ما هي جذور المحبة الحقيقية لأهل البيت(عليهم السلام) في قلوب الناس؟
ما هو سبب علاقتنا الجذرية بأهل البيت(عليهم السلام)؟ من أين تنبع محبة أهل البيت في قلوبنا؟ وهل هذه العلاقة فقط لأنهم قادتنا في الدين وأئمتنا؟ هل لأنهم أحفاد نبينا؟
إذا كان الأمر كذلك، فما هو سبب محبة أهل البيت(عليهم السلام)، في قلوب غير المسلمين وأتباع المذاهب الأخرى؟ لماذا يعبر الكثيرون من غير المسلمين عن احترامهم لأهل البيت(عليهم السلام)؟ لماذا يجتمع عدد كبير من المسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين وأتباع ديانات أخرى حول محور الإمام الحسين(عليه السلام) في الأربعين ويشعرون بالحزن لأجله؟ إنهم ليسوا من أتباع الإسلام، و لا يوجد علاقة بينهم وبين أهل البيت؛ إذًا كيف يمكن تفسير هذه المحبة في قلوبهم؟
أحد أسباب التعبير عن الاحترام والمحبة لأهل البيت(عليهم السلام) في قلوب غير المسلمين هي بلا شك الفضائل والمكارم التي يرونها في وجودهم. إذ أن أهل البيت(عليهم السلام)، كونهم الإنسان الكامل وتجليًا لجميع أسماء وصفات الله، يثيرون بشكل غير متعمد شعور الاحترام والتقدير في نفوس جميع البشر الأحرار، وكأن كل شخص يرى تطوره الذاتي في وجودهم. ولهذا السبب فلا يمكن أن يكون لديه مشاعر سلبية تجاههم، ولكن ما هو جذر هذا الحب؟ ما هي العلاقة التي تربط روح البشر وروح أهل البيت (عليهم السلام)؟ سنتناول في هذه المقالة هذا الموضوع المهم.
علاقتنا الحقيقية مع أهل البيت (عليهم السلام)
على عكس ما يعتقده معظمنا، لم تبدأ قصة حياتنا كبشر على الأرض والأرض ليست وطننا الأصلي. كنا جميعًا عند الله في شكل روح واحدة موحدة قبل أن نولد. في بداية الخلق وفي أول تجلٍ له، يخلق الله حقيقة تعتبر أصل الخلق وأقرب المخلوقات لذات الله، وتحتوي على جميع أسماء وصفات الله بشكل كامل. ثم يخلق من هذه الحقيقة الأولية سائر العوالم والكائنات الأخرى. هذه الحقيقة هي المثل الأعلى أو نور أهل البيت (عليهم السلام)؛ لذا فإننا جميعًا في الواقع من جنس أهل البيت ومن هذا المنظور فلا يوجد فرق بين المؤمن والكافر.
أهل البيت هم أصلنا وجذرنا وعائلتنا السماوية، وروحنا التي تشكل البعد الرئيسي لوجودنا هي منهم. لذلك، حب أهل البيت (عليهم السلام) موجود في قلوبنا جميعًا بدون استثناء. يكفي أن نضع جوانبنا الحيوانية جانبًا ونعود إلى طبيعتنا وجوهرنا الحقيقي، لنشعر بهذا الحب. بسبب هذه العلاقة والرابط بيننا وبين عائلتنا السماوية، أي أهل البيت (عليهم السلام)، نُعتبر نحن البشر في الأصل أخوة وأخوات؛ لأننا جميعاً أبناء عائلة واحدة وهناك قواسم مشتركة بيننا أعلى و أسمى من القواسم المشتركة المادية والأرضية. حيث أن ولادتنا في عائلات مختلفة على الأرض والحدود الجينية والجنسية والجغرافية التي تفصلنا، كلها تتعلق بالأبعاد المادية والأرضية لوجودنا. بينما لا توجد هناك فواصل بيننا و بين باقي البشر في الجانب الروحاني والفطري، وتعود حقيقة وجودنا جميعًا إلى مصدر واحد وعائلة واحدة.
لذا علمنا أن أول علاقة لنا مع أهل البيت (عليهم السلام)، التي تكون سببًا في إثارة محبة أهل البيت في قلوبنا، هي العلاقة الحقيقية والوجودية لنا معهم. خلقنا الله من جنس أهل البيت (عليهم السلام) ووضع في وجودنا نفس الكمالات التي وضعها في وجودهم بشكل بالغ القوة. من هذا الموضوع نستخلص نتيجة هامة جدًا، وهي أن الوصول إلى مقام أهل البيت ممكنًا لنا أيضًا. كما نقول في زيارة عاشوراء للإمام الحسين (عليه السلام): “أسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله”، أي أطلب من الله أن يجعلني أصل إلى ذلك المقام المحمود الذي تحظون به عند الله، وأيضًا نقول: “أسأله أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة”، أي أطلب أن أكون معكم وفي مستواكم، ولا أكون راضيًا بأقل من ذلك. فمن لم يتعلم علم الإنسان الإلهي ومعرفة الذات، ولا يكون على علم بجذوره ومصدره، فإنه لن يفهم معنى هذه الجمل، لأن هذه الجمل لم تُصمم لأبعاد جنسية أو سياسية أو اجتماعية للأفراد، بل صُممت للبعد الإنساني، ومن لا يتعرف على بعده الإنساني، فلن يتمكن من التواصل معها، وبالتالي قد يقرأ شخص زيارة عاشوراء لسنوات ويكرر هذه الجمل مرارًا وتكرارًا، ولكنه جالس على مائدة زيارة عاشوراء ببعده الحيواني والطبيعي، ويردد هذه الجمل فقط بهدف الحصول على الأجر أو قضاء حوائجه، ولكنه قد لا يجد في قلبه حتى مرة رغبة في مجالسة أهل البيت (عليهم السلام) والوصول إلى مقامهم.
علاقتنا القانونية مع أهل البيت (عليهم السلام)
بالإضافة إلى العلاقة الحقيقية التي تحدثنا عنها، هناك علاقة أخرى بيننا وبين أهل البيت(عليهم السلام) وهي العلاقة القانونية. تتشكل علاقتنا القانونية مع أهل البيت(عليهم السلام) في الدنيا وتشبه العلاقة بين المعلم وتلاميذه. إذا كان التلميذ مطيعًا للمعلم واتبع توجيهاته، سيصبح بمرور الوقت مشابهًا للمعلم ويصبح صاحب نفس الكمالات التي يمتلكها المعلم.
خلقنا الله من جنسه وجعل التشبّه به هدفًا نهائيًا لخلقتنا. ولكن بما أن الله هو وجود لا نهائي، يجب معرفة الوجود اللانهائي من أكمل تجلياته، وهو أهل البيت(عليهم السلام)، ولا يوجد طريق آخر لمعرفة صفات الله وكمالاته. إذن فإن حاجة الإنسان إلى الإمام والمتخصص المعصوم هي أكثر حاجة ضرورة له. لقد خُلقنا لنبلغ المقام المحمود ولنصبح خلفاء الله، ولا يليق بنا أقل من ذلك. ولكن لا يمكن لأحد أن يوصلنا إلى هذه المكانة إلا من يملكها، وما ذلك الشخص إلا المعصومون (عليهم السلام) كأكمل تجليات الله.
إننا بحاجة للإمام في كل جوانب كياننا، سواء كان جمادياً أو نباتيًا أو حيوانيًا أو فكريًا أو إنسانيًا، وبدون اتباع للإمام، فلن تتحقق سعادتنا الحقيقية في الدنيا والآخرة. التوجه إلى الإمام هو ما يمكن أن يروض شغفنا اللا نهائي في جميع جوانب وجودنا ويحقق لنا الغاية النهائية من خلقتنا.