ما هي حقيقة الصهيونية العالمية، وكيف تمارس سياستها التوسعية؟

لكي نفهم الأحداث الجارية حولنا بشكل صحيح ونتخذ المواقف الصائبة تجاهها، لا بد من استيعاب الرؤى والأهداف والأدوات التي تستخدمها القوى العظمى التي تحكم العالم. فذلك هو المفتاح لفهم الخطط والمخططات الكامنة وراء القرارات المتخذة، حتى تلك التي تبدو إنسانية في ظاهرها.

على الرغم من أن الصهيونية، أو الحركة الصهيونية العالمیة قد أعلنت عن نفسها رسميًا في أواخر القرن التاسع عشر، متبنية فكرة عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل، إلا أنها في الحقيقة تمثل امتدادًا لفكر قديم راسخ بين اليهود، يعود بجذوره إلى قرون سابقة، يحمل في طياته حلم الهيمنة العالمية.

فكرٌ مارقٌ يسعى دومًا لتحويل مجريات الأمور العالمية لخدمة أغراضه الدنيئة، متخفّيًا وراء مختلف التيارات والأفكار، كأنه حزب الشيطان، يعمل على تشكيل مذاهب وأفكار جديدة للتحكم في عقول البشر وتوجيه دفة التاريخ نحو أهدافه، منتظرًا اللحظة المناسبة ليعلن عن ملكه للعالم.

بدأت تحركات الصهيونية، أو بالأحرى مكائد الشيطان، تأخذ طابع الجدية مع مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين، بالتزامن مع الثورة الصناعية في أوروبا وسيادة الفكر المادي والإنساني. فقد عملت هذه الحركة على نشر الفكر الإنساني ومحاربة العقائد الإلهية.

شرعت الصهيونية واليهودية العالمية في حملة ممنهجة للقضاء على مفهوم “اللّه” من حياة الإنسان، وذلك من خلال الترويج للعلمانية وفصل الدين عن الدولة والمجتمع. خطوة بخطوة، تمكنت هذه الحركة من الاقتراب من تحقيق أهدافها. لقد كان تغيير قيم الإنسان وتوجهاته أمراً بالغ الصعوبة، ولكن الصهيونية نجحت في ذلك من خلال التركيز على التكنولوجيا والعقلانية والتجربة الحسية، مستخدمةً مختلف التيارات الفكرية للتأثير على وعي الإنسان في القرن العشرين.

العولمة في خدمة المشروع الصهيوني العالمي

وفي هذا السياق، سعت الحركة الصهيونية واليهودية العالمية إلى تسريع تحقيق أهدافها من خلال تأسيس حركات ومؤسسات عالمية ودولية. وقد تزامن ذلك مع صعود التيار العولمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتأسيس منظمات مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي(الناتو) عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وذلك في سياق تحقيق الأهداف ذاتها. بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، تصاعدت جهود الولايات المتحدة الأمريكية لفرض هيمنتها الأمنية والسياسية والأيديولوجية على العالم، حيث طرح جورج بوش فكرة “النظام العالمي الجديد” وحاول تبرير الهيمنة الأمريكية على العالم بذريعة نشر الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام والاستقرار الدولي.

بتولي هذه المهمة، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها قائدة العولمة، على عاتقها إعادة تشكيل العالم وفقًا لقيم الليبرالية، مستخدمة في ذلك أدوات متنوعة كصناعة السينما في هوليوود والشبكات التلفزيونية ووكالات الأنباء، بل وحتى التدخل في شؤون الدول الأخرى اقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا، سعياً منها إلى تغيير أذواق الشعوب وسياساتها لتتوافق مع القيم الأمريكية.

لم تقتصر حركة العولمة على ما ذكر، بل تعدّتها إلى إنشاء هيئات دولية كمنظمة الصحة العالمية ومجموعة العمل المالي(FATF) والمنظمة العالمية للأغذية والأدوية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بل وحتى الشركات المتعددة الجنسيات، وجميع ذلك بهدف السيطرة على الدول وتوجيهها قسراً نحو القيم الليبرالية الغربية. ورغم أن الصهيونية العالمية تزعم أن هناك أهداف نبيلة وراء هذه الإجراءات، كدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتشجيع التجارة الحرة وزيادة السلام، إلا أن الحقيقة تكمن في سعيها الحثيث إلى الهيمنة العالمية وإخضاع جميع الدول والشعوب لسيطرتها، وذلك من خلال فرض نظام عالمي جديد موحد يرتكز على القيم الليبرالية الغربية.

إن أركان الفكر الليبرالي، الذي يُعد حجر الأساس للفكر الصهيوني واليهودي العالمي، يتلخص في رفض السيادة الإلهية على العالم، ونبذ الدين كمرجعية لتدبير شؤون المجتمع ومصالحه، والتمسك بالقانون والحرية الفردية، والاعتماد على العقل البشري دون الرجوع إلى الوحي، والتأكيد على قيمة الإنسان أو الإنسانوية.

ولم تقتصر أفعال اليهودية العالمية والحركة الصهيونية على ذلك، بل تعدّت إلى محاولات أخرى لاستعادة قوتها وهيمنتها وفرض نظام عالمي جديد يخدم مصالحها. فقد تعاملت مع الدول التي تعارض النظام العالمي الحالي بقيادة الولايات المتحدة، أو تسعى لتغييره، على أنها دول مارقة، متجاهلةً بذلك جرائمها وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى. بل زعمت أنها المدافع عن السلام والأمن الدوليين، وادعت أن أعداءها يمارسون العدوان، ويدعمون الإرهاب، ويسعون للحصول على أسلحة دمار شامل، لتبرر بذلك عدوانها عليهم، مستهدفةً دول المقاومة بشكل خاص .

في منطق الصهيونية، الذي يفرض سيطرة اليهود على العالم ويهدف إلى تولّى زمام الأمور، لا توجد هناك قيمة لحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، ولا اعتبار لمعاناتهم من القتل والتشريد. فلا تتردد في ارتكاب أفظع الجرائم والانتهاكات بحق الفلسطينيين في سبيل تحقيق أهدافها الاستعمارية،  وتبرر أي عمل إرهابي أو عدواني يخدم مصالحها.

الأشكناز وتنفيذ السياسات الصهيونية

لقد استخدم اليهود الذين رأوا في اليهودية أداةً قومية أكثر منها دينًا سماويًا، هذه الدیانة لجمع شمل اليهود من جميع أنحاء العالم لتحقيق أهدافهم. ولم يغفلوا عن دور إسرائيل كأهم أداة في تنفيذ هذه الخطط. لذلك، فقد ركزوا على اليهود الأشكنز، وهم يهود أوروبيون، معظمهم من أصل ألماني، واستقروا في بولندا وروسيا وشرق أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر. لقد اعتمدوا على الأشكنز لنقل الثقافة الغربية والقيم الليبرالية إلى إسرائيل.

هذه المجموعة شكّلت نحو 90% من يهود العالم في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت أولى الوافدين إلى فلسطين في موجات الهجرة الأولى. واليهود الأشكناز، الذين يشكل أغلب الأمريكيون والأوروبيون اليوم، هم نواة اليهود الإسرائيليين الأوليين، ويختلفون ثقافياً بشكل كبير عن اليهود السفارديم أو التقليديين.

لقد هيأت الظروف غير المواتية لليهود في شرق ووسط أوروبا، إلى جانب ظهور الحركة الصهيونية، أجواء مناسبة لهجرة جماعية لليهود إلى بلدان أخرى، بما في ذلك فلسطين. في هذا السياق، أولت الصهيونية اليهودية اهتمامًا خاصًا باليهود الأشكناز، الذين غلبت عليهم التوجهات الصهيونية والاشتراكية. وقد بلغ تأثيرهم حدًّا جعلهم يشكلون نحو 80% من إجمالي السكان اليهود في فلسطين عند قيام دولة إسرائيل.

تمكّن الأشكناز تقريبًا من السيطرة على معظم مراكز القوة الرئيسية، مثل المناصب العليا في القضاء، والمؤسسات العسكرية والأمنية، وقيادة الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى الهيئات الإدارية والاقتصادية العليا. وعلى الرغم من أن اليهود السفارديم تمكنوا تدريجيًا من الوصول إلى هذه المناصب، إلا أن الهيمنة في هذه المواقع لا تزال للأشكناز، ولا يزال هناك فارق كبير بين الإمكانات المتاحة لليهود الأشكناز وتلك التي هي متاحة لليهود السفارديم.

سعت اليهودية العالمية إلى فرض الثقافة الغربية العلمانية للأشكناز الصهاينة كالثقافة الرسمية لدولة إسرائيل. فمنذ الأيام الأولى لتأسيس الدولة الصهيونية الإسرائيلية، عمل اليهود الدوليون والصهاينة من أصول أوروبية على تحويل الصهيونية إلى ثقافة تجمع جميع اليهود، وبناء هوية إسرائيلية تعتمد عليها، بالاضافة إلى ترويج ثقافة تمتلك القدرة على التماشي مع أهداف اليهودية العالمية وتنفيذ سياساتها وبروتوكولاتها الاستعمارية الجائرة والمفتقرة إلى أدنى حدود الحياء.

 

اليهودية العالمية أو تيار صهيوني؟

لم تعد اليهودية، بالنسبة للصهاينة واليهود العالميين، مجرّد دينٍ أو عقيدةٍ روحية، بل تحوّلت إلى منظومة من الرموز الثقافية، والقيم المشتركة، والسلوكيات القومية والوطنية. تسعى هذه المنظومة إلى ترسيخ طقوسٍ مصطنعة تستبعد الله والدين السماوي من حياة البشر، مما يمهّد الطريق لسيطرة عالمية للشيطان؛ تلك السيطرة التي تدوس على سعادة الإنسان وهدف خلقه السامي، وتنتهي في نهاية المطاف بانحدار الإنسان وسقوطه.

لهذا السبب، تعمل اليهودية الصهيونية على تخطيط شامل لكل جوانب حياة البشر، وتقوم بتغيير مسار حياة الإنسان بما يتماشى مع ايديولوجيتها وقيمها الخاصة، من خلال إنشاء مذاهب فكرية ومؤسسات وأنشطة عالمية تبدو مقبولة في ظاهرها.

وفي هذا المسار، نری أن اليهودية الصهيونية تعترض على الشعوب والدول التي تسعى إلى السير وفق حاكمية الله وتختار العيش على أساس تعاليم الدين. في الواقع، يستخدم الشيطان، الصهيونية واليهودية العالمية كأدوات لتنفيذ مخططاته الاقتصادية والصحية والعسكرية والعلمانية، حيث يقوم بضخ هذه البرامج في المجتمعات. ومن خلال إنشاء جبهة متناسقة، يعمل على تضييق الخناق على معارضيه وسلبهم الفرصة لإبراز قوتهم، بهدف التفوق في ساحة المعركة بين الحق والباطل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *