نظرة على نبوة موسى عليه السلام وشريعته و تعريف كتابه السماوي

نظرة على نبوة موسى عليه السلام وشريعته و تعريف كتابه السماوي

ما هي شريعة النبي موسى عليه السلام وكيف استفاد منها اليهود؟

النبي موسى عليه السلام هو ثالث أنبياء أولي العزم، وأُرسل خصيصًا إلى بني إسرائيل. كانت شريعته قائمة على التوحيد وعبادة الله الواحد، وعُرفت هذه الشريعة باسم “اليهودية”. هناك آراء متباينة حول عالمية رسالة النبي موسى، حيث يعتقد البعض أنها کانت عالمية موجّهة لجميع الأمم، في حين يرى آخرون أن شريعته وكتابه المقدس كانا مختصين ببني إسرائيل فقط، دون سائر الشعوب.

إن حياة النبي موسى عليه السلام مليئة بالأحداث  التاريخية الكبرى التي كان لها تأثير حاسم في مجرى التاريخ. من أبرز هذه الأحداث تكلمه مع الله عز وجل على جبل الطور دون وسيط . ولهذا السبب لُقب بـ”كليم الله”، وسُمّي أتباعه بـ”الكليمية”. هناك تفسيرات متعددة حول كيفية هذا التكليم وهذا اللقاء الإلهي، الذي أُوكلت إليه فيه مهمة الرسالة، وكُلّف بقيادة بني إسرائيل وإنقاذهم من استبداد فرعون وظلمه. في هذا المقال سنستعرض بشكل مفصل قصة تكليمه لله، شريعته، وكتابه المقدس.

إن كتاب موسى المقدس هو ب”التوراة”، وهو كتاب يؤمن به المسلمون ويعتقدون بصحة نسخته الأصلية غير المُحرّفة. لكن مع مرور الزمن، تعرّضت التوراة للتحريف، مما أدى إلى ابتعادها عن حقيقتها الأصلية. بالإضافة إلى التوراة، يوجد كتاب آخر في الديانة اليهودية يُسمى “التلمود”، والذي يُعدّ تجميعًا للتعاليم الشفهية التي قام علماء اليهود بجمعها على مدار قرون، ويُعتبر بمثابة تفسير شفوي للتوراة.

دراسة مسألة كلام الله مع النبي موسى

على الرغم من أن الله تكلم مباشرة مع النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم في المعراج، إلا أن صفة “كليم الله” هي مختصة بالنبي موسى عليه السلام[1]. هناك آراء متعددة حول كيفية كلام الله مع موسى، فبعضهم يعتقد أنه بما أن الله لم يشرح طريقة كلامه مع موسى عليه السلام، فيجب أن نسكت عن طبيعة هذا الكلام[2]. ومع ذلك، فإن أغلب من يؤمن بشريعة موسى عليه السلام، ومعظم العلماء المسلمين، يرون أن هذا الحديث كان مباشرًا ودون وساطة الملائكة[3]. في هذا النوع من الحديث، يُنقل الكلام إلى المخاطب من دون أن يُرى المتكلم، لأن هناك حجابًا يمنع من رؤية المتكلم.[4]

يری بعض علماء الشيعة أن الله سبحانه وتعالى تكلم مع موسى عليه السلام من خلال خلق موجات صوتية في الفضاء والأجسام[5]. بينما يرى آخرون أن الله خلق الصوت والكلام في جسم معين ليصل مقصده إلى موسى[6]. وقد نقل بعض المفسرين أن الله خلق الصوت والكلام وسَمِعَهما موسى عليه السلام.[7]

إذن، ما هو ثابت ومؤكد أن كلام الله مع موسى عليه السلام كان دون استخدام الأعضاء المادية مثل اللسان والفم، وكان يختلف تمامًا عن كلام المخلوقات.

كلامه مع الله في جبل الطور

شرحنا في مقال “موسى عليه السلام في القرآن” حوادث ما قبل ولادته عليه السلام وحتى وقت رسالته. وذكرنا أنه بعد أن قضى النبي موسى حوالي عشر سنوات مع النبي شعيب في مدينة مدين، قرر مغادرتها لزيارة عائلته. كانت زوجته الحامل برفقته في هذه الرحلة الصعبة والمليئة بالتحديات. ولزيادة الأمان، كان النبي موسى عليه السلام يسلك الطرق غير المعبدة، مما أدى إلى ضياعهما في الطريق، وواجها عاصفة شديدة وبردًا قارسًا في الطريق. كانت زوجته في حالة مخاض، وكانت بحاجة ماسة للحرارة، لكن موسى عليه السلام لم يتمكن من إشعال نار. وفي تلك اللحظة، رأى موسى عليه السلام نارًا على جبل الطور[8]، فذهب بمفرده ليحصل على نار.

عندما اقترب موسى عليه السلام من النار، سمع صوتًا من بين شجرة في الجبل يقول: “يا موسى! إني أنا ربُّ العالمين!” وعندما اقترب أكثر، رأى أن النار تتوهج من غصن أخضر في الشجرة، وكانت النار تتزايد جمالًا وإشراقًا. فمشى موسى عليه السلام نحو الغصن وأخذ فرعًا صغيرًا ليأخذ منه شعلة، ولكن النار كانت تشتعل أكثر كلما اقترب منها. وفجأة جاء النداء قائلاً: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ﴾[9]

ثم سأل الله موسى عليه السلام: “وما تلك بيمينك يا موسى؟”[10] فأجاب موسى: ﴿قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى‏ غَنَمي‏ وَ لِيَ فيها مَآرِبُ أُخْرى﴾[11] فأمره الله أن يلقي عصاه، فطرح موسى عليه السلام فتحولت إلى ثعبان يسعى[12]. فخاف موسى عليه السلام وتراجع، فسمع النداء: “خذها ولا تخف”[13] ثم أمره الله أن يضع يده تحت إبطه ثم يخرجها، فلما أخرجها، كانت يد موسى بيضاء ومتوهجة.[14]

بعد هذه الأحداث، أمر الله موسى أن يذهب إلى فرعون ليخلص بني إسرائيل من شره. طلب موسى من الله أن يجعل أخاه هارون يساعده في مهمته، وزيرًا من أهله ليكون له عونًا في تحمل أعباء الرسالة، فاستجاب الله لطلبه[15]. بعد ذاك لبس موسى نعليه وخرج من الوادي المقدس، وعاد إلى زوجته، وبعد أن استقر حالهما، انطلقا معًا نحو مصر.

شريعة النبي موسى علیه السلام

هناك آراء مختلفة حول ما إذا كانت شريعة النبي موسى علیه السلام مرتبطة بهداية بني إسرائيل فقط أم أنها كانت شريعة عالمية.

الرأي الأول:

يرى البعض أن شريعة النبي موسى علیه السلام كانت مختصة ببني إسرائيل. في دراسة تاريخ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقرأ أن دينه قبل بعثته كان دين حنيف، أي دين النبي إبراهيم عليه السلام، في حين أنه بعد إبراهيم كان هناك نبيان آخران من أولي العزم بدينين مختلفين. ومن هنا يطرح السؤال: لماذا رغم وجود دين النبي موسى وعيسى بعد إبراهيم، بقي دين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دين إبراهيم الحنيف؟ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه: “خمسة أشياء أعطيتني لم يعطها أحد قبلي، كل نبي بعث إلى قومه، أما أنا فقد بعثت إلى الناس كافة[16].” علاوة على ذلك، تشير ظاهر الآيات العديدة في القرآن إلى أن دين موسى لم يكن دينًا عالميًا، مثلما قال الله تعالى في القرآن الکریم: ﴿وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسىَ‏ بِايَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلىَ النُّورِ وَ ذَكِّرْهُم بِأَيَّئمِ الله﴾ [17] حيث كان التوجيه موجهًا إلى بني إسرائيل.

من المحتمل أن النبي موسى علیه السلام كان فقط نبيًا لبني إسرائيل، وأنه إذا دخل في نقاش مع فرعون، فإن ذلك كان بهدف إنقاذ بني إسرائيل من طغيانه[18]. وفي القرآن الكريم، يذكر الله سبحانه وتعالى أن الكتاب السماوي للنبي موسى علیه السلام كان لهداية بني إسرائيل[19]. وفقًا لقواعد اللغة العربية الفنية، حيث أن القرآن الکریم ذكر عبارة “لِبَنِي إِسْرَائِيلَ”، فإن اللام هنا لا تدل على الملكية وإنما على الاختصاص، بمعنى أن نبوة موسى علیه السلام كانت خاصة ببني إسرائيل.

وعندما يذكر الله نعمه على بني إسرائيل في سورة البقرة[20]، فإنه يذكر أيضًا رسالة النبي موسى علیه السلام. وهذا يشير إلى أن حكمة بعثته كانت لهداية بني إسرائيل. وحتى في سياق الحديث عن حكم القصاص في القرآن الکریم، يستخدم تعبير “كَتَبْنَا عَلَی بَنِي إِسْرَائِيلَ”، وهي العبارة نفسها التي توجد في التوراة[21]. فالغالبية العظمى من الخطابات، والنصائح، والأوامر الإلهية التي نزلت على النبي موسى علیه السلام كانت متعلقة ببني إسرائيل، وليس بكافة الناس.

ترى التوراة أيضًا أن شريعة النبي موسى علیه السلام مختصة ببني إسرائيل. جميع الخطابات الواردة في الإصحاحات الخامسة، والثامنة، والعشرون، والحادية والعشرون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون من سفر الخروج في التوراة موجهة إلى بني إسرائيل. وكذلك في الإصحاح الخامس والرابع عشر من سفر التثنية، نرى أن معظم المواضيع تتعلق باليهود وقضاياهم.

الرأي الثاني:

يعتقد العلامة الطباطبائي أن جميع الأنبياء أولي العزم كانت لهم شريعة عالمية. ويرى أن الله سبحانه وتعالى قد بعث موسى إلى فرعون، مع أن فرعون لم يكن من قوم بني إسرائيل، وهو ما يدل على عالمية دعوة النبي موسى علیه السلام.[22] كما يقول العلامة الطباطبائي، إن إيمان السحرة غير الإسرائيليين بموسى كان أيضًا دليلاً على أن رسالته كانت عالمية[23]. ومن الجدير بالذكر أن العديد من العلماء الشيعة يعتقدون بأن جميع أنبياء أولي العزم كانت رسالاتهم شاملة لجميع الناس. وقد ذكر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في عدة أحاديث أن أنبياء أولي العزم بُعثوا إلى الشرق والغرب، وإلى البشر والجن. كل رسول بعث في زمان النبي موسى علیه السلام، وحتى بعثة عيسى عليه السلام، كان تابعًا لشريعة موسى وكتابه المقدس.[24]

إن القضية الأهم حول شريعة النبي موسى علیه السلام ليست شمولها لبني إسرائيل أو لجميع الناس، بل هي تحديد زمان نبوته. وفقًا للمعتقدات الإسلامية، فإن شريعة موسى علیه السلام كانت مرتبطة بزمنه فقط، وإن نفوذها قد انتهى مع بعثة النبي الذي جاء بعده. ولذلك فإن شريعة موسى عليه السلام لم يعد من الممكن اعتبارها سارية بعد بعثة عيسى عليه السلام، ووفقًا للسنة الإلهية، كان من الواجب على أتباع موسى أن يطيعوا عيسى عليه السلام.

الكتاب المقدس لشريعة النبي موسى عليه السلام

الكتاب المقدس للنبي موسى هو التوراة. وقد ذُكر اسم التوراة في القرآن الكريم مرارًا، حيث اعتُبرت الكتاب السماوي للنبي موسى وبني إسرائيل. تُعد التوراة أقدم الكتب بين الديانات الإبراهيمية. وتُعد بعض اللفائف التي تعود إلى ما قبل الميلاد أقدم الآثار المتبقية من التوراة[25]. وهي كلمة عبرية تُقرأ “تورا”، وتعني الشريعة.[26]

يعتقد اليهود أن التوراة نزلت على النبي موسى علیه السلام في جبل سيناء، ويطلقون عليها أحيانًا “ناموس موسى”[27]. وقد تحدث القرآن عن الكتاب المقدس لليهود وشريعة النبي موسى بشكلين مختلفين: فبعض الآيات تشير إلى الألواح التي نزلت على النبي موسى، بينما تشير آيات أخرى إلى التوراة ككتاب[28]. ومن التفاسير اليهودية، يبدو أن “ألواح موسى” تتضمن الوصايا العشر الأخلاقية، بينما تتضمن التوراة المنتشرة مجموعة من الأحكام والآداب.

في الثقافة اليهودية، يُطلق على الكتاب “سِفر”، الذي يعني الكتاب أو الرسالة الكبرى. وتتكون التوراة من خمسة أسفار، تُسمى الأسفار الخمسة، وهي:

  • سفر التكوين: يتناول قصة خلق الإنسان والعالم، وقصة آدم وحواء، ونوح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب وأبنائه، وينتهي بقصة يوسف وموته.
  • سفر الخروج: يتحدث عن عبودية بني إسرائيل في مصر، وولادة النبي موسى علیه السلام ورسالته، وخروج بني إسرائيل من مصر، والتيه في الصحراء، بالإضافة إلى الأحكام المختلفة و”الأحكام العشرة” أو الوصايا العشر.
  • سفر اللاويين: يتناول الأحكام الأخلاقية والشرعية، ويعد بمثابة دليل للكهنة، حيث يذكر آداب العبادة في المعبد، وقوانين الطهارة، وأوقات الأعياد والمناسبات الدينية.
  • سفر العدد: يروي رحلة بني إسرائيل في الصحراء، والأحداث التي وقعت بين مصر والقدس، وفتح أراضي كنعان.
  • سفر التثنية: هذا السفر يعيد تكرار الأحكام والتقارير الواردة في الأسفار السابقة ويُسمى أحيانًا “التوراة المكررة”. كما يقدم هذا السفر يوشع كقائد لبني إسرائيل ويذكر وفاة النبي موسى علیه السلام.

يختلف اليهود والمسلمون في أصل نزول التوراة. رغم أن اليهود والمسيحيين ينسبون التوراة إلى النبي موسى علیه السلام، فإنهم لا يعتقدون أن كلمات التوراة هي وحي إلهي بحد ذاتها، بينما يرى المسلمون أن التوراة الأصلية، غير المحرفة، هي وحي من الله.

يعتقد المسلمون أن التوراة قد تم تحريفها وأن جزءًا مهمًا من محتواها قد تم تغييره على يد بعض الأشخاص، حيث أكد القرآن أن التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف[29]. ومن الأمثلة على التحريفات الجادة في التوراة هو تغيير وصف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبشارة قدومه. يعتقد المسلمون أن التوراة الحالية تحتوي على جزء من التوراة الأصلية لشريعة النبي موسى علیه السلام وجزء آخر من التوراة المحرفة.

ألواح موسى عليه السلام

في شريعة موسى، يُطلق مصطلح “الوصايا العشر” على الآيات التي نزلت على موسى في جبل سيناء، وتشمل أوامر توحيدية واجتماعية هامة. وقد ورد في التوراة أن الله سبحانه وتعالى كتب العهد بالوصايا العشر على ألواح[30]. وعندما توجه موسى مع يوشع حوالي ثلاثة أشهر بعد خروج بني إسرائيل من مصر إلى جبل سيناء، وامضوا هناك أربعين يومًا، نزلت هذه الألواح عليهم[31]. وتُسمى الوصايا العشر بالأوامر التي كتبت على الألواح التي نزلت على موسى علیه السلام.

وقد جاء في التوراة أن الوصايا العشر كُتبت بأصبع الله تعالى على لوحين من الحجر، بينما كتب موسى علیه السلام باقي الأحكام الواردة في التوراة[32].

تعد الوصايا العشر أساسًا للأحكام والتوجيهات الواردة في التوراة، وهي مذكورة بعدة صيغ. المشهور منها هو أن الله سبحانه وتعالى تحدث إلى موسى أصدر له هذه الأوامر، وهي:

  • أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من سجن العبودية.
  • لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى مَعِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ أَيِّ شَيْءٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ فِي الْمَاءِ، لَا تَسْجُدْ لِأَيِّ صَنَمٍ وَلَا تَعْبُدْهُ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ، أُعَاقِبُ ذُنُوبَ الْآبَاءِ فِي أَبْنَائِهِمْ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يَكْرَهُونِي. وأصنَعُ إحسانًا إلَى أُلوفٍ مِنْ مُحِبّيَّ وحافِظي وصايايَ
  • لا تَحلِفْ با‏سْمِ الرّبِّ إلهِكَ باطلا، لأنَّ الرّبَّ لا يُبرِّرُ مَنْ يَحلِفُ با‏سْمِهِ باطِلا‌.
  • اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ وَاجْعَلْهُ مُخَصَّصًا لِله، في ستَّةِ أيّامٍ تعملُ وتُنجِزُ جميعَ أعمالِكَ، واليومُ السَّابِع سَبتٌ للرّبِّ إلهكَ. لا تَقُمْ فيهِ بعمَلٍ ما… لأنَّ الرّبَّ في ستَّةِ أيّامٍ خلَقَ السَّماواتِ والأرضَ والبحرَ وجميعَ ما فيها، وفي اليومِ السَّابعِ ا‏ستراحَ.
  • لا تقتل.
  • لا تزنِ.
  • لا تسرق.
  • لَا تَشْهَدْ عَلَى أَحَدٍ شَهَادَةَ زُورٍ.
  • لَا تَشْتَهِ دَارَ غَيْرِكَ. وَلَا تَشْتَهِ زَوْجَتَهُ وَلَا عَبْدَهُ وَلَا جَارِيَتَهُ وَلَا ثَوْرَهُ وَلَا حِمَارَهُ وَلَا أَيَّ شَيْءٍ مِمَّا لِغَيْرِكَ.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى مضمون هذه الوصايا في بعض آيات القرآن الكريم[33]، كما ذكر الألواح التي نزلت على موسى عليه السلام[34]. أما هناك العديد من الآراء في ما يتعلق بعلاقة التوراة بالألواح. يعتبر البعض محتوى التوراة والألواح متطابقًا، بينما يرى آخرون أنها تتفاوت في محتوياتها. كما توجد آراء مختلفة حول عدد الألواح، حيث يقدرها المفسرون بين لوحين أو سبعة أو تسعة، وعندما ألقاها موسى عليه السلام على الأرض، بقيت واحدة أو اثنتان في يده، بينما استعاد الله البقية[35]. أما عن مادة الألواح، فقد قيل إن الألواح كانت من أنواع مختلفة من الأحجار مثل الزبرجد أو الياقوت الأحمر أو الزمرد أو الحجر القوي. وقد ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن الألواح كانت من سدرة المنتهى في الجنة.[36]

التلمود

في دراسة شريعة النبي موسى عليه السلام، نجد إلى جانب التوراة كتابًا آخر يسمى “التلمود”. التلمود هو عمل موسوعي متعدد الأجزاء جمعه علماء يهود على مر عدة قرون، حيث يعتبر بمثابة موسوعة تحتوي على معلومات شاملة حول الحياة والعادات والمعتقدات والشرائع اليهودية والعالمية. بدأ جمع التلمود وكتابته في القرن الثاني الميلادي واستمر حتى أوائل القرن السادس، ويعرف هذه الفترة بـ“الفترة التلمودية”.

يتألف التلمود من جزئين رئيسيين: المشناه و الجمارا. المشناه هو المتن الأساسي للتلمود، أما الجمارا فهي عمل تكميلي يشرح المشناه ويوسعه. يتناول الجمارا مسائل قانونية ودينية، إضافة إلى موضوعات غير دينية مثل الأدب والقصص. وقد كتبت المشناه في مركزين مستقلين، بابل وفلسطين، وبالتالي نجد نوعين من التلمود: التلمود البابلي والتلمود الأورشليمي.

يُعتبر التلمود ذا أهمية كبيرة لدى اليهود حتى أطلقوا عليه لقب “التوراة الشفوية”. ويعتقد اليهود أن التوراة الشفوية نزلت على موسى عليه السلام بجانب التوراة المكتوبة في جبل سيناء، لكنها كانت محفوظة في الذاكرة، ومرت عبر الأجيال شفويًا. وبالتالي، فإن قيمتها توازي قيمة التوراة المكتوبة.

أساسًا، تهدف المشناه إلى الحفظ والذكر عن ظهر قلب ويتألف محتواها من ستة أقسام رئيسية و 63 بابًا، ويحتوي على 523 فصلًا يتناول كل فصل منه موضوعًا معينًا.

  • سفر الخروج: يتحدث عن عبودية بني إسرائيل في مصر، وولادة النبي موسى ورسالته، وخروج بني إسرائيل من مصر، وتيههم في الصحراء، بالإضافة إلى الأحكام المختلفة و”الأحكام العشرة” أو الوصايا العشر.
  • سفر اللاويين: يتناول الأحكام الأخلاقية والشرعية، ويعد بمثابة دليل للكهنة، حيث يذكر آداب العبادة في المعبد، وقوانين الطهارة، وأوقات الأعياد والمناسبات الدينية.
  • سفر العدد: يروي رحلة بني إسرائيل في الصحراء، والأحداث التي وقعت بين مصر والقدس، وفتح أراضي كنعان.
  • سفر التثنية: هذا السفر يعيد تكرار الأحكام والتقارير الواردة في الأسفار السابقة ويُسمى أحيانًا “التوراة المكررة”. كما يقدم هذا السفر يوشع كقائد لبني إسرائيل ويذكر وفاة النبي موسى.

يختلف اليهود والمسلمون في أصل نزول التوراة. رغم أن اليهود والمسيحيين ينسبون التوراة إلى النبي موسى، فإنهم لا يعتقدون أن كلمات التوراة هي وحي إلهي بحد ذاتها، بينما يرى المسلمون أن التوراة الأصلية، غير المحرفة، هي وحي من الله. ويعتقد المسلمون أن التوراة الحالية تحتوي على جزء من التوراة الأصلية لشريعة النبي موسى عليه السلام، بالإضافة إلى جزء محرّف منها.

الملخص

تناولنا في هذه المقالة شريعة النبي موسى عليه السلام وآراء مختلفة حول ما إذا كانت شريعته خاصة أو عالمية، و تحدثنا عن مكان ووسيلة وصول موسى إلى النبوة ودرسنا حديث الله مع موسى في جبل الطور. ثم تناولنا الكتاب المقدس لشريعة موسى عليه السلام، وأنواعه ومكانته في القرآن الكريم.

إذا كنتم ترغبون في معرفة المزيد عن سيرة حياة موسى عليه السلام، ومعجزاته، وتحدياته مع قوم بني إسرائيل، وقدرة قصته على أن تكون نموذجًا في بناء الحضارات، تابعونا في المقالات القادمة.

 

[1] بروجردي، سيد محمد إبراهيم، تفسير جامع، طهران، صدر، الطبعة السادسة، 1366 ش، ج 2، ص 462/فضل الله، سيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، بيروت، دار الملاك للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1419 هـ، ج 20، ص 202.

[2] مغنية، محمد جواد، تفسير الكاشف، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الأولى، 1424 هـ، ج 2، ص 495

[3] نفسه

[4] فضل الله، سيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، بيروت، دار الملاك للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1419 هـ، ج 20، ص 202

[5] مكارم شيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الأولى، 1374 ش

[6] شيخ الطوسي، محمد بن حسن، الرسائل العشر، قم، مكتب انتشارات الإسلامية، الطبعة الثانية، 1414 هـ، ص 95

[7] حسيني شيرازي، سيد محمد، تبيين القرآن، بيروت، دار العلوم، الطبعة الثانية، 1423 هـ، ص 115

[8] القصص: 29 / طه: 10 و 12 / النمل: 7

[9] طه الآية 12 / انظروا أيضا:  النمل: الآيات 7 إلى 9 / القصص: 29 و 30

[10] طه 17

[11] طه 18

[12] طه 19 و 20 / النمل: 10 / القصص: 31

[13] طه 21

[14] طه 22 إلى 24

[15] طه 29 -30

[16] سبحاني، جعفر، مفاهيم القرآن، قم، مؤسسة الإمام الصادق، 1421 هـ، ج 3، ص 100

[17] إبراهيم: 5

[18] سبحاني، جعفر، مفاهيم القرآن، قم، مؤسسة الإمام الصادق، 1421 هـ، ج 3، ص 78

[19] الإسراء: 2 / السجدة: 23

[20] الآية 53

[21] المائدة: 32

[22] طه: 24

[23] طه: 70

[24] مجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1403 هـ، ج 11، ص 34 / قمي، أبو القاسم، كامل الزيارات، نشر پیام حق، 1377 ش، ص 592

[25] محسنيان راد، مهدي، هنجارها في ثلاثة كتب مقدسة: التوراة، الإنجيل، والقرآن، قم، نشر جامعة الأديان والمذاهب، 1392 ش، ص 20

[26] دائرة المعارف الإسلامية، بيروت، دار المعرفة، بدون تاريخ، ج 6، ص 1

[27] البستاني، بطرس، دائرة المعارف، وهو قاموس عام لكل فن ومطلب، بيروت، دار المعرفة، بدون تاريخ، ج 7، ص 264

[28] طباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، مكتب انتشارات الإسلامية، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم، الطبعة الخامسة، 1417 هـ، ج 3، ص 11

[29] البقرة: 75 و 79 / آل عمران: 78 / النساء: 46 / المائدة: 13 و 41

[30] الكتاب المقدس، سفر الخروج، الباب 34، الآية 28

[31] موسوي سبزواري، سيد عبد الأعلى، مواهب الرحمن في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة أهل البيت، الطبعة الثانية، 1409 هـ

[32] الكتاب المقدس، سفر الخروج، الباب 31، الآية 18

[33] البقرة: 83 و 84 / الأنعام: 151 إلى 153 / الإسراء: 22 إلى 39

[34] الأعراف: 45

[35] تاكيم ومحمدبور، “العشر وصايا والألواح في تفاسير الشيعة والسنة”، مجلة بحوث قرآنية، العدد 65 و 66، صيف 1390 ش

[36] طبرسي، فضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المعرفة، 1408 هـ، ج 4، ص 733

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *