[rank_math_breadcrumb]

الاستعداد للظهور بتغيير نمط الحياة والعادات

الاستعداد للظهور: أهم ضرورة في حياتنا المعاصرة

الاستعداد للظهور: أهم ضرورة في حياتنا المعاصرة

إن ظهور المخلص الموعود حقيقة لا يترقبها الشيعة فحسب، بل يترقبها العديد من الأحرار حول العالم. ففي هذا العصر الذي تتسارع فيه أحداث العالم بوتيرة جنونية، تُصبح ضرورة الاستعداد للظهور أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

لقد حدّدت رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد شرطين أساسيين للظهور: انسجام الشيعة ووفاؤهم لإمامهم. ونرى اليوم تحققاً كبيراً لهذين الشرطين. فالخطر على حياة الإمام، الذي كان سبباً رئيسياً للغيبة، قد تضاءل، كما أن جبهة الشيعة أصبحت قادرة على الدفاع عن إمامها عسكرياً وفكرياً.

من جهة أخرى، بدأت روح العطف والتضحية تنتشر عالمياً، فالثقافة التي كانت تقتصر على مناسبات مثل الأربعين، أصبحت تظهر في مختلف بقاع الأرض. فبعد “طوفان الأقصى”، تجلّى الضمير العالمي بصورة أكبر؛ حيث خاطر أفراد من ديانات مختلفة، بل وحتى من غير الملتزمين دينياً، بحياتهم من أجل نصرة المظلومين، وتحمّلوا في سبيل ذلك مصاعب جمة، كالضرب، والفصل من العمل، وإلغاء شهاداتهم الجامعية، ومواجهة عشرات القيود والحرمان من قِبَل حكوماتهم الاستكبارية. ومع ذلك، لم يتراجعوا عن هدفهم، وما زالوا يكافحون ويرفعون صوت الحرية.

إنّ ضرورة الاستعداد للظهور محسوسة اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ فبإمكاننا أن نرى تسارع أحداث العالم من خلال الشواهد والقرائن. لقد تحوّلت الثورة الإسلامية الإيرانية، بوصفها حكومة تُمهّد للظهور، إلى قوة تفوق التصورات الغربية، ولم تكتفِ بأن تصبح قوة عظمى إقليمياً، بل استطاعت أن تستقطب المناصرين من المجتمع الدولي، وأن تُحرض الأمم الحرة على الثورة ضد الحكومات المستبدة من خلال نشر مُثُل العدالة. إنّ جبهة الكفر والظلم والنفاق اليوم في أضعف حالاتها على مر التاريخ، وكل يوم تغرق أكثر في المستنقع الذي صنعته بيديها. هذه الأحداث وغيرها تُنبئ بحدوث أمر عظيم، فالعالم يخطو خطواته الأخيرة نحو ظهور المخلّص، ونقترب لحظة بعد لحظة من المعركة النهائية بين الحق والباطل، وهي معركة ستُفضي، كما يصفها القرآن، إلى هزيمة أئمة الكفر، وتوريث الأرض للصالحين. في هذه المعركة التي لا مفر منها، وفي هذه الأيام الثمينة التي تسبق الظهور، يبرز السؤال الأهم الذي يجب على كل منا أن يطرحه على نفسه: ما هو دوري في هذا المشهد؟ وما الذي يجب عليّ فعله لأعبر هذا المنعطف التاريخي بسلام ونجاح؟ وكيف يتحقق الاستعداد للظهور؟ وفي أي المجالات يجب أن يكون هذا الاستعداد؟

طموحٌ عظيمٌ يستدعي همّةً عالية

إنّ الأهداف الكبرى لا تُنال إلا بجهودٍ تتناسب معها. فمجرد إحداث تغيير بسيط في محيطنا المحلي يتطلب جهداً مستمراً وتخطيطاً دقيقاً، فكيف إذا كان الهدف هو إحداث تحول عالمي وإزاحة قوى الظلم؟ نحن بصدد إسقاط حضارة شيطانية قائمة منذ آلاف السنين، وإحلال حضارة التوحيد الإلهية محلها، وهو ما يتطلب ثمناً باهظاً، ولا يمكن تحقيقه بالكسل، أو التقاعس، أو غياب التخطيط.

نحن نعيش اليوم في أفضل عصرٍ تاريخي، وهو العصر الذي انتظره الصالحون عبر التاريخ. هذه المرحلة الذهبية لم تأتِ مجاناً، بل هي ثمرة جهود الأمم الصالحة التي سبقتنا على مدى عقود وقرون. لقد أصبحنا على بُعد خطواتٍ من الظهور، والظروف مهيأة لهذا التحول العظيم أكثر من أي وقت مضى. لكن هذا لا ينبغي أن يُشعرنا بالرضا عن جهودنا، فنحن في خضم حربٍ كبرى وتاريخية، وأي غفلة أو سبات قد تكون عواقبه وخيمة علينا وعلى المستضعفين في العالم.

إنّ أهم ما نحتاج إليه في هذه المرحلة هو الاستعداد للظهور في أنفسنا وفي من حولنا. فإذا أهملنا هذا الاستعداد، ووقعنا في وَهم النصر السريع، سيستغل العدو غفلتنا ويُوجه ضرباتٍ قاصمة لجبهة الحق. حينها، قد يؤجل الله الظهور لسنوات، كما حدث مراراً في الماضي، حيث كانت جبهة الحق على وشك النصر، ولكنّ عدم استعدادها وتقاعس أفرادها أضاع فرصةً تاريخية للمشاركة في هذا الحدث العظيم. إنّ الظهور يتطلب قبل كل شيء أن تكون جبهة الحق قوية، وأن تبقى على قوتها. وهذه القوة لا تُبنى بين عشية وضحاها، فقد اعتدنا لسنواتٍ، بوعي أو بغير وعي، على نمط حياةٍ غربيٍّ مليءٍ بالعادات السلبية التي تُثبط الهمم. ومواجهة هذه العادات تتطلب جهاداً شاملاً يجب أن نُعد له العدة في أقرب وقت. إنّ الاستعداد للظهور من خلال تغيير نمط حياتنا وعاداتنا هو أهم خطوة يجب أن يقوم بها كل فردٍ منا في الوقت الراهن.

واجباتنا في الاستعداد للظهور

تُعَدّ الاستعدادات العسكرية ضرورة حتمية لأي دولة ترغب في حماية نفسها من التهديدات الخارجية في أوقات السلم وتعمل على تعزيز نظامها الدفاعي والهجومي. فالدفاع هو منظومة الإجراءات والمعدات التي تُستخدم لصد هجمات العدو وحماية القوات والمناطق الحيوية. أمّا الهجوم فهو الإجراءات التي تُشنّ لمهاجمة العدو وإلحاق الخسائر به. بمعنى آخر، الدفاع للحماية، والهجوم للردع.

هذه المصطلحات العسكرية يمكن تطبيقها أيضاً على الجانبين الروحي والجسدي. فكما أنّنا مُطالبون بحماية وطننا من التهديدات الخارجية، فإنّنا أيضاً بحاجة ماسة إلى إجراءات وقائية لمواجهة هجمات الشيطان وكل ما يُصيب أجسادنا وأرواحنا بالخمول والجمود ويُعيق حركتنا. إنّ العبور الآمن والناجح من المنعطف التاريخي لآخر الزمان والاستعداد للظهور، يتوقف على تعزيز منظومتي الدفاع والهجوم الروحية والجسدية. وما يُحقّق النصر في هذه المعركة هو تعزيز هاتين المنظومتين في روح الأمة. فواجب كل فرد في الأمم الحرة، هو أن يجعل روحه وجسده عصيين على الاختراق، ليتمكن في اللحظات الحاسمة من أداء دوره بشكل فاعل في تحولات آخر الزمان، وإنقاذ العالم إلى الأبد من سيطرة الكفر والظلم والنفاق.

إنّ التحولات العالمية، وصحوة الشعوب، وانتشار ثقافة المودة والإيثار، ونمو الوعي الديني والسياسي في العالم الإسلامي، وصعود تيار المقاومة، كلها مؤشرات على اقتراب الوعد العظيم بالظهور. اليوم، أصبحت كل المقدمات مهيأة أكثر من أي وقت مضى، لكن هذا وحده لا يكفي. فالظهور ليس حدثاً أحادياً، ولا يكفي أن ننتظر قدوم اليوم الموعود ليُصلح كل شيء دفعة واحدة. إنه أشبه بشروق الشمس، فإذا لم ننظف نوافذ بيوتنا مسبقاً، سيبقى الظلام داخلها حتى مع شروقها.

يجب أن نكون مستعدين. فـالاستعداد للظهور يعني الإصلاح الداخلي، وتغيير نمط الحياة، وكسر العادات التي تجعلنا ضعفاء، بلا هدف، استهلاكيين، وسلبيين. فالظهور يحتاج إلى أفراد أقوياء، ذوي إرادة، مسؤولين، هادفين، وأنقياء. وهؤلاء لا يُصنعون بين ليلة وضحاها، بل يتشكلون في مسار من التربية، والجهاد، وبناء الذات، والتعاون الاجتماعي.

إننا نعيش في خضم معركة تاريخية، تتطلب سلاحين رئيسيين:

  • دفاع روحي وجسدي: مواجهة الهجمات الشيطانية، واليأس، والكسل، وعبادة الهوى، والضياع.
  • هجوم إيماني واجتماعي: لمهاجمة بنى الظلم، ونشر الخير، وبناء المجتمع، ومساعدة المظلومين، والتمهيد للظهور.

في هذه المعركة، لا أحد خارج دائرة المسؤولية. فالسكوت بحد ذاته يعني الغفلة وتؤدي إلى تأخير الظهور. إذا أردنا أن نكون منتظرين حقيقيين، فعلينا أن نقوم ونعمل بدلاً من الجلوس. يجب أن يكون لدينا خطة، وأن نكون على استعداد للتغيير، وأن نكسر العادات التي تُبعدنا عن ساحة الظهور.

إنّ ظهور المُنقِذ ليس مجرد وعد للمستقبل، بل هو مسؤولية للحاضر. ولن نكون أهلاً للقائه إلا إذا اتجهنا لاستقباله. في المقال القادم، سنتناول كيفية تغيير نمط الحياة والسبل العملية لتقوية الجسد والروح استعداداً لهذا الحدث العظيم.

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *