كنتُ أقف بجانب طاولة الشاي، فتقدّم بعض الزوّار وألقَوا السلام، وسألوا: «هل يوجد شاي؟» فأجبت: «نعم، تفضّلوا.» فسألوا: «كم ثمنه؟» فقلت: «إنه مجّاني»، وأشرتُ إلى شعار الحملة المعلّق على الجدار قرب الطاولة وقلت: «هذا الشاي تابع لجناح الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).» قدّمتُ لهم الشاي، فابتسموا ودعَوا لنا بخير، وقال أحدهم: «أنا من سكان بغداد، وسأتوجّه إلى الكاظمية.» ثمّ سأل: «هل تأتون إلى العراق في الأربعين؟» فقلت: «لا نستطيع، لأننا مشغولون بخدمة الزوّار في جناحنا هنا في المطار.» فقال: «إذن، زيارتكم مقبولة إن شاء الله»، ودعانا من جديد وقال: «أسأل الله أن يرزقكم قريبًا زيارة العتبات بعد الأربعين.» ذهب ليجلس مع عائلته ويشرب الشاي، ثم عاد بعد قليل بينما كنتُ واقفًا بجانب منشور الأدعية من الصحيفة السجادية. نظر إلى المنشور، فبدأت أشرح له أنّ هذه بطاقات من مختارات أدعية الصحيفة، وقدّمتُ له نسخة من الكتاب كهدية. قلت له: «يمكنك أن تختار أي دعاء من هذه الأدعية المعلّقة وتأخذه معك.» تألّقت عيناه فرحًا، وبدأ يلتقط البطاقات واحدةً تلو الأخرى، يضعها على عينيه متأثرًا والدموع تملأ عينيه. قال لي: «عندما أعود، سأدعو لكم جميعًا.» وشكرنا بحرارة، ثم عاد إلى زوجته، وبعد دقائق رجع مرة أخرى وقال: «ما دمتم لن تأتوا إلى الزيارة، فسأزور بالنيابة عنكم، وسأدعو لكم هناك.» ثم طلب منّا أن نكتب أسماءنا وحاجاتنا على ورقة، وقال: «لن أقرأ ما كتبتم، ستكون هذه الورقة أمانة عندي، وسأضعها داخل ضريح الإمامين في الكاظمية نيابةً عنكم، لعلّ الله يحقّق أمنياتكم.» كتبنا أسماءنا وسلمناه الورقة، فقلت له: «اكتب أنت أيضًا اسمك وحاجتك، وسأضعها داخل ضريح الإمام الرضا (عليه السلام) وأدعو لك هناك كل أسبوع.» فبدأ يكتب أسماءه وأسماء أفراد أسرته والدموع تنهمر من عينيه، ثمّ احتضنني وبكينا سويًا، ودعونا لبعضنا بإخلاص. غادر، لكنه عاد بعد قليل كأن قلبه لم يغادرنا بعد، وكأنّ شيئًا ما يشدّه إلينا. في تلك اللحظات شعرنا بأنّ قلوبنا ارتبطت بصدقٍ وروحانيةٍ عميقة. كان معي هدية صغيرة في حقيبتي، فأعطيتها له، ففرح كثيرًا وبكى، وبعد دقائق عاد ومعه هدايا لجميع أعضاء الفريق في الجناح. وطلب منّي أن أكتب أسماء جميع أفراد الفريق في الصفحة الأولى من الصحيفة التي أهديناها له، حتى يدعو لنا كلما قرأ منها ويذكرنا دائمًا. وفي النهاية، التقينا جميعًا لالتقاط صورة تذكارية جماعية خُتمت بها لحظةٌ مفعمة بالمحبة والدعاء.

كنتُ أقف خلف المنضدة، فتقدّم أحد الزوّار وسلّم عليّ وقال: «هل يمكنني التحدث بالعربية؟» فأعطيته النصّ العربي الذي يعرّف بالحملة وطبيعة عملنا، فقرأه وهزّ رأسه علامة الرضا والإعجاب. ثمّ أرشدته نحو منشور الحملة، ومسحت له البطاقة وعرّفته على القسم العربي من موقعنا الإلكتروني. شكرني كثيرًا وقال: «أنا الدكتور حيدر هادي، أعيش في بغداد، وأدرّس في جامعة المستنصرية موادّ اللغة العربية وعلوم القرآن والإعجاز القرآني.» فتحتُ له كُتيّب الحملة وعرّفته على محتوى مدرسة علم الإنسان وقلت له إنه يمكنه الاستفادة من المواد الموجودة فيها. ثمّ جاءت زوجته، فقال لها بابتسامة: «لدينا هنا محتوى عن الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).» فابتسما معًا ودعَيا قائلَين: «نسأل الله أن يجعلنا من أنصار الإمام وأعوانه، إن شاء الله.» قدّمتُ لهما الصحيفة السجادية هدية، وطلبتُ منهما الدعاء لنا. غادرا الجناح وهما في غاية السعادة، وعندما جلسا على المقاعد القريبة، بدأ الدكتور بقراءة الصحيفة أولًا، ثم قام بمسح بطاقة الحملة والكُتيّب، وظلّ يطالع المحتوى حتى اللحظة التي غادرا فيها المكان.

انجذبت امرأتان إلى الورش التعليمية، فأخذت إحداهنّ عدّة ورش تتعلّق بالعلاقة مع الزوج وبثّ الهدوء في البيت. أمّا صديقتها فلم تكن تؤمن كثيرًا بهذه الأمور، وقالت: «لا أظن أنّ لها تأثيرًا، لقد حضرتُ الكثير من الورش من قبل، ولم أجد أيّ نتيجة...» ثمّ أضافت بنبرة مترددة: «لكن حسنًا، ربما يكون لهذه فائدة.» فقلتُ لها: «إذا كنتِ صادقة في طلبكِ، وتبحثين حقًا عن التغيير، فسيُفتح لكِ الطريق، وسيوجّهكِ الله إلى ما ينفعك.» فهزّت رأسها بابتسامة رضا وقالت: «معك حق... سأستمع إليها إن شاء الله.»

تقدَّم السيد ترزفان نحو منشور الحملة وبدأ يقرأ الأسئلة المكتوبة عليه واحدًا تلو الآخر، فتوجّهت نحوه ورحّبت به. قال بإعجاب: «ما أروع هذه الأسئلة! من أين يمكنني أن أجد الإجابات عنها؟» قدّمتُ له بطاقة الحملة وشرحتُ له كيفية الدخول إلى الموقع الإلكتروني، ففرح كثيرًا لأنه سيتمكّن من الاطلاع على المحتوى ومتابعته بنفسه. ثمّ وصلت زوجته، فانتقلنا معًا إلى قسم الورش التعليمية، وقدّمتُ لهما شرحًا عن محتواها، فاختارا عدّة بطاقات، وأبديا سعادة كبيرة لأنهما وجدا مادة بهذا العمق والفائدة. بعد ذلك، أهديتهما الصحيفة السجادية وشرحتُ لهما معنى الدرع النوراني، فانعكس شعور بالطمأنينة والرضا على ملامحهما. شكرا بحرارة وغادرا الجناح، لكن بعد دقائق عادا وقال السيد ترزفان: «لدينا مؤسسة أهلية تعمل في مجالٍ مشابه تُدعى مؤسسة إحياء الغدير، وأنا مسؤول قسم الخدمات فيها، كما أعمل في مجال الديكور الداخلي.» سألته: «وما نوع نشاط مؤسستكم؟» قال: «نقوم بأعمال خدمية تطوعية، كما نُعِدّ ونُنتج برامج القصص القرآني وحياة الأئمة الأربعة عشر (عليهم السلام) بنمط العرض القصصي (پرده‌خواني)، ولدينا رغبة كبيرة في التعاون معكم في أقسام الحملة المختلفة.» أبدى سعادته الكبيرة بالتعرّف إلينا، وتبادلنا أرقام التواصل لبحث سبل التعاون المستقبلي إن شاء الله.

تقدّم السيد كرار بديري من العراق إلى جناح الأطفال برفقة طفليه، ثمّ انتقلوا إلى منشور الورش التعليمية ومنشور موقع الحملة. كان واضحًا أنّهم يحبّون القراءة، إذ تصفّحوا بعناية واهتمام المواضيع على منشور الورش وأسئلة منشور الحملة. ثمّ دخلوا مباشرة إلى موقع الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وتعرّفوا بشكل عام على مجموعتنا ومحتوى الموقع. سألتُه عن عمله، فقال: «أنا معلّم، أدرّس اللغة الإنجليزية والعربية.» فقلت له: «إذًا لديكم فرصة كبيرة لمشاركة هذا المحتوى مع زملائكم وطلابكم.» فأجاب: «نعم بالتأكيد، بكل سرور؛ وللحق، لقد تعاملت مع الكثير من المسيحيين وأتباع ديانات أخرى، الذين اتجهوا بعد فترة إلى الإسلام.» وللتواصل والتعاون المستقبلي، سجّلنا أرقام هواتفهم ومعلوماتهم، لنبقى على اتصال معهم إن شاء الله.

تقدّم السيد شريعتي ووضع أغراضه على المقعد، ثمّ اقترب نحو منشور الورش التعليمية. أخذ بطاقة واحدة وبدأ بقراءة محتواها بعناية. فتوجّهت إليه للترحيب به. سأل: «ما هذه البطاقات؟» فقدّمت له شرحًا عن منشور الورش التعليمية، فقال: «هذا رائع جدًا! كيف يمكنني الوصول إلى هذه المواد؟» قدّمت له كتيّب الحملة وعرّفته على موقع الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) والمواقع الإلكترونية المرتبطة. ثم سأل: «كيف يمكنني أخذ هذه المنشورات إلى مكان عملي؟» فأجاب: «أنا موظف في العتبة الرضوية المقدسة، في قسم الكراسي المتحرّكة، وأرغب بوضع منشور الورش داخل مركز الراحة للخدم. هناك حوالي 4000 خادم من مشهد و2000 خادم من المحافظات الأخرى، وإذا تم وضع هذا المنشور في المركز، سيتمكّن كل شخص من مسح الورشة الخاصة به والاستماع إلى الملفات.» وأضاف: «يمكننا أيضًا وضع الورش في قسم تدريب الخدم، ثم إجراء اختبار لهم بعد فترة معينة.» قدّمته إلى السيدة دهقان وسجّلنا رقم هاتفه للمتابعة بعد عودتهم من سفر الأربعين. كما أبدى رغبته في أن يتعاون ابنه مع فريق الحملة، ولكن لم تتسنّ لهم الفرصة للتحدث معه نظرًا لقرب موعد رحلتهم.

السيدة ژیان كانت متجهة إلى النجف للمشاركة في مسيرة الأربعين، وفي مصلى الحرم بدأت الحديث معها ودعوتها لزيارة الأجنحة. تقدمت نحو منشور الورش الصوتية وشرحت لها: «لقد اخترنا هنا بعضًا من أكثر الموضوعات تحديًا في حياتنا اليومية ووضَعناها ليستفيد منها مواطنونا.» أُعجبت كثيرًا بالمحتوى، واندلعت الدموع من عينيها، وقالت: «أشارك في مسيرة الأربعين منذ 14 سنة، لكن اليوم طلبت من الإمام الحسين (عليه السلام) أن يمنحني رزقًا طيبًا في هذه الرحلة، والآن أدركت أن التعرف على مجموعتكم وعملكم الكبير هو رزق من الإمام الحسين أُعطي لي اليوم.» أخذت عدة بطاقات من منشور الورش التعليمية، ثم انتقلت إلى منشور أدعية الصحيفة السجادية. شرحت لها: «هل لاحظتِ أحيانًا أننا نصادف نوعًا من الركود أو الانغلاق في أعمالنا اليومية، رغم أننا لسنا سبب ذلك؟ في مثل هذه الأوقات، المواظبة على قراءة الأدعية من الصحيفة يمكن أن تحسّن حالنا وتساعدنا على تجاوز هذه المرحلة بسلام.» قرأت لها بعض الأسطر من حرز 22، فقالت: «يا لها من معاني جميلة جدًا!» ثم أهديتها كتيّب الصحيفة، وفي النهاية أعطتني رقم هاتفها وقالت إنها بعد انتهاء رحلتها ستتواصل معنا، وإنها ستفعل كل ما تستطيع للمساعدة في نشر هذا المحتوى.

هذا الأستاذ العراقي، كان معلمًا للغة الإنجليزية، وجذب انتباهه رفوف مجلات برنا. بدأت بالحديث عن مجلات برنا وشرحت له: «هذه المجلات تحتوي على محتوى فريد جدًا، مختلف تمامًا عن جميع أساليب الإعلام الديني التقليدي، وقد صُممت لتكون سهلة وجذابة للمراهقين.» ثم أخذ قليلاً من الوقت للانصراف، وبعد فترة عاد وقال: «للأسف، في المجتمعات المسلمة وخاصة في العراق، المعلومات الدينية ضئيلة جدًا. حتى أوروبي يذهب للبحث، بينما عالم في العلوم الإسلامية لا يدرس بهذا القدر.» وأضاف: «الناس يكنّون مشاعر طيبة تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) ويحيون مراسم العزاء، لكن فهمهم للموضوعات الدينية ضعيف جدًا.» عرّفته على موقع المدونة الثلاثية اللغات وقلت له: «هذا الموقع يحتوي على دورات تعليمية. أقترح عليك التسجيل في هذه القاعة، ودراسة الدروس والدورات بالتسلسل، ثم تعليمها واحدًا تلو الآخر لطلابك.» كان سعيدًا جدًا وكأنه وجد الشيء المفقود، وشكرني بحرارة.