ما هي مسيرة الأربعين وما دورها في بناء حضارة آخر الزمان؟

ما هي مسيرة الأربعين ولماذا أصبحت أكبر مسيرة دينية في العالم؟

مسيرة الأربعين هي واحدة من أعظم التجمعات الدينية والثقافية في العالم، وتُعد من أضخم الحركات السلمية التي يشهدها كوكبنا سنويًا. فهي ليست مجرد حدث ديني خاص بالمسلمين الشيعة، بل تُعدّ أكبر مسيرة دينية في العالم، إذ تستقطب سنويًا ملايين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم نحو مدينة كربلاء في العراق. غير أنّها هي من أقوى الرموز التي تجسّد التضامن بين الشيعة، ولها دور بارز في ترسيخ الوحدة، والتآلف، والشعور بالانتماء بين محبّي أهل الالصفحة الرئيسية (عليهم السلام). يُقام هذا الحدث سنويًا بمناسبة مرور أربعين يومًا على استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، ثالث أئمة الشيعة، في يوم العشرين من شهر صفر (أي بعد أربعين يومًا من واقعة عاشوراء) في كربلاء.
كما ما يميّز هذه المسيرة أيضاً هي تلك الروح التي تسري فيها: روح المحبّة، والخدمة، والكرامة، والتضحية، والتضامن العابر للحدود. فهنا ترى الشيعة والسنة، المسيحيين والإيزيديين، بل وأتباع ديانات أخرى، يجمعهم هدف واحد. إنّ الحضور الواسع للناس من جنسيّاتٍ ولغاتٍ وثقافاتٍ متعدّدة في هذا التجمّع، يُجسّد مشهداً حيّاً للوحدة والتضامن الإنساني حول قيمةٍ روحيّةٍ مشتركة، ويعكس عمق الرابط الذي يمكن أن يجمع البشر رغم اختلافاتهم، حينما تلتقي قلوبهم على مبدأٍ سامٍ.
للإجابة الكاملة عن سؤال: “ما هي مسيرة الأربعين؟”، من الضروري أوّلًا أن نتأمّل في معنى لفظ “الأربعين” وجذورها في الثقافة الإسلامية. فـ”الأربعين” في اللغة تدلّ على العدد “40”، وهو رقم له دلالات خاصة ومكانة متميزة في الفكر الديني والروحي عند المسلمين. يكفي أن نتأمل كيف أن النبي محمد(صلى الله عليه وآله) بُعث بالرسالة في سنّ الأربعين، كما أنّ كثيرًا من المجاهدات النفسية والبرامج التربوية في التراث الإسلامي تمتدّ لأربعين يومًا، وكذا تُكرّر بعض الأذكار والعبادات أربعين مرّة، وكلّ ذلك يدلّ على الرمزية العميقة التي يحملها هذا العدد في السيرة الدينية للمسلمين.
هذا الرقم في الوعي الإسلامي يرمز إلى النضج، وإلى اكتمال دورةٍ من التطهير الروحي، والاستعداد لحمل رسالة، أو النهوض بمسؤولية عظيمة، سواء على مستوى الفرد أو الأمة.
أما في التراث الشيعي، فـ”الأربعين” يشير إلى مرور أربعين يومًا على فاجعة كربلاء، يوم استُشهد الإمام الحسين عليه السلام، حفيد النبي (صلى الله عليه وآله)، مع ثلة من أهل الصفحة الرئيسيةه وأصحابه في صحراء كربلاء عام 61 للهجرة، بعد أن رفضوا الرضوخ للطغيان والفساد، وضربوا أروع الأمثلة في الصمود والتضحية في سبيل الحق.
إنّ مسيرة الأربعين، في الحقيقة، حركة رمزية تهدف إلى إحياء ذكرى عاشوراء ورسالتها؛ أي الوقوف في وجه الظلم، والمطالبة بالعدالة، والوفاء، والتضحية، والدعوة إلى حياةٍ روحية وإنسانية. هذا المسير العظيم يجذب سنويًا ملايين البشر المتعطشين نحو كربلاء، ليسيروا مشيًا على الأقدام من مسافات قريبة وبعيدة، معبّرين بذلك عن حبّهم وولائهم للإمام الحسين(عليه السلام) ولقيمه ومبادئه.

كيف تُقام مسيرة الأربعين في العراق؟

في هذا القسم، نقترب من إجابة سؤال “ما هي مسيرة الأربعين؟” من خلال تسليط الضوء على كيفيّة إحيائها وتنظيمها على أرض الواقع، وخصوصًا داخل العراق.
تُقام مسيرة الأربعين في العراق بشكل أساسي بين مدينتَيْ النجف وكربلاء، على طريق يمتدّ لنحو 80 كيلومترًا، يُعرف شعبيًا باسم “طريق المشاية”. هذا الطريق هو الأشهر والأكثر اكتظاظًا بالزائرين، وقد أصبح رمزًا خالدًا للوفاء للإمام الحسين عليه السلام وأصحابه الذين استشهدوا معه في كربلاء. ينطلق الزوّار من النجف الأشرف، حيث مرقد الإمام علي عليه السلام، ويتوجّهون سيرًا على الأقدام إلى كربلاء المقدّسة، حيث مقام الإمام الحسين وأخيه العبّاس عليهما السلام.
لكنّ طريق النجف– كربلاء ليس هو الطريق الوحيد، فهناك آلاف الزوّار الذين يسيرون من مدن عراقية أخرى مثل بغداد والبصرة والكوت وغيرها، لينضمّوا إلى الركب الحسيني المتّجه إلى كربلاء. كما يشرع بعض الزوار بالمسير من الحدود الإيرانية، لا سيما من منفذ مهران، ليكمل الطريق في الداخل العراقي حتى الوصول إلى قبلة العاشقين.

توفير الخدمات في مسيرة الأربعين

يعتمد الزوار في مسيرة الأربعين على تلبية جزء من احتياجاتهم من خلال الاستعداد الشخصي قبل السفر، في حين يتم تغطية الجزء الأكبر من تلك الاحتياجات عبر الخدمات الواسعة المجانية التي يقدمها الشعب العراقي، طوعًا وبمحبّة خالصة في هذا الموسم الاستثنائي.
وفي هذه الرحلة، يُوفَّر الطعام والشراب من قِبَل الأهالي، والـمواكب، والمحسنين، حيث يستقبل الشعب العراقي زوّار الأربعين بسخاء بالغ، وهي خصلة نابعة من ثقافتهم العريقة في الكرم وحبّهم العميق للإمام الحسين (عليه السلام). وقد أصبحت هذه الروح الخدمية، وما تحمله من تضامن ثقافي وإيماني عميق في نفوس الشعب العراقي، تقليدًا راسخًا في استضافة زوّار الأربعين، تقليدًا يُجسّد انعكاسًا صادقًا لمحبّتهم وولائهم للإمام الحسين(عليه السلام) وللقيم التي قامت من أجلها نهضة عاشوراء.
لذلك تجد أهل المدن والقرى، وخاصة أولئك القاطنين على الطرق المؤدية إلى كربلاء، يفتحون بيوتهم، ويجهّزون شوارعهم، ويهيّئون كل ما بوسعهم لاستقبال ضيوف الإمام.

الأمر لا يقتصر على المسلمين فقط؛ كثير من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، عندما يأتون إلى العراق ليروا بأعينهم “ما هي مسيرة الأربعين؟”، يُذهلون من مستوى الكرم والعطاء، ومن مشهد فريد لتكافل بشريّ قلّ نظيره في العالم.
واللافت أنّ التحضيرات لهذه الخدمة الضخمة لا تبدأ في الأيام القريبة من الأربعين، بل تُخطط وتُعدّ لها قبل شهور، بتنسيق بين الأهالي، والهيئات الدينية، والمؤسسات الخيرية، وفيما يلي نُبيِّن أنواع الخدمات التي تُقدَّم خلال مراسم مسيرة الأربعين في العراق.

المواكب الحسينية وأنواع الخدمات التي تقدّمها

المواكب الحسينية هي محطّات مؤقتة على طول طريق المشاية، تأخذ شكل خيام أو أبنية بسيطة تُنصب في الشوارع والطرقات أو حتى داخل المدن، ويمتدّ حضورها من أطراف المدن العراقية وحتى عمق كربلاء. يقيم هذه المواكب الأهالي، أو الجماعات الدينية، أو بعض المؤسّسات، وكلّها تتسابق لتقديم مختلف أنواع الخدمات لزوار الإمام الحسين عليه السلام.
ما تقدّمه هذه المواكب ليس مقتصرًا على الطعام والشراب فحسب، بل يشمل أيضًا خدمات صحية وعلاجية، أماكن للراحة والمالصفحة الرئيسية، توفير أدوات النظافة الشخصية، وحتى رعاية كبار السن والأطفال، فضلًا عن برامج ثقافية وإرشادية، وأنشطة دينية، وأجواء روحانية تعمّ المكان. كما تلعب بعض المواكب دورًا مهمًّا في الحفاظ على الأمن والتنظيم والتنسيق مع الجهات المختصّة.

ونظرًا لأن زيارة الأربعين باتت تتزامن في السنوات الأخيرة مع حرارة الصيف، أصبح كثير من الزوّار يفضّلون السير ليلًا، ويستريحون نهارًا داخل المواكب. لكن كثافة الأعداد تجعل من الصعب إيجاد مكان دائم للراحة، خاصة في الليل، حيث تزدحم المواكب بالزائرين، وتُملأ أماكن النوم المؤقتة بشكل سريع.
يستغرق بشكل متوسط قطع مسافة ٨٠ كيلومترًا، حوالي ثلاثة أيّام من السير المتواصل ليلًا، يتخلّلها استراحات في المواكب المنتشرة على الطريق. فيما يلي شرح موجز للخدمات المجانية التي تُقدّم خلال أيام الأربعين:

الضيافة بأنواع الأطعمة والأشربة في المواكب الحسينية

على امتداد طريق الأربعين، وفي داخل المدن أيضًا، تنتشر مواكب الضيافة التي تُقدّم للزائرين طيفًا واسعًا من الأطعمة والمشروبات، وكلّ ذلك مجانًا وبدون أي مقابل، بل بحفاوة ومحبة خالصة.
في هذه المواكب، تُطهى أطباق متنوّعة تلبي مختلف الأذواق والثقافات، منها الأرز والخبز بأنواعه، وأصناف متعدّدة من المرق واللحوم، إضافةً إلى أكلات تقليدية من المطبخين العراقيين والإيرانيين، وأطباقٍ شعبية مثل “الشوربة” و”الحساء” بأنواعه. أما المشروبات، فستجد الشاي العراقي الأصيل، والشاي الإيراني، والقهوة العربية، والماء البارد، والعصائر الطبيعية.
لا يحتاج الزوار سوى أن يدخلوا أي موكب، ليُقدَّم لهم الطعام بحفاوة لا تُنسى، وكأنهم ضيوف في الصفحة الرئيسية أحد الأقارب.

أماكن للراحة والمالصفحة الرئيسية على طريق الأربعين

يُوفَّر للزائرين عدد كبير من أماكن الراحة والنوم على امتداد الطريق خلال أيّام مسيرة الأربعين، خصوصًا بجوار المواكب الحسينية، حيث تُنصب خيام كبيرة وتُفتَح قاعات واسعة لاستقبال الزائرين.
كما أنّ كثيرًا من الأهالي، وخاصةً الذين يسكنون على الطرق المؤدية إلى كربلاء، يفتحون أبواب منازلهم، ويحوّلون بيوتهم إلى أماكن ضيافة للزائرين.
ومع الارتفاع المتزايد في أعداد المشاركين في هذه المسيرة المباركة، وطول مدّة إقامتهم في العراق، شهدت السنوات الأخيرة توسّعًا لافتًا في عدد قاعات المالصفحة الرئيسية والمواكب المخصصة لتقديم خدمات الراحة، خصوصًا في مدينة كربلاء.

تقديم خدمات صحية وطبية على طريق الأربعين

بما أنّ مسيرة الأربعين تجمع ملايين الزوار من مختلف دول العالم، فإنّ الحاجة إلى خدمات طبية واسعة تُصبح أمرًا ضروريًا لا يمكن الاستغناء عنه. ولهذا تنتشر فرق طبية ومراكز صحية، ومن بينها فِرَق الهلال الأحمر، على امتداد الطرق المؤدية إلى كربلاء وفي المدن المقدسة نفسها، لتأمين الرعاية الصحية اللازمة.
هذه المواكب والمراكز الطبية توفّر خدمات الإسعاف الأولي، مثل تضميد الجروح، معالجة الالتهابات، تركيب الجبائر المؤقتة، وحتّى بعض الفحوصات البسيطة والعلاجات الموضعية.

خدمات الراحة وخدمات عامة

إلى جانب الغذاء والدواء، هناك العديد من خدمات تُسهم في راحة الزائرين وتسهيل رحلتهم. على طول الطريق، توفَّر مرافق مخصصة للاستحمام والوضوء والاغتسال، تُبنى غالبًا بجوار المواكب، لتكون في متناول الجميع.
كما تبرز بعض المواكب بخدمات خاصة وعملية، مثل إصلاح الملابس والأحذية والحقائب، أو تقديم شواحن الهواتف، أو إرشاد التائهين، أو توزيع شرائح الهاتف وتوفير الإنترنت. هذه المواكب تشهد عادةً ازدحامًا شديدًا نظرًا لحجم الحاجة إليها، وقد أصبحت جزءًا أساسيًا من منظومة الخدمة الحسينية، التي لا تترك حاجة إلّا وسعت لتلالصفحة الرئيسيةها.

كلّ هذه التفاصيل تعبّر عن مدى التنظيم الشعبي العفوي والدقيق، الذي جعل من مسيرة الأربعين أعجوبة إنسانية تُدار بروح الإخلاص، لا بروتوكولات الإدارة.

تأمين الأمن خلال مسيرة الأربعين

من أهم الخدمات التي يحتاجها الزوار خلال رحلتهم إلى كربلاء، هي خدمات الأمن التي تقدّمها الأجهزة المختصة لضمان سلامتهم وحمايتهم. كما تنتشر قوات الشرطة والأمن على طول طريق المشاية وفي المدن المقدسة المحيطة بمراقد الأئمة المعصومين عليهم السلام، وهم متواجدون على أهبة الاستعداد لخدمة الزوار وتأمين سلامتهم بكل احترافية وحرص.

ما دور مسيرة الأربعين في بناء حضارة آخر الزمان؟

في الإجابة عن سؤال: “ما هي مسيرة الأربعين؟”، تتّضح أن جزءًا كبيرًا من الجواب يرتبط بالعلاقة العميقة بين هذه المسيرة وبناء الحضارة في مرحلة آخر الزمان، وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: ما هي مسيرة الأربعين؟ وكيف ترتبط بتشكيل حضارة آخر الزمان؟ إنّ مشاية الأربعين ليست مجرّد مناسبة دينية، بل هي تجلٍّ فريد للتعاطف، والوحدة، والتعاضد الإنساني العابر للحدود و على نطاق عالمي.
تُعدّ مسيرة الأربعين الحسينية أكبر تجمّع ديني واجتماعي في العالم، وهو من أبرز الظواهر التي تحمل طابعًا حضاريًا فاعلًا، وتؤدّي دورًا محوريًا في بناء الحضارة وصياغة الوعي الجمعي.
تُعَدّ هذه الظاهرة الثقافيّة الاجتماعيّة، بما تحمله من تركيز على أهداف نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) ومفاهيم ثورة عاشوراء مثل العدالة، ومقاومة الظلم، وإحياء القيم الإنسانيّة، أرضيّةً خصبةً للتحوّلات الاجتماعيّة وتشكيل الحضارة الإسلاميّة الحديثة، بل والحضارة الموعودة في آخر الزمان.
يمكننا النظر إلى دور تجمع الأربعين في تأسيس هذه الحضارة الجديدة في آخر الزمان من عدة جوانب ومحاور:

التضامن العالمي والوحدة في مسيرة الأربعين

تُجسّد مسيرة الأربعين نموذجًا فريدًا للوحدة الإنسانية العالمية، حيث يجتمع الناس من كل أصقاع الأرض، من مختلف الثقافات والجنسيات والأديان والأعراق، في رحلة واحدة تتّجه نحو نقطة مشتركة ًهي مرقد الإمام الحسين في كربلاء. هذه التجربة الجماعية تُعبّر عن وحدة عميقة في الالتزام بالقيم الإسلامية والإنسانية المشتركة، التي تشمل التضحية، والصبر، والمقاومة.
إنّ هذا التجمع العالمي الاستثنائي هو رمز لوحدة المسلمين وجميع الشعوب الباحثة عن العدل، مستندًا إلى قيم نهضة عاشوراء. هذه الوحدة تتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية، وتُبرز استعداد المجتمع البشري كله للانخراط في حضارة عالمية تقوم على العدل والروحانية. ويمكن القول بصراحة إنّ أحد أجوبة سؤال “ما هي مسيرة الأربعين؟” يكمن في الحاجة الملحّة للمجتمع الدولي إلى التعاطف والتكاتف حول نموذج الإنسان الكامل.

 إحياء القيم الأخلاقية والإنسانية وتعزيزها

تُذكّر مسيرة الأربعين الكبرى بالعطف والمحبة والتضامن، وتُؤكّد على مبادئ الإيثار، والدفاع عن المظلوم، والسعي نحو العدالة، ومقاومة الظلم. هذه التجربة الإنسانية الاستثنائية تخلق فضاءً حيًا لممارسة الصبر والمحبة المتبادلة بين البشر. يتقاسم الزوار الطعام والخدمات المجانية في المسير، ويساعدون بعضهم البعض، معززين بروح التعاون والتكافل. هذه القيم، التي تنبع من مشاركة ملايين البشر في هذا الحدث الدولي، تحمل رسالة ملهمة للمجتمعات حول العالم، وتشكل الأساس لبناء حضارة جديدة مبنية على العدالة والإنسانية الحقيقية.

 الاستعداد للتحول العالمي

تحمل مسيرة الأربعين في طيّاتها معنى يتجاوز كونها مجرد مراسم دينية، فهي بمثابة تدريب عملي وترتيب روحي لاستقبال ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وتأسيس الأرضية اللازمة للتحولات الاجتماعية والعالمية. فثورة الإمام الحسين عليه السلام تمثل النموذج الأمثل للنضال ضد الظلم والمطالبة بالعدل، وهذه الرسالة تتحول في موسم الأربعين إلى حركة اجتماعية حية تدل على جاهزية المجتمعات لاستقبال قيم ونهج الإمام المنتظر عليه السلام. إنّ تجمّع الملايين من الزوّار لم يعد مجرّد حدثٍ ديني، بل بات أشبه بظاهرة حضاريّة تمهّد لولادة حضارة آخر الزمان.

 إحياء الحضارة الإسلامية الحديثة

كيف يرتبط إحياء الحضارة الإسلامية الحديثة بسؤال “ما هي مسيرة الأربعين؟” إن مسيرة الأربعين، التي تتمحور حول قيم الإمام الحسين عليه السلام مثل إقامة العدل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومكافحة الفساد، تلعب دورًا محوريًا في بلورة حضارة إسلامية جديدة.
وقد أكد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية حفظه الله على أن الأربعين يمثل رمزًا للوحدة وقوة حضارية عظيمة في العالم الإسلامي. إن التفاعلات الثقافية والاجتماعية التي تنبثق من هذا الحدث هي نموذج حي لحضارة قائمة على العدل، والأخلاق، والروحانية الإلهية.

الإعلام العالمي لنشر قيم الإمام الحسين عليه السلام

تمثّل مسيرة الأربعين منصة إعلامية ضخمة تنقل للعالم رسالة عاشوراء السامية. هذا التجمع الملاييني هو رمز للصمود في وجه الظلم، وللجهود الرامية إلى إحياء القيم الإلهية والإنسانية. يُرسل الزوار، من خلال استذكار مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، صدى كربلاء إلى أرجاء العالم، ويساهمون في إيقاظ الضمائر الإنسانية لمواجهة الطمع والجور.

تعزيز روح المقاومة على المستوى العالمي

يشكّل ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء والقيم المرتبطة بالتضحية والثبات، دافعًا قويًا يحرك المجتمعات نحو مقاومة الظلم والفساد. هذا الإيمان العميق يمكن أن يسرّع عمليات البناء الاجتماعي والسياسي، ويفتح الطريق أمام تأسيس حضارة جديدة ترتكز على المبادئ الروحية والأخلاقية السامية.
إن أربعينية الإمام الحسين عليه السلام ليست مجرّد مناسبة دينية، بل تحوّلت إلى رمزٍ عالمي للتضامن والوحدة والقيم الإنسانية التي تجاوزت كل الحدود الدينية والثقافية. هذا الحدث العالمي يشكّل بداية حركة حضارية ترتكز على القيم الإلهية والإنسانية ومبادئ العدالة. إنها فرصةً لبناء مجتمع موحّد ومتماسك، قائم على مبادئ مشتركة مثل العدل، وكرامة الإنسان، والاحترام المتبادل، والحياة المستنيرة بنموذج الإنسان الكامل، الذي هو القدوة والموجّه الأسمى لكل البشر، والّذي يدعو الجميع إلى تعزيز روح الأخوّة والوحدة.
مع اتساع دائرة تأثير رسالة عاشوراء وتوحّد الشعوب على هذه القيم، تُعتبر الأربعينية تمهيدًا لظهور المنقذ المنتظر وتحقيق الحضارة العادلة في آخر الزمان.
لذا، في الإجابة على سؤال “ما هي مسيرة الأربعين؟”، يمكن القول إنّها فرصة يتّحد فيها أتباع مختلف الأديان والمذاهب — من المسلمين الشيعة والسنة، والمسيحيين، والزرادشتيين، وحتى أتباع الديانات الأخرى — حول قيم إنسانية إلهية سامية. في هذا المسار، يقدّم الشعب العراقي، من خلال كرم ضيافته وخدماته، لوحة فريدة من المحبة والتضحية والتعاون الجماعي.
وبشكل عام، فإن مسيرة الأربعين ليست مجرّد حدث ديني فقط، بل هي إعلام عالمي حيّ يحفظ رسالة عاشوراء، ويُدرّب على التضامن والتضحية، ويوفّر أرضية خصبة لانتشار ثقافة المقاومة والعدالة. إنها تجسيد للأمل بالمستقبل، وانبعاث الروح، ومهدٌ لتأسيس حضارة جديدة قائمة على مبادئ العدل وكرامة الإنسان.

المشارکة

فيديو مماثل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *