ما هي التحولات الجذرية التي ستشهدها الأرض والإنسانية بظهور المنقذ الموعود؟

ما هي التحولات الجذرية التي ستشهدها الأرض والإنسانية بظهور المنقذ الموعود؟

ظهور المنقذ الموعود: انطلاق تغييرات جذرية في الكون بأکمله

ما هي التحولات التي سيحدثها ظهور المنقذ الموعود في العالم الخارجي وفي داخل الإنسان؟

في المقالات السابقة من سلسلة مقالات “مستقبل العالم في القرآن”، استعرضنا بعض الآيات الإلهية المتعلقة بتحولات العالم المستقبلية في زمن الظهور. في هذا المقال، سنتناول المزيد من الآيات حول هذا الموضوع.

وصف القرآن الكريم يوم ظهور المنقذ الموعود بعبارة “أيام الله” الجميلة: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ».[1] يوم الله يعني اليوم الذي يتجلى فيه الله بأسمى مظاهره في الكون، حيث تظهر قدرة الله ورحمته وحكمته بالكامل. ومن أبرز مصاديق “أيام الله” هو يوم ظهور المنقذ الموعود.[2]  نظرًا لأهمية هذا اليوم في تنمية روح الصبر والثبات لدى المؤمنين، يأمر الله نبيه بأن يذكّر الناس به باستمرار، ليصبحوا من أهل الصبر والشكر، وليدركوا أن المعاناة والظلم الذي يمارسه الكافرون والظالمون لن يدوم طويلاً. وقد أعطى الله توجيهًا للمؤمنين في هذا الصدد، طالبًا منهم التحلي بالصبر أمام الجهل والظلم من الذين لا يؤمنون بأيام الله وتحقيق الوعود الإلهية، حتى يأتي الوقت الذي يُجازى فيه كل قوم بأعمالهم.[3]

يُعدُّ لقب “بقية الله” من ألقاب شريفة للإمام المهدي عليه السلام. ويعني هذا اللقب، وفقًا للتفاسير القرآنية والأحاديث النبوية، ما يبقي الله تعالى من خير ونعمة للإنسانية. ووفقًا للروايات، إذا خرج الإمام المهدي سلام الله علیه سيسند ظهره إلى الكعبة وأول ما ينطق به هذه الآية ” بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين”[4] ثم سيعرّف بنفسه قائلًا: “أنا بقية الله وحجته”. كما أن المؤمنين يخاطبون الإمام بهذا الاسم عندما يقدموا له التحية والسلام، فيقولون: “السلام عليك يا بقية الله في أرضه”.[5]

يُطلق لقب “بقية الله” على الإمام المهدي عليه السلام لأنه يمثل آخر حلقة في سلسلة الأنبياء والأئمة المعصومين. فبعد استشهاد الأئمة السابقين على أيدي الظالمين، بقي الإمام المهدي ليحمل أمانة الرسالة الإلهية ويكمل مسيرتهم في إقامة العدل والإنصاف في الأرض.

 

يوم ظهور الموعود؛ يوم تتجلى فيه جميع مظاهر الجمال

في الآية 53 من سورة فصلت، يشير الله سبحانه وتعالى إلى زمنٍ مستقبلي، تنفصل فيه صفوف الحق عن الباطل، وتصبح آياته واضحة في العالمين الداخلي والخارجي للإنسان: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”. أي أن الله سيظهر لهم دلائل وجوده وحقيقته في الآفاق البعيدة وفي أعماق أنفسهم، حتى يدركوا أنه الحق بوضوح.

من أبرز الأمثلة التي تجسد هذا المعنى بوضوح هي حركة الأربعين العالمية. في هذه المناسبة، يجتمع ملايين البشر من مختلف العقائد والجنسيات، وقد وصلوا في داخلهم إلى مستويات من السلم والوحدة والمحبة، متجاوزين جميع العوائق، ويسيرون نحو الكمال حول محور الإنسان الكامل. هذا التجمع يمثل تجلي الحق في نفوس هؤلاء الأفراد. وفي الوقت نفسه، يتوجه الجميع نحو مرقد إمام معصوم، الذي يُعتبر التجلي الأكمل والأسمى لصفات الله على الأرض، حيث يُعد هذا تجلياً للحق في العالم الخارجي.

مصداق آخر لهذه الآية، التي تظهر تجليات آيات الله في الداخل والخارج ومعيارًا للتمييز بين الحق والباطل، هو حادثة “طوفان الأقصى”. نتيجة لهذه الواقعة، استيقظ ملايين البشر من جميع أنحاء العالم، وتحولوا داخليًا، وبدأوا بتنظيم مظاهرات للدفاع عن الحق. وكل إنسان منصف يشاهد هذه المظاهرات يدرك أن الناس على الأرض يطالبون بالحق ويدافعون عنه، وأن من يدافع عن الباطل مدان.

يمكن استعراض أمثلة أخرى صغيرة وكبيرة لهذه الآية، ولكن أكمل مصداق لها كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) هو عندما يظهر المنقذ الموعود، الإمام القائم (عليه السلام). إن وقت ظهور المنقذ الموعود هو الزمن الذي تتجلى فيه مظاهر الحق بالكامل في العالم وفي نفوس البشر، وكما جاء في الآية 88 من سورة ص، «وأشرقت الأرض بنور ربها». حينها ستختفي الظلمات والغموض والحيرة والفراغ، وينكشف نور الله ليظهر جميع الحقائق.

 

يوم الانتصار والدخول في الحرم الآمن الإلهي

في التعاليم الإسلامية، ورد ذكر حدث مهم يُعرف بالصيحة السماوية أو النداء السماوي، الذي سيسمع في شهر رمضان ويُعتبر من العلامات الحتمية للظهور. بناءً على الأحاديث المروية عن الأئمة (عليهم السلام) بخصوص الآية 4 من سورة الشعراء والآية 20 من سورة يونس، تشير هذه الآيات إلى هذا الحدث:

  • «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ؛ إن نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فتظل أعناقهم لها خاضعين »[6]
  • «وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ»[7]. أي أنه سيأتي زمان نزول الآية والعلامة من الغيب، و ستعرفون في ذلك اليوم من له النصر والفتح.

إن محتوى هذه الصيحة هو البشارة بظهور المنقذ الموعود، الإمام المهدي (عليه السلام. بعد سماع هذا النداء، ينقسم أهل العالم إلى صفين: صف أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) وصف أنصار الشيطان. مع هذا الاصطفاف، ستقف جبهتا الحق والباطل وجهًا لوجه، وبعد معارك تدور بينهما، ستنتصر في النهاية جبهة الحق ويتحقق وعد انتصار المستضعفين على المستكبرين.

من ألطاف الله ورحمته أن تحدث الصيحة السماوية قبل أشهر من ظهور المنقذ الموعود، حيث يمنح الله بذلك الفرصة للباحثين عن الحق وقتًا للتوبة والاستعداد للانضمام إلى صفوف الإمام المهدي (عليه السلام) والمساهمة في بناء حكومة الصالحين. وفي الوقت نفسه، تكون الحجة قد أُقيمت على الجميع، فلا يملك أحد عذرًا لعدم الإيمان بيوم القيامة.

قد يولد أشخاص من ذرية المسيحيين أو اليهود أو حتى غير المؤمنين، ويكتشفون بعد البحث والدراسة أن الإسلام هو الدين الحق، فينتهون إلى التشيع. يترك الله برحمته الواسعة باب التوبة مفتوحاً أمام الجميع، لكن هذه الفرصة تظل متاحة فقط حتى قبل ظهور المنقذ الموعود. أما عند مجيء يوم الانتصار ووضوح الحق من الباطل، فلن تكون التوبة المتأخرة نافعة، كما لم تنفع توبة فرعون عند غرقه، ولن يكون للإيمان في ذلك الوقت أي تأثير.

في هذا السياق، يقول الله في سورة الشعراء في الآيتين 205 و206: «أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ؛ ثم جاءهم ما كانوا يوعدون». وفي سورة السجدة، الآية 29: «قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ». إن المقصود بيوم الفتح كما قال الإمام الصادق (عليه السلام)هو اليوم الذي يُمهد فيه العالم لظهور الإمام القائم (عليه السلام) ويتحقق فيه النصر والفتح.[8]

 

[1]  سورة ابراهیم، الآیة 5

[2]  الخصال، ج۱، ص۱۰۸

[3]  سورة الجاثیة، آیه 14

[4] . سورة هود، الآية 86

[5]  الصدوق، کمال الدین، باب ۳۲، رقم۱۶.

[6]  سورة الشعراء، الآیة 4

[7]  سورة يونس، الآية 20

[8] تأویل الایات الظاهرة، ص۴۳۸

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *