.
نحن الآن على الرغم من أنّ لنا علاقة وجودية مع إمامنا، إلا أننا لا نستطيع الوصول إليه حاليًا. على الرغم من أن الكثير منا قد لا يفهم أهمية سيادة المعصوم، إلا أن عدم الوصول إلى الإمام أو الخبير المعصوم هو السبب في أن حياة معظمنا تظل مقتصرة على الكمالات الجمادية أو النباتية أو الحيوانية أو في الحد الأقصى العلمية ولا نزدهر أبدًا في الجانب الإنساني من وجودنا. أي أننا نستمر في حياتنا سنوات ونحن لا نعرف إلهنا ولا نتعرف على ربنا، ولهذا السبب فاننا لا نتصور غاية سوى الوصول إلى الكمالات السفلية لوجودنا ولا نبذل أي جهد للوصول إلى الكمال الإنساني والهدف من خلقنا.
إن ألفتنا واعتيادنا على الكمالات الجمادية والنباتية والحيوانية تجعلنا نعتاد على نمط الحياة السائد في المجتمع. لقد غيرت هذه العادة نظرتنا إلى الحياة والهدف من الخلق، واوصلتنا إلى مكان، حیث أننا على الرغم من أننا حساسون ونتفاعل مع أمور مثل زوال الأشجار والحيوانات، لکننا نصبح غیر مبالین لغياب المتخصص المعصوم، الذي هو مرشد حياتنا وعامل سعادة المجتمع. في الواقع، فاننا نصل إلى نقطة لا يؤثر فينا موت الجزء الإنساني من وجودنا وهلاك البشر ولا نقوم باظهار رد الفعل؛ في حين أن التشبه بالله والحصول على حياة إنسانية من ضروريات سعادتنا في الدنيا والآخرة، ومهم إلى حد أن جميع الأنبياء والأئمة بذلوا جهودهم لإيصالنا إلى هذه النقطة عبر التاريخ.
في هذا المقال، قمنا بدراسة بنيتنا الوجودية. وبيّنا أنّ هذه البنية الرياضية تم تصميمها بِشكلٍ يُلزمنا ببرنامجٍ مُتخصصٍ ووجود خبيرٍ لبلوغ الكمال المنشود. الدين، بوصفه البرنامج المُتخصص الوحيد المُنزل من قِبل خالقنا، هو القادر على توفير مفاتيح السعادة الدنيوية والأخروية لجوانب وجودنا الخمسة. لكن التطبيق الصحيح للدين يتطلب متخصصاً معصوماً لا يعرف أبعاد وجودنا وديننا فحسب، بل يعمل أيضاً کمتخصص لحياتنا في التطبيق الصحيح للدين.