إلى أين يتجه مسار التاريخ؟ ومن ستكون القوة العظمى في مستقبل العالم؟

إلى أين يتجه مسار التاريخ؟ ومن ستكون القوة العظمى في مستقبل العالم؟

 التنبؤ بمستقبل العالم؛ المدینة الفاضلة لیست حلما!

  • ماذا تتوقع لمستقبل العالم؟
  • من ستكون القوى العظمى في المستقبل من الدول والأفراد؟
  • ما هي التغييرات التي سيشهدها العالم في العقود والقرون القادمة؟ وكيف ستكون ملامح العالم في المستقبل؟

تحدثنا في مقال سابق عن أهمية التفكير في المستقبل والعمل من أجله في حياة الأفراد، ورأينا أن كل عمل نقوم به الآن يؤثر على مستقبلنا ومستقبل الآخرين، وكل اختيار، و تفاعل، و سلوك، وكل فكرة نساهم بها، هي لبنة في بناء حضارة جديدة في مستقبل العالم والتاريخ. كما أدركنا أن قيمة كل فرد تتناسب طرديًا مع تأثيره في بناء المستقبل، وأن من يسعى جاهدًا لتحقيق هذا الهدف سيعيش حياة سعيدة في الدنيا والآخرة. إذن لا شك في أهمية التفكير المستقبلي والسعي لبنائه، ولكن السؤال هو: ما هو مستقبل البشرية؟ وكيف ستتغير ملامح العالم في العقود والقرون القادمة؟ هل يستمر العالم في الانزلاق نحو الظلم والفساد والدمار، أم أنه يحمل لنا عدلاً وطهارة وجمالًا؟

من الواضح أنه طالما لم تتضح إجابات هذه الأسئلة، لن نتمكن من تحديد نمط حياتنا الفردية والجماعية، ولا من وضع خطط مستقبلية فعالة في مسار التكامل. إننا بحاجة أولاً إلى معرفة الغاية النهائية للتاريخ حتى نستطيع وضع الخطط اللازمة للوصول إليها. في هذا المقال والقادم، سنتناول هذه الأسئلة بالإضافة إلى الوعد الذي قطعه الله تعالى لمستقبل موعود حتمي للبشرية.

 

 الإنسان منذ بداية هبوطه على الأرض

یتجذّر الصراع الأزلي بين الحق والباطل في أعماق التاريخ الإنساني منذ قصة هابيل وقابيل، ولم يتوقف يوماً بل اشتد وتفاقم مع مرور الزمن حتى بلغ ذروته في عصرنا الحالي.

على الرغم من أن الفطرة السليمة للإنسان تمنحه ميلًا فطريًا نحو الجمال والسلام والعدل، إلا أن الظلم والطغيان والعنف قد هيمن على مسار التاريخ. فالأشخاص الصالحون الذين يحافظون على كرامتهم اصالتهم الإنسانية، لا يمكنهم أن يتقبلوا الظلم والاستبداد الذي يفرضه الطغاة والمستكبرين. فتراهم يسعون جاهدين لبناء مجتمع عادل قائم على المساواة والعدالة، حيث يحكم فيه الصالحون بناءً على فضائلهم الروحية والأخلاقية ويتم ضمان حقوق الجميع.

رغم مساعي الصالحين المتواصلة عبر التاريخ، قليلًا ما تحقق مجتمع يبلغ أوج الكمال الأخلاقي والإنساني. حتى تلك المجتمعات التي اقتربت من هذا المثل الأعلى، لم تستطع الحفاظ على هذه الحالة لفترة طويلة. هذا الفراغ والشعور بالعجز عن تحقيق الأهداف المثالية، دفع بالكثيرين إلى اللجوء إلى الخيال وبناء مجتمعات مثالية في مخيلتهم. وهكذا ظهر مفهوم “أوطوبيا”[1] أو “المدينة الفاضلة”، وهو مفهوم تكرر في أعمال المفكرين عبر العصور، ويصف مجتمعًا مثاليًا خاليًا من النقائص، تزدهر فيه الفضائل الأخلاقية والإنسانية، وتختفي الحروب والعنف والظلم.

ولكن، يبقى سؤال هام: هل بناء مثل هذا المجتمع هو مجرد حلم بعيد المنال؟ أم أن هناك حقًا من يستطيع تلبية هذه الحاجة الفطرية للإنسان وتحويل حلمه القديم ببناء مجتمع متحضر وسعيد إلى حقيقة واقعة؟

بأقل قدر من البحث في الكتب السماوية للأديان المختلفة، نصل إلى أن بناء مثل هذا المجتمع ليس مجرد وهم. فالأنبياء وصفوا في كتبهم السماوية مستقبل العالم ووعدوا بانتصار الحق على الباطل وبناء مجتمع سعيد في نهاية الزمان على يد ولد من خاتم الأنبياء.

 

وعد الله بمستقبل مشرق للعالم

إن الله تعالى عالم بكل شيء، بالماضي والحاضر والمستقبل، فهو موجود خارج نطاق الزمان والمكان، ولا يقيّده أي حد. لذلك، عندما خلق الله الإنسان، كان مستقبل البشر معروفًا لديه، وقد بشر به الأنبياء جميعًا. كما ورد في مزامير داود: “عاملي الشر يُقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الارض. بعد قليل لا يكون الشرّير. تطلع في مكانه فلا يكون. امّا الودعاء فيرثون الأرض ويتلذّذون في كثرة السلامة.”[2] وفي القرآن الكريم، وردت آيات كثيرة تبشر بمستقبل يرث فيه الصالحون والمستضعفون الأرض، وينقطع فيه ظلم الظالمين.

إذن فإن مستقبل العالم واضح المعالم. إنه للمتقين والصالحين، وتلك المدينة الفاضلة التي طالما حُلم بها وكتب عنها، ستتحقق قريبًا، ومهمتنا الوحيدة هي أن نُعد أنفسنا لهذا المستقبل وأن نُكيف نمط حياتنا ليتوافق معه. إن موضوع التطلع للمستقبل والمساهمة في بنائه مهم لدرجة أنه يمكن اعتباره الرسالة الأساسية للأنبياء. كان فهم المستقبل والتخطيط له مهمة رئيسية للأنبياء تجاه اتباعهم، لأن رسالة الأنبياء الأساسية هي تهذيب النفوس وتوجيهها نحو القيم الدينية. وليس الدين في جوهره إلا فهمًا واعدًا للمستقبل وسعيًا لبنائه. الدين هو تيار حيوي يمتد من الماضي إلى الأبد، والمؤمن هو من ينخرط في هذا التيار ويرى نفسه جزءًا من جماعة المؤمنين ويعمل كعضو من حزب الله وجنود الأنبياء. إن من يخطط حياته الحالية بناءً على المستقبل ويسعى إلى أداء دور فعال فيه، يصبح وكأنه موجود خالد أبدي، عاش منذ بداية الخلق مستمراً حياته إلى الأبد. فمثل هذا الشخص لا يحصل فقط على تحصيل ثواب أعماله الخاصة، بل يشترك أيضًا في ثواب جميع الأعمال الصالحة التي ارتكبها المؤمنون في الماضي والمستقبل.

وعلى العكس من ذلك، من يقتصر تدينه على الحاضر، وعلى العبادات والأعمال الصالحة القصيرة الأجل، يظل حبيسًا لعمر قصير لا يتجاوز ستين أو سبعين عامًا، ولا يرتبط بالماضي ولا المستقبل. مثل هذا الشخص لا يفهم حقيقة الدين ورسالته، ولا يرتبط حقًا بدينه ورسله.

بعد ذكر هذه المقدمات، لنرجع إلى السؤال الذي طرحناه سابقًا: أي نوع من المستقبل وعد الله به البشر عبر أنبيائه؟ وما هي البشائر التي وردت حول هذا المستقبل؟ وما هي خصائصه؟ وما هي الأحداث التي من المتوقع أن تحدث فيه؟

سوف نستعرض إجابات هذه الأسئلة الرئيسية في مقالنا القادم.

 

[1] . Utopia

[2] . (سفر المزامير 11-9: 37)

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *