كيف تُسرّع معرفة الزمان واكتساب المعرفة انتصارنا في الصراع النهائي بآخر الزمان؟

كيف تُسرّع معرفة الزمان واكتساب المعرفة انتصارنا في الصراع النهائي بآخر الزمان؟

معرفة الزمان واكتساب المعرفة؛ أدوات حاسمة في العناية بالنفس والتأثير على مستقبل العالم

لا شكّ أنّ كل إنسان واعٍ ومفكّر يدرك أهمية “معرفة الزمن” والفهم الصحيح للظروف المحيطة في مختلف المنعطفات التاريخية. فكم من حركات عظيمة انطلقت عبر التاريخ، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها رغم التضحيات الجسام، بسبب غياب الوعي الزماني أو عدم الفهم الدقيق للموقف، أو التأخر في اتخاذ القرار المناسب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، “ثورة التوابين“، التي وإن فاق عدد قتلاها عدد قتلى معركة كربلاء بعشرات الأضعاف، فإنها لكونها لم تكن مزوَّدة بمعرفة زمنية صحيحة، ولم تلبِ حاجة الإمام في حينها وقد أدى فشلها إلى تأخير إقامة الحكومة الإلهية، وهو تأخير لا يزال العالم، لا الشيعة وحدهم، يدفع ثمنه حتى يومنا هذا. إن الفهم الدقيق للموقف والإدراك الصحيح لخصائص الزمن يتطلب أولًا وقبل كل شيء نظرة شاملة ومتكاملة، تمكّن من فهم أبعاد مختلفة للموضوع، وتحديد مسار الحركة، وإدراك التهديدات وحتى الفرص المتاحة. فبدون هذه النظرة، ستكون مواجهة الخسائر التاريخية والحضارية الكبرى أمرًا لا مفر منه.

يُظهر لنا التاريخ أن مسار الأنبياء والأولياء كان دائمًا يهدف إلى إقامة حكومة إلهية على وجه الأرض، ليتمكن جميع البشر من الوصول إلى السعادة تحت قيادة إمام معصوم مختص. وفحص هذا المسار التاريخي في وقت تصاعد معركة الحق والباطل على أوسع مستوياتها يُبَشّر بأن العالم يقترب بسرعة مذهلة من اللحظات الحاسمة في تاريخه. إنها مرحلة تتحد فيها قوى الكفر بأكملها لمواجهة قوى الإيمان بأكملها، ليكون العالم شاهدًا على لحظات دحر الاستكبار، ووراثة الصالحين للأرض، واستعداده لإقامة الدولة الكريمة وحكومة المعصوم التي طالما كانت حلم الأنبياء والأولياء. ولكن هذا النجاح، ووصول جهودهم إلى ثمارها المرجوة، يتطلب قبل كل شيء أن تكتسب جبهة الحق القوة اللازمة، وأن تبني استراتيجيات دفاعية وعملياتية دقيقة وحصينة، لتحقيق الانتصار في هذه الحرب القيامة.

معرفة الذات: أولى خطوات النجاح

هل يمتلك كل إنسان القدرة على إدراك موقعه في هذه المعركة المصيرية؟ وهل يتطلب فهم المرحلة الراهنة واكتساب المعرفة مقدمات خاصة؟ كيف يمكن للمرء أن يصل إلى فهم صحيح لدوره في الحاضر وتأثيره في المستقبل، لكيلا تتكرر أسوأ أحداث التاريخ التي حالت دون قيام الحكم الإلهي وظهور المنقذ؟

إن أول خطوة للوصول إلى هذا الفهم وهذا الوعي، هي أن نُعرّف أنفسنا بدقة كالإنسان؛ لأننا ما لم ندرك قيمة إنسانيتنا ككائن قادر على بلوغ مرتبة الخلافة الإلهية، وما لم نفهم الهدف من خلقنا، فلن نرى أنفسنا بمستوى هذا التأثير، وبالتالي لن نسعى لتحقيق هذا الهدف.

إن عدم الوصول إلى هذا الإدراك والوعي ليس مجانيًا؛ فبقدر ابتعادنا عن قيمة إنسانيتنا وهدف خلقنا، سنُصاب بالخوف والقلق وحتى اليأس تجاه مسارنا، وهو مسار يمرّ حاليًا بأشد اللحظات اضطرابًا، ولكنه يتجه بسرعة مذهلة نحو تنقية صفوف الحق والباطل، والتحرك نحو مستقبل مشرق طالما انتظره جميع الأنبياء والأولياء.

إن الوعي بقيمتنا الإنسانية والهدف العظيم من خلقنا سيجعلنا نستصغر الصعوبات والتضحيات التي نواجهها في هذا الوقت، سواء رغبنا في ذلك أم لم نرغب. تمامًا مثل الرياضي الذي يقبل كل صعوبات التدريب، والابتعاد عن العائلة، والقيود الشخصية والاجتماعية في سبيل الوصول إلى هدفه والفوز بالميدالية الذهبية.

إنسانٌ ذو آمالٍ حضارية

لإدراك مكانتنا الحقيقية في التاريخ وفهم واقعنا الحالي، واستشراف المستقبل بشكل صحيح، لا بدّ أن نحدد هويتنا الإنسانية بدقة. إنّ الإنسان الذي ينظر إلى نفسه ليس مجرد كائنٍ ماديّ ومحدود، بل كروحٍ نفخها الله فيه، سيسعى جاهدًا لتحقيق رسالته بسلام. وهذه الرسالة تتمثل في إظهار حقيقته الإنسانية الكاملة. وإدراكًا منه أنّ حمل هذه الأمانة العظيمة لن يتحقق إلا باتباع الأنموذج الكامل وهو “الإمام المعصوم الخبیر“، فإنه لن يألو جهدًا في السعي لعودته، ولن يتوانى عن بذل كل ما يستطيع لنصرة الحق، الذي سيمهد في نهاية المطاف لإقامة دولة كريمة تحت قيادته. فالسعادة، كما يراها، لا تقتصر على نفسه فحسب، بل تمتد لتشمل جميع الكائنات، ولا تتحقق إلا باتباع هذا المسار الصحيح والمساهمة الفاعلة في دعم جبهة الحق وهزيمة الباطل.

لذا فإن وجود برنامجٍ منسجم للتعرف على الذات ومعرفة الإمام لا يَؤدِّي فقط إلى وعيٍ زمني وكسب معرفة لرؤية مستقبل صحيحة، بل يجعلنا نُقلِّص الفجوات الذهنية بيننا وبين جبهة الحق إلى حدٍّ أدنى ونرى أنفسنا في تناغم تام مع هذا التيار؛ ففي الواقع، فقط في ظل اكتساب هذه الجهوزية وامتلاك هذا التناغم سيكون لدينا القدرة على العبور الآمن من أزمات هذا الانعطاف التاريخي، سواء لأنفسنا أو للآخرين.

عواقب الغياب القوي

إنّ أول ما يلزمنا هو فهم حقيقي للوضع الراهن، وللصراع القائم بين الحق والباطل. فإدراك متطلبات هذه المرحلة التاريخية الحاسمة لا يمكن أن يفرض علينا من الخارج؛ بل يجب أن ينبع من إيماننا العميق بأهمية المعركة الحالية وتأثير دورنا في مستقبل العالم. هذا الإيمان هو ما يدفعنا للاستعداد بما يتناسب مع حجم هذه المعركة المصيرية، وهو أمر لا يتحقق إلا بالوعي بالزمن واكتساب المعرفة الحقيقية.

إنّ دراسة مسيرة الأنبياء والأئمة عبر التاريخ، وتتبع تطور الصراع بين الحق والباطل، وتحليل الأحداث العالمية الأخيرة، كلها تشير إلى حقيقة واحدة: نحن نعيش في أقرب نقطة من لحظة الظهور، ولم يتبقَ الكثير لتحقيق رسالة الأنبياء التي طالما تطلّعوا إليها.

لقد تكبّدت جبهة الحق على مرّ العصور الكثير من التضحيات والشهداء والمعاناة والعزلة، وهي اليوم تنتظر إكمال القطعة الأخيرة من هذا اللغز على أيدي أناس لم يدركوا مسؤوليتهم المصيرية في هذه المنعطف التاريخي فحسب، بل اتخذوا الإجراءات اللازمة لتقوية أنفسهم والآخرين، ونضجوا بما يكفي لتمكين الصالحين في الأرض وإسقاط دول المستكبرين. إنهم أفرادٌ أدركوا قيمة الوعي بالزمن واكتساب المعرفة، واستعدوا للانتصار في هذا المنعطف الحاسم.

باختصار، نحن ورثة مسؤولية عظيمة تمّ التحضير لها على مدى آلاف السنين، ووصلت إلينا في أحرج أوقاتها. أيّ تقصير في فهم زماننا واكتساب المعرفة سيؤدي إلى فشلنا في عبور هذه المرحلة بسلام، وسنظلّ نشهد ضعف جبهة الحق وعزلة الإمام المعصوم الذي ينتظر فهمنا ونضجنا ومساندتنا لإنقاذ أبنائه المظلومين.

كيف نستعد؟

الاستعداد لهذه المعركة المصيرية يتطلب منا القوة ليس فقط في الهجوم لتقوية جبهة الحق وإضعاف الباطل، بل أيضًا في الدفاع، من خلال الصمود والرعاية الروحية لأنفسنا وللآخرين. وبطبيعة الحال، لا يمكننا أن نصمد في أي مجال ما لم نؤمن أولاً بأهمية صمودنا، ثم نؤمن بالنتائج التي سيحققها هذا الصمود لنا وللآخرين.

السؤال هنا: ما هي الخطوات المحددة لتحقيق هذا الاستعداد الشامل لمواجهة الأزمات وتجنب الانتكاس في الأوقات العصيبة؟ كيف يمكننا أن نكتسب القوة والنمو اللازمين للقيام بدورنا في هذه المرحلة الحساسة؟ وكيف يمكن أن تتحقق تقوية جبهة الحق التي ستقضي على الاستكبار وتُورّث الأرض للصالحين؟

إنّ الوصول إلى الاستعداد والإيمان بجدوى الجهد والصمود في هذا المسار يتطلب قبل كل شيء عملية داخلية في كل شخص، وهي عملية تتطلب سلسلة من الإجراءات حتى تؤتي ثمارها.

وضع خطة واضحة لاكتساب المعرفة

مهما بذلنا من جهد لاكتساب الدافع اللازم للنجاح في هذه المعركة المصيرية، فإننا لن نكون في مأمن من السقوط والانتكاس ما لم ندرك قيمة وجودنا وهدفنا من الخلق، وما لم ننظر إلى الأمور بمنظور حضاري سليم. إنّ عبورنا الآمن والناجح لهذه المرحلة التاريخية يتطلب الوعي بالزمن واكتساب المعرفة بمكانتنا الإنسانية ومسؤوليتنا الجسيمة تجاه المنقذ. كما يتطلب استمداد القوة من الغيب والاستفادة القصوى من أدعية المعصومين، خاصة الكنز الثمين للإمام السجاد (عليه السلام)، والأسماء الإلهية.

متابعة التوجيهات القائد بشكل دقيق ومنتظم

إنّ دور القيادة الواعية والملهمة في هذه المرحلة ليس خافياً على أحد، فالقيادة التي تُدرك أهمية معرفة الزمن وتُحسن قراءة الأحداث، وتُبصِرُ أساليب الأعداء، وتُحدد المهام الفردية والمجتمعية بدقة، هي التي تقود الأمّة بسلام عبر هذه المنعطفات التاريخية. إنّ المتابعة الدقيقة لتوجيهات هذه القيادة، التي تتميز بالبصيرة والحكمة، تُعتبر شرطاً أساسياً للنجاح في هذا الطريق. فالأقوال والمواقف التي تصدر عنها مدروسة ومحكمة، وتُساعد على التكيف مع تسارع الأحداث في هذا الزمن الحرج.

استيعاب التاريخ الحضاري للإمامة (إنسان بعمر 250 سنة)

يُعَدّ فهم المسار التاريخي للأئمة، الممتد على مدى 250 عاماً،[1] ودراسة الدور الحضاري للأنبياء والأئمة الإلهيين في إقامة الحكومة الإلهية، أمراً حاسماً لبناء رؤية حضارية شاملة. لقد تناولنا في قسم مسار حركة التاريخ نحو ظهور الإمام المهدي(عليه السلام) هذه العملية بشكل كامل وقدمنا رؤية حضارية شاملة إلى جانب فهم الزمانية واكتساب المعرفة للجمهور. إنّ إدراك هذا السياق التاريخي يقينا من السقوط في فخ الفتن، فبدون هذه الرؤية الحضارية الصحيحة، لن نُعرض أنفسنا للهلاك فحسب، بل سنتسبب في خسائر لا يمكن تعويضها للجبهة الإلهية ومشروع الحكم الرباني.

استلهام العبر من تاريخ الأئمة:

إنّ استيعاب الأحداث التي مرّت على الأئمة الأطهار يُعدّ دليلاً ثميناً يُرشدنا إلى كيفية اتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة في خضم الفتن. فالاختبارات التي تسبق الظهور تُشبه إلى حد كبير تلك التي واجهها الأنبياء والأولياء، وخصوصاً الأحداث التي جرت في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. الفرق يكمن في أنّ هذه المحن سيمر بها أتباع الإمام المهدي قبل ظهوره، وليس في عهد حكومته. لذلك، فإنّ الفهم العميق للأحداث التاريخية يُساعدنا حتماً على إدراك الظروف الراهنة واتخاذ المواقف المناسبة في الوقت المناسب.

توظيف كنوز التراث الشيعي:

في ظلّ هذه الظروف المصيرية، نمتلك كنزاً عظيماً من الأدعية والزيارات المأثورة عن المعصومين. هذه الكنوز لا تُعيننا فقط على فهم هويتنا الشيعية وتُحدّد لنا خطوطنا الفكرية تجاه الطاغوت وأعداء الله، بل تُبين أيضاً واجباتنا كأبناء للمنتقمين من أهل الالصفحة الرئيسية. إنها تُشكّل أيضاً درعاً واقيةً وسلاحاً فاعلاً في وجه الأعداء. على سبيل المثال، دعاء الندبة يُحدد مسارنا العملي، وزيارة عاشوراء لا تكتفي ببيان دورنا كأبناء للإمام المنتقم، بل تُحدد غايتنا في الوصول إلى المقام المحمود ورفقته. أمّا دعاء الافتتاح، فيُبين مسؤولياتنا تجاه الإمام وقيام الدولة الكريمة. هذه الأدعية وغيرها تُشكل ملاذاً آمناً يتوافق مع فطرتنا في أشد الأزمات والفتن.

إصلاح نمط الحياة

لا يمكن أن تكتمل المعرفة وتؤتي ثمارها المرجوة إلا إذا اقترنت بإصلاح شامل لنمط الحياة، بما يواكب متطلبات الفرد الفاعل والمستعد لمواجهة التحديات. فالمعرفة والعقل المستعد لا قيمة لهما دون جسد قوي ومهيأ. إن الفرد الذي يهمل صحته الجسدية نتيجة لغذائه غير المناسب، أو يبتعد عن الرياضة، أو يعرّض نفسه للأمراض، وكذلك من لا يبالي بالغذاء الروحي والنفسي الذي يُقدّمه لنفسه، سيكون عرضة للانهيار في اللحظات الحرجة وأمام الهجمات المادية أو المعنوية من الأعداء، مما يفقده القدرة على الاستجابة الفعالة.

لذا، فإنّ السعي ليكون الإنسان عنصراً مؤثراً في المستقبل يتطلب مجموعة من العوامل المتكاملة. في مقدمتها، فهم القيمة الحقيقية للإنسان للوصول إلى وعي دقيق بالزمن، بالإضافة إلى إصلاح نمط الحياة لضمان ردود فعل مناسبة في خضم الفتن، وأخيراً، الاستعانة بالرعاية الروحية لحماية النفس والآخرين، وتقوية جبهة الحق وإضعاف جبهة الباطل.

 

[1] .  انظر كتاب: انسان بعمر 250 سنة السيد علي الخامنئي

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *