هل يؤمن البوذيون بظهور المخلص الموعود؟ من هو المخلص في البوذية؟

 لمحة عامة عن البوذية واستكشاف خصائص المخلص في البوذية

إنّ حياة كلّ دين مبنية على الأمل، وله معتقدات وتوقعات محددة حول الإنسان والعالم بناءً على الرؤى العالمية التي يقدمها. لكنّ النقطة المشتركة بين معظم الأديان سواء کانت الإلهية أو غير الإلهية في العالم هي الإيمان بالمخلص. الإيمان بالمخلص له تاريخ طويل قدمه تاريخ البشرية، وهو أحد أكثر المعتقدات الدينية انتشارًا بين جميع الأديان. في هذه المقالة، نهدف إلى استكشاف وجود المخلص في البوذية وطبيعة هذا الإعتقاد.

البوذية بتاريخها الأسطوري، تمتلك أفكارًا فريدةً حول المخلص ومصير البشرية. فالمخلص البوذي هو ذاك الشخص الذي ينتظر أتباع بوذا ظهوره أو عودته. وتُعدّ البوذية من أكثر الأديان غموضًا في تاريخ البشرية، حيث تحتل المرتبة الرابعة بعد الإسلام والمسيحية والهندوسية من حيث عدد أتباعها في العالم. ترتبط البوذية بالتناسخ ودورة إعادة الميلاد، والمخلص البوذي هو المنقذ الذي سيأتي ويكسر حلقة العذاب والتكرار للعودة، ويُوصل البشر إلى النيرفانا.

H2 تاريخ البوذية ورؤية البوذيین العالمية

تشير الدراسات والبحوث التي أجراها علماء تاريخ الأديان إلى أن بوذا شخصية تاريخية حقيقية وليست أسطورية، لكن لا توجد مصادر موثوقة عن حياته وتعاليمه. اسمه الأصلي هو سيدراته غوتاما أو سيدهاراتا جوتوما حسب لفظ آخر. كان أميرًا عاش في منطقة صغيرة على حدود نيبال اليوم في حوالي القرن الرابع إلى السادس قبل الميلاد. وفي عمره 29، ترك زوجته وطفله الوحيد وخرج من قصر والده لاكتشاف سر الحياة بعد مشاهدة أربعة مناظر: رجل عجوز، ومريض مسکین، وجثة میت، وراهب في قصر والده. أخيرًا، وصل الأمير المغامر إلى التنوير تحت شجرة وأصبح يستحق اسم بوذا. كلمة بوذا تعني “الاستيقاظ والوعي” باللغة السنسكريتية وتطلق على جميع الأشخاص الذين وصلوا إلى التنوير. بينما يعتبره بعض البوذيين اليوم ابن الله، إلا أن التعاليم البوذية القديمة لا تدعي ذلك، بل تعتبر بوذا فردًا لا هو إنسان ولا إله. البوذية هي اليوم الدين الرسمي لدول سريلانكا، وميانمار، وتايلاند، وكمبوديا، ولاوس، وفيتنام، والصين، واليابان، والتبت، ومنغوليا.

تُبنى البوذية على مبدأ التناسخ، حيث يؤمن البوذيون بأن كل إنسان يُولد ليحقق الخلاص من الشهوات والوصول إلى النيرفانا أو الحقيقة الأبدية. وبالتالي، فإنّ الحرية من معاناة إعادة الميلاد أو الحياة من جديد تُشكل أسمى تطلعات البوذي. ويُعدّ المخلص في البوذية هو من سيُتيح للجميع هذه الفرصة عند ظهوره. يؤمن البوذيون بأنّ معاناة إعادة الميلاد والتناسخ ستنتهي عند ظهور المخلص، وأنّ كل إنسان سيُلحق بالنيرفانا بعد الموت.

بنى بوذا دينه على أربع حقائق مركزية، وهي:

1. الحياة مُحاطة بالألم والمعاناة.
2. جذور كل المعاناة تكمن في تعلق الإنسان بالحياة ورغباته.
3. يمكن التخلص من رغبات النفس.
4. بزوال هذه الرغبات ينتهي البؤس والمعاناة.

إلى جانب هذه التعاليم الأربعة، توجد “الطرق الثمانية” التي تُكمل تعاليم بوذا. وقد حثّ بوذا أتباعه على العمل بها، وهي: الفهم الصحيح، والرؤية الصحيحة، والكلام الصحيح، والسلوك الصحيح، المعيشة الصحيحة، السعي الصحيح، التفكير الصحيح، التركيز الصحيح. قبل ظهور المخلص، سينجح شخص بوذي في الخروج من دورة الحياة الجديدة والانضمام إلى النيرفانا من خلال تطبيق هذه التعاليم بشكل صحيح. وبالإضافة إلى هذه الأحكام، هناك أيضًا خمسة قوانين أخلاقية يجب على البوذيين اتباعها: احترام جميع الكائنات الحية والامتناع عن قتلها، والامتناع عن السرقة، والزنا، والكذب، والسكر. تم تدوين هذه التعاليم في ثلاثة أجزاء تحت اسم “تري بيتاكا” أو “سلالات الحكمة” باللغة السنسكريتية.

المذهبان الرئيسيان في البوذية هما:

• هينايانا: وتعني “العربة الصغيرة” أو “الطريق الضيق”.
• ماهايانا: وتعني “العربة الكبيرة” أو “الطريق الواسع”.

وإلى جانب هذين المذهبين الرئيسيين، نشأت مئات الفرق والمذاهب الأصغر في كل بلد. ومن أهم هذه الفرق مذهب فاجرايانا. يختلف المذهبان الرئيسيان للبوذية اختلافًا جوهريًا في فهمهما الفردي والجماعي للدين. فمذهب هينايانا يمكن اعتباره مذهبًا فرديًا يرى أن طريق الوصول إلى الكمال الإنساني هو طريق فردي لا علاقة للفرد فيه بأفراد المجتمع الآخرين، وأنّه يمكنه الوصول إلى الكمال بمفرده. أما في مذهب ماهايانا، فإنّ هدف كل بوذي أصيل، بالإضافة إلى خلاصه ووصوله إلى الكمال، هو توعية وإرشاد أفراد المجتمع.

أهم ما يجمع هذه الفرق هو إيمانها بدورة الحياة وإعادة الميلاد بعد الموت، والطريق للوصول إلى نعمة الاتحاد مع النیرفانا، والتي هي الوسط بين التقشف المفرط وإشباع الرغبات، والتي تتحقق باتباع الأوامر الثمانية.

مفهوم المخلص في البوذية

يمكن دراسة مفهوم المخلص في البوذية من زاويتين: ظهور بوذات المستقبل وظهور المخلص كوسيلة للوصول إلى النيرفانا، وتركز هذه الفكرة على التعاليم الموجودة في بعض الفرق البوذية الناشئة.

إذا اعتبرنا بوذا المستقبل بمثابة المخلص في البوذية، فسيكونون أشخاصًا وصلوا إلى التنوير في أي عصر وسيساعدون الآخرين على الوصول إليه أيضًا. ولكن غير هذا الاعتقاد العام، فإن الإيمان بميترية أو مايتريا بوداسف كمخلص للبوذية منتشر بين العديد من البوذيين. ميترية، أو المخلص في البوذية، تعني “الرحيم” باللغة السنسكريتية. إنه الشخص الذي سيأتي لإنقاذ جميع البشر. في نقوش ورموز البوذيين، يُصور ميترية على أنه  رجل شبه جالس وشبه واقف على وشك النهوض والقيام، ويبدو أن مهمته أو رسالته عالمية. هذا الرمز يذكرنا بالصورة التي يقدمها الإسلام للمخلص القائم. سيأتي ميتريا، أو المخلص في فرقة المهايانا من البوذية، بعد بوذا الشهير، وهو بوذا الخامس، بينما في فرق أخرى، هو بوذا السابع الذي سيأتي في المستقبل.

في “ماهاومسا” ^[1](Mahavamsa) الذي یروي تاریخ سريلانكا، نرى تسلسل الأحداث المرتبطة بظهور ميتريا على النحو التالي: “بعد أن دخل شاكياموني بوذا في النيرفانا العظيمة، بدأ العالم في الانحدار الاجتماعي والكوني. بعد خمسة آلاف عام من بوذا الأخير، تغرب شمس التعاليم البوذية ويقتصر عمر الإنسان على عشر سنوات. في هذا الوقت، تنعكس الدورة: تتحول الحياة، بحيث يصبح متوسط ​​عمر الناس ثمانين ألف عام. مع هذه الأعمار الطويلة والبيئة المناسبة لتعاليم بوذا، سيأتي تشكرا فورتين أو (مرشد). إنّه سيجلب الرفاهية والازدهار للناس ويعزز تعاليم بوذا. عندما يتم إنشاء مثل هذه الجنة، ينزل ميتريا من سماء توشيتا، ويحقق بوذيته الكاملة، ويعلم الدراما (أو الدراما) للعلماء. يخرج مهاكاشيبا، أحد كبار تلاميذ بوذا، من الخلسة التي دخل فيها بعد النيرفانا العظيمة لمعلمه، ليخدم بوذا مرة أخرى ويسمع تعاليم ذلك المستنير.”

يذكر إدوارد كونزه في الكتاب المقدس البوذي عن المخلص في البوذية ما يلي:

“أجاب الرب: “سيترك ميتريا کأفضل البشر، جنة توشيتا بعد ذلك وسيذهب لإعادة ميلاده الأخيرة. بمجرد أن يولد، سيمشي سبع خطوات إلى الأمام، ومن حيث يضع قدميه، ستنبت مجوهرات أو زهور لوتس. سيحوّل عينيه إلى عشر جهات ويقول هذه الكلمات: هذه هي ولادتي الأخيرة. بعد هذه الولادة، لن أعود للولادة مرة أخرى. لن أعود إلى هنا أبدًا، لكنني سأنتصر على النيرفانا تمامًا.”^[2]

ونقرأ في ديكا نيكايا^[3] حول المخلص في البوذية: ” أيها الإخوة! في تلك الحقبة، سيظهر في العالم السامي مايتريا، مستنيرًا تمامًا، مليئًا بالحكمة والخير، سعيدًا، بمعرفة جميع الكائنات، لا مثيل له كمرشد للبشر الذين يسعون إلى الهداية، معلمًا للآلهة والبشر، متعالٍ، بوذا، تمامًا كما أنا الآن. سيعرف هذا العالم بكامله مع عوالم الأرواح، والبراهما، ومارا (الشياطين)^[4]، وعالم النساك والكهنة، والأمراء والناس، تمامًا كما أعرفها وأراها أنا الآن بمفردي.”^[5]

سيأتي المخلص في البوذية، مهما كان اسمه، ومع وصوله ستنتهي إعادة دورة الحياة. لن يُضطر الإنسان بعد ظهوره، إلى تحمل معاناة العديد من الحياة للوصول إلى النيرفانا، وسينضم كل إنسان إلى الحقيقة الأبدية مباشرة بعد الموت. لا يؤمن جميع البوذيين بميتريا كمخلص. يرى البعض أن ظهور ميتريا في النصوص البوذية هو نتيجة لدمج هذه الديانة مع ديانات أخرى، بما في ذلك الديانات الإبراهيمية. هذه نتيجة متحيزة موجودة دائمًا في دراسات تاريخ الأديان، وتنشأ عن نظرة غير فطرية ومادية للإنسان. من الطبيعي أن عقل العلماء الإنسانيين الذين ينكرون أساسًا المصدر المشترك لجميع الأديان وإلهام الأنبياء، لا يمكن أن يستنتج من وجود اشتراك بين الأديان المختلفة سوى الاختلاط والتأثير من بعضها البعض.

المؤكد هو أن حاجة الإنسان إلى الإيمان بالمخلص ورؤية النور التي ستتشكل بظهوره، هي حاجة فطرية وشاملة، ووجودها مثل جميع الاحتياجات الأخرى، يعكس وجود إجابة لها في العالم الخارجي. لذلك، حتى لو لم يكن الإيمان بميتريا أو المخلص الموعود جزءًا من الدين البوذي القديم، فإنه يثبت حقيقة عظيمة، وهي الحاجة الفطرية للإنسان إلى الأمل في المستقبل والإيمان بالمخلص الموعود.

يُظهر الفحص الدقيق لإيمان البوذيين بالمخلص، تشابهات ملحوظة بين المخلص في البوذية والمخلص الموعود للمسلمين. لا يمكن تفسير هذا المستوى من التشابه على أنه مجرد مصادفة أو اختلاط بين الأديان، بل يجب البحث عن مصدره في الروح المضطربة للإنسان، والتي تتطلب الإيمان بالإنسان الكامل وظهوره لبدء رحلة الكمال الإنساني وإظهار قدراته الإنسانیة.

[1] . ماهاومسا تعني “الوقائع العظيمة” بلغة بالي، وهي رسالة تاريخية تروي قصة ملوك سري لانكا البوذيين، وكتبت بلغة بالي.

[2] . The Lord replied, ‘Maitreya, the best of men, will then leave the Tuṣita heavens, and go for his last rebirth. As soon as he is born he will walk seven steps forward, and where he puts down his feet a jewel or a lotus will spring up. He will raise his eyes to the ten directions, and will speak these words: “This is my last birth. There will be no rebirth after this one. Never will I come back here, but, all pure, I shall win Nirvana

[3] . Dīgha Nikāya

[4] . Mara (demon)

[5] . At that period, brethren, there will arise in the world an Exalted One named Maitreya, Fully Awakened, abounding in wisdom and goodness, happy, with knowledge of the worlds, unsurpassed as a guide to mortals willing to be led, a teacher for gods and men, an Exalted One, a Buddha, even as I am now. He, by himself, will thoroughly know and see, as it were face to face, this universe, with Its worlds of the spirits, Its Brahmas and Its Maras, and Its world of recluses and Brahmins, of princes and peoples, even as I now, by myself, thoroughly know and see them دیکا نیکایا، 26