ما هي أسباب العداوة بين إسرائيل وإيران، وإلى أين ستؤدي هذه المواجهة في النهاية؟

ما هي أسباب العداوة بين إسرائيل وإيران، وإلى أين ستؤدي هذه المواجهة في النهاية؟

دراسة أبعاد العداوة بين إسرائيل وإيران وطبيعة هذا العداء في سياق آخر الزمان

ما هي أسباب العلاقات العدائية بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

إلى متى تعود جذور هذه العداوة؟

هل يرتبط عداء إسرائيل لإيران بفترة ما بعد الثورة الإسلامية، أم أن له تاريخًا سابقًا؟

كيف ترى نهاية هذا الصراع، وما هو السيناريو الأكثر ترجيحًا في المستقبل؟

إحدى أكثر العلاقات تعقيدًا وتوترًا على الساحة الدولية هي العلاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني. لا يخفى على أحد عداء إسرائيل لإيران، فكل من يتابع الشأن السياسي يعلم جيدًا أن العلاقات بين طهران وتل أبيب متوترة للغاية، بل إن التوتر يتصاعد باستمرار مع مرور الوقت. بالطبع، هذا العداء متبادل وليس من طرف واحد فقط، ولكن من المهم معرفة الأطراف التي بادرت إلى إشعال فتيل هذا الصراع.

يحاول الكيان الصهيوني و وسائل إعلامه المنتشرة في العالم أجمع، تحميل الثورة الإسلامية تبعات ما يحدث، متظاهرين بأن الشعب الإيراني كان يتمتع بعلاقات طيبة مع سكان اسرائيل قبل الثورة، وأن هذه الأيديولوجيا هي من شابته بالعداء. كما يسعون إلى تصوير الجمهورية الإسلامية بأنها مصدر الفتنة في المنطقة، ويغرسون في أذهان متابعيهم فكرة أن إيران هي راعية للإرهاب، وأن الكثير من عدم الاستقرار في المنطقة يعود إلى دعمها لجبهة المقاومة.

لكن ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ هل حقاً ما كانت العلاقات بين الشعب الإيراني وإسرائيل جيدة في زمن حكم الشاه وما قبله؟ هل إن نار الحرب والقتل في المنطقة ناتجة عن تصرفات إيران؟ ما هو السر الكامن وراء عداء إسرائيل لإيران وخلق عدم الأمان في المنطقة؟

قبل أن نتعمق في الأسباب المعاصرة للعداء المتأجج بين إسرائيل وإيران، لا بد لنا من استكشاف جذور هذا الصراع الذي يعود إلى آلاف السنين. فبعيداً عن الانطباع السائد بأن هذا التوتر نشأ مع الثورة الإسلامية في إيران، فإن الحقيقة تكمن في أن أصوله تاريخية عميقة، وأن الثورة قد لعبت دوراً محورياً في تفاقمها، كما سنرى لاحقاً.

بشكل عام، يمكن دراسة عداء إسرائيل لإيران على أربعة مستويات: الوطني، والإسلامي، والشيعي، والثوري، وسنقوم بشرح كل منها في ما يلي.

عداء إسرائيل للهوية والقومية الإيرانية

لطالما كانت إيران، بحضارتها العريقة وتاريخها العريق، مصدر فخر واعتزاز لشعوب المنطقة والعالم أجمع. هذه الحضارة التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين، والتي شهدت إقامة إمبراطوريات عظمى كالإمبراطورية الأخمينية، التي كانت الأولى من نوعها في التاريخ، قد شكلت هوية فريدة للشعب الإيراني. إن هذه الهوية الحضارية العريقة هي أحد الأسباب الجذرية للعداء الذي يواجهه الإيرانيون من قبل بعض القوى في المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل. فالتاريخ الإيراني حافل بالإنجازات الحضارية والعلمية والفلسفية، والتي جعلت من إيران مركزاً للإشعاع الحضاري والثقافي في العالم القديم. لقد أدرك الفلاسفة والمفكرون الغربيون أهمية الحضارة الإيرانية، فوصف الفيلسوف الفرنسي فولتير الإيرانيين بأنهم أول من آمن بوجود إله واحد، وبالمفاهيم الدينية الأخرى كالجنة والنار. ثم نشر هذه الأفكار في جميع أنحاء العالم، وكان لهم تأثير كبير في تطور الأديان.”[1] كما يصف أفلاطون الفرس بقوله: “الفرس بطبيعتهم أكثر الناس عدلاً واعتدالاً وشجاعة. المعلم الأول يعلمهم تعاليم زرادشت. المعلم الثاني يعلمهم العدالة و حسن السلوك في جميع جوانب الحياة. المعلم الثالث يعلمهم الاعتدال في التغلب على الأنانية والشهوات. والمعلم الرابع يعلمهم الشجاعة والقوة.”[2] وفقًا لجميع المؤرخين، لا توجد أمة في تاريخ البشرية تجمع كل هذه الصفات في آن واحد.

وأما إسرائيل، من حيث الحضارة والخلفية التاريخية، فهي النقيض تمامًا لإيران. فتاريخ تأسيس الدولة الإسرائيلية المزورة لا يتجاوز مئة عام. القوم الذين سُمّوا “بني إسرائيل” في التوراة، كانوا مجرد قبائل صغيرة بلا اسم أو ذكر، ولم يكن لهم أي تميّز تاريخي أو حضاري يُذكر. لولا أن دينهم أصبح أساسًا لدينين عالميين كبيرين، هما المسيحية والإسلام، لربما قلّ اليوم من يلتفت إلى تاريخهم.  لم يحظَ اليهود أبدًا بمكانة مهمة على مستوى العالم، ولم يمتلكوا حضارة أو إمبراطورية عظيمة. حتى في عهدي النبي داود والنبي سليمان (عليهما السلام)، اللذين يُعتبران فترة ازدهار بني إسرائيل، كانت مملكتهم محدودة بمنطقة الشام ولم تتجاوزها.

وكما ذكرنا في مقالات سابقة، فإن السكان في إسرائيل لا يجمعهم أي رابط قومي، بل جاءوا من دول مختلفة عبر موجات من الهجرة. هذه الهوية المفقودة تمثل مصدر إزعاج كبير لقوم يدعون التفوق والاختيار، ويصفون الآخرين بأنهم حيوانات ذات أرجل. لذا، يسعى اليهود دائمًا إلى صناعة تاريخ خاص بهم ليكونوا في دائرة الضوء، ومن خلال إضعاف هوية الآخرين، يسعون لتكوين هويتهم الخاصة. إن وجود إسرائيل يُعرَّف من خلال غياب الآخرين، ولهذا السبب، فإنها دائمًا ما تسعى لإثارة الفتنة.

منذ عدة أعوام، تُطلق سلطات الكيان الصهيوني ووسائل الإعلام التابعة لها رسائل ودية وتضامن مع الشعب الإيراني، وتسعى جاهدة لتصوير الكيان الإسرائيلي المزعوم على أنه صديق للشعب الإيراني. ولكن في الوقت نفسه، يحتفل هؤلاء الذين يظهرون كأصدقاء لإيران كل عام في شهر “آدار” العبري، الذي يتزامن مع شهر فروردين الإيراني، بذكرى مجزرة الإيرانيين التي وقعت نتيجة مؤامرة دبرها يهوديان متسللان هما “أستير” و”مردخاي” في بلاط الملك أحشويروش (خشايارشا).

يعرف هذا الاحتفال باسم “عيد البوريم(المساخر)”، وخلاله يرتكب اليهود المقيمون في إسرائيل أفعالًا وحشية للغاية، بل ويتم تشجيعهم على شرب الخمر حتى يصلوا إلى مرحلة لا يعودون فيها قادرين على التمييز بين “تحيا مردخاي” و”لعن هامان”. هامان هو وزير أحشويروش الذي تم تصويره على أنه شخصية معادية لليهود. هذه الممارسات تكشف التناقض الصارخ بين الرسائل الودية الظاهرية التي يبثها الكيان الصهيوني تجاه إيران، وبين الاحتفالات التي تعكس كراهية تاريخية تجاه الشعب الإيراني وتاريخه.

إن الاحتفال بعيد بوريم يُظهر بوضوح عداء إسرائيل لإيران وعمق كراهية الصهاينة تجاه العرق الإيراني؛ كراهية تاريخية لا يمكن غسلها برسائل التهنئة بعيد النوروز أو التعبيرات الودية. إن مسألة مدى مصداقية حادثة إبادة الإيرانيين هي مسألة ثانوية، فالمسألة الرئيسية هي أن اليهود يحتفلون بنجاحهم في قتل الآلاف من الإيرانيين بوحشية، ويستمرون في الاستمتاع بذكرى هذا الحدث حتى بعد مرور قرون. بالطبع، على المستوى الحضاري والقومي، لا تواجه إسرائيل مشكلة مع الشعب الإيراني فحسب، بل مع جميع الشعوب التي تمتلك تاريخًا طويلًا وتعارض السياسات التوسعية لإسرائيل.

من المهم أن نعرف أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا تُحدد حدودها الجغرافية، لأنها ببساطة لا ترغب في تقييد نفسها ضمن حدود معينة! تسعى إسرائيل في البداية إلى احتلال الأراضي الواقعة بين نهر النيل ونهر الفرات، وبعد أن تحقق هذا النجاح، الذي لن يتحقق بالطبع، تنوي السيطرة على العالم بأسره. من هذه الزاوية، فإن أي دولة يزيد عدد سكانها عن عشرين مليون نسمة تُعتبر تهديدًا جديًا لأهداف إسرائيل؛ ومع ذلك، تظل إيران في موقع خاص أكثر. إيران هي القائد الرئيسي لجبهة المقاومة، وإسرائيل والولايات المتحدة قلقتان من أن تعود إيران إلى المجد والعظمة التي كانت تتمتع بها من حيث المساحة الجغرافية في الماضي، وأن تتحول إلى إمبراطورية كبيرة على مستوى المنطقة. وقد تم التأكيد على هذه المخاوف عدة مرات في تصريحات مسؤولي البلدين.

 عداء إسرائيل لإيران قبل الثورة الإسلامية

قبل أن نستمر في النقاش حول عداء إسرائيل لإيران على المستوى الوطني، لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن ادعاء الكيان الصهيوني بوجود “صداقة فطرية” بين الشعب الإيراني وإسرائيل، وأن حكومة إيران هي المتسببة في توتر العلاقات، هو ادعاء بعيد كل البعد عن الحقيقة. فالشعب الإيراني لم يكن يومًا مرتاحًا للكيان الصهيوني، بل كان يكنّ له الكراهية دوماً. إن جذور الخيانات والظلم الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب الإيراني تعود إلى سنوات ما قبل الثورة، وتجلت بأشكال مختلفة. والإيرانيون، سواء تشكلت الجمهورية الإسلامية أم لم تتشكل، لم يكن لديهم أي استعداد للتسامح مع إسرائيل. حتى القوى الإيرانية غير المسلمة والماركسية، مثل منظمة “فدائيي خلق”، كانت من أشد المعارضين لإسرائيل.

وصلت كراهية الشعب الإيراني للكيان الصهيوني إلى درجة أن محمد رضا شاه، كان يخفي زياراته للأراضي المحتلة عن وسائل الإعلام، لتجنب ضغط الرأي العام. هذه الحقائق تؤكد أن العداء لإسرائيل ليس مجرد موقف رسمي تتبناه الحكومة الإيرانية، بل هو شعور متجذر في وجدان الشعب الإيراني، يعكس رفضًا تاريخيًا لسياسات الكيان الصهيوني وممارساته.

بالإضافة إلى احتلال فلسطين من قبل إسرائيل، الذي يعتبره الشعب الإيراني فعلًا ظالمًا، فإن إسرائيل ارتكبت العديد من المظالم بحق الإيرانيين أنفسهم، وهي أحداث لا تُنسى من ذاكرة كل من يعي التاريخ. فخروج الآثار التاريخية والتراثية من البلاد عبر الوكالة اليهودية، وتدريب عناصر السافاك لقمع الثوار، واستلام أموال طائلة من الحكومة الإيرانية بحجة مد أنابيب الغاز في طهران(مشروع لم يُنفذ أبدًا)، وتدمير نظام القنوات المائية(الأفلاج) في إيران والقضاء على الزراعة، ليست سوى جزء بسيط من هذه الخيانات.

باختصار، يمكن القول إن العداء بين الشعب الإيراني والكيان الإسرائيلي المزعوم هو عداء متجذر وعميق، ولا علاقة له بوقوع الثورة الإسلامية. التغيير الوحيد الذي حدث بعد الثورة هو أن معارضة إسرائيل، التي كانت قبل ذلك مقتصرة على نسيج المجتمع، أصبحت جزءًا من هيكل الحكم. في الواقع، اختار الشعب الإيراني الثوري، من خلال تحقيق شعار “لا شرقية ولا غربية”، أفرادًا لحكم البلاد يتمتعون برؤية مناهضة للاستكبار ويتجنبون القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.

 الخصومة التاريخية بين اليهود والإسلام

وجه آخر من أوجه العداء الإسرائيلي لإيران يتعلق بالإسلام. إسرائيل، بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقًا عن الثقافة والحضارة الإيرانية، لديها مشكلة مع كون الإيرانيين مسلمين، بل ومع كون جميع الشعوب الإسلامية مسلمة؛ وذلك لأنها في الأساس لديها مشكلة مع الإسلام نفسه. عداء اليهود للإسلام في العصر الحاضر هو من نفس طبيعة العداء الذي كان أسلافهم يكنونه للإسلام حديث الولادة في الحجاز. هذا العداء عداء متجذر وأصيل، يعود إلى الصراع الأيديولوجي بين هاتين العقيدتين. قد تم بناء جميع الأديان السماوية على محور التوحيد، والإيمان بالمعاد هو أحد المبادئ الأساسية التي لا تنفصل عنها؛ والدين اليهودي ليس استثناءً من هذه القاعدة. لكن ما نراه اليوم تحت عنوان “اليهودية” ليس هو الدين الذي جاء به النبي موسى (عليه السلام). لسوء الحظ، رأى اليهود أن تعاليم هذا الدين السماوي الأصيلة تتعارض مع مصالحهم الدنيوية، فقاموا بتحريفه منذ البداية. كان هذا التحريف عميقًا لدرجة أن الإيمان بالمعاد أُزيل من أساسيات عقيدة اليهود. يقول “ويل ديورانت” في هذا الصدد: «اليهود لا يؤمنون بالعالم الآخر، ويرون أن الثواب والعقاب مقتصران على الحياة الدنيا.»[3] بل إن اليهود انحرفوا حتى في مفهوم التوحيد، فوصفوا الله كما يحلو لهم، مبتعدين عن الحقيقة التي جاءت بها الأديان السماوية.

يقدم القرآن الكريم قوم اليهود كأشد أعداء المسلمين.[4] ومع ذلك، عند دراسة تاريخ صدر الإسلام والحروب التي خاضها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ضد اليهود، لا تظهر في البداية دلائل تدل على هذه الشدة في العداء، بل إن بعض المؤرخين المسلمين اعتبروا أن المسلمين هم من بدأوا الحرب في بعض العمليات ضد اليهود. لذا، يجب أن تكون هناك حقائق غير مذكورة في التاريخ، وإذا تم توضيحها، ستظهر آثار اليهود في العديد من المؤامرات في صدر الإسلام، قبل وبعد ذلك.[5] سنستعرض في ما يلي بعضًا من هذه المؤامرات، وسنتناول الأسباب الإيديولوجية لعداء اليهود للإسلام؛ وعندما تتضح هذه الأسباب، سيتضح أيضًا سبب عداء إسرائيل لإيران.

مؤامرات اليهود لمنع ظهور الإسلام

كان اليهود، وفقًا لتنبؤات التوراة، ينتظرون موعودين: أحدهما النبي عيسى (عليه السلام) والآخر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فيما يتعلق بالنبي عيسى ودين المسيحية، بدأ اليهود منذ البداية في محاولة إضعاف هذا الدين، وقاموا بتشويه وتحريف تعاليمه قدر استطاعتهم؛ كما تعرض النبي عيسى للضغط والملاحقة، حتى أصبح شخصية مفقودة في التاريخ. استمر تحريف تعاليم المسيحية على مدى قرون عديدة، حتى تم إقصاء هذا الدين فعليًا من حياة الناس ومن المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي، ليحل محل تعاليم الإنجيل فلسفة المادية الغربية، التي هي نتاج آراء كفرية للفلاسفة اليهود. لم يبقَ من المسيحية سوى قشور واسم فقط، وهي أيضًا في خدمة المراكز الصهيونية واليهودية في أوروبا! لقد تناولنا في مقالات أخرى، مثل “دراسة دور اليهود المتخفين في أوروبا في المسيحية”، هذا الموضوع بشكل كامل. يمكنكم الرجوع إليها لمزيد من المعلومات.

بعد أن تم تحريف الإنجيل وفقًا لأهواء اليهود، وتحوَّلت المسيحية إلى أداة في أيديهم، لم يعد قادة اليهود يرون أي تهديد أمامهم سوى الإسلام ووجود النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم). لذلك، ومنذ البداية وقبل ميلاد النبي، حاولوا مرارًا وتكرارًا، كما يُقال، “و یندم حین لا تغنی الندامه”، حيث سعوا إلى اغتيال أجداد النبي لمنع ولادته المباركة.

كان اليهود على علم تام بالنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبفضل معرفتهم بعلم الفراسة الذي تعلموه من النبي موسى (عليه السلام)، استطاعوا أن يطابقوا بدقة بين ملامح والدَي النبي وأجداده وما ورد في النبوءات التي عرفوها. كانت معرفتهم بتفاصيل ملامح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأجداده دقيقة لدرجة أن القرآن الكريم يقول: “ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم”[6] كما كان اليهود على دراية بشجرة نسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلموا أنه سيولد في بيت معين من قريش. هذه المعرفة جعلت زعماء اليهود يعرفون هاشم(عليه السلام)، الجد الأعلى للنبي، بمجرد رؤيته. ومن هنا بدأت أولى محاولاتهم لإطفاء نور النبوة باغتيال هاشم(عليه السلام). ولكن بما أن الله تعالى يُنجز وعده، فقد فشلت محاولتهم، حيث تم اغتيال هاشم(عليه السلام) بعد أن تكونت نطفة ابنه عبد المطلب، جد النبي الأكبر. بعد فشلهم في هذه المرحلة، حاول زعماء اليهود اغتيال عبد المطلب(عليه السلام)، لكن محاولتهم باءت بالفشل أيضًا، ووُلد لعبد المطلب وزوجته ابنٌ اسمه عبد الله، والد النبي الكريم. كما حاول اليهود مرارًا اغتيال عبد الله(عليه السلام)، لكنهم لم ينجحوا في ذلك.

نظرًا لأن اليهود يؤمنون بأن اليهودية تنتقل عبر الأم، قام زعماء اليهود بتكليف امرأة يهودية بالوقوف يوميًا في طريق عبد الله (عليه السلام) لتعرض عليه الزواج، على أمل أن يولد النبي المنتظر من نسل يهودي. لكن هذا المخطط باء بالفشل، إذ تزوج عبد الله من السيدة العظيمة آمنة، فولد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).  مع ولادة النبي، شعر زعماء اليهود بخطر أكبر يهدد وجودهم. يُروى أن أحد علماء اليهود، بمجرد أن رأى وجه النبي وهو طفل رضيع، أغمي عليه. وعندما أفاق قال: “والله، لقد سُلبت النبوة من بني إسرائيل إلى الأبد! هذا هو الذي سيقضي على بني إسرائيل…”. [7]

تعرض النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في طفولته لعدة مؤامرات من زعماء اليهود، وفي كل مرة نجا بفضل الله. بعد بعثته، حاول اليهود عرقلة انتشار الإسلام بكل ما أوتوا من قوة. وفقًا للوثائق التاريخية، كان اليهود يعلمون أن النبي المنتظر سيؤسس حكومته في المدينة، لذا استقروا في المدينة قبل ولادته بفترة طويلة. بالطبع، ادعوا أنهم استقروا في المدينة للإيمان بالنبي، لكن يظل السؤال: إذا كان هدفهم ذلك، فلماذا لم يؤمنوا به خلال السنوات الثلاث عشرة التي قضاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة؟! ومن المثير للاهتمام أن اليهود استقروا في مناطق كانت على طريق المدينة إلى القدس، ليغلقوا بذلك الطريق أمام النبي للوصول إلى بيت المقدس.

شنّ اليهود، طوال حياة النبي صلى الله عليه وسلم، حروبًا متتالية ضد المسلمين، شاركوا فيها بأنفسهم بشكل مباشر في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى عملوا على تأجيج الصراعات من خلال التأثير في المشركين. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي يرجح البعض وقوعها نتيجة مؤامرات يهودية، استمرت هذه المؤامرات ضد الإسلام، ولكن هذه المرة بهدف انحراف العقيدة وتغيير مسار الأمة من خلال التدخل في اختيار الخليفة. وللاستفاضة في هذا الموضوع، ندعوكم إلى الاطلاع على المقالات الأخرى المتوفرة في هذا الموقع والتي تتناول بالتفصيل مسألة “تسلل اليهود في الإسلام”.

 الأسباب الإيديولوجية لعداء اليهود للإسلام

أهم سؤال يتبادر إلى ذهن كل إنسان حر عند دراسة تاريخ اليهود وشرورهم هو: ما سبب هذا الكم من الخباثة والشر؟ وما الذي جعل قوم اليهود يبتعدون إلى هذا الحد عن طريق الحق؟

يجب البحث عن جذور انحراف اليهود في داخلهم. فقد كانت لديهم صفات غير مرغوبة في الجوانب الأخلاقية والعقائدية، والتي كانوا يفتخرون بها، ولم يشعروا بالخزي من التكيف معها؛ وبالتالي، لم تكن لديهم إرادة لتغييرها. الجهل، والعنصرية، والطمع في الدنيا وجمع المال، والاعتقاد بالجبر ونفي إرادة الإنسان، والخرافة، والخوف والجبن، وقسوة القلب والعنف، والشعور بالحصانة من عذاب الله، والحسد والضغينة، والتهرب من المسؤولية، وغيرها من هذه الصفات، كانت مجموعة من الخصائص التي قد اختلطت بدماء اليهود.

وبما أن الإرادة البشرية هي العامل الأساسي في أي تغيير، ولن يتغير الإنسان إلا إذا أراد ذلك بنفسه، فإن جهود النبي موسى (عليه السلام) وأنبياء آخرين في تربية وإصلاح هذه الأمة لم تُجْدِ نفعًا، وتحولوا في النهاية إلى أعداءٍ لدودين للحق والحقيقة عبر التاريخ؛ عداوة عميقة مستمرة حتى يومنا هذا. لقد وصل طغيان اليهود إلى حد قتل الأنبياء لأنهم كانوا يقفون في وجه انحرافاتهم، وقد رُوي أن اليهود قتلوا في يوم واحد سبعين نبيًّا من أنبياء الله. [8]

ومن بين كل الصفات التي ذكرناها، ربما يمكن اعتبار حب الدنيا والجشع أهم أسباب انحراف اليهود؛ فهذه الصفة عندما تقترن بنفي يوم القيامة، تتحول بالإنسان إلى وحشٍ كاسر. فمن يؤمن بالعالم بعد الموت، يرى نفسه كائنًا أبديًّا خالدًا، ويعلم أنه بعد الموت سيدخل عالمًا تفنى الدنيا بكل عظمتها أمامه. مثل هذه النظرة للعالم تمنح الإنسان تلقائيًّا كرامةً وعزة، ولا تسمح له بأن يذل نفسه من أجل الحصول على متاع الدنيا الزائل، أو أن يرتكب أي جريمة. أما بالنسبة لأمثال اليهود الذين ينكرون الآخرة، فإن الأمر مختلف تمامًا. فغاية أمانيهم هي كسب الدنيا؛ و كلما زادت ثرواتهم و امتلكوا مساحات أكبر من الأرض، شعروا بسعادة أكبر. وهذه هي النقطة التي تؤدي إلى التصادم بين “الأيديولوجية الإسلامية الفطرية” و”الأيديولوجية الصهيونية المادية” بالضبط.

لقد أثرّ الفكر المادي الغربي، الذي تعتبره الصهيونية نفسها جزءًا منه، على أفكار جميع شعوب العالم، وحولتهم، دون أن يدركوا أو يرغبوا، إلى عبيد مطيعين لنظام الرأسمالية. في هذا السياق، فإن المذهب الوحيد الذي نجا من تأثيرات الحضارة الغربية وأفكار الماديين هو مذهب الإسلام الحنيف، الإسلام المحمدي الأصيل (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى الإسلام في عصرنا الحاضر على أنه مجرد مذهب يعود عمره إلى أربعة عشر قرنًا فحسب؛ بل إنه الإسلام اليوم يمثل جميع الأديان السماوية وجميع الأنبياء الذين سعوا عبر التاريخ لإقامة الحق وهداية البشرية نحو الهدف من خلقها. ذلك لأن تيار الحق هو تيار متصل، بدأ منذ بدء الخليقة، وسيستمر طالما يعيش الإنسان على هذه الأرض.

 عداء إسرائيل للفكر الشيعي والثوري

يتعلق وجه آخر من عداء إسرائيل مع إيران بالفكر الشيعي والثوري. تُعتبر الأيديولوجية الإسلامية، بسبب طبيعتها الفطرية والتوحيدية، دائمًا خطرًا جديًا على الطامعين في الدنيا، ولا فرق في ذلك بين المذاهب المختلفة. ولكن يجب الاعتراف بأن القراءة التي يقدمها الشيعة للإسلام تشكل تهديدًا أكبر لمصالح القوى العظمى والإمبريالية العالمية مقارنةً بالمذاهب الإسلامية الأخرى، مما يدفعهم إلى ردود فعل  أكثر حدة.

يمكن البحث عن سبب قوة الشيعة في المفاهيم العميقة الثورية التي يحملونها، مثل ثقافة الشهادة، والمهدوية، وعاشوراء. لقد أثّرت ثقافة عاشوراء والاقتداء بالإمام الحسين(عليه السلام) على الشيعة بطريقة تجعلهم لا يقبلون الظلم أبدًا، حتى لو كان الثمن فقدان النفس والمال وكل ما يتعلق بهم. من جهة أخرى، يحمل الشيعة طموحًا عظيمًا لتغيير العالم في ظل دولة كريمة تحت قيادة الإمام المهدي(عليه السلام). يسعى الإسلام الشيعي إلى العولمة، ولديه برامج منظمة ومدروسة لتحقيقها. إن مجموعة هذه الخصائص تجعل الفكر الشيعي محصنًا، مما تعجز القوى الاستكبارية عن التعامل مع الشيعة.

قبل الثورة الإسلامية، لم يكن الفكر الشيعي في إيران يثير قلق القوى الغربية كثيرًا، لأن الحكومة الإيرانية كانت متوافقة مع سياساتها. ولكن مع وقوع الثورة، لم يقتصر هذا الفكر على المستويات الحاكمة في إيران فحسب، بل انتشر في العالم، حيث تشكلت العديد من الحركات الإسلامية وغير الإسلامية بالاعتماد على الفكر الشيعي، وتحدت الأسس الفكرية والعقائدية للحضارة الغربية.

استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في العقد الأول من عمر الثورة، بفضل هذا الفكر، إحباط كافة المؤامرات التي حيكت ضدها، وتعزيز أركان نظامها. وقد أدت العقوبات الدولية إلى نتائج عكسية، وزادت من قدرات إيران في مختلف المجالات. وفي لبنان وفلسطين والعراق ودول أخرى كثيرة، استطاع المسلمون والشيعة، باستلهامهم من مقاومة الشعب الإيراني البطولية، تحقيق انتصارات باهرة كانت تبدو مستحيلة في السابق. وقد أدت هذه التطورات مجتمعة إلى تفاقم مخاوف الدول الغربية وإسرائيل من إيران. فقد شعروا بالقلق من صعود الفكر التوحيدي وغروب الأفكار الإنسانوية المادية، ومن جهة أخرى، خافوا من صعود النفوذ الشيعي بقيادة إيران وتشكيل إمبراطورية إسلامية شيعية على مستوى العالم.

بين جميع العوامل، يمكن اعتبار طموح “المهدوية” أهم عامل في عداء الغرب للشيعة، إذ يحمل الشيعة رسالة عالمية لنشر الأفكار التوحيدية وإنقاذ الإنسان من سيطرة حكومة الشيطان، وهذا هو السر الرئيسي في عداء الغرب وصراعه مع الفكر الشيعي. إن مسألة ظهور المنجي وتحرك التاريخ نحو حكم الحق هي مسألة تم الإشارة إليها في جميع الأديان السماوية وغير السماوية. إن العالم يتهيأ لحدث عظيم سيؤدي إلى مواجهة بين قوى الشرق والغرب وزوال دائم للحضارة الغربية. في أحاديث مختلفة وتفاسير آيات من القرآن تتعلق بآخر الزمان، تم التصريح بأن الإيرانيين هم الممهدون الرئيسيون لظهور الإمام المهدي(عليه السلام) .”يَخْرُجُ‏ ناسٌ‏ مِنَ الْمَشْرِقِ فَيُوطِئُونَ لِلْمَهْدِيِّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف).”[9] لقد تم إنشاء هذا التمهيد مع وقوع الثورة الإسلامية في إيران، ولا يزال يتقدم بقوة. تدرك القوى الغربية تمامًا هذا الأمر، لذا تستخدم وسائل متعددة مثل خلق انعدام الأمن في المنطقة، ودعم الجماعات الإرهابية والتيارات التكفيرية، وتوسيع شيعة الفوبيا في العالم، وغيرها من الإجراءات، في محاولة منها لمنع الشيعة من التمكين ووقوع الأحداث المتعلقة بآخر الزمان.

المشهد النهائي في صراع الحضارات

لا يجوز لنا أن ننظر إلى العداء الإسرائيلي الإيراني نظرة سطحية، فالأمر يتجاوز بكثير خلافات الجوار العادية. ولا يقتصر هذا العداء على القضية الفلسطينية فحسب، فاحتلال فلسطين ليس سوى جزء من جرائم الصهاينة، وإن كان الجزء الأكثر وضوحًا. إن الصهاينة يقفون وراء كل الجرائم التي تُرتكب ضد الإنسانية، وإذا تتبعنا خيوط أي فساد أو انحراف في العالم، فسوف نصل في النهاية إلى الأيدي الصهيونية الملوثة.

إن المواجهة بين الجمهورية الإسلامية في إيران والقوى الاستكبارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، هي مواجهة حضارية بامتياز. فإيران ليست بالنسبة لإسرائيل مجرد دولة، بل هي رمز لفكر يحمل راية التوحيد، ويسعى لإنقاذ البشرية من براثن الحضارة الشيطانية التي تسعى للهيمنة الصهيونية العالمية. والإسلام، بدوره، دين عالمي بطبيعته، وقد صُمم منذ بدايته ليكون دينًا للبشرية جمعاء. وقد حددت المعتقدات الشيعية، وخاصة مفهوم المهدوية، الخطط والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. من جانب آخر، فإن الفكر الغربي، بحكم طبيعته الإنسانوية (Humanism)‏، يسعى للهيمنة العالمية، ويتطلع إلى بسط نفوذه على كل أرجاء المعمورة. إن الصراع بين هذين الفكرين المتضادين هو، في النهاية، صراع مصيري سيؤدي إلى المواجهة النهائية التي تنبأت بها الأديان.

إن موضوع تصادم الثقافات وصراع الحضارات في آخر الزمان هو موضوع تم التأكيد عليه أيضًا في أعمال المفكرين الغربيين، ومن بينهم نظرية صموئيل هنتنغتون المعروفة بـ “صراع الحضارات” ونظرية برنارد لويس المعروفة بـ “صراع الثقافات”.

يعتقد هنتنغتون أنه بعد انتهاء الحرب الباردة، لن تكون موضوعات النزاعات العالمية كما كانت في السابق متعلقة بالصراعات بين الأمم والنزاعات الحدودية، بل ستصبح موضوعات الحروب والنزاعات تتعلق بتصادم الحضارات والثقافات المختلفة في العالم، حيث تقف الحضارة الغربية في جانب، والحضارات الشرقية مثل الإسلام والكونفوشيوسية في الجانب الآخر من هذا الصراع، وبالطبع، يعتبر الإسلام، بسبب طبیعته العالمية، منافسًا قويًا للغرب بين الحضارات الشرقية. وفقًا لنظرية هنتنغتون، يمكن أن تكون الصراعات الحضارية في العالم الحديث المرحلة الأخيرة من تطور النزاع في العالم.[10]

إن عداء أمريكا وإسرائيل مع إيران الإسلامية هي حقيقة دائمة في التاريخ، وذلك لأن نظرة إيران تتماشى مع شعارات أنبياء الذين لم يخضعوا للطغاة.

 

[1] شجاعي، محمد، “الثورة الإسلامية ومستقبل العالم”، نشر محيي، الطبعة السادسة، 1401 هجري، الصفحة 116.

[2] أفلاطون، “كتاب الكيبيادس” الجزء الأول.

[3] ويل ديورانت، “تاريخ الحضارة”، الجزء الثاني، الصفحة 345

[4] سورة المائدة، الآية 82.

[5] علي زاده، سيد هادي، “عمليات اليهود لمواجهة النبي (صلى الله عليه وآله)”، فصلية الدين والسياسة، العدد 19 و20.

[6] سورة البقرة، الآية 146 وسورة الأنعام، الآية 20.

[7] الكليني، محمد بن يعقوب، “الأصول الكافية”، الجزء الثامن، الصفحة 300.

[8] كليني، محمد بن يعقوب، “الأصول الكافية”، الجزء الثامن، الصفحتان 166 و117.

[9] كنز العمال، الحديث 38657

[10] فهيمي، زهرا، كشاورز شكري، عباس، “التيار الصهيوني الغربي مقابل التشيع”، فصلية بحوث سياسية في العالم الإسلامي، العدد الرابع، شتاء 1397 هجري.

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *