الدين = نظرةٌ متفائلة إلى المستقبل + سعيٌ لبنائه

تؤكّد الآيتان الكريمتان(105 و 106) من سورة الأنبياء على أنّ جوهر الدين يكمن في فهم المستقبل والسعي لبنائه وفي هذا بلاغ لكل عابد ومتديّن. فالمؤمن الحقيقيّ لا يقتصر إيمانه على فهم الحاضر فقط، بل يتّسع ليشمل فهم التاريخ البشريّ، وسيرة الأنبياء، وما بَشّر به الله تعالى من مستقبلٍ مُشرقٍ. فمَن حصر إيمانه في نطاق الحاضر الدنيويّ، ولم يربطه بمسار التاريخ الإلهيّ، لا يمكنه القول بأنّه قد أدرك حقيقة الدين، بل لا يمتلك ربطًا حقيقيًا به.
حکومة الصالحين على الأرض: وعد إلهيّ مشترك في الكتب السماوية

تُشير الآية الخامسة من سورة القصص إلى وعد إلهي كبير للمستضعفين في الأرض، حيث يقول الله تعالى: “ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.” تُؤكد هذه الآية على إرادة الله تعالى في نصر المستضعفين وتغيير مسار التاريخ لصالحهم.
آخر الزمان: صراعٌ بين توحيد الصالحين وكبر المستكبرين

تسلط الآية الخامسة من سورة القصص: “وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” الضوء على وعد الله للمستضعفين بأنهم سيحصلون على القيادة والتمكين في المستقبل.
القرآن الكريم، المصدر الأكثر مصداقية في تقديم صيغ علم المستقبليات

لا يمكن إدارة حاضرنا بشكل فعّال دون فهم دقيق للمستقبل وخصائصه. لذا، نحن بحاجة إلى توجيهات واضحة لتصرفاتنا الاجتماعية، السياسية، التربوية والاقتصادية، بالإضافة إلى قضايا الأسرة. في هذا الإطار، نعتمد على القرآن الكريم، الكتاب السماوي الأخير المنزل على البشر، كمصدر دقيق وموثوق لعلم المستقبل.
“الحاضر”: نافذةٌ تُطلّ على “الماضي” بأكمله و”المستقبل” بأكمله.

تحدثنا سابقًا عن خصائص المستقبل ومبادئه العلمية، وناقشنا الآية رقم 156 من سورة الأنبياء في القرآن الكريم. وفقا لهذه الآية، قد تنبأ الأنبياء لأتباعهم بأن الأرض ستكون ميراثًا للعباد الصالحين، وبالتالي، سيجتمع الناس من الماضي، والحاضر، والمستقبل على مسار واحد، مشكلين حلقة متصلة في سلسلة مترابطة.
“البشارة المشتركة” بين القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى عن المستقبل: مفتاحُ السكينة وقوةُ الإنسان لبناء المستقبل

الآيتان 105 و106 من سورة الأنبياء تتحدثان عن مفهوم “وراثة الأرض” كرمزٍ غنيّ بالمعنى يُخاطب العقول المتفكّرة ويوحي بمستقبلٍ مُشرقٍ ينتظر المؤمنين الصالحين. فما هي علاماتُ هذا المستقبل؟ وكيف ستتحقّق وراثةُ الأرض؟ يسير مسار التاريخ و حركة الحياة الطبيعية نحو هذا الهدف، وأنّ الطغاة والمجرمين سيضعفون يومًا بعد يومٍ، حتّى ينتهي حكمُهمْ ويحلّ محلّه حكم الصالحين.
الوعد بالتحقق الأكيد لـ”البشارة المُشتركة بين الأديان السماوية”: ارتباطٌ وثيقٌ بين أتباع الأديان لبناء مستقبلٍ أفضلٍ

كان جميع الأنبياء عليهم السلام مُبشّرين بنصر الصالحين وحكمهم على الأرض، فكما وردَ في آيتَيْ 105 و 106 من سورة الأنبياء، لن يُهزم تيار الدين أبدًا. تشير هذه الآيات إلى أن قوى الطاغوت لن تتمكن من القضاء على القواعد الثقافية للصالحين على الأرض، سواء كانت هذه القواعد معابد، أو جامعات، أو تنظيمات، أو تيارات ثقافية. بغض النظر عن محاولات هذه القوى، فإنها لن تفلح في إيقاف أو تدمير النشاطات الثقافية والاجتماعية للصالحين.
شغف الخلود في الإنسان: دافع التفكير في المستقبل

يُعتبر الإنسان كائنًا فريدًا، حيث يحمل في طيّاته رغبة فطرية جامحة في الخلود والبقاء، وهذه الرغبة تنبع من أصله الإلهي، حيث أن الله تعالى نفخ فيه من روحه، مُضفيًا عليه سماتٍ إنسانية سامية. تجلى هذا الأصل الإلهي في كيان الإنسان، مما جعله يُفكّر بعمقٍ في مصيره والمستقبل.
المستقبل، محرك رئيسي لحركة الإنسان في الحاضر

أشرنا إلى أن تجسيد المستقبل وبناؤه هو جزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان وأساسها. فهذا الميل، حتى عندما يجد الإنسان نفسه تحت تأثير الشيطان وأوهام الشهوات، ويُنكر وجود الآخرة والله، يظل حاضرًا في أعماقه. فالحب الأبدي للذات والرغبة المتجددة في البقاء هما من الغرائز الأصيلة للإنسان التي تترسخ في جوهره.
الأمل بالمستقبل: مفتاح السعادة والسلام في الحاضر

يلعب تأثير الماضي والمستقبل والانتماء العاطفي إلى كليهما دوراً بارزاً في تشكيل الحاضر للفرد. إنهما مصدر الهدوء النفسي والقوة، ويضيفان الغنى للحياة. يُعتبر موضوع خلود الإنسان وبناء مستقبله أمرًا بالغ الأهمية، فقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المفهوم مرارًا وتكرارًا. في الإسلام، يتأثر الإنسان بتجاربه وتشكيلاته السابقة في حاضره ومستقبله، وتُعَد حياته الحالية قادرة على إعادة بناء ماضيه وتشكيل مستقبله.