هل لعبت الثورة الإسلامية دورًا في الصحوة الإسلامية ومقاومة المسلمين ضد الاستبداد؟
تُشير الصحوة الإسلامية إلى مجموعة من الانتفاضات والثورات التي اندلعت في عامي 2010 و2011 في الدول العربية والإسلامية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، بما في ذلك تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين. تُعتبر هذه الظاهرة، بالإضافة إلى التغيير الاجتماعي والسياسي، نقطة تحول في مقاومة الشعوب المسلمة ضد الهيمنة والاستبداد. لقد كانت للثورة الإسلامية الإيرانية تأثيرات عميقة على هذه الحركات، حيث كانت بمثابة نموذج للدول المسلمة في كفاحها ضد الاستبداد والهيمنة الأجنبية. تُعَدّ الصحوة الإسلامية نتيجة لسنوات من الهيمنة والضغط العالمي على الشعوب المسلمة، والتي تجلت بأشكال مختلفة مثل الاستعمار والهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية. في هذه العملية، أدركت الشعوب المسلمة أن عزتها واستقلالها لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الالتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية. وقد منح هذا الفهم الجديد الناس الدافع للعمل على إحياء هويتهم الإسلامية وإقامة العدالة الاجتماعية.
تُعتبر أسباب رئيسية مثل الفقر، البطالة، القمع السياسي، الفساد، التمييز، وعدم المساواة الاجتماعية عوامل مهيئة لهذه الثورات. كان الناس المحتجون يسعون إلى إقامة العدالة الاجتماعية، وإحياء الهوية الإسلامية في مواجهة الاستبداد، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفقًا للقيم الإسلامية.
يمكن اعتبار ديسمبر 2010 بداية رسمية للصحوة الإسلامية، بالتزامن مع الاحتجاجات في تونس. سرعان ما انتشرت هذه الاحتجاجات إلى دول أخرى، مما شكل موجة جديدة من النضال والمقاومة ضد الاستبداد والهيمنة. على الرغم من أن معظم هذه الانتفاضات بدأت بتظاهرات سلمية، إلا أنها تحولت تدريجياً إلى صراعات عنيفة وشديدة.
كانت نتائج الصحوة الإسلامية في الدول المختلفة متنوعة للغاية، فقد تمكنت بعض الدول من تحقيق تحولات إيجابية في هياكلها السياسية والاجتماعية، بينما أدت في حالات أخرى إلى حروب، وأزمات داخلية، وتدخل عسكري من قوى خارجية. واجهت هذه التحولات أيضًا تحديات جديدة أثرت على استمرار الصحوة الإسلامية.
توجد آراء متنوعة حول الصحوة الإسلامية. اعتبر قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله الخامنئي، الصحوة الإسلامية حركة إيجابية في مواجهة الاستبداد والهيمنة، ووصف هذه الثورات بأنها علامة على وعي المسلمين وتحقيق الأهداف الإسلامية. تؤكد هذه الرؤية على أن الصحوة الإسلامية يمكن أن تُعتبر نقطة تحول في المقاومة ومواجهة السياسات الاستعمارية والهيمنة العالمية.
تباينت مواقف الدول حيال الاحتجاجات، بين مُناصرةٍ للمحتجين ودعمٍ للحكومات القائمة. أما الدول الغربية، فقد اتخذت مواقف مُتنوعة، انطلاقًا من مصالحها المُباشرة، وما يُحقق لها النفع.
تُعتبر الصحوة الإسلامية، كحقيقة تاريخية، رمزًا لمقاومة الشعوب المسلمة ضد الاستبداد والهيمنة العالمية. ساعدت هذه الحركة في إعادة تعريف الهوية الإسلامية، كما تعكس قدرة الشعوب المسلمة على الصمود في وجه الظلم والاضطهاد.
في هذه المقالة، نستعرض موجة الصحوة الإسلامية في دول تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وسنبحث في العوامل المهيئة، والمبادئ، والأهداف، ونتائج كل من هذه الثورات.
الصحوة الإسلامية في تونس
تُعتبر الثورة التونسية، المعروفة أيضاً بـ”ثورة الياسمين”[1] و”ثورة 14 يناير”[2]، الشرارة الأولى لما يُعرف بـ”الربيع العربي”. لم تقتصر آثار هذه الثورة على المجتمع والسياسة في تونس فحسب، بل كانت محركاً أساسياً لبدء الثورات في بلدان عربية أخرى، لتُصبح نموذجاً يُحتذى به في مقاومة الشعوب المسلمة.
من أهم العوامل التي أدت إلى قيام هذه الثورة، كان ظلم نظام الحكم الاستبدادي لزين العابدين بن علي. فقد قيدت سياسات نظامه الحريات الدينية والسياسية والاجتماعية، مما أدى إلى استياء اجتماعي واقتصادي واسع النطاق. كانت هذه الأوضاع بمثابة نار تحت الرماد، تحتاج إلى شرارة لإشعالها. وقد كانت هذه الشرارة في تونس هي إقدام شابٍّ بائع متجول يُدعى “محمد البوعزيزي” على إضرام النار في نفسه في ديسمبر 2010. هذا العمل أدى بسرعة إلى احتجاجات واسعة في جميع أنحاء البلاد، حيث طالب الناس بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية تقوم على أسس إسلامية.
لقد حالتِ الدكتاتورية التي حكم بها زين العابدين بن علي دون تطبيق الأحكام الإسلامية، وفرضت قيودًا صارمة على الشعب التونسي المسلم. وكانت أحد الدوافع الرئيسية لانتفاضة التونسيين هي الرغبة في إحياء الهوية الإسلامية والثقافية. وسعت بعضُ الجماعات، وعلى رأسها حركة “النهضة”[3] الإسلامية، إلى إعادة تعريف مكانة الدين في الحياة الاجتماعية والسياسية في تونس.
بالإضافة إلى ذلك، كانت تبعية بن علي للولايات المتحدة من العوامل الأخرى التي أثارت استياء الشعب. كانت الولايات المتحدة تسعى لتقليل دوافع انتفاضة الشعب التونسي إلى الاحتياجات الاقتصادية مثل الفقر والبطالة؛ و كان يعكس هذا الأمر بوضوح الجهود الخفية لهذا البلد للحفاظ على سيطرته على الأوضاع في تونس.
بعد عدة أسابيع من الجهود والاحتجاجات، أدت ثورة الشعب التونسي في يناير 2011 إلى سقوط نظام زين العابدين بن علي وهروبه وعائلته إلى السعودية. بعد سقوط النظام الحاكم، عاد العديد من القادة والنشطاء السياسيين المنفيين إلى تونس، وتم إجراء انتخابات حرة، وبدت البلاد وكأنها تتجه نحو إرساء الديمقراطية؛ ومع ذلك، فقد ظلت التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية لا تزال قائمة في هذا البلد.
تغيرت المنظمات والهيئات مثل النهضة، التي كانت تحمل في البداية أفكارًا وإجراءات إسلامية، مع مرور الوقت. وقد حذر آية الله الخامنئي، استنادًا إلى تجربة الثورة الإسلامية الإيرانية، في بداية انتصار الثورة التونسية من هذا الأمر، حيث قال: “تمكن الشعب التونسي من الإطاحة بالحاكم الخائن والتابع لأمريكا والمناهض للدين، لكن من الخطأ الاعتقاد أن هذه هي النتيجة المرجوة، فالنظام التابع لا يسقط بخروج عناصره الظاهرة. إذا تم استبدال تلك العناصر بأشباهها، فلن يتغير شيء، وستكون فخاخ الخداع قد انتشرت أمام الشعب.”[4]
لقد كانت الثورة الإسلامية الإيرانية نقطة تحول في المقاومة، وحققت إنجازات مهمة للشعوب المسلمة، وأظهرت كيف يمكن الوقوف ضد الظلم والهيمنة بالاعتماد على المبادئ والقيم الإسلامية. تُعتبر ثورة تونس، مستلهمة من تجارب الثورة الإسلامية الإيرانية، بداية جديدة في مسار الصحوة الإسلامية ونضال الشعوب ضد الاستبداد والهيمنة.
الصحوة الإسلامية في مصر
تُعتبر مصر، إحدى أهمّ دول العالم العربي والإسلامي، ذات تاريخٍ عريقٍ وغنيّ في المجالات الدينية والثقافية والسياسية. فهي من أوائل الدول الإسلامية التي عرفتِ الثقافة الغربية والأوروبية، ونتيجةً للتّعارض القائم بين هاتين الثقافتين مع الثقافة الإسلامية، تصدّت لها.
شخصيات بارزة مثل جمال الدين الأفغاني اتخذت من مصر قاعدة لها للنضال ضد الاستعمار. وكانت مصر من أوائل الدول الفاعلة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، واضطلعت بدور قيادي فكري وسياسي بين الدول العربية. لكن سياسات حسني مبارك تناقضت مع هذا الإرث ومع تطلعات الشعب المصري.
البلد الذي كان يومًا ما يُنادي بمناهضة الاستعمار ورفض ظلم الكيان الصهيوني، تحوّل في عهد حسني مبارك إلى خيارٍ ملائمٍ لتحقيق أهداف إسرائيل. فعلى مدى ثلاثين عامًا من حكمه، استسلم حسني مبارك للسياسات الاستعمارية الأمريكية، وحوّل مصر إلى مركزٍ للأنشطة المعادية للفلسطينيين.
لم يعد بإمكان الشعب الذي تعرض لسنوات من القمع تحت نظام حسني مبارك تحمل هذا الوضع، فاندلعت موجة من الاحتجاجات. وقد قال قائد الثورة في تحليل هذه الاحتجاجات: “ما نشهده اليوم في القاهرة ومدن مصر الأخرى هو انفجار من الغضب المقدس واندفاع العقد التي تراكمت في قلوب الرجال والنساء الأحرار في مصر نتيجة سلوك النظام الخائن والعميل.”[5]
كانت الاحتجاجات الشعبية في مصر جزءًا من موجة الصحوة الإسلامية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط، والتي انطلقت شرارتها الأولى من تونس. ففي يناير 2011، خرج المصريون إلى الشوارع دعمًا للثورة التونسية، مما كان إيذانًا ببدء الثورة المصرية.
في التحليلات السياسية، تم طرح عوامل متعددة كأسباب داخلية وخارجية لهذه الاحتجاجات وتشكيل الثورة المصرية، بما في ذلك السياسات الاقتصادية الخاطئة لحسني مبارك التي أدت إلى التضخم والفقر والبطالة والفجوة الطبقية. كما كان الفساد، والظلم الاجتماعي، وقمع الحريات السياسية، وقضية فلسطين من العوامل المؤثرة الأخرى.
سعى الشعب المصري إلى استعادة هوية إسلامية ديمقراطية، هوية تلاشت في ظل تبعية نظام حسني مبارك للغرب، وتحولت إلى شعور بالإهانة. فإلى جانب القضايا الاقتصادية والمعيشية، تحولت المشاعر المناهضة للغرب والمطالب الإسلامية إلى محاور رئيسية للحركات الشعبية.
لكل ثورة أهداف ومبادئ تسعى إلى تحقيقها من خلال التضحيات والاحتجاجات. ويمكن تلخيص مبادئ الثورة المصرية في: إحياء الكرامة والعزة الوطنية، رفع راية الإسلام، التصدي للتدخل والهيمنة الأمريكية والأوروبية، ومكافحة النظام الغاصب والكيان الصهيوني المزيف.[6]
كان الشعب المصري يدرك جيدًا أن الاستقلال والتحرر من التبعية للقوى الخارجية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إحياء الهوية الإسلامية وترسيخ الخصائص الوطنية والقومية. أدت جهودهم إلى الإطاحة بحسني مبارك، وإصلاح الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية، وانتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر؛ لكن هذه النتائج لم تكن كل ما أراده الشعب المصري. فقد أظهرت حالة عدم الاستقرار السياسي، والعنف، واستمرار التحديات الاقتصادية في مصر أن الثورة ليست مجرد تغيير نظام، بل هي عملية طويلة لا بد لها أن تواجه مخاطر وتحديات.
