تؤكّد الآيتان الكريمتان(105 و 106) من سورة الأنبياء على أنّ جوهر الدين يكمن في فهم المستقبل والسعي لبنائه وفي هذا بلاغ لكل عابد ومتديّن. فالمؤمن الحقيقيّ لا يقتصر إيمانه على فهم الحاضر فقط، بل يتّسع ليشمل فهم التاريخ البشريّ، وسيرة الأنبياء، وما بَشّر به الله تعالى من مستقبلٍ مُشرقٍ. فمَن حصر إيمانه في نطاق الحاضر الدنيويّ، ولم يربطه بمسار التاريخ الإلهيّ، لا يمكنه القول بأنّه قد أدرك حقيقة الدين، بل لا يمتلك ربطًا حقيقيًا به.
يمثّل الدين رحلةً متصلةً عبر الزمن، تمتدّ من الماضي إلى قيام الساعة. فالمؤمن الحقيقيّ هو الذي ينخرط في هذه الرحلة، ويدرك انتماءه إلى هذه المسيرة العظيمة. كما يدرك عضويته في حزب الله، وجماعة الأنبياء، ممّا يُوجّه سلوكَه وأفعاله في الحياة. النقطة الأخيرة هي حول شخصية الصالحين الذين يمثلون ركائز أساسية في بناء المستقبل بشخصياتهم الفريدة ومكانتهم المرموقة التي أشار الله إليها بكلمة “عبادي” ، ممّا يدلّ على عمق صلتهم بالله تعالى. يُمثّل نمط حياة الصالحين نقيضًا صارخًا لنمط حياة الفاسقين والطغاة. فلا يمكن لأيّ إنسانٍ أنْ يدّعي الإيمان والتدين، بينما ينسجم سلوكه مع سلوك حكّام الأرض الجائرين. إنّما بناء المستقبل المُشرق يتطلّب منّا أنْ نُنسّق أنماط حياتنا على منوال حياة عباد الله الصالحين.