ما هي أهم العوامل في تمهيد الظهور وإزالة معوقاته ؟

ما هو واجب كل واحد منا في تمهيد الظهور للمخلص الموعود؟

ما هو واجب كل واحد منا في تمهيد الظهور للمخلص الموعود؟

ما هي واجبات المنتظرين في زمن غيبة الإمام المهدي(عليه السلام) وما هو الدور الذي يمكن لكل واحد منا أن يلعبه في تمهيد الأرضية لظهور الإمام؟ في المقالات السابقة تحدثنا بالتفصيل عن الدور الرئيسي للثورة الإسلامية الإيرانية في تمهيد ظهور المنجي الموعود(عليه السلام)، وتبيّن لنا أنّ الهدف الأسمى لهذه الثورة هو إرساء حضارةٍ قائمةٍ على التوحيد والقيم الإنسانية والإسلامية. حضارة لا تُعرّف الإنسان كما تفعل الحضارة الغربية، على أنه جماد أو نبات أو حيوان، بل تعتبره كائناً من الله وإلى الله، والذي يكون ضيفاً مؤقتاً على الأرض ومن المقرر له أن ينمو من خلال الامتحانات والابتلاءات في العالم المادي ليصل إلى مقام لا يقدر أيّ مخلوقٍ الوصول إليه، ألا وهو مقام الخلافة الإلهية.

ففي هذه الحضارة، لا يسند زمام الأمور إلى ملوكٍ فاسدين أو قوى جائرةٍ مستبدّةٍ، بل إلى نائبٍ لله تعالى، تجسيدًا للعدل و الحقّ و القيم النبيلة. و بدلاً من أن يُقلّد الناس أبطالًا وهميين وشخصياتٍ فارغةً من المعنى، يُنْسّقون أسلوب حياتهم مع سيرة الإنسان الكامل، مَنْ هو مظهر جميع الكمالات و المثلُ الأعلى للبشرية. إنّ هذه الحضارة هي التي كانت حلم جميع الأنبياء والأولياء الإلهيين(عليهم السلام) عبر التاريخ، والتي بذلَ ملايين البشر الطيبين حياتهم من أجل تحقيقها. هذه الحضارة تنقذ البشرية من جميع أنواع النقص والضعف الفكري والروحي والثقافي والعلمي والاقتصادي وغيرها، وترفعها إلى أعلى مراتب الكمال في جميع المجالات.

تقوم الثورة الإسلامية في إيران بتمهید مثل هذه الحضارة، و سيتحقق هدف هذه الثورة لإقامة هذه الحضارة بلا شك عاجلاً أو آجلاً. هذه هي إرادة الله ولا يمكن لأحد أن يعوق طريق تحقيق إرادته. سواء كنا موجودين أو لا، أو كان لنا دور في إقامة هذه الحضارة والتمهيد للظهور أم لا، فإن سفينة هذه الثورة ستتجه نحو الهدف وسترسو قريبًا في ميناء الدولة الكريمة الآمن والمستقر. في هذا الطريق، سیكون الحرمان والخسارة من نصيب کل من يرفض ركوب هذه السفينة، أو الذين ينزلون منها في منتصف الطريق بسبب الشك أو الغفلة. أثبتت التجربة أن حركة هذه الثورة نحو الهدف هي حركة مستمرة وتقدمية دون توقف، ولا تنتظر أحدًا لتجاوز العقبات. لذلك فإن أي شخص يشك في حقانية هذه الثورة وکل من لم يستطع الوصول إليها في الوقت المناسب، سيخسر لأنه سيفقد فرصة القيام بدور في التمهيد للظهور وسيُحرم من بركاتها العظيمة.

ولكن ما هو واجبنا في هذه المرحلة؟ أين نحن من هذا الأمر؟ هل يمكننا الوصول إلى الإمام (عليه السلام) و أن نكون من منتظريه الحقيقيين، ونحن في نفس الوضع و بنفس ما نملك؟ هل يمكننا أن نُساهم في بناء المستقبل و تهيئة الأرضية لظهوره؟ كيف وبأي شروط؟ في هذا المقال سنتناول إجابات هذه الأسئلة.

 

ضرورة بناء الذات الفردية والاجتماعية لتمهيد الظهور

من أهم المواضيع المؤثرة لتمهيد الظهور هو موضوع بناء الذات. لبناء الذات وتهيئة الاستعدادات الفردية والاجتماعية تأثيرٌ كبيرٌ في إزالة العوائق التي تحول دون الظهور و إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة، إلى الحد الذي يمكن القول إنه لا يمكن بناء حضارة بدون بناء الذات عند افرادها، لأن الحضارة هي نظام اجتماعي، والمجتمع يتكون من الأفراد الواحد تلو الآخر. لذلك، اذا لم يتوافق أفراد المجتمع مع معايير الحضارة الإسلامية الخاصة ويصلوا بخصائصهم الشخصية إلى المستوى المطلوب، لا يمكن إزاحة الحضارات القديمة وغير الفعالة واستبدالها بالحضارة الإسلامية الحدیثة. إن أحد الأسباب الرئيسية لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) لمدة ألف عام هو أن المؤمنين والشيعة لم يهتموا بالتزكية النفسية وبناء المجتمع بالشكل المطلوب ولم يتمكنوا من الوصول إلى خصائص الإنسان والمجتمع المثالي في الحضارة الإسلامية الحدیثة. ولكن، ما المقصود ببناء الذات؟ وما هي خصائص الإنسان والمجتمع المثالي في الحضارة الإسلامية الحدیثة؟

يمكن دراسة بناء الذات في بعدين: الفردي والاجتماعي. في البعد الفردي يبدأ بناء الذات من خلال الحصول على المعرفة. من أهم المعارف التي يحتاجها المنتظر الحقيقي هي معرفة النفس، ومعرفة الله، ومعرفة أهل البيت وخاصة الإمام المهدي (عليهم السلام)، وكذلك معرفة الأعداء وطرق مواجهتهم. بعد الحصول على هذه المعارف، تكون الخطوة التالية هي بناء الذات عمليًا والاستعداد الاجتماعي، بمعنى أن الشخص المنتظر يجب أن يطبق هذه الصفات في نفسه أولاً، ثم يسعى بقدر وسعه إلى ترسيخ هذه الصفات في الآخرين وفي مجتمعه.[1]

المقصود هنا بالاستعداد في البعد الاجتماعي ليس الأفراد والشخصيات الحقيقية، بل المقصود الشخصيات القانونية والإعتبارية مثل قواعد البسيج، مراكز المساجد، الهيئات الدينية، المنظمات الثقافية،والعلمية والتعليمية، والمراكز البحثية والدراسية، والحوزات العلمية، والجامعات، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمسؤولون المدنيون والعسكريون، والمجموعات الأدبية والفنية والصناعية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. هذه المجموعات لها أدوار كمية ونوعية كبيرة في إنشاء الحضارة الإسلامية الحدیثة وبناء مجتمع نموذجي للناس في العالم. هذا ما يُطرح حول واجباتنا تجاه الإمام المهدي (عليه السلام) و إنشاء الحضارة الإسلامية الحدیثة التي تشمل جميع الشخصيات الحقيقية والاعتبارية. لذلك، ما يُقال عن الخدمة أو الخيانة تجاه الأهداف الإلهية والإنسانية، يشمل جميع الشخصيات الحقيقية والاعتبارية. في التعاليم الإسلامية، لا يمكن لأي شخص التنصل من المسؤولية، بل ان جميع الناس مسؤولون في جميع المجالات العاطفية والعقائدية والأخلاقية والفكرية والعملية وكذلك في مجالات ارتباطهم مثل المجالات الأسرية والاجتماعية والوطنية والدولية.

بشكل عام، يمكن القول إن بناء الذات هو الارتباط بهموم ودوافع وأهداف الإمام المهدي (عليه السلام)، والذي یتجلى في البعد الاجتماعي من خلال التعاطف والولاء. التعاطف والولاء في غاية الأهمية، إلى درجة أن الإمام (عليه السلام) في رسالته إلى الشيخ المفيد، و بيّن الإمام (عليه السلام) أنّه إذا توفرت هذه الروح بين أفراد المجتمع، فإنّ ذلك سيُساهم بشكل كبير في إزالة العقبات التي تحول دون ظهوره(عليه السلام) و تعجيله. التعاطف هو أن يجتمع جميع أفراد المجتمع، بمن فيهم الكبار والأساتذة والنخب، بعيدًا عن الأنا والأنانية والاحتكار، ويعتمدوا على الحب والصداقة والأخوة للتخطيط لظهور الإمام، بمعنی ان كل شخص وحسب تخصصه، یحاول التخفیف من العبء الذي یملکه الإمام، و المساهمة في التمهيد للظهور.

الإنسان المنتظر هو إنسان متألم یحترق قلبه لغيبة الإمام، ولا يتحمل يتم وضلال الملايين من البشر في غياب والدهم السماوي. هذا الألم والهم ينشأ من معرفة الشخص بالإمام، وکل من يصل إلى هذا المستوى من المعرفة والوعي، كأنه مع الإمام المهدي (عليه السلام) في خيمة واحدة ولا يوجد بينه وبين الإمام أي بُعد.[2] هذا الشخص، حتى ولو لم يدرك زمن الظهور ومات قبله لأي سبب كان، فإنه یکسب اجر من قاتل في ركاب الإمام واستشهد معه، وسیُكتب ذلك في سجل أعماله. هذا لأنه لعب دورًا في التمهيد للظهور وبالتالي سيكون له نصيب في جميع النتائج الإيجابية الناتجة عن ذلك.

 

ضرورة الدعاء والاستغاثة

أحد أهم العوامل في التمهيد للظهور هو نشر ثقافة الدعاء والاستغاثة في المجتمع. الدعاء من أجل الظهور هو أقل ما يمكن أن يقوم به كل فرد، حتى الشيوخ والمرضى. قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوم بني إسرائيل: إن الله ابتلاهم بعذاب لأربعمائة سنة بسبب تكبرهم. بعد مرور مائتين وثلاثين سنة، وعندما ابتلوا بالشدة والشقاء، اجتمعوا جميعًا ودعوا الله من أجل فرجهم. عند ذلك خفف الله عنهم مائة وسبعين سنة من العذاب وأرسل موسى وهارون لإنقاذهم من ظلم الفراعنة. قال الإمام (عليه السلام) في حديثه: إذا اجتمعتم جميعًا ودعوتم مثل بني إسرائيل، فإن الله سيخفف عنكم ما تبقی من فترة الغيبة وينقذ الجميع. ولكن إذا لم تكونوا من أهل الدعاء، فستحرمون من رحمة الله ویستمر الامر حتى الوقت المحدد.

بالطبع، لا يقتصر الدعاء على الظهور فقط، بل هو ثقافة بحد ذاته. وفقًا للقرآن، یکون الإنسان قائمًا بالدعاء، واذا لم يكن من أهل الدعاء فان الله لن يعتني به.[3] قيمة كل واحد منا في النظام التوحيدي هي أن ندرك أننا في حاجة وفقر دائمين إلى الله، ولا نملك شيء في هذا العالم.[4] الدعاء هو سلاح الأنبياء، وكانوا يدعون حتى لأصغر احتياجاتهم.[5]

العديد من مصائبنا ومشكلاتنا سببها هو أننا لا نستعين ولا نطلب من الله تعالى، بل نعتمد على قدراتنا وإمكاناتنا ونغتر بها. لقد ملأنا وعاء وجودنا بالأنانية وبأنواع الكمالات الجمادية والنباتية والحيوانية، ولم نترك مكانًا لاستقبال ما هو من عند الله. تماما کكأس ممتلئ بالماء، لا يوجد لديه مكان حتی لو تعرض لهطول المطر الغزیر. ان جميع كمالاتنا وهمية، وإذا شاء الله، يمكنه أن يسلبها منا في لحظة. نحن فقراء أمام الله، ولكن الى ندرك ذلك ونعترف بأننا لا نملك شيئًا، سيظل طريق السماء مغلقًا أمامنا ولن تُستجاب دعواتنا. وهکذا يتركنا الله لأنفسنا، مما يجعل حياتنا مليئة بالمصاعب والشقاء.

 

في موضوع الدعاء، یکون التآلف بين الناس مهم جدًا، ويمكن القول إن أحد أهم عوامل استجابة الدعاء هو هذا التآلف والوحدة. يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في هذا الصدد: «… (إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَجْتَمِعُونَ وَ يَتَوَاسَوْنَ وَ هُمْ فَجَرَةٌ فَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ وَ إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَتَفَرَّقُونَ وَ يَقْطَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَيَحْرِمُهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ أَتْقِيَاءُ »[6]. هذا يعني أن الله يساعد العائلة الكافرة التي تتآلف معًا، و يحجب مساعدته عن العائلة المؤمنة التي تعيش في نزاع.  الحفاظ على التآلف ذو أهمية كبيرة، ولذلك يجب علينا أن نحرص على عدم السماح لأي ظرف بأن يُضعف هذا التآلف والوحدة بيننا. لا ينبغي أن تحل الأنانية والمصالح الفردية والحزبية محل التآلف، والانتباه لهذا الأمر ضروري جداً سواء في الدعاء أو في الأعمال الجماعية التي تُنجز بنية التمهيد للظهور.

 

[1] . الثورة الإسلامية ومستقبل العالم، محمد الشجاعي، منشورات المحيي، الطبعة السادسة، ص362.

[2] . الامام الصادق (علیه‌السلام): «فمن عرف امامه کان کمن هو فی فسطاط القائم»؛ الغيبة للنعماني، ص 331، ح 7

[3] . ُقلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ: الفرقان/77

[4] . «لَا اَمْلِكُ لِنَفْسی نَفْعاً وَ لَا ضَرَّاً وَ لَا مَوْتاً وَ لَا حَيَاةً وَ لَا نُشُوراً»

[5] . الكافي، ج2، ص468

[6]الکافی،کتاب الایمان و الکفر،باب قطیعة الرحم، الحدیث ۷

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *