هل يظهر المخلّص الموعود عند اليهود، لإنقاذ اليهود فقط؟

تعدّ اليهودية من الديانات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم المخلّص والخلاص وبنية العالم المستقبلية. ويُعزى ذلك بشكل أساسيّ إلى معتقدات منحرفة لفئة من اليهود تُعرف باسم الصهيونية، والتي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل النظام العالمي الجديد. تُعدّ الممارسات الصهيونية، الرامية إلى تغيير موازين القوى العالمية تمهيدًا لظهور مخلّص اليهود وسيطرة اليهود على العالم، من أهمّ التحركات والفعاليات العالمية التي تستوجب الفهم والتحليل.

يُؤمن الكثير من المسلمين أنّ الصهاينة اليهود هم من طغاة آخر الزمان الذين سيهزمهم الصالحون في معركةٍ حاسمةٍ. كما أكدّ قائد الثورة الإسلامية في ايران، على أنّ “قضيّة فلسطين هي مفتاح سرّ ظهور المهديّ المنتظر(ع)”[1]  وشدّد قبله الإمام الخمينيّ رحمه الله، على أنّ “تحرير فلسطين من الصهاينة هو شرطٌ أساسيّ لظهور المهديّ المنتظر(ع)”[2].

يهدف هذا المقال إلى استكشاف مفهوم المخلّص في اليهود من منظور الفكر الصهيونيّ، مع تحليل معتقدات اليهود حول محور المخلّص وآخر الزمان.

الرؤية الكونية والتاريخ اليهودي

تُعدّ اليهودية إحدى الديانات الإبراهيمية وتُصنّف اليوم كسابع أكبر دينٍ من حيث عدد السكان في العالم وينتشر معتنقوها بشكلٍ رئيسي في الأراضي المحتلة والولايات المتحدة الأمريكية. على عكس الديانات الإبراهيمية الأخرى، تُعدّ عملية التحول إلى اليهودية(بالعبرية: גיור جيور‏)، أو “اعتناق اليهودية” كما يُطلق عليها، أمرًا شديد الصعوبة، بل يُعتبر أمرا مستحيلًا تقريبًا وفقًا للمعتقدات اليهود وهذا ما يميّز اليهودية عن بقية الأديان، ممّا يجعلها من أكثر الديانات انفصالا في العالم. يُعزى سبب صعوبة الدخول إلى اليهودية إلى اعتقاد اليهود بأنّهم شعبٌ وقومٌ متميزون عن باقي الشعوب، وأنّ تفوقهم ناتج عن “دمهم اليهودي”. وبناءً على هذا الاعتقاد، حتّى لو اتّبع الفرد جميع الخطوات اللازمة للدخول إلى اليهودية وفقًا لقواعد “التلمود” (الكتاب المقدّس عند اليهود)، فإنّ قبوله كيهوديٍّ يظلّ موضع شكٍّ وتردّدٍ.

يُعدّ موسى بن عمران(عليه السلام) نبيّ اليهود، وهو أحد الأنبياء الخمسة أولي العزم الذين أوحى الله إليهم بكتبٍ وشرائع ويُعرف في الإسلام باسم “كليم الله”. واجه موسى(عليه السلام) صعوباتٍ جمة خلال نبوته بين اليهود، وقد ورد ذكر هذه المشكلات والمضايقات التي تعرّض لها من قِبلهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم. بشكلٍ عام، يُخصص القرآن الكريم أكبر قدرٍ من الاهتمام لليهود من بين جميع الديانات السماوية وتتناول بعض هذه الإشارات تاريخ هذا الدين، بينما يتناول البعض الآخر المضايقات وخصائص يهود الحجاز. يُعدّ تحريف كتاب الله من أهمّ التهم التي يُوجّهها القرآن إلى علماء اليهود ويُمكن ملاحظة آثار هذا التحريف والتفسير العُرفيّ في “التلمود”. يُعدّ التلمود كتابًا مقدّسًا لليهود، وهو عبارة عن تفاسير دينية لعلماء وخاخامات اليهود، استندوا فيها إلى تعاليم موسى(عليه السلام).كما يُعتبر التلمود بمثابة أحكامٍ شفاهيةٍ لدين اليهود، ويلتزم به ويُؤمن به العديد من اليهود. لا يقتصر تاريخ تحريف وتغيير الأحكام الدينية لدى اليهود على تحريف التوراة فقط، بل إنّ هذا الأمر له نطاقٌ أوسع بكثير.

الصهيونية اليهودية

تُعدّ الصهيونية أيديولوجية سياسية قومية تسعى إلى عودة اليهود إلى أرض الميعاد وتنبثق من اعتقاداتٍ عنصريةٍ متطرفةٍ تُؤمن بوجود تفوقٍ عرقيٍّ لليهود على باقي الشعوب. يعتبر اليهود أنفسهم “الشعب المُختار” من قبل الله، وأنّهم “وارثون شرعيون” للأرض. تُنكر بعض النحل المتطرفة من الصهيونية إنسانية غير اليهود، وتُعتبرهم حيواناتٍ إنسانيةً في خدمة اليهود. تُستخدم هذه الاعتقادات العنصرية في الصهيونية لتبرير كافة جرائم الاحتلال الصهيوني.

كان تيودور هرتسل، باعتباره مؤسس الفكر الصهيوني السياسي، أول من طرح نظرية العودة إلى أرض الميعاد وتشكيل الأرض المقدسة. ولكنّ المعتقدات الصهيونية التي وضعها هرتسل كان لها جذور وركائز بين اليهود، ممّا سهّل قبول هذه الفكرة من قبل العديد منهم. إنّ أكبر أملٍ للصهاينة هو إعادة تأسيس الدولة اليهودية وإحياء مملكة داود وسليمان(عليهما السلام). وتقوم جميع مناسباتهم السياسية والاجتماعية على هذا الأمل، ممّا يجعل جميع أنشطة الصهاينة أنشطةً تهدف إلى ظهور المخلّص اليهودي؛ لأنّهم يعتقدون أنّ بعد ظهور المخلّص اليهودي ستعود إليهم عظمة الماضي وسيكونون حكام الأرض. ولكن إلى أيّ حدٍّ يتطابق المخلّص اليهودي الذي ورد ذكره في العهد القديم مع المخلّص اليهودي الصهيوني؟

من هو المخلِّص عند اليهود؟ وما هي خصائصه؟

على الرغم من أنّ لليهود الصهاينة مفهومًا دينيًا داخليًا للمخلّص اليهودي، والذي يعتقدون أنّه سيظهر فقط لنفع العرق اليهودي وإعادة المملكة الموعودة إلى اليهود، إلّا أنّ خصائص المخلّص اليهودي في العهد القديم تُشير إلى عكس ذلك تمامًا. فقد وردت في العهد القديم العديد من النبوءات عن المخلّص في آخر الزمان، والتي تنبئ بظهور المخلّص اليهودي في جميع أنحاء المزامير، يليها انتصار الصالحين وتشكيل حكومة عالمية موحدة. ويعرف اليهود هذا المخلّص باسم المسيح أو المشيح أو المسيا(بالعبرية: המשיח). وبما أنّهم لم يؤمنوا برسول الله عيسى عليه السلام، فمن الطبيعي أنّ المخلّص الذي ينتظرونه لم يظهر بعد.

“يُعطي الرّبّ قوّة لشعبه المختار، ويُبارك شعبه بالصحة والسلام.”[3]

“سوف يهلك الفجار وأمّا الذين يرجون لقاء ربّهم فيرثون الأرض. إنّ الأشرار لن يمكثوا طويلاً، فسوف يظلّون لفترة ثم يختفون عن الأنظار. أما المتواضعون فسيحوزون الأرض وسيعيشون في سلام وأمان” .[4]

“فإن الله يحبّ العدل ولا يترك أولياءه، بل يرعاهم دائماً. أما نسل الأشرار فسيُقرضون. إنّ الصالحون سيرثون الأرض ويسكنون فيها إلى الأبد.”[5]

“في عهد حكومته، سينجح الصالحون ويسود السلام والعدل طالما بقي القمر”.[6]

“لن يُنزع عصا السيادة من يهودا، ولن يُنزع قضيب الحكم من نسله، حتى يأتي شيلوه الذي سيطيعه جميع الأمم”.[7]

“ستكون سعادته الكاملة في طاعة الله. لن يحكم على أساس ما يراه أو يسمعه، بل سيدافع عن حقوق الفقراء والمظلومين. سيضرب الأرض بعصا فمه ويهلك الأشرار بنَفَس شفتيه. سيضع العدالة كحزام على خصره والحقيقة كوشاح على وسطه. في ذلك الوقت سيرقد الذئب مع الحمل، وسيستلقي النمر مع الجدي…”[8]

نجد بشكل عام، في العهد القديم آيات تدور حول المخلص في اليهود، ويمكن تطبيق هذه الآيات على ثلاثة مخلصين مختلفين: المسيح(عليه السلام) والنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف):

«سأرسل لهم نبياً من بين إخوتهم مثلك، وأضع كلماتي في فمه، فيقول لهم كل ما آمره به. كل من لا يسمع كلماتي التي سينطق بها باسمي، فسأحاسبه.»[9]

“و قال إبراهيم لله: يا ليت إسماعيل يعيش أمامك…؛ وقد سمعتُ دعائك لإسماعيل، ها أنا أباركه وأجعله مثمراً جداً، وسيولد اثني عشر رئيساً، وسأجعله أمة عظيمة.”[10]

“هو قائم وسيظهر في وقت الضيق.”[11]

ولكن، لم يقبل اليهود بنبوءة عيسى(عليه السلام) ومحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ونتيجة لذلك لا يزالون ينتظرون ظهور المسيح أو الماشيح المنتظر ويسعون جاهدين لتوفير الظروف لظهوره.

[1]. خطاب السيد القائد الخامنئي في افتتاح المؤتمر الدولي الثالث للقدس؛ 14 أبريل 2006م.

[2] . خطاب الامام الخميني إلى قادة وطاقم البحرية الإيرانية في التاريخ: 10 يونيو 1982.

[3] . The LORD gives His people strength; the LORD blesses His people with peace. Psalm 29:11

[4] . For those who are evil will be destroyed, but those who hope in the LORD will inherit the land. A little while, and the wicked will be no more; though you look for them, they will not be found. But the meek will inherit the land and enjoy peace and prosperity. Psalms 37:9-11

[5] . For the LORD loves justice, and does not forsake His saints; They are preserved forever, But the descendants of the wicked shall be cut off. The righteous will inherit the land and dwell in it forever. Psalm 37:28-29

[6] . May the righteous flourish in his days and prosperity abound, until the moon is no more Psalm 72:7

[7] . The scepter will not depart from Judah, nor the staff from between his feet, until Shiloh comesand the allegiance of the nations is his. Genesis 49:10 (NIV)

[8] . And He will delight in the fear of the LORD. He will not judge by what His eyes see, and He will not decide by what His ears hear, but with righteousness He will judge the poor, and with equity He will decide for the lowly of the earth. He will strike the earth with the rod of His mouth and slay the wicked with the breath of His lips. Righteousness will be the belt around His hips, and faithfulness the sash around His waist. The wolf will live with the lamb, and the leopard will lie down with the goat… Isaiah 11:3-6

[9] . سفر التثنية من العهد القديم

[10] . سفر التكوين، الصحاح 17-20

[11] . دانيال، 1:12