دراسة بعض آيات القرآن حول ظهور المُنقِذ الموعود
بما أن الإنسان هو المخاطب الأساسي لكافة الأديان السماوية وغير السماوية، فإن جميع هذه الأديان رغم اختلافاتها، تشترك في بعض التعاليم وقضايا جوهرية تهم حياة الإنسان، مثل أصل الخلق، والهدف من خلقه، ومصيره بعد الموت، والله تعالى… ومن بين هذه القضايا المشتركة، تأتي مسألة مستقبل العالم والإنسان ومفهوم الإيمان بالمنقذ الموعود.
إن البشر، بغض النظر عن عرقهم أو معتقداتهم، يتشاركون في فطرة واحدة تدفعهم إلى هموم متقاربة. ومن أبرز هذه الهموم المشتركة هو التفكير في المستقبل وظهور المُنقذ الموعود. تستجيب جميع الأديان السماوية وغير السماوية، باعتبارها انعكاسًا لهذه الفطرة لهذه الحاجة وتحدثت عن مستقبل العالم والإنسان متفقة على أن المصير النهائي للإنسان على الأرض سيكون مليئًا بالسعادة والازدهارتحت ظل المُنقذ الموعود وحكمه. وقد أطلقت الأديان المختلفة نحو ثلاثمائة اسم على المنقذ الموعود، أبرزها و أكثرها تكراراً هو لقب “القائم” الذي يدل على قيام بإصلاح الأرض.
القرآن الكريم، باعتباره معجزة خاتم الرسل وكتاباً يكمل تعاليم الأديان السماوية كافة، أولى اهتماماً خاصاً لهذا الموضوع، وتناول بشكل خاص قضية مستقبل العالم والإنسان. إن مستقبل العالم في القرآن الكريم مرتبط بظهور المُنقذ الموعود، وقد خُصصت عشرات الآيات لهذا الموضوع. كما ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه أكثر من ستة آلاف حديث حول هذا الأمر، وتعد أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأكثر من حيث العدد؛ إلى درجة أنه إذا سُئلت المذاهب الإسلامية المختلفة عن أكثر المواضیع الذي تحدّث عنها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنهم سيشيرون جميعاً إلى قضية مستقبل العالم وظهور الإمام المهدي (عليه السلام) كمُنقذ موعود للأديان. تتفق جميع المذاهب الإسلامية على أن الشخص الذي سيظهر في آخر الزمان ليُقيم دين الحق على الأرض، هو فرد من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و يُدعى المهدي (عليه السلام).
بما أن القرآن الكريم يولي اهتماماً بالغاً لموضوع المستقبل والمُنجي الموعود، ويتضمن آيات كثيرة تتناول هذه المواضيع، سنخصص هذه السلسلة من المقالات لدراسة مستقبل العالم كما يصوره القرآن الكريم. وسنتناول تفصيلاً الآيات القرآنية في هذا الشأن.
الصراع بين الحق والباطل وزوال الشيطان عند ظهور المُنقذ
من الآيات التي نزلت حول حاكمية دين الله العالمي في آخر الزمان هي الآية 33 من سورة التوبة:
«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِره عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَره الْمُشْرِكُونَ».
يُخبر الله تعالى في هذه الآية عن حدث مهم، وهو حاكمية الدين الحق، أي دين أهل البيت (عليهم السلام) على العالم أجمع وهيمنته على سائر الأديان، رغم مقاومة المشركين وإثارة الناس للمشاكل. بناءً على هذه الآية، يظهر أن المشركين وأهل الباطل، يقاومون هذا الأمر لأنهم يرون أن حاكمية الدين الحق على العالم تتعارض مع مصالحهم، ويبدؤون في عرقلة الطريق. ولذلك، تحدث صراعات ونزاعات بين جبهة الحق وجبهة الباطل، والتي تنتهي في النهاية بانتصار الحق، حيث يقوم أهل الحق بإزالة الباطل بالقوة.
مماثلةً لهذه الآية، تأتي الآية 7 من سورة الأنفال، حيث يقول الله تعالى في جزء من هذه الآية: «… وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ». وفي الآية التالية يقول: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ».
النقطة التي تتعلق بهذه الآية هي استخدام كلمة «بِكَلِمَاتِهِ». يقول الله تعالى إنه يقوم بهذا الأمر بواسطة كلماته. للكلمات معانٍ متعددة، لكن أعلى تفسير لها في القرآن هو القادة الإلهيون؛ كما يُعرف في الآية 45 من سورة آل عمران أن سيدنا عيسى المسيح (عليه السلام) هو كلمة من الله. وفي تفسير هذه الآية، ينقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن الله أراد أن يقوم بهذا الأمر ويعيد الحق لأهل محمد، لكنه لم يفعل ذلك بعد. ومن يقوم بهذا الأمر هو المُنقذ الموعود والإمام المهدي من أهل محمد(صلى الله عليه وآله)، الذي سيقوم في آخر الزمان ويستعيد هذا الحق المُهدَر لأصحابه.
وبطبيعة الحال، للقضاء على الباطل بشكل كامل، لابد من القضاء على جذوره ايضاً، وما دامت هذه الجذور قائمة، فإن جهودنا سوف تذهب سدى مهما بذلنا من جهد في تقليم الأغصان، ولن نحقق هدفنا النهائي أبدا.
من أهم جذور الباطل ومصادر الظلم والفساد والجرائم في الأرض هو كائن يُدعى الشيطان؛ إنه العدو اللدود الذي عاهد منذ بداية خلق الإنسان أن يبذل قصارى جهده في إضلال نسل البشرية عن الصراط المستقيم، ومنعهم من الوصول إلى الهدف السامي لخلقهم. ما دام الشيطان حيًا، فإن حالة البشرية لن تستقر أبداً. لذلك فإن من أهم الأعمال التي يقوم بها الإمام المهدي (عليه السلام) في سبيل القضاء على الباطل وإرساء الحق على الأرض هو القضاء على الشيطان.
في سورة الحجر، الآيات 36 إلى 38، يُنقل عن الشيطان أنه طلب من الله فرصة حتى يوم القيامة، ولكن الله قال له: سأمنحك الفرصة فقط لمدة محددة. وهذه المدة المحددة هي الوقت الذي يُقضى فيه على الباطل وتُقطع فيه جذور الكافرين والمنافقين والمفسدين تمامًا من على وجه الأرض.
في المقالات القادمة، سنتحدث أكثر عن آيات أخرى من القرآن الكريم تتناول ظهور المُنقذ ومستقبل البشرية المشرق.