المشتركات بین الأديان في موضوع المخلص الموعود ومقارنتها مع مستقبل العالم في القرآن الكريم
الجمهور المستهدف لجميع الأديان، سواءً السماوية أو غير السماوية، هو الإنسان نفسه، إذ تحمل كل الأديان مبادئ مشتركة تربطها ببعضها البعض. فمفهوم خلق الإنسان وجوهر وجوده وهدفه في الحياة، بالإضافة إلى أفضل طريقة للعيش وحتى مستقبله، كل هذه الجوانب تجمع الأديان في نفس المنحى. إن التفكير في المستقبل يمثل أحد أهم المواضيع التي تُناقَش في الأديان المختلفة بجدية بالغة. لقد تنبأت جميع الأديان بمستقبل مشرق للأرض، وأعلنت بفرحة أن الخير والفضيلة والنور والحق سينتصرون على كل قبح وشر في هذا العالم.
تشترك جميع الأديان في تعاليمها وإبلاغاتها بالحديث عن ظهور المنجي، ذلك المخلّص الذي سيملأ الأرض سلامًا وصفاءً وعدالةً وسعادةً. لا يوجد ةخلاف بين أيٍّ من المذاهب حول موضوع المنجي، بل تؤمن جميعها بنجاة الدنيا على يده. وقد أُطلق عليه في مختلف الأديان حوالي ثلاثمائة اسم، أشهرها “القائم” بمعنى “المنتفض”. وإن كانت بعض الاختلافات قد تظهر في بعض الأحيان حول شخصية المنجي، إلا أنّ الإيمان بظهوره أمرٌ مُتفقٌ عليه، وتؤكد أغلب الأديان على أنّه سيظهر رجلٌ من ذرية نبيّ الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ليُحكم العالم بدين الحقّ الذي بشّر به القرآن الكريم.
يرتبط مستقبل العالم في القرآن الكريم بظهور المخلص الموعود، فقد تحدّث القرآن الكريم في العديد من الآيات عن شخصٍ سيأتي ويُرسي الحقّ والعدالة في العالم، وعدًا جازمًا لا يتخلف. أرسل الله تعالى نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) بدينٍ كاملٍ، ليظهره على کل الأديان المُحرّفة، فالدين عند الله واحدٌ، قد كُمّلَ في فتراتٍ تاريخيةٍ مختلفةٍ، حتى وصل إلى ذروة ظهوره بعد تعيين خليفة نبيّ الإسلامِ(صلى الله عليه وآله وسلم). ويمكن العثور على آياتٍ في النصوص القديمة من الأديان الأخرى، تُؤكّد هذا الادّعاء، وتبشّر بظهور ابن نبيّ الإسلام، الإمام المهديّ(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)،كمُخلّصٍ للبشرية، سيأتي ويُعلي دينَ الحقّ على العالم کله.
يُحظى موضوع مستقبل العالم في القرآن الكريم والنصوص الإسلامية بأهميةٍ كبيرةٍ، حيث خصص له حيزًا واسعًا من الاهتمام. فقد ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن أهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، أكثر من ستة آلاف حديثٍ شريفٍ يتناول موضوع مستقبل العالم والمخلص الموعود.
وصف ظهور المنجي من منظور القرآن الكريم
يصف القرآن الكريم ظهور المنجي بعباراتٍ عذبةٍ مثل “أيام الله” و”يوم الفتح” وتحمل كلٌّ من هذه العبارات مفاهيمَ عميقةً. “يوم الله”[1] هو اليوم الذي يُظهر الله تعالى فيه ذاته الكريمة بوضوحٍ تامّ. في ذلك اليوم، يظهر الله تعالى للناس بأعلى تجلّياته وأعظم صفاته. لا تظهر قدرة الله تعالى ورحمته وحكمته في أيّ يومٍ من أيام الدنيا بمثل هذا الوضوح والسّطوع. وأبرز مظاهر “أيام الله” في الدنيا هو يوم ظهور المنقذ الموعود. يأمر الله تعالى رسوله الكريم(صلّى الله عليه وآله وسلم) بتكرار ذكر هذا اليوم للبشرية بلا انقطاع، ليؤكد على أهميته البالغة. والسبب وراء هذا التكرار والتأكيد هو تثبيت رجاء المؤمنين وصبرهم وشکرهم في انتظاره. يُؤكّد الله تعالى أنّ تحقيق هذا الوعد أمرٌ حتميٌّ لا ريب فيه، لكنه یأمر المؤمنين بالصبر والمثابرة حتى حلول ذلك اليوم.
في هذا السياق، يقدم الله تعالى للمؤمنين مبادئ هامة، تشجعهم على عدم الانجراف “حالياً” وراء الغضب في مواجهة الظلم والمعاصي التي يقترفها الظالمون. فبالاضافة إلى أن أعمار الظالمين قصيرة، فإن هزيمتهم لا محالة وستكون لهم عقوبة شديدة. يصوّر القرآن الكريم مستقبل العالم بطريقة تشجع المؤمنين على التصدي بالصبر والاستمرار بقوة وثبات حتى يوم الانتقام، متطلعين إلى يوم الله.
سوف يأتي يوم غلبة الحق وستكون النصرة للمؤمنين، و تتحقق البشائر والنبوءات المذكورة في آيات كثيرة من القرآن الكريم عن مستقبل مشرق للعالم. وتشير إلى أن المفتاح للوصول إلى هذا المستقبل المشرق هو الصبر وتعزيز الإيمان حتى يوم ظهور المنقذ[2]، الذي يُشار إليه بمصطلح “يوم الفتح”[3]. إن يوم الفتح هو اليوم الذي ينتشر فيه الحق وينتصر على الأرض. إنه اليوم الذي تخضع فيه الأرض للقائم، ويحقق فيه المخلص الموعود النصر ويفتح فيه البلاد.
يؤكد القرآن الكريم بوضوح أن ما يُعيق تطوّر حياة الإنسان نحو الرقي هو الفساد والظلم. كما وعد الله تعالى في كتابه الكريم بإحياء الأرض بعد موتها، وأشار إلى أن أهل البيت – بما فيهم الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) – سيكونون رواد الإحياء للأرض، وأن الله تعالى سيحيي الأرض الميتة عن طريقهم.[4]
إختبار وغربلة الناس في زمن الغيبة
يُصرح القرآن الكريم بإرادة الله تعالى لوقوع حدثٍ حتميٍّ لا مفرّ منه. الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون ومدبر شؤونه، وكلّما أراد شيئًا كان، وقد شاء الله تعالى أن ينتصر الحقّ ويقضي على الكافرين في الأرض.[5] ورد في القرآن الكريم أنّ الله تعالى يُريد تحقيق هذا الهدف من خلال “كلماته” وأعلى تفسيرٍ لـ “الكلمة” في القرآن الكريم هو القادة الإلهيين.
تُخبرنا آيات القرآن الكريم عن صراع نهائي بين جبهتي الحق والباطل، حيث يندلع صراع بين أهل التوحيد وأتباع الشرك. من المؤكد أن محاولات الباطل ستكون عديمة الجدوى، وسيكونون هم الخاسرون في النهاية. فجبهة الحق ستكون قوية في تلك الفترة، وستكون هدايتها بيد القادة الإلهيين. ستتحقق هذه التنبؤات وتُنفّذ هذه الوعود في عصر ظهور المنجي، والنقطة الحاسمة والمصيرية هي أن هذه الأحداث لن تحدث فجأة في زمن ظهور المنجي، بل سيتم تهيئة الظروف والمسببات لها قبل ذلك بوقتٍ طويل.
من بين الأحداث الحتمية التي تسبق قبل الظهور، يتجلى اكتمال تباين الحق والباطل وتحديد مواقف الأفراد في كلٍّ منهما. لقد شهدنا عبر التاريخ تواجدَ صراعٍ مستمرٍ بين جبهتي الحق والباطل، حيث حدّد كلّ شخصٍ موقعه في إحدى هاتين الجبهتين من خلال نمط حياته وتصرفاته وقراراته ومعتقداته ونواياه، حيث يُسجل اسمه في لوح محفوظ إلى الأبد. ولكن في آخر الزمان، ستظهر هذه الحدود بوضوح مطلق، وستكشف بوضوح تبعية كلّ فردٍ لإحدى هاتين الجبهتين.
یسير مسار العالم بخطى ثابتة نحو وجهة لا یوجد فيها طريق وسط، بل يقف كل إنسان أمام خياره الحاسم الذي يحدّد انتماءه. هذا الانتماء ليس مجرد شعار يُرفع أو ادّعاء يُطلق، بل هو معيارٌ صادقٌ لتقييم مكانة كلّ إنسان في ميزان قلبه. فالقلب هو البوصلة التي ترشد صاحبه إلى سبيله، وتُحدّد ما إذا كان في جبهة التوحيد والحقّ، أم في جبهة الشرك والباطل. وتُشكّل اعتقادات كلّ إنسان وأفعاله وأسلوب حياته وأفكاره واختياراته ميزان قلبه. فليس الأمر متروكًا لنفْسه ليعيش كيفما يشاء، ويُعلق آماله على أن يكون بعد ظهور المهديّ من جند الإمام ووكلائه، بل سيحصد كلّ إنسانٍ بعد الظهور ثمرةَ ما زرعه بأفعاله في دوران ما قبل الظهور.
ظهور علامات الله في الأرض مع ظهور المخلص الموعود
يُبشرنا القرآن الكريم بأن الله تعالى سيُظهر علاماته في مستقبلٍ محددٍ في كلٍّ من العالم الخارجيّ أي عالم الكون، والعالم الداخليّ للإنسان[6]. فمن المقرّر أن يصبح الحقّ جليًّا للجميع في ذلك المستقبل الموعود، وأن يعرفوا معناه ويدركوا لمن ينتمي الحقّ في حقيقة الأمر. لقد أكّد أهل البيت(عليهم السلام) – وهم أعلم الناس بتفسير القرآن وأصدقهم في روايته، بل هم القرآن الناطق – أنّ هذا المورد من مستقبل العالم في القرآن الكريم هو ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ذلك اليوم الذي سيصبح فيه الحقّ جليًّا كلّه، وينتصر فيه على الباطل بأسره، وسيُدرك فيه أهل الأرض جميعًا حقيقة الخلق.
في ذلك اليوم، لا یمکن للمنافقين والكافرين أن يتوبوا إلى الله، لأن الله تعالى قد أتاح فرصةَ التوبةِ والرجوعِ إلى الحقّ قبلَ ظهورِ المنجي لجميعِ المُخالفين، و الإيمان بعد ظهوره لا يُجدي نفعًا. في ذلك اليوم يصبح الحقُّ والباطل جليّين للجميع، ولا يُفيد حينئذٍ إيمان من لم يُؤمن من قبل. [7] إذن أمامَنا الآن فترةٌ ذهبيةٌ قبل ظهور المنجي، و هي فرصةٌ عظيمةٌ قد تكون سبب سقوطنا أو صعودنا، فقد وفّر اللهُ تعالى هذه الظروف لإنذار نهائي لجميع أهل الأرض.
يكشف لنا القرآن الكريم عن سرٍّ عظيمٍ يتعلّق بمستقبل العالم، فيُبيّن أنّه لن يُعرّف القوة الحقيقية لأتباع المنجيّ، وعددهم الحقيقيّ إلاّ في زمان ظهوره. وستكونُ قوّة عظيمةٌ تُضعّف جيش الظلم وتُحقّرهُ[8]. وقد وردتْ مقدماتٌ جادّةٌ ملموسةٌ لهذا الهدف في مثالين واضحين:
المثالُ الأوّلُ:
- مسيرة الأربعين الحسيني العالمية
من المشاهد الرائعة والمدهشة على ظهور علامات الله في الأرض وفي قلوب البشر، مسيرة الأربعين العالمية؛ حیث يلتقي الملايين من المسلمين وغير المسلمين في تجمع فريد بدافعینِ رئيسيّین:
أ. قمة الإيمان الحقّ الذي رسخ فی قلوبهم وفطراتهم
ب. المحبة الصادقة نحو الإنسان الکامل أو “الإمام”.
تبرز علامات الله في أرجاء الكون وأعماق النفوس، عارضةً لوحات منقطعة النظير من الحب والخدمة واللطف والاحترام والأمان التي تعلو في هذا الزمان. يظل التفسير صعباً للبعض؛ كيف يمكن لملايين الأشخاص من مختلف الأعراق والطوائف أن يتجمعوا حول قبر في أرض قليلة الموارد؟ بيد أن الروح الطاهرة والمعنوية العظيمة للإنسانِ الكاملِ المسمّى بالحسين(عليه السلام)، والتي دُفن جسده منذ قرون، قد استطاعت أن تُرسخ ثقافة نبيلة عبر الأجيال.
تعتبر ثقافة الأربعين نموذجًا رائعًا لتجسيد الحب والوحدة والسلام والسكينة في العالم حول محور الإنسان الكامل. تثبت هذه الثقافة أنّ الأرض تتجه نحو التطور الجماعي والنمو والتربية تحت ظل الإمام، معتمدة على ظهور المنقذ وأنّ العالمَ يُجهّز نفسه لظهوره. وبالطبع، تأتي مناسك الأربعين بكل تفاصيلها وملامحها الفاتنة كمقدمة وساحة لتمهيد أحداث جليلة لاحقا و التي عُرفت ب “طوفان الأقصى”.
- عملية طوفان الأقصى العالمية
لقد ذكرنا أنّ تصنيف جبهات الحق والباطل يبدأ قبل ظهور المنقذ، حيث يتم تحديد مواقع الأفراد في صفوفها. وهنا يكمن جوهر الأمر، فموقفنا في دعم ومشاركة النضالات العالمية بين الحق والباطل التي تحدث قبل ظهور المنقذ، إلى جانب نمط حياتنا ومعتقداتنا واختياراتنا وأفكارنا، يحدد بشكل مباشر موقعنا في المرحلة التي تلي ظهوره.
أثارت عملية طوفان الأقصى فجأة استنفار جميع أحرار العالم، دون اعتبار لدياناتهم أو جنسياتهم أو لغاتهم، حيث اندفعوا متحدّين وعلوا بصوت الحق. إنّ الأرض، التي كانت تغمرها أمواج الظلم والجور وتثقلها أعباء الأحزان، استفاقت من سباتها وعادت إلى الحياة. لقد وعد الله تعالى في القرآن الكريم بمستقبل يومٍ سيكون فيه الشهادة والنور، ليبيّن للجميع أن يوم تحقيق كلّ هذه الوعود هو يوم ظهور المنقذ. ولكن هذا الحدث العظيم لا يأتي فجأة، بل يتطلب استعدادًا دقيقًا. الأحداث مثل زيارة الأربعين وطوفان الأقصى، جميعها تعتبر مقدمات جادة لأكبر حدث عالمي.
تتجلى الأحداث والمحن قبل الظهور، تحديدًا لترسم حدودًا واضحة وتبين الفصل بين الحق والباطل، تاركةً لنا فرصة التمييز بينهما بوضوح، تمامًا كما فعل طوفان الأقصى الذي جعل التمييز بين المشركین والموحدين، دون النظر إلى الجنسية أو الديانة.
يأتي الله بهذه الأحداث لتتضح مكانة الأفراد في التصنيفات النهائية، وليُمنح الناس فرصة لاكتساب المعرفة والفهم، كما يُعطى الجميع مهلة للتوبة والعودة. إن أحد الجوانب الفائقة الجمال في هذه الأحداث هو بُعد الرحمة واللطف الإلهي، حيث يسعى إلى إنقاذ عباده بطريقة حكيمة. تأتي هذه الأحداث قبل الظهور لسبب واضح، وهو لكي يدرك الكثيرون الحقيقة ويغيروا مسار حياتهم. ومع ذلك، فإن هذه الفرصة لن تستمر إلى الأبد، وستنتهي بظهور المنقذ.
ولادة الأرض من جديد
تتردد على ألسنتنا بكثرة، بينما نجهل استمرارها ونغفل عن سبب نزولها. كم من مرة قد تلونا قول الله تعالى: “أَمَّنْ یجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَیکشِفُ السُّوءَ” دون إمعان النظر في خاتمتها العظيمة: “وَیجْعَلُکمْ خُلَفاءَ الأَرْضِ”؟
المضطرّ هو ذاك الذي بلغت شدّةُ اضطراره وضيقُ حاله الى الذروة العُلوى، فلا ملجأ له إلّا رحمةُ الله تعالى. إنّ أَشدّ مَنْ في العالمِ اضطرارًا هو الإمامُ المهديّ(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فهو يرى ضلالة الناس وهلاكهم، ورغم امتلاكه قوّة إنقاذ العالم، ولكنّه لا يستطيعُ الخروجَ وتحرير الناس.
لقد ازداد اليوم اضطرار أهل الأرض وضيقُ حالهم حتى وصل ذروةَ العُلْوى، وتتجهُ الأرض نحو نقطةٍ لا يمكن الاستمرارُ بعدَها على النهجِ السابق. إنّ من أهمّ أسرارِ فرجِ المنجيّ هو شدّةُ اضطرار الناسِ إلى خلاصهِم من الوضع الراهن. والذي لا يُمكن أنْ يتحقّق ظهورُه المبارك دون هذا الاضطرار العميق.
تنطوي هذه الأحداث على بشاراتٌ عظيمةٌ، وكلما ازدادت شدةُ الاضطرار، اقترب موعد الفرج المنشود. فكأنّها سنةٌ كونيةٌ تقضي بأنّ يسطع أول شعاعٍ من نور الفجر بعد أعتى لحظات الظلام، ونحن الآن في لحظات ما بين الطلوعَين للعالم، ونعيش دقائق ما قبل شروق شمس الظهور المبارك. ولذلك، فمن الطبيعيّ أنه يتوجب علينا أن نتحمّل المزيد من الضغوط والتحديات، لكي ننال شرف مشاهدة ذلك الصباح المُشرق ونتمتّع بنوره ونضارته. غير أنّ الشيطانَ اللعينَ لا يهدأُ، إذ يستخدم كل قوته وموارده ليُضلّل المزيد من الناس ويُبعدهم عن جيش أنصار المنجي الموعود.
عندما طُرد إبليس الملعون من رحمة الله، طلب من الله أن يؤخر أجله إلى يوم القيامة ليفتن البشر، فاستجاب الرحمن لدعائه ولكن إلى يوم معلوم سيُقضى فيه على الباطل ويُقتلع الكفر من أصوله. في ذلك اليوم الموعود الذي ينبئ بظهور المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سيهلك أهم عنصر للشر والكفر والضلال، ألا وهو إبليس.
قد وعد الله تعالى أن يجعل الصالحين خلفاءه في الأرض، والصالحون هم عباد مخلصون قد آمنوا قبل الظهور وعملوا الصالحات واستقاموا على وساوس الشيطان ونزوات النفس. عندها سوف يرفع الصالحون راية الإسلام كدين الحق في مشارق الأرض ومغاربها في زمن الدولة الكريمة، ويحققون ما حال دون تحقيقه شياطين الجن والإنس في غدير خم.
يوصف مستقبل العالم في القرآن وغيره من النصوص الإسلامية بأن الناس في الدولة الكريمة للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) سيعودون إلى جوهر خلقهم ألا وهو الحب لله، وسيقعون في حبّه حبًا خالصًا. فلن يعانوا بعد ذلك من أي صعوبة أو كلل في تنفيذ أحكام الدين، وسيسعون بحب ودقة نحو اكتساب المعرفة حتى ينالوا مقام الخلافة الإلهية والإنسان الكامل. في ذلك العصر يُصبح الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف) مربّياً ومرشداً للبشرية، ويتلقّى الناس تعاليمه وإرشاداته بكلّ جوارحهم. عندها تتحرّر شريعة الإسلام السمحة من قيود الإكراه والإجبار، وتتجلى حقيقة التوحيد ووحدانية الله تعالى، وتُمحى من القلوب إلى الأبد صفاتٌ مثل الشرك والنفاق وسائر الرذائل الأخلاقية، وسيحظى الإنسان بفرصةٍ فريدةٍ لتفجير جميع طاقاته وقدراته. وبعبارة أوضح، سوف تتاح إمكانية ازدهار جميع الكمالات والقدرات الإنسانية والتشبه بالله والبلوغ إلى مقام الإنسان الكامل والارتقاء إلى مرتبةٍ رفيعةٍ من الشبه بالخالق، تحت اشراف أشبه الناس بالله تعالى.
[1] . قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِىَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . الجاثية: 14
[2] . بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ. هود: 86
[3] . قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا إِيمَـٰنُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ. السجدة: 29
[4] . ٱعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلْايَتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الحديد: 17
[5]. وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَـٰفِرِينَ. الأنفال:7
[6] . سَنُرِيهِمْ ءَاياتِنَا فِى ٱلْافَاقِ وَفِىٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ. فصلت: ٥٣
[7] . يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَاياتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَـٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا قُلِ ٱنتَظِرُوٓا إِنَّا مُنتَظِرُونَ. الانعام: 158
[8] . حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا. سورة الجن: 24