من كان أول زائر للإمام الحسين عليه السلام؟ وما أهمية أول أربعين للإمام؟

من كان أول زائر للإمام الحسين عليه السلام؟ وما أهمية أول أربعين للإمام؟

دراسة تاريخية لمسيرة الأربعين: أسرار الزيارة و أول زائر للإمام الحسين عليه السلام

بعد واقعة كربلاء الدامية في العام 61 للهجرة، والتي انتهت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وثلّة من أصحابه الأوفياء، بدأت أحداث مهمة مهدت لتشكّل مراسم مسيرة الأربعين كما نعرفها اليوم. وهنا يبرز سؤالان مهمّان: من هو مؤسس مسيرة الأربعين؟ ومن كان أول زائر لقبر الإمام الحسين عليه السلام؟

يشتهر بين الشيعة أن أول زائر للإمام الحسين عليه السلام كان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان برفقته جماعة من بني هاشم وأقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قدموا مشيًا على الأقدام إلى كربلاء في يوم الأربعين لزيارة الإمام، حيث التقوا هناك بقافلة أهل الصفحة الرئيسية الحسين عليه السلام.

وبناءً عليه، يُعزى أول مشي إلى زيارة الأربعين إلى العام 61 للهجرة، أي بعد أربعين يومًا من واقعة عاشوراء، حين انطلقت قافلتان من طريقين مختلفين باتجاه كربلاء. رغم تشكيك بعض المعارضين في إمكان وصول قافلة السبايا إلى كربلاء في يوم الأربعين بسبب طول الطريق وظروف الرحلة، فإن مصادر شيعية موثوقة أكدت هذا الحدث. ومن بين هذه المصادر: كتاب “اللهوف في قتلى الطفوف” لابن طاووس، وكتاب “دراسة حول أول أربعين للإمام سيد الشهداء” للسيد محمد علي القاضي الطباطبائي، وكتاب “كامل الزيارات” لابن قولويه القمي، فضلًا عن مؤلفات الشيخ المفيد والشيخ الطوسي. تجمع هذه المصادر على أن وصول أهل الالصفحة الرئيسية علیهم السلام إلى كربلاء تمّ في اليوم العشرين من شهر صفر، أي في يوم الأربعين نفسه.

ما سبب عودة قافلة الإمام إلى كربلاء؟

في اليوم التالي لمجزرة كربلاء الدامية في العام 61 للهجرة، أرسل عمر بن سعد، بأمر من يزيد بن معاوية حاكم ذلك الوقت، رؤوس الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه الطاهرين، مع نساء وأطفال أهل الالصفحة الرئيسية عليهم السلام، إلى الشام. وكان ضمن هذه القافلة كل من السيدة زينب عليها السلام، والإمام السجاد عليه السلام، والسيدة أم كلثوم عليها السلام، وبنات الإمام الحسين، والسيدة رباب عليها السلام، وغيرهم من أهل الالصفحة الرئيسية.

وبعد فترة، سمح يزيد لعائلة الإمام الحسين عليه السلام بالعودة إلى المدينة المنورة. وعند عودتهم، وبقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام والسيدة زينب عليها السلام، طلب أهل القافلة من دليل الطريق، حين بلغوا أرض العراق، أن يمرّ بهم عبر كربلاء، حيث مضجع الشهداء. وهكذا، وصلت قافلة الناجين من كربلاء في اليوم الأربعين من واقعة عاشوراء إلى كربلاء، لتكون أول من زار الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين.

وبحسب عدد من مصادر تاريخية وروائية، ومنها “مقتل اللهوف”، فإن أهل الصفحة الرئيسية الإمام هم أول من زار الحسين عليه السلام في يوم الأربعين. وقد أقاموا العزاء عند قبره وقبور أصحابه، ثم قاموا بإلحاق الرؤوس الطاهرة، التي كانت بحوزتهم، بأجساد الشهداء في كربلاء.

إن عودة السيدة زينب عليها السلام وبقية الأسرى إلى كربلاء لم تكن مجرد خطوة عاطفية، بل كانت قرارًا عميقًا واستراتيجيًا، حمل أبعادًا متعددة، يمكن اعتبارها من أبرز دلالات أهمية مسيرة الأربعين في الفكر الشيعي.

في هذا الجزء من المقال، نسلّط الضوء باختصار على أسباب عودة قافلة السبايا إلى كربلاء، وعلى فلسفة إعادة الرؤوس إلى الأجساد الطاهرة لشهداء كربلاء.

فرصة لإقامة العزاء على شهداء كربلاء

كانت أسرة الإمام الحسين عليهم السلام، وهم أوّل من زاروا  قبره الشريف، قد غادروا كربلاء نحو الشام بعد يومٍ واحد فقط من وقوع فاجعة عاشوراء، ولهذا لم يُتح لهم الوقت الكافي لإقامة مراسم العزاء على الشهداء. لذلك، شكّلت عودتهم إلى كربلاء بعد الأسر فرصة مناسبة لإحياء مجالس العزاء وإقامة المراسم الخاصة بشهداء الطف. وهكذا، كان أوّل مجلس عزاء لشهداء كربلاء قد أُقيم من قِبل أول زوار الإمام الحسين عليه السلام، وذلك في كربلاء تزامناً مع أوّل أربعينية له عليه السلام وأصحابه.

وقد شكّلت هذه المراسم أول خطوة عملية في سبيل إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، والتعريف بثورة عاشوراء للعالم بأسره. ويمكن القول بوضوح إنّ إقامة العزاء على الإمام وأصحابه تمثّل الجواب الأوضح عن سؤال أهمية مسيرة الأربعين، والتي تحمل في أعماقها معنىً عميقاً ورمزاً خالداً.

لقد تمكّن الإمام زين العابدين عليه السلام والسيّدة زينب عليها السلام، من خلال هذا العزاء، من تحقيق هدفهم الكبير، ألا وهو إبقاء رسالة عاشوراء حيّة، وترسيخ ثقافة عاشوراء في الوجدان الإسلامي، وتخليد تضحيات الإمام الحسين وأصحابه من أجل الأجيال القادمة.

زيارة قبر الإمام… تعبير عن الولاء والاحترام لشهداء كربلاء

من خلال ما يبدو، يتّضح أن مشاعر التقدير وإظهار الولاء لشهداء كربلاء كانت من أبرز الدوافع التي دفعت أهل الصفحة الرئيسية الإمام للعودة إلى أرض كربلاء. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن من أبرز أسباب أهمية مسيرة الأربعين أنّها تجسيد لعودة الإنسان الفطري إلى الإمام، ذاك المعصوم المتخصص، الذي يُعدّ الممثل الشرعي الوحيد لله على وجه الأرض.

لقد قصدت عائلة الإمام من خلال رجوعهم إلى كربلاء أن يعبّروا مجدداً عن حبهم ووفائهم للإمام وأصحابه الشهداء، ولتلك القيم والمبادئ التي نهضوا من أجلها، وليذكّروا أنفسهم وسائر الناس بعظمة تلك الثورة وتضحيات الإمام الحسين عليه السلام، فيسهموا بذلك في إبقاء ذكراهم حيّا في القلوب والضمائر.

الردّ على التحريفات والشبهات وكشف الحقيقة

من الدوافع الأخرى لعودة قافلة السبايا إلى كربلاء، مواجهة التحريفات والأكاذيب التي روّجها الأعداء حول واقعة عاشوراء. فلا شكّ أن فضح الكاذبين الذين سعوا إلى طمس الحقّ، يُعدّ من أبرز الإجابات على سؤال: ما أهمية زيارة الأربعين؟، حتى بلغ الأمر بأهل الصفحة الرئيسية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يتحمّلوا مشقّة العودة في تلك الظروف العصيبة، ليكونوا أوّل زائر للإمام الحسين عليه السلام.

لقد سعى يزيد وأُسرة بني أميّة جاهدين إلى قلب حقيقة نهضة عاشوراء، وتصويرها على أنها تمرّد وفوضى ضد “خلافتهم الشرعيّة” أو نزاعٌ قبليّ محض! لكنّ السيّدة زينب عليها السلام، حاملة راية قافلة السبايا، وأوّل زائرة للإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين، تصدّت لهذه المحاولات، وفضحت الزيف والخداع، بعودتها إلى كربلاء، وخُطبها النارية، ولا سيّما خطبتها الشهيرة في مجلس يزيد، التي كشفت من خلالها للناس حقيقة عاشوراء. فقد قدّمت كربلاء بوصفها مركزًا للمقاومة في وجه الظلم والفساد، وبتجلية معالم النهضة الحسينية، وضعت الأعداء في موضع الاتّهام والتحدّي.

وقد شكّل هذا الموقف العظيم من السيّدة زينب والإمام السجاد عليهما السلام، منطلقًا لملايين الزائرين الذين يسيرون اليوم نحو هذه الرحلة النورانية والمعرفية، بحثًا عن الحقيقة. إنّ السيّدة زينب عليها السلام، بعد عودتها إلى كربلاء، جسّدت ـ بوصفها قائدةً روحيةً وثقافية ـ نموذجًا خالدًا في الصبر والثبات أمام الظلم والفساد. وكانت العودة إلى كربلاء إعلانًا صريحًا بأنّ إرادة أهل الالصفحة الرئيسية عليهم السلام ستظل صامدة رغم كلّ الآلام والمحن. وقد أكّدت عليها السلام، في خطبها البليغة، أنّ نهضة عاشوراء لم تكن حركةً عابرةً لطلب الثأر، بل كانت رمزًا خالداً للصمود في وجه الطغيان، ورايةً لا تزال خفّاقةً في قلوب الأحرار إلى يومنا هذا.

إلحاق الرؤوس بأجساد الشهداء

من الأسباب الأخرى التي تُبرز أهمية أوّل مسيرةٍ أربعينية، ما جرى من إلحاق رؤوس الشهداء بأجسادهم، وهو عملٌ يحمل في طيّاته الكثير من المعاني العميقة. وقد أُوكلت هذه المهمّة، من بين أهل الصفحة الرئيسية الإمام، إلى الإمام زين العابدين عليه السلام. غير أنّ هذا الإجراء لم يكن مجرّد استكمالٍ للجسد الظاهريّ، بل كان يحمل في طياته دلالات رمزيّة تتجاوز المعنى الحسيّ؛ فقد يكون إشارةً إلى اكتمال الإنسان حين يعود إلى الإنسان الكامل، بعد رحلةٍ شاقّة من الفِراق دامت أربعين يومًا، فيعود إلى جواره، ويتّصل به من جديد.

ذلك أنّ روح الإنسان وقلبه لا يبلغان الكمال إلّا حين يسلكان طريق التكمّل والتشبّه بخالقه، من خلال الاقتداء بالممثل الشرعيّ الوحيد لله في الأرض، أي الإمام المعصوم، والسير في ظلّ ولايته. ولعلّ ما يعضد هذا المعنى الرمزيّ، هو ما يحمله عدد الأربعين من قدسيّةٍ ومكانةٍ في الإسلام، إلى جانب إيمان الشيعة بأصالة مبدأ التخصص، الذي يجعل الإمام وحده صاحب الصلاحية في قيادة هذا المسار.

إنّ مسيرة الأربعين ليست مجرد زيارة دينية فحسب، بل هي رمزٌ للالتزام بالقيم الإنسانية، وموقفٌ مناهضٌ للظلم، وحِفاظٌ على رسالة عاشوراء الخالدة. فقد انطلقت هذه المسيرة العظيمة منذ الأيام الأولى، مع عودة أهل الصفحة الرئيسية الإمام الحسين عليه السلام بصفتهم أول زوّاره، ولقائهم بجابر بن عبد الله الأنصاري، لتتطوّر اليوم وتصبح من أعظم التجمّعات الروحية في العالم.

إنّ فهم تاريخ هذه المسيرة وفلسفتها، يضيء لنا أبعادها العميقة، ويكشف عن المعنى الحقيقيّ لهذه الحركة العظيمة.

 

 

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *