من هو الإمام علي (عليه السلام) وما دوره في حفظ الإسلام وتقدمه؟

من هو الإمام علي(ع) وكيف ساعد النبي(ص) في بناء الدولة الإسلامية؟

من هو الإمام علي(ع) وكيف ساعد النبي(ص) في بناء الدولة الإسلامية؟

من هو الإمام علي(عليه السلام) وما هو دوره في إكمال بناء الدولة الإسلامية التي أسسها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ما هي محاور أعمال أمير المؤمنين(عليه السلام) و تأثيرها المادي والمعنوي على سعادة المسلمين بل وحتى البشرية جمعاء؟

إنّ التعمق في شخصية الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، الذي اصطفاه الله ليكون وصياً لخاتم أنبيائه، ومكلفاً بتفسير كتاب الله العظيم وتطبيقه وحفظ شريعة رسوله الكريم، يتطلب دراسة مستفيضة تتجاوز حدود هذا المقام. لكننا، ولإيجاز الكلام، سنكتفي بذكر بعض أبرز ملامح شخصيته، ودوره المحوري في أحداث صدر الإسلام.

وُلد الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، في الثالث عشر من شهر رجب، في العام الثلاثين من عام الفيل، أي قبل الهجرة النبوية الشريفة بثلاث وعشرين سنة، داخل الكعبة. وكان والده أبو طالب، عم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، من أشراف قريش، وأمه فاطمة بنت أسد، ثاني امرأة أسلمت وأول من بايعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). تتعدد فضائل أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وتتنوع، سواء على صعيد صفاته الشخصية الفريدة، أم على صعيد مميزاته التي لم يسبق إليها أحد. فشرف ولادته داخل الكعبة المشرفة، بطريقة معجزية، هو أمر لم يسبق له مثيل في التاريخ، ولم يحدث لأحد قبله ولا بعده. كما أنه كان الشخص الوحيد الذي كان كفؤا للزواج من السيدة فاطمة الزهراء، بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أبو الأئمة المعصومين الاثني عشر.

كان أوَّل من آمن برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وشاركه في مباهلة أهل النّجران في العاشر من الهجرة، فكان فداءً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وقد نزلت فيه وفي أهل بيته آيات التطهير والاطعام والمودة[1] والمباهلة. وورد في حقه حديث المنزلة الذي ذكر فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلة أمير المؤمنين(عليه السلام)، مشبِّهاً إياه بهارون ومشبهًا نفسه بموسى(عليهما السلام). كما نزلت آية إكمال الدين[2] في غدير خم، والتي بيّنت ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام).

كان علي بن أبي طالب(عليه السلام) معدن علم الله، بارعًا في العلم والبلاغة، لدرجة أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: “أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب”[3]. وقد أطلق عليه ألقاب كريمة كـحيدر الكرّار، وأمير المؤمنين، وقسيم النار والجنة، وأبو تراب، وصاحب اللواء، وولي الله، وأسد الله… وغير ذلك، إما تقديرًا لشجاعته وبسالته، أو استنباطًا من الأحاديث والآيات القرآنية. وهذه الألقاب لا تمثل سوى جزء يسير من فضائله، وتقدم لنا إجابة سطحية تاريخية عن سؤال: من هو علي بن أبي طالب؟ سنكتفي في هذا المقال بالإجابة التاريخية، تاركين تحليل شخصيته كإمام معصوم وخليفة حق للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى دراسة أخرى.

حياة الإمام علي (عليه السلام): سيرة جهادية متصلة

إن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) هو أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قضى خمسة وثلاثين سنة من أصل ثلاث وستين في سبيل الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عن حقانيته، ومحاربة الظلم والكفر، وتحقيق هدف النبي الأعظم في إقامة الدولة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي. لم يفارق الإمام، في أي لحظة من لحظات حياته، سواء في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعد رحيله، دين الله ورسوله.

لقد شهدت جميع أحداث صدر الإسلام، من صعوبات الحياة في شعب أبي طالب، وضغوط المشركين وتعذيبهم، والهجرة إلى المدينة ومخاطرها، والكثير من الغزوات التي خاضها المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كصلح الحديبية، وفتح الخيبر، وفتح مكة، وغيرها، حضور الإمام علي(عليه السلام) وتضحياته الجسيمة، والتي سنتناولها بالتفصيل لاحقًا.

يمكن تقسيم حياة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأعماله إلى قسمين رئيسيين:

  • القسم الأول: يمتد خلال فترة حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويشمل فترة إقامته في مكة والمدينة. وقد كان الإمام علي(عليه السلام) في هذا القسم من حياته صحابيًا وفيًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يبخل بجهده في سبيل نصرة الإسلام ورفعة كلمته.
  • القسم الثاني: يبدأ بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويمتد خلال فترة إقامته في المدينة والكوفة، حيث تولى الإمام علي(عليه السلام) دور الوصي والخليفة، وسعى جاهدًا لحفظ الإسلام وتطبيق الشريعة التي وضع أسسها النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد تناولنا هذا الجزء بالتفصيل في مقالنا عن فترة ما بعد غدير خم.

وفي نهاية المطاف، وبعد حياة حافلة بالجهاد، استُشهد الإمام علي(عليه السلام) في الكوفة، حيث باغته أحد الخوارج وهو ساجد في صلاة الفجر في مسجد الكوفة وضربه بسيف مسموم على رأسه، ففارق الحياة في 21 من رمضان عام أربعين للهجرة، ودفن في النجف الأشرف.

فترة شباب الإمام علي(عليه السلام) في مكة

لا شك أن حياة من كُلِّف بحمل أمانة إيصال رسالة الإسلام إلى البشرية بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، لم تكن حياة هيّنة، بل كانت مليئة بالصعاب والمحن والابتلاءات. كان عمر الإمام علي(عليه السلام) نحو 6 سنوات حينما ضمه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيته الشريف ليقوم بتربيته وتعليمه. وكان الإمام علي(عليه السلام) هو الشخص الوحيد الذي شهد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد آمن برسالة الإسلام رغم صغر سنه، قبل أن يؤمن بها أحد غيره. إن هذا الإيمان المبكر، في ظل الظروف الاجتماعية القاسية التي كانت سائدة في مكة والجزيرة العربية، لم يكن بالأمر الهيّن، بل كان يعني تحديًا صريحًا للسلطة القائمة والنظام القبلي السائد آنذاك.

في العام الثالث من البعثة النبوية، دعا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عشيرته إلى الإسلام. عندها كان علي(عليه السلام) فتى في مقتبل العمر وكان أول من آمن به وأسلم، بل و بايع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإسلام، وعينه النبي وصيًا و أخًا و خليفة له. وهكذا دخل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) و الإمام علي (عليه السلام) في صراع مع الكفار والمنافقين الذين سخروا منهما وعارضوهما. فقد كان الناس في ذلك الزمان متعصبين لدياناهم وعاداتهم وتقاليدهم، فعارضوا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)[4] الذي جاء لهدم ما بنوا. ولكن عليًا(عليه السلام) كان يتميز بروح التضحية والشجاعة والفداء، فكان يدافع عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بكل ما أوتي من قوة، متجاوزًا صغر سنه، واضعًا قدمه في سبيل الله وتحقيق أهداف الرسول، متخليًا عن ملذات الدنيا.

كان عمر الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) 17 سنة عندما انتقل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) و سائر المسلمين إلى شعب أبي طالب إبان فترة الإبعاد، حيث عاشوا ثلاث سنوات في ظروف قاسية. وبعد انتهاء الحصار، شارك عليّ(عليه السلام) النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته إلى الطائف، والتي لم تلقَ استقبالاً حسناً، فقد رجم أهل الطائف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عليّ(عليه السلام) سداً منيعاً يحميه. ومع تطور الدعوة الإسلامية، ازدادت مسؤوليات عليّ(عليه السلام) وتوسعت مجالات نشاطه. وفي ليلة الهجرة، عندما كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يستعد للهجرة إلى المدينة، نام عليّ(عليه السلام) في فراشه، ليوهم المشركين أنه النبي، فنجا بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الليلة التي تعرف بليلة المبيت. تبرز هذه الحادثة العظيمة، من جهةٍ، أوج الإخلاص والتضحية اللذين بلغهما الإمام علي(عليه السلام) في سبيل تحقيق أهداف الإسلام، وإكمال رسالة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم). ومن جهةٍ أخرى، الحفاظ على حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي استمرار رسالته في بناء المجتمع الإسلامي الذي يتيح لكل مسلم فرصة النمو والتطوّر ليصل إلى التشبه بالمعصوم ومقام الخلافة الإلهية. بعد ليلة المبيت، تولى الإمام علي(عليه السلام)  مهمةً جسيمةً تمثّلت في رد أمانات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهل مكة، ونقل الفواطم إلى المدينة المنورة.

وفاء الإمام علي(عليه السلام) للإسلام ولرسول الله في المدينة

بانتقال المسلمين إلى المدينة المنورة وبدء بناء الدولة الإسلامية على يد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، تغيرت طريقة المسؤولية عن حماية الدين الإسلامي. فالمسلمون الذين كانوا يتعرضون للأذى والسخرية والتعذيب والمقاطعة من قبل المشركين في مكة المكرمة، أصبحوا مطالبين ببذل أقصى جهودهم لبناء مجتمع مثالي ودولة عادلة وفقًا لما جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، مما استدعى منهم ضبط رغباتهم وميولهم بما يخدم هذا الهدف السامي.

كانت الهجرة إلى المدينة المنورة بمثابة امتحان جديدٍ لكافة المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأوطانهم في مكة، وللأنصار الذين استقبلوا إخوانهم المسلمين في ديارهم. فإلى جانب السعي الحثيث للمواءمة مع الشريعة الإسلامية التي تتجلى أحكامها تباعًا بتنزيل الوحي الإلهي، كان على المسلمين تحمل مسؤولية صيانة بنيان الإسلام الناشئ الذي كان يتعرض لهجمات متكررة من أعداء الدين. بعبارة أخرى، أتاحت الدولة الإسلامية للمسلمين فرصة تطبيق الشريعة الإلهية بقيادة المتخصص المعصوم، والجهاد الأكبر ضد النفس، إلى جانب الجهاد الأصغر ضد الكفار والمنافقين والمشركين. وفي هذا السياق، كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، كما كان الحال في مكة، يتصدر الصفوف إيمانًا وعبادة، متميزًا بشجاعته وبصيرته، ساعيًا إلى نصرة دين الله جنبًا إلى جنب مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

لم تكن قرابة أمير المؤمنين(عليه السلام) برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا زواجه من السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها في السنة الثانية للهجرة، مانعًا من صموده الراسخ في سبيل تحقيق أهداف الإسلام السامية. ولم يؤثر ذلك على بساطته وإيثاره بما يحصل عليه المسلمون من غنائم في الحروب. وإذا أردنا بيان حقيقة علي(عليه السلام)، فهو نموذج للجندي المخلص الذي بذل كل ما يملك لحفظ الإسلام ونشره، ودعا الناس إلى الخلافة الإلهية. كما لم تمنع هذه المسؤوليات الجسام، قلبه من أن يفيض بالمحبة والسكينة والسرور التي كانت سمة إيمانه الصادق، والتي تجلت في حياته الزوجية السعيدة مع السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. وقد أثمرت هذه الحياة عن أبناء أبرار، هم الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم(عليهم السلام)، الذين ساهموا جميعاً بشكل كبير في حفظ الإسلام ونشر تعاليمه.

دور الإمام علي(عليه السلام) المحوري في الأوضاع الحرجة

شارك الإمام علي(عليه السلام) في جميع غزوات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ما عدا غزوة تبوك حيث بقي في المدينة بأمر منه، وكان في أغلبها حامل لواء الإسلام. بل إنه شارك في بعض الغزوات التي لم يشارك فيها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) شخصيًا، بل قادها أحد الصحابة. وقد تميز الإمام علي(عليه السلام)  بصلابته وثباته في المعارك، وحمايته الشديدة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أطلق عليه الرسول لقب “الكرار غير الفرار” في غزوة خيبر. ورغم أن شخصية الإمام علي(عليه السلام) عميقة ومتشعبة لا يمكن حصرها في مقال واحد، إلا أن دراسة مشاركته في الغزوات والأحداث المهمة بعد الهجرة تساعدنا على فهم أعمق لدوره ورسالته.

 

  • غزوة بدر

وقعت غزوة بدر، أولى غزوات المسلمين مع المشركين من قريش، في شهر رمضان من العام الثاني للهجرة، بالقرب من آبار بدر. جاءت هذه الغزوة ردًا على هجوم المشركين على قوافل المسلمين المتجهة إلى الشام، وتعرضهم للمسلمين في مكة. وقد انتصر المسلمون في هذه المعركة، وقتلوا وأسروا عدداً من قادة قريش، ومن بين القتلى الذين قتلهم علي بن أبي طالب(عليه السلام) كان عتبة بن ربيعة(جد معاوية بن أبي سفيان) ووليد بن عتبة وحنظلة بن أبي سفيان، كما جاء في كتابه إلى معاوية. [5]

  • غزوة أحد

كانت غزوة أحد، ثاني مواجهات المشركين مع المسلمين، وقد وقعت في السنة الثالثة للهجرة، انتقامًا لهزيمتهم في غزوة بدر، و جرت أطوارها عند جبل أحد. ورغم الانتصار الأولي للمسلمين، إلا أن بعضًا من الجيش لم يلتزم بتوجيهات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فتركوا الممر الضيق معتقدين بالنصر الحتمي، فاستغل المشركون الفرصة وهاجموا المسلمين من الخلف، وهزموهم، وفرّ الكثير من المهاجرين والأنصار تاركين النبي صلى الله عليه وسلم وحيدًا. وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)  من أشد الناس صمودًا في ذلك اليوم، فقد وقف سداً منيعًا أمام المشركين، وصمد أمامهم رغم إصابته بسبعين جرحًا، مدافعًا عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وقد ورد عن جبريل(عليه السلام) قوله في وصف شجاعة علي بن أبي طالب وصموده في تلك المعركة: “لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي”.[6]

 

  • غزوة الخندق

شهدت السنة الخامسة للهجرة الموافق لسنة 627م،[7] واحدة من أعتى المعارك التي خاضها المسلمون الأوائل، ألا وهي غزوة الخندق. بدأت هذه المعركة بتآمر بنو النضير اليهود وخيانتهم للعهد، حيث تحالفوا مع قريش وأحلافها من المشركين واليهود لشن هجوم شامل على المدينة المنورة، عازمين على القضاء على شوكة الإسلام.

بلغ عدد جيوش المشركين عشرة آلاف مقاتل،[8] فحفر المسلمون بقيادة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خندقًا حول المدينة لحمايتها من هذا الهجوم الشامل. وقد واجه المسلمون خلال هذه الغزوة ظروفًا قاسية، منها: خيانة اليهود، والبرد القارس، والجوع والعطش.

برزت في هذه المعركة بطولة علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، حيث تحدى عمرو بن عبدود، أحد أشجع فرسان قريش، والذي تمكن من عبور الخندق. بعد أن استأذن أمير المؤمنين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دعا عمرو بن عبدود إلى الإسلام أو الكف عن القتال، فلما أبى عمرو ذلك دارت بينهما معركة ضروس، انتصر فيها أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، فقتله شرّ قتلة وأهلك أصحابه، فكانت هذه الغزوة من أشد الغزوات على المشركين، مما أدى إلى فرارهم وتشتتهم. وقد وصف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ضربته التي أودت بعمرو بأنها تعدل عبادة الجن والإنس. [9]

كان لانتصار المسلمين في غزوة الخندق الأثر البالغ في تثبيت دعائم الإسلام، وإحباط مخططات الأعداء، ورفع معنويات المسلمين. وقد اعتبرت هذه الغزوة من أعظم الانتصارات التي حققها المسلمون في بداية الدعوة الإسلامية.

 

  • بيعة الشجرة[10]

في العام السادس للهجرة، خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه جماعة من المسلمين من المدينة متجهين إلى مكة المكرمة لزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك العمرة[11]، إلا أن المشركين منعوهم من دخول مكة. في هذه الظروف الصعبة، بايع المسلمون رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على السمع والطاعة، وعلى أن لا يتركوه وحيدًا في مواجهة أعدائه. وروى جابر بن عبدالله الأنصاري أن عليًا(عليه السلام) كان أول من بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. [12] وبهذه البيعة، تمكن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من عقد صلح مع المشركين لمدة عشر سنوات، عُرف بصلح الحديبية.

  • غزوة خیبر

في مطلع السنة السابعة للهجرة، أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بضرب أطماع اليهود في خيبر الذين آووا اليهود المطرودين من المدينة وحرضوا بعض القبائل العربية على قتال المسلمين[13]. كان اليهود في خيبر يعتمدون على حصونهم الشامخة التي تقع على قمم الجبال، وكمية السلاح الهائلة، وكثرة العدد، ووفرة المياه، فلم يتوقعوا الهزيمة أمام المسلمين. وبعد أن أسند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) راية القتال إلى بعض المهاجرين والأنصار ولم يتمكنوا من فتح القلعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم:” لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار”[14] وفي الصباح أسند الراية إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فقتل المبارز مرحب، سيد القلعة، وفتح الله على يديه أشد حصون خیبر.

  • فتح مكة المكرمة

بعد أن نقض المشركون عهد الصلح الذي عقد في الحديبية، خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في أول شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة من المدينة المنورة عازمًا على فتح مكة المكرمة. وقد أسند الراية إلى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وبعد الفتح، صعد عليّ(عليه السلام) على أكتاف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأمره، فهدم الأصنام التي كانت في الكعبة،[15] وبهذا زال الشرك والوثنية عن بيت الله الحرام.

  • غزوة حنين

بعد أن فتح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مكة المكرمة، خافت أشراف قبيلة هوازن وثقيف أن يوجه إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حملة عسكرية، فبادروا بشن هجوم مفاجئ على المسلمين في وادي حنين. في بداية المعركة، تراجع المسلمون بسبب الهجوم المفاجئ للمشركين، ووجود عدد كبير من المسلمين الجدد الذين لم يختبروا المعارك بعد، مما أدى إلى تعريض حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) للخطر.

كان المشركون من هوازن وثقيف قد نصبوا كمينًا في أودية حنين، وعندما هاجموا المسلمين فجأة، فرّ الناس من حول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يبقَ معه سوى عدد قليل من الصحابة، منهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام). وقد كان علي(عليه السلام) أشجع الناس في تلك المعركة، حيث هاجم قائد المشركين وقتله، مما أدى إلى هزيمة المشركين وهروبهم. وكان النصر حليف المسلمين في نهاية هذه الغزوة.

لم يشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)  غزوة تبوك، إذ مكث في المدينة المنورة بأمر من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ليحمي المدينة من أي مكائد للمنافقين في غياب النبي. وقد كُلّف(عليه السلام) بتبليغ أمر الله تعالى في إعلان البراءة من المشركين في يوم العيد الأضحى، وهو أمرٌ أوجبه الله تعالى أن يكون على لسان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد من أهل بيته(عليهم السلام). وفي السنة العاشرة للهجرة، بعثه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن لدعوة الناس إلى الإسلام، وتعليمهم الأحكام الشرعية، وتبيين الحلال والحرام.[16] وقد نجح(عليه السلام)  في دعوة قبائل كبيرة كهمدان إلى الإسلام بالتي هي أحسن دون سفك الدماء، فحذت قبائل أخرى حذوهم، وأسلموا أيضاً. وقد تولى(عليه السلام) القضاء بين القبائل، واستلام الزكاة منهم. وقد مهدت هذه الرحلة المباركة لولاء أهل اليمن لأهل البيت(عليهم السلام)، ووضعت الأسس لتعاونهم معهم في المستقبل لتكوين الدولة الكريمة للمخلص الموعود.

أهمية حضور الإمام علي(عليه السلام) وصحبته للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

بتقصينا لسير المعارك والغزوات التي خاضها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، يتضح لنا الدور المحوري للإمام علي(عليه السلام) في تلك الأحداث من الناحية المبدئية، إذ لا يمكن للمتخصص المعصوم أن يقوم بتطبيق الشريعة وإيصال الناس إلى الغاية التي خلقوا من أجلها، ألا وهي التشبه بالله، إلا إذا توافرت الأسباب والظروف التي تمكنه من تأسيس دولة تقوم على تطبيق أوامر الله. وهذا ما كان حال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة، حيث كان محرومًا إلى حد كبير من هذه الإمكانية قبل هجرته إلى المدينة المنورة وتأسيس الدولة الإسلامية. ويتبين لنا جلياً مكانة الإمام علي(عليه السلام) ودوره الحاسم في النهضة الإسلامية، حينما ندرك أن حذف دوره في أي غزوة أو موقف حرج كان سيؤدي إلى خسارة فادحة للإسلام، بل ربما كان سيؤدي إلى زوال الدولة الإسلامية التي أسسها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بصعوبة بالغة.

لتبيين عظمة مكانة الإمام علي(عليه السلام)، يكفي أنه كان الساعد الأيمن للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وساهم مساهمة فعالة في بناء الدولة الإسلامية، وساند رسوله الكريم في نشر الإسلام وتطبيق شريعته، فكان خير معين له في تحقيق أهداف الدعوة الإسلامية وإقامة دولة العدل والمساواة وقد اختاره النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وصياً وخليفة له في غدير خم، ليكون خليفةً ووصيًا على الأمة بأمر الله تعالى. وقد خصصنا بحثًا مستقلاً للحديث عن هذه المناسبة العظيمة.

الملخص

ختامًا، قد سعينا في هذا البحث إلى تسليط الضوء على شخصية الإمام علي(عليه السلام)  العظيمة، وتبيين مكانته في تاريخ الإسلام. ورغم أن فضائله ومناقبه لا تعد ولا تحصى، إلا أننا حاولنا من خلال هذا البحث أن نلقي نظرة على دوره البارز في أحداث صدر الإسلام وغزوات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لتوضيح أهميته ودوره المحوري وإيثاره وإخلاصه في بناء وتثبيت دعائم الدولة الإسلامية تحت قيادة متخصص معصوم. كما أشرنا إلى دوره التاريخي الفريد إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

[1] . سورة الشورى، الآية 23

[2] . سورة المائدة، الآيه 3

[3] . حاکم النیسابوري، المستدرك علی الصحیحین، ۱۴۱۱ق، ج۳، ص۱۲۶

[4] . إنسان بعمر 250 سنة، الحلقة الثالثة، ص 85.

[5]. نهج البلاغه، مطبعة الاستقامة، ج۳، ص۱۳۵

[6]. الکلیني، الکافي، ۱۴۰۷ق، ج۸، ص۱۱۰

[7]  ابن هشام، ج۳، ص۲۲۴

[8] ابن هشام، ج۳، ص۲۳۰

[9] عوالي اللئالي العزیزیة في الأحادیث الدینیة، ج‏4، ص86

[10] . بيعة الرضوان

[11] الطبري، تاریخ الطبري، بیروت، ج۲، ص۶۲۰ـ۶۲۱

[12] المجلسي، بحارالانوار، ج ۳۸، ص۲۱۷

[13] ابن هشام، السیرة النبویة، دارالمعرفه، ج۲، ص۳۲۸

[14] . بحار الأنوار، العلامة المجلسي ، ج ٤١ ، ص 85

[15] ابن‌ شهرآشوب، المناقب، ۱۳۷۹ق، ج۲، ص۱۳۵

[16] ابن‌شهرآشوب، المناقب، ۱۳۷۹ق، ج۲، ص۱۳۵

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *