نشأة حركة المقاومة الفلسطينية وتطورها: نظرة في فروعها وتشكيلاتها
قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين أن أسلوب المقاومة الذي يتبناه الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي لم يشهد تغييرًا منذ بداياته، وأنهم يمتلكون منذ اللحظة الأولى لاحتلال أرضهم نظامًا متكاملاً للمقاومة. غير أن هذا التصور خاطئ، فحركة المقاومة الفلسطينية مرت بمراحل وتطورات جمة قبل أن تصل إلى ما هي عليه اليوم.
يعود تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية وتشكيل مجموعات المقاومة الشعبية في فلسطين إلى الانتفاضة الأولى. وقد شهدت فلسطين عدة انتفاضات عبر التاريخ، لكنها كانت جميعها قصيرة وسرعان ما قُمعت. إلا أن انتفاضة عام 1987 كانت مفصلية ومصيرية، وتُعرف بـ”الانتفاضة الأولى”. والانتفاضة في اللغة هي الحركة والاهتزاز السريعان والقويان. أما في الاصطلاح السياسي، فيطلق الثوار حول العالم اسم “انتفاضة” على حركة الاحتجاجات المدنية الفلسطينية ضد إسرائيل.
وقد كانت الانتفاضة حركةً وقف فيها الشعب الفلسطيني، مستخدماً الحجارة، في وجه جنود الاحتلال الإسرائيلي المدججين بالسلاح.
ظهرت أحزاب وجماعات شعبية متعددة على مدى تاريخ احتلال فلسطين، ولكل منها فكر وأسلوب خاص في مواجهة الاحتلال، لكن المشكلة الأساسية كانت غياب الوحدة فيما بينها. ومن أبرز الأحزاب التي برزت ضمن حركة المقاومة الفلسطينية: منظمة التحرير الفلسطينية، حركة فتح، الجهاد الإسلامي الفلسطيني، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية، لجان المقاومة الشعبية، وحركة حماس.
شهدت بعضُ هذهِ المنظمات، على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، تحولاتٍ في أدائها وفكرها “الجهادي” و”المقاوم” بعد تشكيل جبهة المقاومة، في حين حافظتْ منظماتٌ أخرى، مثل حركة حماس، على التزامها بأهدافها في سبيل تحرير فلسطين.
في خضم هذه التطورات، وُقِّعت اتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، تقضي بتشكيل سلطة حكم ذاتي في الأراضي الفلسطينية. فما هو محتوى هذه الاتفاقية؟ ومن المستفيد منها؟ وما هي النتائج التي ترتبت عليها؟ وهل كان تشكيل السلطة الفلسطينية خطوة إيجابية نحو استقلال فلسطين وحريتها؟ وهل تمكنت السلطة الفلسطينية من استعادة الحقوق التي فقدها الفلسطينيون؟
للحصول على إجابات هذه الأسئلة، تابعوا معنا التفاصيل.
الانتفاضة الأولى
تضافرت عوامل عديدة في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى[1] وتشكيل حركة المقاومة الفلسطينية. فقد أشعل فتيل الغضب الشعبي الاشتباكات بين المقاومين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، واستشهاد أربعة منهم في حي الشجاعية جنوب غزة. في غضون ذلك، سمحت شرطة القدس لجماعة “حراس جبل الهيكل” اليهودية بإقامة طقوسها الدينية في المدينة. وقد قوبل هذا الإجراء بمقاومة شديدة من المسلمين، الذين أصيب العشرات منهم بجروح، مما أسفر عن فرار اليهود من مكان الحادث.
كما ساهمت شهادة معلم فلسطيني وزيارة وزير الخارجية الأمريكي “جورج شولتز” إلى فلسطين في اندلاع مظاهرات واسعة. ولم يتوقف الأمر هنا، حيث أصدر القائد العسكري الإسرائيلي أمرًا بنفي الزعيم الروحي للجهاد الإسلامي، الشيخ عبد العزيز عودة، مما أدى إلى تصعيد الاحتجاجات وانتقالها إلى مناطق أخرى، وصولاً إلى تنفيذ عملية انتحارية من قبل الجهاد الإسلامي شمال تل أبيب. مهدت جميع هذه الأحداث تدريجيًا لقيام الانتفاضة.
تفاقم الوضع عندما قامت شاحنة إسرائيلية بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم. وفي اليوم التالي، وخلال تشييع جنازات الشهداء، تجمع الفلسطينيون قرب مقر الجيش الإسرائيلي في جباليا وبدأوا برشق الحجارة. رد الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار في الهواء، لكن الفلسطينيين واجهوا ذلك بإلقاء الحجارة وقنابل المولوتوف. من هذه اللحظة، بدأت الانتفاضة بشكل رسمي، وسرعان ما انتقلت من مدينة إلى أخرى.
دوافع الانتفاضة
هناك عدة عوامل لعبت دورًا أساسيًا في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، والتي أسفرت عن تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية. من أبرز هذه العوامل:
- الثورة الإسلامية الإيرانية:
كانت الثورة الإسلامية في إيران من الأسباب الرئيسية التي أشعلت شرارة الانتفاضة[2]. فقد ألهمت الشعب الفلسطيني بما أظهرته من وحدة وقوة لدى الشيعة في إيران خلال ثورتهم. بثت الثورة الإيرانية في نفوس الفلسطينيين الحماس والأمل، وأثبتت لهم أن بالإمكان مواجهة القوى العظمى وهزيمتها. استمد الفلسطينيون طاقة الإسلام كقوة حية، وأصبح لديهم نموذج حركي يُحتذى به.
- فلسطينيون ويأسهم من قيادتهم
خيم اليأس على الفلسطينيين من قيادتهم. فالمنظمة التي كانت يوماً ملاذَهم وأملَهم، أي منظمة التحرير الفلسطينية، شهدت تحولاً جذرياً. فقد تحولت من منظمة مُدافِعة ومُناضِلة إلى منظمة مُنفعِلة ومُحافِظة، فقدت عزيمتها ومبادئها خشيةَ الاتهام بالتطرف والإرهاب من قِبل السياسيين الغربيين، وسعياً وراءَ تحقيقِ هويةٍ واحترامٍ مُعترفٍ بهما.
بالإضافة إلى ذلك، سئم الفلسطينيون من السياسات المتكررة وغير المجدية لقياداتهم، والتي اعتمدت على استراتيجيات تركز النضال خارج فلسطين، في دول مثل الأردن ولبنان. ومع اختلاف مصالح تلك الدول، وجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة فراغ سياسي. أدرك الفلسطينيون أن الحل الحقيقي يكمن داخل وطنهم وليس خارجه.
- سياسات القمع الإسرائيلية
لم يكن ليُكتب لميلاد حركات المقاومة الفلسطينية أن يرى النور لولا سياسات القمع التي انتهجها الكيان الصهيوني. فجرائم القتل والنهب والاعتقالات الجماعية والتعذيب والإهانة وغيرها من الممارساتِ الوحشيةِ، قد أفضت إلى نفاد صبر الفلسطينيين وأيقظت فيهم روح المقاومةِ، وحملتهم على التصميم على مواجهة الظلم والاضطهاد، وأعدتْهم لانتفاضةٍ شعبيةٍ عارمةٍ.
- خيبة أمل الفلسطينيين من دعم الدول الأخرى
أيقن الفلسطينيون أن الدول الأخرى، وخاصة الدول العربية، قد تخلت عنهم. بعد سلسلة من الهزائم، توقفت هذه الدول عن دعم فلسطين عمليًا، واكتفت بالشعارات الرنانة. نتيجة لذلك، أدرك الفلسطينيون أن عليهم التخلي عن الاعتماد على القومية العربية[3] والاعتماد على الإسلام كعقيدة صلبة تشحن عزيمتهم،[4] مستلهمين بذلك تجربة الإيرانيين، بعيدًا عن الأفكار القبلية أو العرقية الخاطئة.
جوهر الانتفاضة
لقد تعلم الشعب الفلسطيني، في سنوات محنته ومعاناته تحت نير القمع، أن سر مقاومته وانتصاره يكمن في جذوره الإسلامية، لا في غيرها. وهكذا، انطلقوا إلى ساحة الثورة بوعي إسلامي، مستلهمين النموذج الثوري للجمهورية الإسلامية في إيران، ليصنعوا انتفاضة شعبية. فقبل ذلك، كان الشعب مجرد أداة في أيدي قادته، لا يقوم بدور يُذكر. أما الآن، فقد خرجوا من قمقمتهم، مُتشبعين بروح ثورية وإسلامية، ليتحلوا بجرأة المطالبة وحماسة الدفاع عن حقوقهم.
لقد تغير وجه المواجهة. فبعد أن كانت ساحة المعركة مقتصرة على قوات العمليات الخاصة والمجموعات شبه العسكرية، أصبحت اليوم انتفاضة شعبية بامتياز. رجال ونساء، أطفال وشباب، شيوخ وكهول، باتوا جميعاً يواجهون الرصاص بأسلحة بدائية وغير تقليدية كالحجارة، في مشهد يجسد صراعًا غير متكافئ.
والأعجب أن الموت والحياة لم يعودا يمثلان أهمية بالنسبة لهم؛ فقد أمنتهم الأفكار الإسلامية من الخوف، ورأوا الحياة الشريفة في النضال. كان جوهر هذا النضال هو معرفة الناس ووعيهم، معرفة عميقة قادتهم إلى الوحدة والتحرك. كانت حركة إلهية انقطعت آمالها عن غير الله، ورأت طريق الخلاص في العودة إلى الذات، والنضال من أجل الوصول إلى حضارة إسلامية، مما أدى إلى تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية.
فصائل المقاومة الشعبية الفلسطينية
على مدى تاريخ احتلال فلسطين، ظهرت العديد من الفصائل الشعبية التي سعت لتحرير فلسطين من قبضة الاحتلال الإسرائيلي. لكن الأهم من كثرة هذه الفصائل كان تحقيق الوحدة والتآلف بينها. ومن أبرز الأحزاب المؤثرة التي تشكّلت مع ظهور حركة المقاومة الفلسطينية هي منظمة التحرير الفلسطينية.
تتكون منظمة التحرير الفلسطينية من عدة مجموعات فرعية تتبع في الغالب لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن تمارس هذه المجموعات نشاطها أحياناً بشكل مستقل عن بعضها البعض، وهناك اختلافات في بنيتها وأنشطتها.
- منظمة التحرير الفلسطينية
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية(م.ت.ف) عام 1964 خلال مؤتمر قمة الدول العربية. كان القادة العرب يخشون فقدان نفوذهم في الشرق الأوسط وتعرضهم للفشل على الساحة الدولية، فقرروا تعزيز سيطرتهم السياسية على الفصائل الفلسطينية. كانوا يهدفون إلى التحكم في معركة الشرق الأوسط من خلف الكواليس بما يتماشى مع مصالحهم، كما سعوا لمنع ظهور أي فصيل فلسطيني مستقل قد يتعارض مع أجنداتهم ومصالحهم.
حققت منظمة التحرير الفلسطينية (ساف) في عام 1974 مكاسب كبيرة على صعيد الاعتراف الدولي، حيث تم الاعتراف بها في الأمم المتحدة، وحصلت على صفة مراقب دولي، مما أكسبها مصداقية كبيرة. وبدأت كوادرها ودبلوماسييها بالتواصل مع دول العالم، وأقامت علاقات دولية عميقة. هذا الأمر أدى إلى تحول كبير داخل المنظمة. فبعد أن ابتعدت ساف عن هويتها الأصلية، تحولت إلى كيان بروتوكولي ومنظمة شكلية.
في ظل هذه التحولات، ومع تكرار هزائم الجيوش العربية أمام إسرائيل في أعوام 1948، 1956، و1967، ظهرت انتقادات شديدة من بعض النخب الفلسطينية لسياسات المنظمة المحافظة تجاه الغرب. لم يقبلوا بقيادتها، ونددوا بتوجهاتها، واتخذوا قرارًا بالاستقلال عن مسارها.
- حركة فتح:
تُعد حركة “فتح“ أو حركة التحرير الوطني الفلسطيني واحدة من أهم التنظيمات العسكرية الفلسطينية التي لعبت دورًا بارزًا في تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية. تعتبر فتح أكبر فصيل ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت بقيادة ياسر عرفات. آمنت الحركة بأن الفلسطينيين يجب أن يتولوا بأنفسهم مسؤولية تحرير وطنهم.
تتميز فتح بتوجهها القومي مع مزيج من الفكر الاشتراكي.[5] تأسست الحركة على مبدأ تحرير فلسطين من خلال النضال الفدائي والانتفاضات الثورية، واستمرت في هذا النهج. كما ركزت فتح على اعتماد الفلسطينيين على قدراتهم الذاتية، مدعومة من الدول العربية وبعض الأصدقاء الدوليين.
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي تنظيم سياسي وعسكري تأسس بهدف تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح. تُعد ثاني أكبر فصيل ضمن منظمة التحرير الفلسطينية. تتميز الجبهة بمواقفها الصارمة التي تعارض الاعتدال وتختلف عن مواقف فتح.
تأسس الذراع العسكري للجبهة، المعروف بـ “كتائب أبو علي مصطفى”، بعد استشهاد الأمين العام للجبهة. تضم الجبهة أعضاء من المسلمين والمسيحيين، مما يُظهر تنوعًا دينيًا لافتًا داخل صفوفها، كما تشتهر بتوجهاتها الفكرية القائمة على القومية العربية، والاشتراكية، ومناهضة الإمبريالية.
- حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين:
تأسست حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في سبعينيات القرن الماضي على يد ثلاثة طلاب فلسطينيين في مصر، خلال فترة تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية. [6] انتهجت الحركة الكفاح المسلح كوسيلة لتدمير إسرائيل.
نفذت الحركة العديد من الهجمات عبر حرب العصابات وعمليات استشهادية بواسطة مجموعاتها المسلحة، مثل “سرايا القدس”. كان التعاون العسكري بين “سرايا القدس” التابعة للجهاد الإسلامي و”كتائب عز الدين القسام” التابعة لحماس، أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى شن هجومها على غزة عام 2008. تتميز الحركة بعلاقتها القوية مع حماس، حيث يجمعهما الكثير من القواسم المشتركة. كما عارضت الحركة بشدة أي مفاوضات سلام أو اتفاقية أوسلو.
- الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين:
انشقت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية. جاء هذا الانشقاق نتيجة خلافات حول أولوية الأنشطة الأيديولوجية والسياسية مقارنة بالكفاح المسلح والنشاط العسكري.
كانت الجبهة الديمقراطية تُعرف كجماعة مُثقفة، تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، يعيش فيها العرب واليهود جنبًا إلى جنب بسلام واحترام متبادلين، دون صراعات. عارضت الجبهة الديمقراطية بشدة صعود المتطرفين والاشتباكات العسكرية، وكان أغلب أعضائها يقيمون في سوريا.
- لجان المقاومة الشعبية:
في عام 2000، أعلنت مجموعة من الفصائل العسكرية وشبه العسكرية الفلسطينية، التي كانت تقيم في قطاع غزة والضفة الغربية، عن تأسيسها تحت اسم لجان المقاومة الشعبية. كان أغلب أعضائها من المنتمين السابقين لحركة فتح، وشملت تشكيلاتها العسكرية كتائب صلاح الدين وكتائب الناصر.
- حماس:
إحدى الحركات الإسلامية التي نشأت في إطار تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية هي “حركة المقاومة الإسلامية” أو “حماس“. تأسست حماس عام 1987م بالتزامن مع اندلاع الانتفاضة الأولى، بهدف تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة. أسسها الشيخ أحمد ياسين مع بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
في عام 2005م، أصبحت حماس أول حركة إسلامية في العالم العربي تفوز بالانتخابات الفلسطينية، مما أهّلها للدخول إلى الساحة السياسية. وبعد ذلك بعامين، نجحت في هزيمة حركة فتح والسيطرة السياسية على قطاع غزة.
تتّسم البنية التنظيمية لحركة حماس بِشَبَهٍ كبيرٍ مع جماعة الإخوان المسلمين. حيث تُشكّلُ المبادئ الإسلامية، والشورى، والقيادة المُنتخبة عن طريق البيعة العامة، والامتثال للقيادة، الأسسَ التي تقوم عليها حركة حماس. وتتألف حماس من ثلاثة أجهزة رئيسية تُوجِّه نشاطها، وهي: المكتب السياسي، والمكتب العسكري، والمكتب الإعلامي. كما تُعتبر كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية للحركة. ومن أبرز ما يُميِّز حماس، تأكيدها الشديد على الإسلام، واعتبارها القدس جزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية جمعاء.
تسعى حماس إلى إقامة دولة إسلامية، وترى أن ذلك لن يتحقق دون تربية إسلامية للأسر والمجتمع، مما جعل هذا الجانب من أولوياتها. على الرغم من أن حماس لم تكن تخطط للجوء إلى الكفاح المسلح في البداية، إلا أنها انخرطت لاحقاً في عمليات مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي. تُعد إيران وحزب الله اللبناني من الحلفاء الرئيسيين لحماس في مواجهة العدو.
في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م، أصبحت حماس الحزب الحاكم للمجلس، وتولى أحد قادتها، إسماعيل هنية، رئاسة وزراء السلطة الفلسطينية. قبل هذا الحدث، كان كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والجامعة العربية يقدمون الدعم المالي للحكومة الفلسطينية. إلا أنه بعد فوز حماس، اشترطت هذه الجهات استمرار دعمها المالي بتغيير حماس لبنود معينة في ميثاقها. رفضت حماس هذا الشرط، وسعت إلى توفير الدعم المالي اللازم لإدارة شؤون الدولة من خلال حلفائها التقليديين.
اتفاق أوسلو
في عام 1993، تم توقيع اتفاقية تُعرف بـ”اتفاق أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في واشنطن. الاسم الرسمي لهذه الاتفاقية هو “إعلان مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت”. وسميت باتفاقية أوسلو نسبةً إلى مدينة أوسلو في النرويج، حيث أجريت المفاوضات السرية التي أدت إلى توقيعها.
أسفرت هذه الاتفاقية عن إنشاء هيئة إدارية مؤقتة تُعرف بـ”الحكم الذاتي الفلسطيني”. كان من المفترض أن تكون صلاحية الاتفاقية خمس سنوات، وبعدها تُستبدل باتفاق دائم يتناول قضايا مثل القدس، واللاجئين الفلسطينيين، والمستوطنات الإسرائيلية، والقضايا الأمنية. هدفت أوسلو إلى إنهاء المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وإنهاء النزاع بين منظمة التحرير وإسرائيل، ولهذا السبب طالب العديد من الفلسطينيين بإلغائها. بموجب الاتفاق، تعهد الطرفان بالاعتراف المتبادل، انسحاب تدريجي لإسرائيل من غزة والضفة الغربية، وتحقيق مبادئ السلام، على أن يتم إنشاء حكم ذاتي فلسطيني.
للأسف، لم تحقق الاتفاقية نتائج عادلة للطرفين، فحصل الفلسطينيون على حكم ذاتي في أقل من 80% من مساحة الضفة الغربية، وأقل من 2% من مساحة الأراضي الفلسطينية التاريخية. ارتفعت معدلات البطالة إلى حوالي 50% بين القوى العاملة الفلسطينية، وشددت إسرائيل الإجراءات الأمنية ضد العمال الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، انخفض متوسط دخل الفرد الفلسطيني بنسبة تقارب 30%.
أقرت اتفاقية أوسلو إنشاء حكم ذاتي فلسطيني كهيئة إدارية مؤقتة، وكان من المفترض أن يتحول هذا الحكم بعد خمس سنوات إلى “دولة فلسطينية مستقلة”. لكن، وكما هو المعتاد في التاريخ، لم تلتزم إسرائيل بتعهداتها، بل استمرت في اغتصاب المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتوسعت في بناء المستوطنات بشكل كبير، وكأنها تُجسد بذلك دولة المستوطنين على أرض فلسطين. تشير الإحصائيات إلى أن عدد المستوطنين الإسرائيليين منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 وحتى الآن قد زاد بنحو 240%.
السلطة الوطنية الفلسطينية
السلطة الوطنية الفلسطينية هي هيئة سياسية تتولى إدارة المناطق الفلسطينية ذات الحكم الذاتي في غزة والضفة الغربية. كما أشرنا سابقاً، تأسست هذه السلطة بعد تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية وفي أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو، وكان هدفها الأساسي إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
تتألف السلطة الوطنية الفلسطينية من مؤسسات متعددة، بما في ذلك الحكومة، والمجلس التشريعي، والأجهزة التنفيذية والقضائية. ومع ذلك، فإن قوتها ونفوذها في المنطقة يتأثران بالعديد من العوامل. على سبيل المثال، يُعاني المجلس التشريعي من تعطيل في نشاطه بسبب الخلافات الداخلية بين فصائل المقاومة.
أما بالنسبة للموارد المالية والاقتصادية للسلطة، فهي تأتي من مصادر متعددة مثل المساعدات الدولية من دول ومنظمات عالمية كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، المساهمات المالية من الدول العربية، الضرائب المفروضة على الشركات والمواطنين، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية كقطاع الزراعة وغيره. ومع ذلك، توقفت المساعدات من الدول الغربية بعد ظهور حماس وتشكيل حركة المقاومة الفلسطينية.
هناك آراء متباينة حول أداء السلطة الوطنية الفلسطينية. يرى البعض أن السلطة في وضعها الحالي تفتقر إلى الفاعلية وتعمل بشكل رمزي أو سياسي أكثر من كونها هيئة إدارية حقيقية. أحد العوامل الرئيسية التي تعيق نجاحها هو التوتر المستمر بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية. فبينما تُدير حماس قطاع غزة وتتخذ مواقف أكثر تشدداً مقارنةً بالسلطة الوطنية، أدىً هذا الانقسام إلى حالة من الفوضى والانقسام بين الفلسطينيين.
على الرغم من مرور عقود على تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية وإنشاء السلطة الوطنية، إلا أن القائمين على هذه السلطة غالباً ما فضلوا السعي وراء السلطة والبقاء في مواقع النفوذ على حساب مصلحة شعبهم. في كثير من الأحيان، تعاونت السلطة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بل ووقفت ضد الحركات الوطنية الفلسطينية. لم تتردد السلطة في مهاجمة الفلسطينيين، وتسليم المقاومين لإسرائيل، والتصادم مع الفصائل المقاومة، وخصوصاً حماس.
من جانبها، كشفت حماس والجهاد الإسلامي العديد من التفاصيل الخفية حول اتفاقية أوسلو، مما عمّق الخلاف بينهما وبين السلطة الوطنية لدرجة أصبحت فيها المواجهة بينهما مباشرة. وهكذا، تحولت السلطة الوطنية الفلسطينية، التي كانت في البداية أملاً للفلسطينيين لتحقيق السلام والاستقرار بعد تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية، إلى أداة للقمع الصامت لشعبها. فقد قبلت السلطة قوانين جعلت الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية، بل وأسهمت في إضفاء شرعية على هذا الظلم بدلاً من مقاومته.
جولة في حقيقة حركة المقاومة
إن مسار تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية ليس مجرد قصة تاريخية نرويها لأطفالنا كقصة يغفو عليها، ولا هو مجرد مرحلة من التاريخ ندرّسها في الصفوف الدراسية، ولا مجرد حدث حماسي مثير نستخدمه كشعار ووسيلة للإثارة في لحظات معينة. إنّ مسار تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية هو مسار تشكيل جبهة الحق ضد الباطل، ومعركة الخير ضد الشر، التي تحتوي في طياتها آلاف التجارب والأخطاء والهزائم والانتصارات. يجب على كل من يسعى للانضمام إلى جيش الإمام المهدي عليه السلام في المستقبل أن يعرف نقاط القوة والضعف في هذه الحركة، وأن يتعرف على العوائق التي تواجهها، ويبحث عن طرق لتقويتها، وأن يتوصل إلى جذور الهزائم والانتصارات.
معركة الحق والباطل بدأت منذ بداية خلق الإنسان وستستمر حتى قيام الحضارة الإلهية الحديثة على يد المنجي الموعود. وما تشكيلُ حركة المقاومة الفلسطينية إلا جزءٌ من هذا المسار المتواصل.
كان الشعب الفلسطيني، قبل تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية، يعاني من فقدان الثقة بالنفس، والاعتماد على الدول العربية، والانغماس في الأفكار القومية والعرقية، بدلًا من التوجه نحو الأهداف الإلهية والمعنوية. هذه المواقف أدت إلى إخفاقاتهم المتكررة، إلى أن جاءت الثورة الإسلامية في إيران كنموذج فريد للنصر والمقاومة، فأنقذت عزيمتهم.
لقد ألهمت الثورة الإيرانية الفلسطينيين لتشكيل حركة المقاومة، حيث استبدلوا اعتمادهم على الآخرين بالاعتماد على الذات، وتوجهوا نحو الله تعالى، واستمدوا قوتهم من أهداف الإسلام. هذه قصة محورية ومصيرية لكل من يسعى إلى التأثير في معركة الحق والباطل.
لقد أظهرت الثورة الإسلامية في إيران، باعتبارها ثورة تمهد لظهور المهدي المنتظر، للعالم أجمع أنه بقوة الإيمان يمكن قهر القوى العظمى، شريطة ألا تكون نفوسنا أسيرةً للآثام، وأن نكون على دراية بأساليب الشيطان وهجماته المختلفة، وكيفية مواجهته.
إنّ الشيطان يسعى دومًا إلى التغلغل في صفوف الحق، ويبذر بذور الفتنة والفرقة بين جنوده. فكلّ مجاهدٍ يُقَصِّر في تزكية نفسه، ويبتعد عن المبادئ الأخلاقية وأسس التنظيم الإلهي، هو أكثر عرضة للأنانية والاستبداد بالرأي. فلا يتنازل عن موقفه، ويؤدي ذلك إلى انقسام وتضعيف لجبهة الحق، تمامًا كما حدث من انشقاقاتٍ بعد تأسيس حركة المقاومة الفلسطينية.
إن طمع الشيطان في إسقاط جبهة الحق عظيم، ومواطن الضعف الأخلاقي والتربوي لدى جنود الحق هي منافذُ نفوذه وهجومه. تمامًا كما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ذات يوم وسيلةً لإنقاذ جبهة المقاومة، لكنها سرعان ما انغمست في حبّ الشهرة والسلطة، وبدّدت آمالَ أحرار فلسطين. فتحولت تلك المنظمة التي كانت رأسَ حربةٍ في مواجهة الشيطان، إلى أسيرةٍ له، ووجهت مسار الحركة نحو أهدافه. الحكومة الذاتية التي كان من المفترض أن تكون ملاذاً آمناً للمجاهدين وتدعم المظلومين، تحولت بغطاء مشروع وقانوني إلى أداة لقمع الأحرار الفلسطينيين بصمت.
إن الوصول إلى حضارة عالمية حديثة وظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لن يتحقق بالمعجزات أو الإمدادات الغيبية. بل إنّ الله قد وضع هذا التكليف على عاتق أهل الأرض. يجب على البشر أن يتقنوا مهارة الصراع الداخلي مع النفس والشيطان، ثم يصلوا إلى القدرة على الصراع الخارجي مع جند الشيطان. هذا الصراع الخارجي يتطلب تنظيمًا قويًا ومتماسكًا، تمامًا مثل التحالف الذي نشأ بين الثورة الإسلامية في إيران وحماس فلسطين وحزب الله لبنان، لكن هذا ليس كافيًا، بل يجب أن يكون أوسع وأقوى.
لا يوجد قيام أو ثورة عظيمة دون تنظيم منسجم وجنود منظمين لتحقيق النصر. المشكلة تكمن في أن أحرار العالم إما مشغولون بالزهد الفردي، أو يتركون تهذيب النفس ويشغلون أنفسهم بالجهاد فقط. طالما لم يدرك الأفراد كيفية إقامة الحضارة الإلهية الجديدة ولم يسعوا لاكتساب المهارات الداخلية والخارجية، فإن معاناة الأرض ستظل مستمرة وسنشهد تفشي الشيطان وجيشه في العالم.
[1] صالح، محسن محمد، فلسطين، كوالالمبور، بينا، 2002، ص 83 و84/ المسيري، عبد الوهاب؛ تأثير الانتفاضة على الكيان الصهيوني، ترجمة أحمد كريميان، قم، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي، 2006، الطبعة الأولى، نقلاً عن: المعجم الوسيط، منشورات مجمع اللغة العربية. القاهرة، 1973م/ ستوده، محمد؛ الانتفاضة الفلسطينية وعدم الاستقرار المتزايد في إسرائيل، مجلة البحوث العلمية للعلوم السياسية، العدد 17، ربيع 2002/ صفطاج، ماجد؛ انتفاضة الأقصى، بيجا، منشورات الدفاع عن الأمة الفلسطينية، 2002، الطبعة الأولى
[2] فتحي، إبراهيم، الانتفاضة والمشروع الإسلامي المعاصر، طهران: هدى، 1992، ص 23 و128/ بنيامين نتنياهو، مكان تحت الشمس، ترجمة محمد عودة الدويري، عمان: دار الجليل للنشر، 1995، ص 38/ زياد أبو عمر، الحركات الإسلامية في فلسطين، ترجمة هادي سابا، طهران: دار سفير للنشر، 1992، ص 13/ جميلة كديور، الانتفاضة: ملحمة المقاومة الفلسطينية، طهران: اطلاعات، 1993، ص 230- 250. 228
[3]3 القومية والاعتماد على العرق
[4] سعيدي، زامل، جبهة الخلاص الوطني الفلسطينية، طهران، مكتب الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، 1991، ص 126/ فتحي، إبراهيم، الانتفاضة والمشروع الإسلامي المعاصر، طهران، هدى ، 1992، ص 86
[5] علم الاجتماع والعقلية المجتمعية
[6] محمد كريمي، خلف قناع السلام، طهران: كيهان، 2001، ص 75/ حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، فلسطين (الأرض والتاريخ والمقاومة)، طهران: منشورات حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، 2000، ص 44.