دراسة تاريخ الشعب اليهودي وشرح كيفية مواجهتهم للأحداث التاريخية
أهم نقطة في دراسة تاريخ الشعب اليهودي هي أن معظم المصادر التي تناولت تاريخهم في العصور المختلفة هي مصادر تنتمي إلى اليهود أنفسهم، كتبها مؤلفون ومؤرخون منهم. من المدهش أنه نادراً ما يمكننا العثور على معلومات دقيقة وصحيحة حول تاريخ اليهود في مصادر موثوقة من ديانات وأمم أخرى. لا توجد في الواقع مصادر غير مصادرهم الخاصة للبحث والدراسة في الدائرة الخارجية.
من أبرز المؤلفات التي تسلط الضوء على هذه القضية هو الكتاب المناهض لإسرائيل بعنوان “اختراع الشعب اليهودي” للمؤلف الإسرائيلي شلومو ساند، أستاذ في جامعة تل أبيب. هذا الكتاب يقدم منظورًا مختلفًا حول تاريخ اليهود ويثير تساؤلات مهمة. ما ينبغي تأكيده هنا هو أننا لا نسعى إلى نفي أو تكذيب كل ما كُتب عن تاريخ الشعب اليهودي، ولكن هناك جزءًا كبيرًا من الروايات التي تصورهم كأمة مظلومة، مضطهدة، ومشردة في التاريخ، يحمل الكثير من علامات الاستفهام. السبب في ذلك أن المصادر اليهودية كثيرًا ما اعتمدت على التهويل والمبالغة بهدف استدرار التعاطف، دون تقديم تفاصيل دقيقة للأحداث. على سبيل المثال، عندما قام الرومان بقمع الشعب اليهودي بعد تمردهم، وقاموا بقتل البعض ونفي البعض الآخر، لا نجد في المصادر اليهودية توضيحًا للأسباب الحقيقية أو الأعداد الدقيقة للضحايا. بدلًا من ذلك، تُروى الأحداث في سياق يُبرز معاناتهم دون ذكر الأسباب التي قد تتعلق بتجاوزاتهم أو عصيانهم.
في المقالات السابقة، تناولنا تاريخ الشعب اليهودي حتى فترة حكم الفرس عليهم. والآن، جاء الدور لاستعراض حقبة دخول اليونانيين إلى الأراضي المقدسة وحكمهم لليهود.
حكم اليونانيين على اليهود
نجد في استعراض تاريخ بني إسرائيل، أنه بعد حكم البابليين والفرس، خضع اليهود لسيطرة اليونانيين. لم يتدخل اليونانيون في عقائد اليهود وديانتهم في البداية، لكنهم أدخلوا ثقافتهم وحضارتهم الغنية إلى فلسطين، مما أثر بشكل كبير على المجتمع اليهودي. بلغت هذه التأثيرات حدًّا جعل اليهود يطلقون أسماء يونانية على أبنائهم[1]، رغم أنهم كانوا معروفين تاريخيًا برفضهم للاختلاط الثقافي أو الاجتماعي مع الشعوب الأخرى.
بدأ أسلوب حياة اليهود يتغير تدريجياً ليشابه أسلوب الحياة اليونانية، حتى وصل الأمر إلى حدوث زيجات بين الطرفين.[2] هذا التغير أثار غضب رجال الدين اليهود المتشددين وأتباعهم، الذين رأوا في هذه التحولات تهديدًا لعقيدتهم وهويتهم.[3] تميزت الثقافة اليونانية بالفنون، الرقص، الغناء، والانفتاح الذي يصل إلى حدود الجرأة، مما أدى إلى تسلل هذه الثقافة إلى المجتمع اليهودي، بل وحتى إلى أماكنهم المقدسة.[4] على سبيل المثال، قام اليونانيون بوضع رسومات وتماثيل غير لائقة في المعابد اليهودية، وتفاقم الأمر عندما منعوا اليهود من ممارسة عباداتهم في معابدهم، وفرضوا تحويل معبد أورشليم إلى معبد للإله زيوس.
“العصر الهلنستي” هو الاسم الذي أُطلق على الفترة التي شهدت انتشار الثقافة اليونانية في أرجاء واسعة من العالم. وقد جاء هذا الانتشار بعد الفتوحات التي قام بها الإسكندر الأكبر وحملاته العسكرية الواسعة. ولم يكن تاريخ اليهود بمنأى عن هذا التأثير، إلا أن بعض اليهود المتشددين عارضوا هذه الثقافة وتأثيرها. ونتيجة لذلك، ثار اليهود في تلك الفترة ضد النفوذ الهلنستي في أورشليم. وقمع اليونانيون هذه الثورة وزادوا من الضغوط على اليهود وفرضوا عليهم قوانين جديدة تتناقض مع شريعتهم، مثل إلغاء يوم السبت المقدس عند اليهود وحظر إجراء عملية الختان لأطفالهم.
تفاقمت الخلافات، ووقف رجال الدين اليهود، المعروفون بـ “الحسيديم” أو “الأتقياء”، في مواجهة الهلنستيين؛ ومع ذلك، كان هناك اختلاف في الآراء بين اليهود أنفسهم في هذه الفترة. وفي المقابل، كانت هناك شريحة أخرى، خصوصًا من الشباب وبعض كبار السن، قد تأثرت بشدة بالثقافة اليونانية وأُعجبت بها، بل ودافعت عنها بحماس، بينما كان اليهود التقليديون يقاومونها بشدة. أدى هذا الانقسام الداخلي في النهاية إلى اندلاع ثورة جديدة قادها اليهود المتدينون ضد السلوكيين اليونانيين، في سلسلة من الحروب الطويلة التي عُرفت بـ“نهضة المكابيين”[5]. وبشكل غير متوقع، تمكن اليهود من هزيمة اليونانيين، وطردوا جميع رموزهم من المعبد، وأعادوا إحياء تقاليدهم. كانت هذه الفتوحات والانتصارات ذات قيمة كبيرة بالنسبة لهم لدرجة أنهم لا يزالون يحتفلون بها تحت اسم “حانوكا أو حَنُكَّة أو عيد الأنوار(عبرية: חֲנֻכָּה) ” ويحتفلون بها لمدة ثمانية أيام.
على الرغم من أن هذه الأحداث أدت إلى بدء فترة حكم اليهود على فلسطين، إلا أنه خلال العقود العديدة التي استمر فيها هذا الحكم، كانت هناك صراعات شديدة بين مؤيدي الهلنستية ومعارضيها في فلسطين. أدت هذه الخلافات الداخلية إلى حروب بينهم، وسقط فيها الآلاف من القتلى، لكن القوة بقيت بيد اليهود التقليديين والمتدينين. كانت هذه الفترة من حكم اليهود هي أول حكومة دينية لهم في تاريخهم، حيث كانت السلطة بيد حكّامهم الدينيين.
حكم الرومان على اليهود
في سياق دراسة تاريخ شعب اليهود، نرى أن العالم في هذه الفترة شهد صعود واحدة من أهم وأقوى الإمبراطوريات في التاريخ، وهي الإمبراطورية الرومانية. تمكن الرومان من هزيمة اليونانيين والوصول إلى أبواب الشرق الأوسط، وفتح العديد من الأراضي بما في ذلك فلسطين. بعد احتلال الأراضي اليهودية، حكم الرومان مباشرة على اليهود لفترة تقارب القرنين، وفي بعض الأحيان كانوا يختارون شخصاً من اليهود ليحكم تحت إشرافهم. خلال هذه القرون، استمرت الطقوس والممارسات اليهودية دون تدخل من الرومان. ومع ذلك، نلاحظ في معظم فترات التاريخ أن اليهود لم يكونوا عادةً خاضعين جيدين ولم يقدروا الجميل. كلما أبدت حكومة ما لطفاً تجاههم ومنحتهم حرية في ممارسة دينهم وإدارة شؤونهم، ازدادوا وقاحة وتمردوا عليها معلنين استقلالهم. تكررت هذه القصة في علاقتهم مع الرومان، ومع مرور الوقت، تعززت لديهم مشاعر الاستقلال ورغبتهم في تحويل أورشليم إلى الأرض الموعودة.
حرب اليهود مع الرومان
كان اليهود ينتظرون فرصة للتمرد ضد الرومان، وجاءت هذه الفرصة عندما قرر حاكم أورشليم فرض ضرائب على المعابد والكهنة الأثرياء. أثار أولئك الذين رفضوا الامتثال لهذا الأمر مشاعر وتعصب الناس الديني، وأصبحت أورشليم، التي تم إعادة بنائها في هذين القرنين ولديها أسوار قوية، مكاناً مناسباً لتمرد اليهود. انتظر الرومان عدة أشهر خلف أبواب المدينة المغلقة. وبعد غضبهم من تصرفات اليهود، انتقموا بشدة من المتمردين. في هذه الفترة، خرب الرومان هیکل سليمان للمرة الثانية في تاريخ الشعب اليهودي. بعد هدم الهیکل، لم يتبق سوى جدار واحد يُعرف بحائط البراق، وقُتل العديد من الناس وأُسر آخرون. بعد هذه الأحداث، أعاد الرومان بناء أورشليم على طريقتهم، ووضعوا آلهتهم المقدسة في المعابد، وحتى غيروا اسم المدينة إلى ” إيليا كابيتولينا (باللاتينية : Aelia Capitolina) “. من المثير للاهتمام أن الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام المتعلقة بأحداث آخر الزمان تشير إلى أن هذه الأحداث ستقع في أيلية، وأن الإيرانيين سيصلون إلى إيليا.[6]
على الرغم من أن الحادثة كانت نتيجة لوقاحة وتمرد اليهود ضد حكامهم، إلا أن عواقب هذه الهزيمة كانت ثقيلة عليهم. كانوا حزينين على مقتل أقرانهم، وقد أثار تدمير المعبد غضبهم، خاصة وأن المعابد الرومانية كانت تُبنى أمام أعينهم على أنقاض معبد سليمان، ولم يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، لأنهم كانوا يعتبرون متمردين خطرين على الإمبراطورية الرومانية. هذه الأمور جعلتهم كالنار تحت الرماد، والتي اشتعلت مرة أخرى بعد بضع سنوات لتؤدي إلى حرب مصيرية.
تُعرف آخر حرب من ثلاث حروب خاضها اليهود ضد الرومان بـ “ثورة باركوخبا”. في هذه الحرب شنّ الرومان هجمة وحشية ضد الشعب اليهودي، وقد زعم اليهود أن ثمانية من أعضاء المجلس الرئيسي لليهود واثنين من الحاخامات قد قُتلوا في هذه الحرب، وسُجلت أسماء هؤلاء العشرة كشهداء مقدسين في تاريخ الشعب اليهودي. هناك إحصائيات غريبة وأحياناً مضحكة في مصادر اليهود حول عدد القتلى والمُهجرين والأسرى، والتي لن نتناولها لأسباب عدة؛ لأن مثل هذه المبالغات والمزاعم التاريخية قد تكررت من قبل الصهاينة، وهي مستمرة حتى الآن، بهدف تبرير جرائمهم في فلسطين وإضفاء الشرعية على احتلالهم. من جهة أخرى، لم تسجل أي مصادر أخرى هذه الأحداث، بل يُستند إلى مصادر يهودية، ولا نجد تأكيدات لها.
قام الرومان بتغيير اسم أرض اليهود إلى “فلسطين”، وأخذوا هذا الاسم من قوم “الفلسطينيين” الذين كانوا أول سكان أورشليم. مع تدمير أورشليم، تحولت اليهودية من دين جاد واجتماعي إلى دين ثانوي وغير رسمي؛ فلم يعد هناك معبد عظيم، بل كان هناك عدد محدود من الناس فقط يجتمعون في الكنائس للعبادة. عندها، بدأت فكرة العودة إلى أورشليم تراود معظم اليهود.
من المثير للاهتمام أن اليهود يعتقدون أن أول تدمير لمعبد سليمان في تاريخهم حدث في عام 586 قبل الميلاد، وأن التدمير الثاني وقع في عام 70 بعد الميلاد، وأن اليوم الذي شهد هزيمتهم النهائية أمام الرومان والتدمير الكامل لموقع المعبد كان في عام 133 ميلادي، وقد حدثت جميع هذه الأحداث في اليوم التاسع من شهر “أف” العبري. هذا اليوم، الذي يحمل في طياته ذكريات الدمار والخراب، يعتبر بالنسبة لهم الأتعس في تاريخهم، فيحيونه بطقوس مليئة بالحزن والأسى، ويصومون فيه، ويمتنعون عن استخدام العطور، ولا يستحمّون، ويجلسون في حالة حداد عميق على أورشليم، مستذكرين ماضيهم المأساوي.
عوامل بقاء اليهود من خلال الحرب مع الرومان
عند دراسة أي جزء من تاريخ الشعب اليهودي، نجد أنهم تمكنوا دائماً من الحفاظ على موقفهم في كل مجتمع، بغض النظر عن الأفكار والمعتقدات السائدة آنذاك أو مقدار الضغوط التي تعرضوا لها، ورغم تدمير أورشليم ومعبدهم، وعدم السماح لهم بممارسة دينهم كما كانوا يفعلون سابقاً. وهنا يطرح السؤال: كيف استطاع هذا الدين البقاء في ظل هذه الظروف؟ في ذروة الحرب الأولى بين اليهود والرومان، وعندما كانت أورشليم محاصرة، استسلم أحد القادة اليهود، وهو “يوحنا بن زكاي”، للرومان ودخل في صفقة مهمة مع قائد الجيش الروماني. طلب في مقابل استسلامه وتراجعه عن الرومان أن يمنحوه إذنًا لإنشاء مكتب لليهود خارج أورشليم. في تلك الفترة من تاريخهم، نظر اليهود إلى “بن زكاي” بشكل سلبي واتهموه بالخيانة، بينما كانت المدرسة التي أسسها لتعليم اليهودية هي الأساس لمدارس “يشيفا” اليهودية، وقد أُسست مدارس أخرى في أماكن مختلفة. لا نبالغ إذا قلنا إن أحدًا لم يخدم اليهود كما فعل بن زكاي، حيث عمل بهدوء وبعيدًا عن الأضواء، وقام بتدريب رجال الدين الصهاينة وأعاد بناء الصهيونية بعد دمارها بالكامل.
أوضاع اليهود بعد اعتناق الرومان المسيحية
بعد سنوات من ميلاد السيد المسيح، اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين الديانة المسيحية، مما أحدث تحولًا جذريًا في أوروبا. ومع تنامي شعبية قسطنطين وانتشار المسيحية، تفاقمت معاناة اليهود، إذ أن المسيحيون اعتبروا أن اليهود مسؤولون عن صلب المسيح، وأصبحوا يرونهم “قتلة المسيح” الذين يستحقون العقاب. تصاعدت الضغوط حتى أعلن القادة الرومان أن على اليهود أن يعتنقوا المسيحية ويتوبوا.
تدهورت صورة اليهود في الدول الأوروبية التي كانوا يعيشون فيها سابقًا، خاصة مع تفشي الحماسة المسيحية. وفي وقت مبكر، عندما هزم الرومان اليهود في أورشليم، أقاموا مكان هيكلهم معبدًا للإله جوبيتر. ومع تحول قسطنطين إلى المسيحية، أُرسلت بعثة إلى أورشليم للبحث عن قبر المسيح. وبعد جهود طويلة، تم اكتشافه تحت معبد جوبيتر، فتم بناء كنيسة القيامة مكانه، مما زاد من أهمية أورشليم الدينية.
عانت الطائفة اليهودية من اضطهاد شديد من قبل الكنيسة المسيحية، وذلك منذ هزيمتهم أمام الرومان وحتى الفتوحات الإسلامية بعد عدة قرون، باستثناء فترة قصيرة من الزمن دامت خمسة عشر عامًا عندما كانت القدس تحت سيطرة الفرس. فبعد اندلاع الحرب بين الرومان والملك الفارسي كِسْرى الثاني (590 – 628) (ويعرف باسم خُسرو الثاني أو خِسرو بَرْويز) ، التحق اليهود بالفرس تذكرًا لحكم الأخمينيين الحسن، وتمكنوا من استعادة القدس والسيطرة عليها لمدة خمسة عشر عامًا. إلا أن الرومان عادوا واستعادوا القدس عام 629م، لتعود المدينة إلى أحضان المسيحية مرة أخرى.
تأثير ظهور الإسلام على أوضاع اليهود وتشكيل مثلث الأديان في أورشليم
مع ظهور الإسلام، وفي عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، هُزمت الإمبراطورية البيزنطية الرومانية على يد المسلمين، لتقع القدس تحت حكم الاسلام لما يقارب 500 عام. عُرف عمر بن الخطاب بعلاقته السلمية مع اليهود، لكن الأمور تغيرت لاحقًا عندما استعاد الصليبيون المسيحيون السيطرة على القدس. وخلال الـ150 عامًا التالية، تناوب المسلمون والمسيحيون على حكم المدينة حتى تمكن صلاح الدين الأيوبي من هزيمة الصليبيين واستعادتها نهائيًا لصالح المسلمين.
كان فتح القدس لبداية لانتشار المسلمين في المدينة وتعزيز وجودهم فيها. وقد كانت المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى قبل الكعبة، ويعتقد البعض أن اسمه ورد في القرآن الكريم. ومع ذلك، اختلف المفسرون حول المقصود بالآية المرتبطة به. الجدير بالذكر أن المسجد الأقصى بُني فوق أنقاض هيكل سليمان، ويشكل حائط البراق، المعروف لدى اليهود بـ”حائط المبكى”، جزءًا من جداره الغربي.
في منتصف ساحة المسجد الأقصى، يقع مسجد قبة الصخرة، الذي يتميز بتصميمه الفريد ذو الشكل المثمن بقبته الذهبية التي أصبحت رمزًا للقدس. هذه الصخرة تحمل قدسية خاصة لدى أتباع الديانات الثلاث: الإسلام، اليهودية، والمسيحية. المسلمون يعتقدون أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عرج من هذا المكان إلى السماء، وربط دابته البُراق بجدار البراق.
يعتقد اليهود عبر تاريخهم أن هذا المكان هو نقطة بداية العالم، وأن الأرض بدأت تتشكل من هنا. بالاضافة إلى ذلك، يرون أن أورشليم هي مركز الأرض، وأن معبد سليمان هو مركز أورشليم، وأن هذه الصخرة هي مركز معبد سليمان ومركز العالم. يشير تاريخ اليهود إلى أنهم يعتقدون أن النبي سليمان وضع التابوت المقدس تحت هذه الصخرة. والنزاع الرئيسي بين اليهود والمسلمين يعود إلى رغبة اليهود في التنقيب تحت حائط البراق والمناطق المحيطة به لاستخراج بقايا معبد سليمان. إنهم يريدون بناء معبد سليمان للمرة الثالثة، لكن ما يجعل هذا الأمر غير ممكن عملياً اليوم هو بسبب وجود المسجد الأقصى و قبة الصخرة في موقع معبد سليمان.
من جهة أخرى، يقع أهم مكان مقدس لليهود والمسلمين في الجزء الشرقي من أورشليم، بينما يقع أقدس مكان على وجه الأرض للمسيحيين، وهو قبر المسيح، في الجزء الغربي من المدينة. هناك اعتقاد لدى المسيحيين بأن بني إسرائيل عندما قرروا قتل السيد المسيح عليه السلام، وضعوا الصليب على كتفيه وساروا به في طريق يعرف بـ”طريق الآلام”، حيث واجه معاناة شديدة إلى أن وصل إلى المكان الذي صُلب فيه. هذا الطريق يحمل قدسية كبيرة لدى المسيحيين، حيث يسيرون فيه اليوم ويؤدون طقوسهم الدينية.
يمر هذا الطريق الآن عبر حي المسلمين في مدينة القدس، وينتهي عند أقدس مكان لدى المسيحيين في العالم، وهو كنيسة القيامة التي تضم في سردابها قبر السيد المسيح عليه السلام.
لقد أصبحت هذه المدينة مسرحًا للصراع والتوتر بين أتباع الديانات الثلاث: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، مما ساهم في تعميق العداء بينها. في المقالات القادمة عن تاريخ اليهود، سنتطرق إلى موضوع تحريف المسيحية من قِبل اليهود ونفوذهم داخل الكنيسة الكاثوليكية.
[1] Hengel , M,1947, Judaism and Hellenism: studies in their Encounter in Palestine during the early Hellenistic Period, trans. J. Bowden,2.
[2] مك الوي ميلر، ويليام، “تاريخ الكنيسة القديمة في الإمبراطورية الرومانية وإيران”، علي نخستين، 2003م، طهران، منشورات أساطير، ص 10.
[3] Younge, c, d, 1995, The works of philo: complete and unabridged. Hendrickson Pub, 1993.
[4] الكتاب المقدس، سفر المكابيين الثاني، 1: 58-59 / دورانت، ويل، “تاريخ الحضارة”، طهران، العلمية والثقافية، 2022م، الجزء 2، ص 651.
[5] باغباني، جواد، “نهضة المكابيين”، معرفت الأديان، السنة الأولى، شتاء 1388 هـ، العدد 1.
[6] ترمذي، محمد بن عيسى، “الجامع الصحيح” وهو سنن الترمذي، القاهرة، دار الحديث، 1419 هـ، ج4، ص 531.