نفوذ إسرائيل في حكومة بهلوي وبداية نضال الإمام الخميني ضد الصهيونية

نفوذ إسرائيل في حكومة بهلوي: بداية نضال الإمام الخميني ضد الصهيونية

كيف أدى نفوذ إسرائيل في حكومة بهلوي واستمراره إلى ثورة الإمام الخميني؟

لقد كان نفوذ إسرائيل في عهد بهلوي بمثابة قطعة أخرى في أحجية كانت تُحاك للإطاحة بإيران؛ إذ كان علماء اليهود على دراية تامة بدور إيران في معركة آخر الزمان، وكانوا يعلمون أنهم كلما أوغلوا في إفساد حكومة إيران وشعبها، اقتربوا أكثر من الانتصار في مخططهم الشرير للسيطرة على العالم.

لقد رأت الصهيونية العالمية في رجال الدين والشعب الإيرانيّ عائقًا أمام تحقيق أهدافها الرامية إلى تأسيس حضارة يهودية في غرب آسيا، فأطلقت مشروع الإطاحة بحكم القاجاريين في إيران وسعت إلى تنصيب حكومة تستطيع بالقوة العسكرية فرض كلمة الاستكبار وتثبيتها. وفيما يتعلق بالأهداف المتشابكة للصهيونية والبهائية وتعاونهما الشامل، فضلاً عن الخلفية اليهودية لمعظم البهائيين، توجد مقالات ووثائق غزيرة لا مجال للإشارة إليها هنا. وعليه، فإنّ الخطوة الأولى في فهم نفوذ إسرائيل في الحكومة البهلوية تكمن في إدراك دور البهائيين في هذه اللعبة من خلال تسهيل وصول حكومة بهلوي إلى السلطة.

بعد مؤامرة اغتيال الأمير الكبير ووفاة ناصر الدين شاه، لم يعد أكبر عائق أمام البهائيين في إيران قائمًا، وقد نالوا في عهد مظفر الدين شاه حرية تحرك واسعة في البلاد. ويُقال إنهم لعبوا دورًا محوريًا في انقلاب عام 1899م والذي خطط له الصهاينة الإنجليز، ويُذكر أن البهائيين هم من قدموا رضا خان كشخصية عسكرية قادرة على تنفيذ أهداف الصهيونية في إيران. وتشير الوثائق التي تم الحصول عليها إلى أن رضا خان نفسه كان بهائيًا. وقد وثق رضا شاه بالبهائيين واستخدمهم في مناصب حكومية. وتمكن البهائيون من التغلغل في العديد من المؤسسات الحكومية وعملوا كمستشارين وموظفين رئيسيين. ولكن إلى أي مدى وصل مسار نفوذ إسرائيل في حكومة بهلوي، التي كان اليهود ينوون استخدامها لاستئصال التشيع في إيران؟ وكيف تحولت هذه الخطة نفسها إلى سلاح ذي حدين انعكس عليهم وأدى إلى الثورة الإسلامية وتأسيس الحكم الإسلامي في إيران؟

 نفوذ إسرائيل في حكومتي بهلوي الأولى والثانية

في خضمّ انقلاب عام 1921م، استغلّ البهائيون الظروف السائدة في البلاد أقصى استغلال، وتأسّس أول محفل روحاني للبهائيين في إيران عام 1922م. وفي العام نفسه، صدرت نشرة “أخبار أمري”، وهي النشرة الخاصة بالبهائيين. في ديسمبر من عام 1925م، وصل رضا خان إلى السلطة، وبعد بضعة أشهر، في مايو من عام 1926م، افتُتحت “حظيرة القدس”، أو ما يُعرف بمركز الاجتماعات الرسمي والإداري للبهائيين في طهران. أما في عام 1934م، تسارعت وتيرة تنظيم تشكيلات البهائية في إيران. وقد ساعد هذا الأمر، بالإضافة إلى انتشار التبشير بالبهائية، على توسيع نفوذهم في الأجهزة الحكومية. في عام 1935م، قام رضا شاه، تحت ذريعة تحديث المرأة، بإجبار النساء على خلع الحجاب للحضور في المجتمع. وقد كانت سياسات خلع الحجاب الخفية تتماشى مع سياسات البهائية، وقدّم البهائيون مساعدات كبيرة لرضا خان في هذا المسعى.

لقد أثارت المساندة الواسعة التي قدمها النظام للبهائية – التي تُعدّ ضربًا من ضروب اليهودية المتأسلمة وجزءًا من مشروع التغلغل الإسرائيلي في حكومة بهلوي – معارضة وانتقادات شديدة من الإمام الخميني والعلماء والشعب. كما أن قانون الإصلاح الزراعي ومشروع قانون مجالس الولايات والمقاطعات، اللذين سعى نظام رضا شاه بهلوي إلى تطبيقهما بجدية، كانا جزءًا من خطة البهائية خلال عشر سنوات. ويُعتبر هذا المشروع القانوني الشرارة الأولى لنضالات الإمام الخميني(قدس سره) ضد نظام بهلوي أو الطائفة التي كانت تحركه من وراء الستار، أي البهائية.

إثر انقلاب الثامن والعشرين من مرداد عام 1332 هجري شمسي (الموافق 19 أغسطس/آب 1953 ميلادي)، والذي لم يدخر فيه البهائيون أي دعم سياسي أو عسكري أو مالي لنظام بهلوي في هذا الشأن، تمكنوا من تعزيز نفوذهم داخل البلاط وتسريع وتيرة تنفيذ المخطط الصهيوني لعشر سنوات بقوة أكبر. ويجب اعتبار الانقلاب الأمريكي في 19 أغسطس/آب 1953 للميلاد نقطة مفصلية ليس فقط في تطورات إيران، بل وفي منطقة غرب آسيا آنذاك؛ فبعد هذا الانقلاب، أصبحت إيران رسميًا حكومة عميلة للولايات المتحدة الأمريكية، مُلزمة بتطبيق سياساتها في المنطقة.

لم تعد الولايات المتحدة راغبة في تحمّل تكاليف أمن الخليج الفارسي وغرب آسيا بشكل مباشر، بل كانت تعتبر ذلك من مسؤولية إيران. وفي الواقع، عملت كل من إسرائيل وإيران كذراعين للولايات المتحدة في المنطقة، خاصة لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وكانت استراتيجية التقارب بين إيران وإسرائيل رغبة أمريكية؛ إذ كانت إسرائيل آنذاك تحت ضغط دول المنطقة، خاصة الدول العربية، وكانت تنفذ العديد من مخططاتها بواسطة الإيرانيين البهائيين، الذين سبق الحديث عن أصولهم اليهودية. ولتحقيق هذه الأجندة، اعتمد النظام الشاهنشاهي على شبكات بهائية ذات خلفيات يهودية (كما ذُكِر سابقًا) لتنفيذ سياساته، فيما تولَّت “سافاك” — جهاز الأمن الداخلي الإيراني الذي أُسِّسَ عام 1956م — قمع أيّ احتجاجات شعبية ضد الحكم الملكي. وجدير بالذكر أنَّ أغلب عناصر السافاك كانوا من البهائيين، وتلقَّوا تدريباتهم أولًا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ثم من الموساد الإسرائيلي بعد تبني استراتيجيات جديدة.

كانت “جماعة الحجتية” هي التنظيم الديني الوحيد الذي تمتع بحصانة من ملاحقة السافاك، بل إن التاريخ يُسجل تعاونها الوثيق مع الأجهزة الأمنية في اعتقال الناشطين المعارضين. أما طائفة البهائية، كما سبق ذكره، فقد فشلت في اكتساب قاعدة شعبية في إيران، إذ كان الجمهور على دراية بجذورها اليهودية ومبادئها الجوفاء.

ولكن لتحقيق هدف آخر — وهو صرف الجمهور، وخاصة الشباب، عن علماء الدين والحراك المناهض للاستكبار — كانت هناك حاجة إلى خطة بديلة، وهنا برز دور “جماعة الحجتية” والتي تزعمت مقاومة البهائية بينما نادت بحب الإمام المهدي(عج)، لكنها في المقابل لم تبذل أدنى جهد لإزالة العقبات أمام ظهوره أو تقويض حكم المستكبرين. بل على العكس، عارضت بأشكال مختلفة أي مسعى لتأسيس حكومة إسلامية، مما جعلها في تناقض صارخ مع شعاراتها.

مطلع نضال الإمام الخميني ضد الصهيونية والاستعمار العالمي بصد التدخل الإسرائيلي في إيران

شكَّل تصويت نظام الشاه على قانون “مجالس الأقاليم والولايات” في أكتوبر/تشرين الأول 1962م منعطفاً حاسماً في المواجهة العلنية للإمام الخميني(قدس سره) ضدّ الحكم البهلوي. فقد أزال هذا القانون الشروط الشرعية لتولي المناصب الإدارية في المحافظات والمدن، مثل اشتراط الإسلام، والحلف بالقرآن، وحتى التمييز بين الرجل والمرأة في الترشيح. وهو ما فتح الباب أمام تنامي نفوذ جماعة “البهائيين” ــ الذين كان الإمام الخميني يرى فيهم واجهةً للاختراق الصهيوني والتغلغل الأمريكي في إيران. لم يتأخر الإمام الخميني في كشف الخطر الكامن وراء هذه اللائحة، فقاد حملةً احتجاجيةً واسعةً، حشد خلالها تأييد المراجع الدينية في قم، الذين أطلقوا سيلاً من البرقيات الاحتجاجية إلى الشاه. كما نجح في تعبئة الرأي العام عبر فضح الدور الخفي للولايات المتحدة وإسرائيل في دعم هذه السياسات، مما حوَّل القضية من خلاف قانوني إلى معركة وطنية ضدّ الاستعمار والتبعية.

شهدت إيران سلسلة من الأحداث المثيرة للاضطراب، بدءًا مما سُمّي “الثورة البيضاء للشاه والشعب” في 6 فبراير 1963، ثم الاستفتاء الشعبيّ في 9 يناير 1964، وصولًا إلى الهجوم الوحشي لقوات الأمن(السافاك) على الجموع المعزّية في مدرسة الفيضية بقم في 22 مارس 1964م. هذه الأحداث زادت من حدّة التوتر في البلاد، لتأتي الخطبة التاريخية للإمام الخميني (قدس سره) في 3 يونيو 1963 في مدرسة الفيضية كاشفةً عن الدّور الخفيِّ لتحرّكات الشاه حيث فضح دور النفوذ الصهيوني في حكومة البهلوي. وجّه الإمام كلامه إلى الشاه محمّد رضا بهلوي داعيًا إياه إلى عدم الانصياع لأجندة المستكبرين، قائلًا: “لا تكن دميةً في مسرح القوى الاستعمارية، ولا تسمح للصهيونية بأن تفرض عليك سياساتها”. لم يكد يمضي وقتٌ طويل حتى قام النظام البهلوي باعتقال الإمام الخميني ونقله إلى طهران حيث سُجن في سجون النظام. هذه المرحلة شكلت منعطفًا حاسمًا في مسيرة الثورة الإسلامية، إذ كشفت زيف ادعاءات النظام وفسحت له المجال لتصاعد الغضب الشعبي الذي مهّد لانتصار الثورة لاحقًا. بعد هذه الحادثة، انطلقت المواجهةُ الصريحة بين الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني(قدس سره) ونظام البهلوي المدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل. كانت تلك مسيرة نضالٍ حافلةٍ بالتحديات والانتصارات، توجت بانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 11 فبراير 1979م (22 بهمن 1357 هـ.ش). لقد أوقفت هذه الثورة مشروع التغلغل الإسرائيلي في دوائر الحكم البهلوي. وأثبتت مرة أخرى أن الله عز وجل يسخر أسلحة قوى الباطل ونقاط قوتهم للقضاء عليهم أنفسهم، ونصرة جبهة الحق.

حقَّقت الثورة الإسلامية الإيرانية انتصارها في سياق تاريخي بالغ الدلالة، حيث كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تحويل إيران إلى “شرطي” تابع لمصالح الغرب في المنطقة. غير أن إرادة الشعب الإيراني حوَّلت هذا المسار جذرياً، لتصبح الثورة نواةً للمقاومة الإسلامية في غرب آسيا، وحصناً منيعاً للتيار الرافض للهيمنة الغربية. واليوم، بعد أكثر من أربعة عقود (1979–2024)، أثبتت التجربة الإيرانية أن مشروع المقاومة ليس خياراً مرحلياً، بل هو مسار استراتيجي تجسَّد في دعم الجبهة المقاومة، وتعزيز التضامن الإسلامي. وقد عبَّر عن هذه الرؤية مؤسس الثورة الإمام الخميني (رحمه الله) بقوله :”ليست ثورتنا محصورةً بحدود إيران، بل هي انطلاقة لنهضة كبرى في العالم الإسلامي بقيادة الإمام المهدي(عجل الله فرجه)، سائلين الله أن يمن على جميع المسلمين والعالم بظهوره وفرجه في عصرنا هذا”[1]

 

[1] . خطبة الإمام الخميني (رحمه الله)، بتاريخ الثاني من شهر فروردين عام 1368 هجريا شمسيا، الموافق للثاني والعشرين من شهر مارس عام 1989 ميلاديا.

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *