الشرق الأوسط الجديد: كلمة السر في الحرب الإدراكية للصهيونية في غرب آسيا
الشرق الأوسط الجديد هو الطموح الأكبر لإسرائيل في منطقة غرب آسيا. وفي صميم هذه الأيديولوجية، تكمن رؤية “إسرائيل الكبرى”، التي هي نتاج أطماع إسرائيل التوسعية والتي تعود جذورها إلى عقود مضت. وعلى مر هذه السنوات، بذلت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي(الناتو) والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة جهودًا حثيثة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد. وتشمل الأهداف النهائية لإسرائيل لتحقيق هذه الرؤية في المنطقة ترسيخ موقعها كقوة مهيمنة، وتفتيت الدول العربية على أسس عرقية ودينية بهدف إضعاف استقرارها والوصول إلى حلم الشرق الأوسط الجديد.
إضافة إلى ذلك، تعد الخطط الاستراتيجية المحددة، مثل “خطة ينون” ووثيقة “الانفصال الكامل”، دليلا قاطعا على سعي طويل الأمد ومبرمج لبلوغ هذه الهيمنة الإقليمية. وقد كانت الولايات المتحدة شريكا في هذه المساعي، ولم تقتصر مشاركتها على تأمين مصالح إسرائيل فحسب؛ بل تتوافق أيضا مع الطموحات الإمبراطورية الأمريكية والسعي لإرساء نظام عالمي جديد.
في هذه المقالة، سنتناول بالتفصيل الدقيق ماهية إسرائيل الكبرى وما هي الدول التي تشملها تحديدا، وما المقصود بـ “الشرق الأوسط الجديد” أو خريطة الصهيونية لمنطقة غرب آسيا.
هوية الصهيونية رهن بالشرق الأوسط الجديد
لا تعد العنصرية جانبا ثانويا أو هامشيا في الفكر الصهيوني، بل هي عنصر جوهري متأصل في صلب أيديولوجيته وأهدافه. فالصهيونية في جوهرها مبنية على أساس الهوية العرقية، حيث أن اليهودية هي الديانة الوحيدة التي يمكن القول بأنها تنتقل حصريا عبر النسب والعرق، ولا يستطيع الفرد الذي لم يكن له انتماء ديني سابق أو كان يعتنق دينا آخر أن يتبنى قوانين اليهودية وينضم إليها.
تتبع هذه الأسس العرقية ثلاثة مبادئ رئيسية:
أ. الانفصال العرقي، الذي يهدف إلى تجميع اليهود في دولة منفصلة لتحقيق “الكيان الوطني”.
ب. الانحصار العرقي، الذي يعطي الأولوية للحفاظ على “الهوية اليهودية المتميزة” ويعتبر “الاندماج” تهديدا.
ت. التفوق العرقي، الذي يعتبر الصفات “اليهودية” المزعومة مثالية ويضع على عاتق الدولة اليهودية مهمة خاصة.
لقد اعتبر القادة الصهاينة الاندماج تهديدا رئيسيا، وروّجوا دائما للانفصال العرقي؛ لأنهم يعتبرونه طريقا إلى “الفوز” وتحقيق الكيان الوطني.[1] وبالتالي، ووفقا للمعتقدات الصهيونية، فإن إمكانية التعايش بين اليهود وغير اليهود مستحيل أساسا. ويعتبر وجود مجتمعات غير يهودية، بما في ذلك السكان الأصليون، في الأرض التي من المفترض أن يتجمع فيها اليهود، وصمة عار على مفهوم العنصرية الصهيونية الخالصة، ويجب القضاء عليها بأي وسيلة. تماما كما هو الحال عندما تضطر مجموعة من اليهود إلى العيش بين غير اليهود.[2]
يقتضي هذا الأصل الصهيوني الذي يطلق عليه اسم الانفصال العرقي، خروج جميع اليهود من الأراضي الأخرى التي يعيشون فيها والتي يطلق عليها اصطلاحا “أرض المنفى”، وإخراج غير اليهود من “الأرض اليهودية” التي تشمل فلسطين ونقاطا أخرى في غرب آسيا. وتعتبر هذه الإجراءات ضرورية لتحقيق اليهود “الفوز الوطني”؛ لأنه وفقا للأفكار الصهيونية فإن “التفوق اليهودي” لا يمكن أن يتجلى إلا في هذه الحالة.[3]
إسرائيل الكبرى أو الشرق الأوسط الجديد
تضمنت خطة المنظمة الصهيونية العالمية لإقامة دولة يهودية احتلال أراض واسعة شملت فلسطين التاريخية وجنوب لبنان حتى صيدا ونهر الليطاني ومرتفعات الجولان السورية وسهل حوران ودرعا والحجاز من درعا إلى عمان والأردن وخليج العقبة. لكن كما هو موضح في الشكل 1، تصور بعض الصهاينة دولة أكبر بكثير تمتد من النيل غربا إلى الفرات شرقا وتشمل فلسطين ولبنان وغرب سوريا وجنوب تركيا.[4] وبذلك، كانوا يهدفون إلى تشكيل شرق أوسط جديد تحت السيطرة الكاملة للصهاينة وحلفائهم.
الشكل (1) خطة اسرائیل الکبری
إن المتأمل في سلوك الحركة الصهيونية وأساليب الحكومة الصهيونية، يصل إلى قناعة بأن الإنجازات التي تحققت ليست سوى خطوات مؤقتة نحو هدفهم النهائي المتمثل في تفتيت دول غرب آسيا، وإقامة شرق أوسط جديد، وبلوغ حلم إسرائيل الكبرى؛ فعلى سبيل المثال، بين عامي 1897 و 1942، وبينما كان الزعماء الصهاينة ينكرون علنا سعيهم لتشكيل دولة صهيونية ويطالبون بـ “وطن” فقط، يكشف التدقيق في وثائقهم الداخلية ومذكراتهم أن إقامة دولة كانت في الواقع الهدف الجوهري للصهيونية طوال تلك المدة.[5]
وعلى المنوال نفسه، وحتى عام 1948، كان الزعماء الصهاينة يؤكدون باستمرار للعالم أنه ليست لديهم أية نية لطرد أو إخراج عرب فلسطين من أراضيهم. ومع ذلك، تشير أدلة وفيرة إلى أن هدفهم منذ البداية كان تحقيق صهيونية كاملة وإزالة العرب من فلسطين، وعندما سنحت لهم الفرصة لذلك في عام 1948، قاموا بسرعة بتهجير السكان العرب.[6]
العنصر الثالث في برنامج الصهيونية، أي التوسع الإقليمي، جرى العمل عليه طوال هذه السنوات تحت ستار الإنكار العلني. وعلى خلاف هدفي تأسيس الدولة وطرد العرب، اللذين تحققا الآن وبانت النوايا الحقيقية وراءهما، فإن هدف التوسع الإقليمي وتشكيل الشرق الأوسط الجديد لم يتحقق إلا جزئيا، والستار عن سره لم يرفع بالكامل بعد.[7]
بعد ترسيخ دولتها، بدأت إسرائيل مرحلة جديدة من التوسع بهدف إقامة “إسرائيل الكبرى” بأكبر قدر من الأرض وأقل عدد من العرب. هذه الطموحات أدت إلى حرب 1967 ضد جيرانها العرب، وهي حرب انتهت بانتصار إسرائيلي سريع وتوسيع السيطرة على الأجزاء المتبقية من فلسطين، بما في ذلك شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان. احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة كان يعتبر أساسيا لإكمال الحلم الصهيوني بإسرائيل الكبرى.[8]
دأبت الدولة الصهيونية منذ تأسيسها على اتباع نمط ثابت في توسيع أراضيها على مرحلتين، وهو ما يعكس الأساليب التي اتبعتها الحركة الصهيونية في العقود السابقة. ففي عامي 1948 وأوائل عام 1949، احتلت إسرائيل مناطق تتجاوز ما خصصته خطة تقسيم الأمم المتحدة لـ “الدولة اليهودية”، على الرغم من تأكيداتها السابقة للأمم المتحدة باكتفائها بتلك المناطق. وبعد ذلك، وفي أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر 1956، استغلت إسرائيل انشغال مصر بالصراع مع إنجلترا وفرنسا واحتلت قطاع غزة وأجزاء من شبه جزيرة سيناء. وقد رفضت إسرائيل لمدة أربعة أشهر المطالبات المتكررة من الأمم المتحدة بالانسحاب، واعتبرت هذه المناطق جزءا من “إرثها القومي” و “أرضها التاريخية”[9].
الدولة الصهيونية الاستيطانية، تظهر بوضوح، من خلال تصرفاتها التهديدية وتصريحاتها المماثلة، نيتها لاستيلاء المزيد من الأراضي التي تزعم أنها تقع ضمن تراثها الوطني.[10] وقد أكد دافيد بن غوريون رسميا في مرتين على الأقل أن الدولة قامت “في جزء من بلادنا الصغيرة” و “في قسم فقط من أرض إسرائيل”.[11] ويوضح الشكل(2)، بجلاء السعي الإسرائيلي الاستراتيجي لإعادة تعريف خريطة الشرق الأوسط الجديد، ويشير هذا الأمر إلى جهد متعمد لتحديد الحدود الجيوبوليتيكية للمنطقة وصياغة رؤية جديدة لمسارها المستقبلي.
الشكل رقم 2. الشرق الأوسط الجديد: خريطة غير رسمية للعقيد الثاني رالف بيترز.
مسار تشكيل إسرائيل الكبرى عبر تفتيت الدول العربية
يتمثل أحد الهدفين الرئيسيين لإسرائيل في غرب آسيا في ترسيخ قوتها بصفتها القوة المهيمنة في المنطقة، أما الهدف الثاني فهو تفكيك الدول العربية لإضعافها من خلال بلقنة المنطقة وإنشاء دول عميلة بهدف تشكيل شرق أوسط جديد.[12]
فكرة تقسيم الدول العربية إلى وحدات أصغر، موضوع متكرر في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي. وقد قدم عودد يينون، المستشار السابق لأريئيل شارون، برنامجه لغرب آسيا في مقالة عنوانها «إستراتيجية لإسرائيل في عقد الثمانينات الميلادية» والمعروفة باسم «مخطط يينون». يسعى مخطط يينون إلى ضمان الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة ويؤيد تقسيم الدول العربية المجاورة إلى وحدات أصغر وأقل قوة من أجل إعادة تشكيل المشهد الجيوبوليتيكي لإسرائيل وإنشاء شرق أوسط جديد.
سيتم تحديد حجم هذه الدول بناء على تركيبها العرقي أو الطائفي. ويسعى الصهاينة إلى جعل هذه الكيانات الدينية داعمة لإسرائيل، ومصدراً لشرعيتها الأخلاقية في الوقت ذاته. وتكشف وثيقة صهيونية صدرت في فبراير عام 1982 تحت اسم “كيفونيم” أن الفلسطينيين ظلوا دائماً محور الاستراتيجيات الصهيونية، لأن وجودهم كشعب مستقل ومتميز يشكل تحدياً جوهرياً لأسس الكيان الصهيوني وشرعيته. غير أنّ الجدير بالذكر أنه رغم تركيز الصهاينة على الفلسطينيين كهدف رئيسي، فإن كل دولة عربية – وخاصة تلك ذات التوجهات القومية القوية – تتحول حتماً إلى هدف مشروع في الرؤية الصهاينة.[13] ومن أبرز هذه الدول: العراق وليبيا وسوريا.
ولكن، ينبغي الانتباه إلى أنه في حين أن الفلسطينيين كانوا الهدف الرئيسي، فإن كل دولة عربية، وخاصة تلك التي تتمتع بميول قومية قوية، تتحول في نهاية المطاف إلى هدف مشروع في نظر المخططين الصهاينة [1]. ومن بين هذه الدول التي يمكن الإشارة إليها: العراق وليبيا وسوريا.
این محیط اقتصادی جداگانه تحت حمایت امپراتوری بریتانیا قرار داشت که مانند یک قدرت استعماری کلاسیک عمل می کرد. منابع طبیعی فلسطین توسط قدرت های استعماری رقیب بهره برداری می شد. بریتانیا یک سیاست حمایت گرایانه را دنبال کرد که به اقتصاد صهیونیستی اجازه داد به هزینه اقتصادهای محلی و منافع آنها رشد کند.[14]
دور القوى الاستعمارية في دعم مشروع “إسرائيل الكبرى”
منذ اللحظة الأولى، وقفت بريطانيا كراعٍ رئيسي للمشروع الصهيوني، فلم تكتف بدعمه سياسياً، بل عملت على تمكينه اقتصادياً عبر تحويل مقدرات فلسطين الطبيعية إلى قبضة الصهاينة. وقد تجلّى ذلك في خلق منظومة اقتصادية موازية للصهاينة، معزولة تماماً عن نسيج الاقتصاد الفلسطيني، بما حمله ذلك من احتكار للسوق والأراضي ومصادر العمل. وخلف ستار “الانتداب”، مارست لندن أدواراً استعمارية كلاسيكية: فبينما نُهبت ثروات البلاد تحت مظلة التنافس الاستعماري، تمّ تغليب الاقتصاد الصهيوني عبر سياسات حمائية ممنهجة، قضت على أي فرصة لتنمية محلية مستقلة. وهكذا تحوّلت الحركة الصهيونية إلى ذراع اقتصادي استعماري، يُكرّس التبعية ويقضي على مقومات السيادة الفلسطينية قبل حتى اكتمال المشروع السياسي.[15]
بينما تروج إسرائيل لسرديتها الرامية إلى مكافحة “الإرهاب”، فإن الممارسات الفعلية للكيان الصهيوني تكشف عن استراتيجية مغايرة تماماً. فبدلاً من السعي نحو الاستقرار الإقليمي أو التكامل بين دول المنطقة – الذي قد يُضعف هيمنتها – تعمل إسرائيل بشكل منهجي على تعطيل أي توازن استراتيجي من خلال معارضتها لأي برنامج نووي إقليمي، ليس حفاظاً على الأمن كما تدعي، بل لضمان احتكارها للقوة النووية كأداة ضغط. والسيطرة على الموارد الحيوية، وخاصة المائية منها، في إطار الصراع الجيوسياسي الأوسع و تفكيك النسيج العربي عبر سياسات منهجية تهدف إلى إدامة الخلافات بين الدول العربية، مما يخدم مشروعها التوسعي المتمثل في “إسرائيل الكبرى”.
لا يمثل الدعم الغربي للكيان الصهيوني مجرد تحالف تكتيكي عابر، بل هو تعبير عضوي عن التماهي الجوهري بين المشروعين الصهيوني والإمبريالي. فالممارسات الأمريكية-البريطانية في المنطقة تكشف عن علاقة تكافلية تتجاوز منطق المصالح الظرفية لتصل إلى مستوى التماثل البنيوي. هذا التشابك المصيري يفضح الزعم القائل باستقلالية الحركة الصهيونية، ويؤكد أنها كانت -وما زالت- أداة طيعة في يد القوى الاستعمارية العظمى. هذا يوضح أن السعي للهيمنة على المنطقة لم يعد مقتصرا على حدود إسرائيل، بل تجاوزها ليتداخل مع الأطماع التوسعية لدول أخرى ومساعيها لإقامة نظام عالمي جديد.
[1] . صايغ، فائز عبدالله. الاستعمار الصهيوني في فلسطين. المجلد 1. بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية (1965): الصفحات 21-23.
[2] . نفسه، الصفحة 23.
[3] . نفسه
[4] . ليندمن، ستيفن. ما الذي تخشاه إسرائيل أكثر من غيره: تهديد “إسرائيل الكبرى”؟ بحث عالمي، 27 ديسمبر 2016.
[5]. بابيه، إيلان. تاريخ فلسطين الحديث: أرض واحدة، أمتان. كامبريدج: مطبوعات جامعة كامبريدج (2004): صفحة 188.
[6] . صایغ، الصفحات 34-35.
[7] . نفسه، ص 35
[8] . دولة إسرائيل، الكتاب السنوي للحكومة، 5712 (1951/1952)، المقدمة، صفحة X
[9] . دولة إسرائيل، الكتاب السنوي للحكومة، 5712 (1951/1952)، الصفحة 15
[10] . نفسه، الصفحة 320.
[11] . مصالحة، نور. إسرائيل الإمبريالية والفلسطينيون: سياسات التوسع. لندن: منشورات بلوتو، 2000.
[12] . نازمروایا، مهدی داریوش. تهيئة رقعة الشطرنج لـ “صدام الحضارات”: التقسيم، الهيمنة، والحكم على “الشرق الأوسط الجديد”. بحث عالمي، 15 كانون الأول/ديسمبر 2024.
[13] . نفسه
[14]پاپه، ایلان. صهیونیسم به عنوان استعمار: نگاهی مقایسه ای به استعمار کم رنگ در آسیا و آفریقا. فصلنامه آتلانتیک جنوبی 107.4 (2008): صفحه 629
[15] . بابيه، إيلان. الصهيونيةُ بوصفِها استعمارًا: نظرةٌ مُقارنةٌ إلى الاستعمارِ الاستيطانيِّ في آسيا وأفريقيا. الدوريةُ الفصليةُ لجنوبِ الأطلسيِّ 107.4 (2008): صفحة 629.