بالإضافة إلى ذلك فإن جميع الثورات تحتاج إلى إجراءات فكرية وعملية لتثبيتها؛ وإلا فإن الثورة ستنحرف عن هدفها الأساسي ولن تحقق النتائج المرجوة. ما نشهده اليوم في مصر هو نتيجة عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على ثورة الشعب؛ وهذا درس يجب أن نتعلمه من التجارب السابقة لتجنب انحراف الثورات.
الصحوة الإسلامية في ليبيا
كانت ليبيا من الدول التي انضمت إلى موجة الصحوة الإسلامية التي اجتاحت دول غرب آسيا وشمال إفريقيا. وأدت ثورة الشعب الليبي إلى سقوط نظام معمر القذافي، لكن هذا السقوط لم يكن نهاية المطاف بالنسبة إلى الثورة الليبية.
على الرغم من ادعاءات القذافي بالإسلامية وميوله المناهضة للغرب، فإن سياساته أدت إلى زيادة السخط والمعارضة بين المسلمين ومعارضي الدول الاستعمارية الغربية. وقد شارك العديد من المسلمين في الثورة الليبية متأثرين بالمبادئ والقيم الإسلامية. لعب الإسلام، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من هوية الشعب الليبي وثقافته، دورًا هامًا في دوافع وطموحات الثوار.
كانت العدالة الاجتماعية والمساواة من بين الأهداف والمبادئ الأساسية التي قامت عليها ثورة ليبيا. فقد سعى المتظاهرون إلى إقامة مجتمع أكثر عدلاً، وهو مطلب يتوافق مع المبادئ الإسلامية. ومن بين المبادئ الأخرى للثورة، التحرر من الظلم. ففي الإسلام، تُعتبر الحرية والتخلص من الظلم والاستبداد من القيم الهامة والأساسية. وكانت حكومة القذافي قد مارست ضغوطًا شديدة على الشعب من خلال قمع الحريات الاجتماعية والسياسية، مما دفع الكثيرين إلى الخروج إلى الشوارع بدافع التحرر من الظلم ونيل الحرية.
وكان الحفاظ على كرامة الإنسان أحد الأهداف والمبادئ الإسلامية للثورة الليبية. فالإسلام يؤكد بشكل كبير على كرامة الإنسان وقيمته الذاتية، لكن سلوك نظام القذافي العنيف والمهين كان قد أضر بكرامة الشعب وأذله. وانضم العديد من الليبيين إلى الثورة بدافع الحفاظ على كرامتهم ومواجهة تصرفات نظام القذافي الظالمة.
بدأت الثورة الليبية في فبراير 2011 باحتجاجات سلمية، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراعات مسلحة بين المحتجين وقوات القذافي. أدت الحكومة التي ردت على هذه الاحتجاجات بالعنف والقمع إلى تصعيد الصراعات وتدخل عسكري من قبل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وحلف الناتو. ادعوا أنهم تدخلوا لدعم المدنيين ومواجهة عنف نظام القذافي، لكن الحقيقة كانت أن تدخلهم كان يسعى لتحقيق أهداف أخرى مثل السيطرة على الموارد النفطية الليبية والتأثير على التطورات الإقليمية. وقد وفرت الأمم المتحدة، التي تدعي دعم حقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين، الأرضية لتدخل القوات الأجنبية من خلال اعتماد قرارات معينة. تُظهر هذه المسألة كيف يمكن أن تتحول الأمم المتحدة في بعض الأحيان إلى أداة لتحقيق أهداف ومصالح القوى الكبرى.
أدت الثورة الليبية إلى الإطاحة بمعمر القذافي ومقتله، لكنها أدخلت البلاد في مرحلة من عدم الاستقرار، حيث اندلعت الحرب الأهلية وتصاعد العنف، ولا يزال الوضع متأزمًا حتى اليوم. ساهم تنوع الأحزاب والجماعات ذات العقائد المتباينة والمتضاربة في تعميق الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مما زاد من تعقيد المشهد الليبي. تعكس هذه التجربة الصعبة واقع الدول التي تواجه خطر الطائفية والانقسام، لتكون درسًا وعبرة لمن يسعى إلى تجنب المصير ذاته.
الصحوة الإسلامية في البحرين
البحرين هي واحدة من الدول التي تأثرت بموجة الصحوة الإسلامية وثورات الدول العربية، حيث انضمت إلى هذه الموجة في يناير 2011. تشترك ثورة البحرين، مثل ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن، في جذورها مع الاستياء العام من الحكومات الاستبدادية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والظلم الاجتماعي. فقد خرج المواطنون والشباب البحرينيون إلى الشوارع تعبيراً عن استيائهم من نظام آل خليفة، وسياساته القمعية، والتدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشونه. مطالبين بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، وإنهاء التمييز وعدم المساواة، واحترام حقوق الإنسان.
تدعي حكومة البحرين أنها ديمقراطية، لكن الانتخابات التي تُجرى في البلاد تظل شكلية، حيث يُحرم الشعب البحريني من حق المشاركة الفعلية في العمليات السياسية. وقد أدى هذا الوضع إلى زيادة الاستياء والغضب العام. كان أحد المطالب الرئيسية للمحتجين هو إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يتيح لكل مواطن، بغض النظر عن مذهبه أو أصله، الحق في المشاركة في انتخابات حرة.
تشكل الطائفة الشيعية غالبية سكان البحرين، بينما تتركز السلطة في يد الأقلية السنية من عائلة آل خليفة. ورغم تشابه ثورة البحرين مع مثيلاتها في الدول العربية الأخرى، فإن هذا الاختلاف البنيوي أدى إلى تصوير وسائل الإعلام والدول الأجنبية -بشكل خاطئ- حراك البحرين كصراع بين الشيعة والسنة.
تسعى القوى الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى إضعاف الحركة الشعبية في البحرين وزرع الفتنة بين الطائفتين السنية والشيعية، وذلك بهدف تضليل الرأي العام وتبرير تدخلاتها في شؤون البلاد. يقول قائد الثورة في هذا السياق: “الأمريكيون سعداء لأنهم يستطيعون من خلال أبواقهم الإعلامية في المنطقة، تصوير قضية البحرين كمسألة خلاف بين الشيعة والسنة؛ مما يمنع أي مساعدات قد تُقدم لهؤلاء الناس المظلومين، ويغير طبيعة القضايا ويعمقها.” كما أضاف حول دعم إيران لثورة الشعب البحريني: “لقد عبّر شعبنا عن مشاعره تجاه غزة وفلسطين ومصر وتونس، في كل مكان؛ حتى أولئك الذين لم يكونوا شيعة. لذا، فإن النقاش ليس عن الشيعة والسنة. إنهم يحاولون بشكل خبيث ومتعمد تصوير قضية البحرين كمسألة شيعية سنية.”[7]
عبّر المحتجون البحرينيون عن اعتراضهم على احتكار آل خليفة للسلطة السياسية بشكل سلمي، لكنهم واجهوا قمعًا عنيفًا من النظام. تم قمع انتفاضة البحرين، بالإضافة إلى القوات الداخلية، بمساعدة مباشرة من القوات الأجنبية، خصوصًا من السعودية والإمارات العربية المتحدة، تحت مسمى “قوات درع الجزيرة”[8]. ساهمت هذه القوات، التي دخلت البحرين تحت ذريعة استعادة النظام والاستقرار، في تعزيز نظام آل خليفة من خلال أفعالها الوحشية، وعمليات القتل، وتدمير المساجد، ولم تؤدِ ثورة الشعب البحريني حتى الآن إلى سقوط العائلة الحاكمة، ولا يزال نظام آل خليفة في السلطة.
على الرغم من أوجه التشابه العديدة بين ثورة البحرين والثورات العربية الأخرى، إلا أن لها خصائص فريدة؛ واحدة من هذه الخصائص هي قيادة الثورة من قبل رجال الدين. كانت خطب الشيخ عيسى قاسم، أبرز شخصية دينية وزعيم روحي للثورة البحرينية، تلعب دورًا محوريًا في حشد الناس. عانى الشيخ قاسم بعد عمليات القمع الواسعة وسحب الجنسية البحرينية، من الإقامة الجبرية لعدة سنوات.
الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الإسلامي، هو زعيم سياسي آخر للثورة البحرينية، الذي تم اعتقاله بعد بدء الانتفاضة وحُكم عليه بعدة سنوات في السجن. هؤلاء القادة الدينيون يمثلون رمز المقاومة، ويواصل الشعب البحريني نضاله ضد النظام الحاكم تحت قيادتهم.
تجاوز الشعب البحريني الحدود الطائفية، مستلهمًا من مبادئ الثورة الإسلامية، وسعى إلى الوحدة والتضامن في مواجهة الظلم واللاعدالة. ساعد هذا الفهم للمقاومة والهوية الإسلامية رجال الدين وقيادة الثورة في حشد الناس نحو هدف مشترك يتعلق بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. إن استمرار هذه الحركات في مواجهة قمع النظام، بدعم من رجال الدين، وخاصة الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان، هو مثال واضح على تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على الحركات الشعبية في البحرين.
اليوم، يسعى الشعب البحريني، رغم صمت المجتمعات ووسائل الإعلام الدولية، بمفرده للحصول على حقوقه، مما يعكس إرادته وعزيمته الراسخة في الالتزام بمبادئ المقاومة وإحياء الهوية الإسلامية.
الصحوة الإسلامية في اليمن
تُعتبر اليمن واحدة من الدول التي ارتبط اسمها بموجة الصحوة الإسلامية. بدأت احتجاجات الشعب اليمني في أوائل عام 2011، نتيجة الاستياء العام من نظام علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية آنذاك. أدى الفساد الواسع وعدم توافق سياسات الحكومة مع الاحتياجات الحقيقية للمجتمع إلى زيادة مشاعر الاستياء. كما كان الفساد المنهجي وعدم المساءلة من العوامل الأخرى التي ساهمت في نشوء الاحتجاجات. اعترض الناس أيضًا على الفجوة الاجتماعية والاقتصادية. كانت اليمن، كواحدة من أفقر الدول العربية، تعاني من معدلات بطالة وفقر مرتفعة، مما زاد من حدة الاحتجاجات.
طالب المتظاهرون باستقالة علي عبدالله صالح. ورغم أن الاحتجاجات أدت إلى استقالته وتشكيل حكومة جديدة، إلا أن هذه التغييرات لم تؤدِ إلى إصلاحات حقيقية، مما أدى إلى ظهور موجة جديدة من الاستياء. في هذا السياق، برزت جماعة أنصار الله(الحوثيون) كقوة رئيسية في الثورة بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ولكن دخل البلد في حرب أهلية وتدخل عسكري من قبل السعودية. استهدفت السعودية، من خلال قصفها الشديد، البنية التحتية والشعب اليمني، تمامًا كما يحدث اليوم من جرائم ضد الإنسانية يرتكبها النظام الصهيوني في غزة.
حاولت العديد من الحكومات ووسائل الإعلام تصوير ثورة الشعب اليمني وتدخل السعودية على أنه صراع ديني، لكن قائد الثورة الإسلامية في إيران كشف بوضوح عن حقيقة هذا الصراع، حيث قال: “الحرب في اليمن هي حرب سياسية وليست حربًا دينية؛ يدّعون زورًا أنها مسألة شيعية سنية، بينما ليست كذلك. بعض الذين يتعرضون للقصف السعودي في اليمن ويفقدون أطفالهم ونساءهم ومستشفياتهم ومدارسهم هم من الشافعية، وبعضهم من الزيدية؛ المسألة ليست شيعية سنية، بل هي صراع سياسي يتعلق بالسياسات.”[9] هذه التصريحات الواضحة ترفض محاولات الطائفية وتؤكد على الطبيعة الحقيقية للأزمة في اليمن.
لم تقتصر جماعة أنصار الله في اليمن على مقاومة الظلم والاستبداد وجرائم الأنظمة الحاكمة والسعودية، بل جعلهم صمودهم أحد أبرز القوى الفاعلة في محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني. ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية القاسية، يواصل أنصار الله والشعب اليمني تقديم دعمهم الثابت للشعب الفلسطيني المظلوم، مؤكدين موقفهم المبدئي في مواجهة الاحتلال والعدوان.
كانت الولايات المتحدة والسعودية والنظام الصهيوني يسعون من خلال تصميم خطط وخلق أزمات في اليمن إلى تأمين مصالحهم، لكن في النهاية، أصبحت هذه الأزمة تهديدًا جديًا لمصالحهم. في هذه الأيام، تواجه مصالح ومواقف هذه الدول خطرًا جديًا بسبب هجمات اليمنيين.
لقد كانت الثورة الإسلامية الإيرانية نقطة تحول في التاريخ المعاصر، وأثرت بعمق على مقاومة الشعب اليمني. ألهمت مبادئ الثورة الإسلامية، مثل العدالة الاجتماعية والوحدة، جماعة أنصار الله وغيرها من فصائل المقاومة في اليمن، مما زاد من قدرتهم على النضال ضد الظلم والفساد.
كما عززت قيم الثورة الإسلامية روح المقاومة بين الشعب اليمني وأكدت على هويتهم الإسلامية. لم تؤثر الثورة الإسلامية بشكل مباشر على تطورات اليمن فحسب، بل علمت الشعب اليمني أن المقاومة ضد الظلم ليست فقط حقًا، بل واجبًا إسلاميًا أيضًا.
في هذه المقالة، قمنا بدراسة موجة الصحوة الإسلامية وثورات الدول التونسية والمصرية والليبية والبحرينية واليمنية، وركزنا على الدور الحاسم للثورة الإسلامية في هذه التحولات. لقد لعبت هذه الحركات، جنبًا إلى جنب مع الثورة الإسلامية كنقطة تحول في التاريخ المعاصر، دورًا حيويًا في تعزيز روح المقاومة والنضال ضد الظلم والاستبداد. لم تعد الصحوة الإسلامية مقتصرة على الدول الإسلامية فحسب، بل نشهد اليوم علامات على هذه الحركات في مختلف أنحاء العالم.
لقد أثارت مقاومة الدول الإسلامية، وخاصة الشعب الفلسطيني، حماسة ودافعًا قويًا بين المعارضين للظلم والاستبداد في جميع أنحاء العالم، وجذبت العديد من الأفراد الذين يتطلعون إلى الحرية والعدالة إلى مسار النضال ضد الظلم واللاعدالة. تعتبر الثورة الإسلامية نموذجًا ملهمًا، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في تحفيز هذه المقاومة العالمية، وأظهرت أنه من خلال الوحدة والعزيمة الراسخة، يمكن الوقوف في وجه القوى الاستبدادية والنهوض من أجل الحق.
[1] Jasmin Revolution
[2] January 14 Revolution
[3] Mouvement Ennahdha
[4] خطبة صلاة الجمعة في طهران؛ 15/11/1389
[5] خطبة صلاة الجمعة في طهران؛ 15/11/1389
[6] بيانات في المؤتمر الدولي للصحوة الإسلامية؛ 26/06/1390
[7] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في الحرم الرضوي المطهّر في الیوم الأول من العام 1390 هـ.ش
[8] Peninsula Shield Force
[9] بيانات في لقاء أعضاء المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام واتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية؛ 26/05/1394