ما هو الاضطرار؟ وما هي علاقة ظهور المنجي باضطرار البشر؟

ما هو الاضطرار؟ وما هي علاقة ظهور المنجي باضطرار البشر؟

اضطرار البشر في آخر الزمان، مقدمة لظهور المنجي

هل شعرت يومًا بأن الأمل قد تلاشى تمامًا من حياتك ومن حولك؟ هل مررت بمواقف تبدو فيها المشكلات بلا نهاية ولا حلول؟ كيف تتعامل عادةً مع مثل هذه التحديات؟

نمر جميعاً في حياتنا بلحظات نصل فيها إلى ما يمكن تسميته “نهاية الطريق”، حيث نفقد الأمل تماماً في أن تتحسن الأوضاع، فنلجأ إلى كل شخص وكل شيء نظن أنه يمكنه أن يفرّج كربنا، ولكننا نجد أنفسنا في النهاية إما في طريق مسدود أو نسمع الرد بالرفض. هذا ما يُطلق عليه اصطلاحاً “الاضطرار”. الاضطرار هو بلوغ قمة العجز، والمضطر يرى نفسه غريقاً دون أي وسيلة للنجاة. عادةً ما يفقد الناس في مثل هذه المواقف الأمل في الأسباب والوسائل المادية، وتتوجه قلوبهم نحو قوة عليا تتجاوز الأسباب العادية، قوة يمكنها أن تزيل المشكلات وتغير الظروف بطرق غير مألوفة وهذه القوة العليا هي الله.

الاضطرار يعدّ أحد أهم شروط استجابة الدعاء؛ لأن دعاء الشخص في هذه الحالة يكون صادقاً تماماً، نقياً وخالياً من الشرك. فعندما يصل الإنسان إلى مرحلة الاضطرار، يدرك أنه فقير بشكل مطلق، وأنه بدون الإرادة الإلهية، لا يمكنه دفع حتى أصغر الأخطار عن نفسه.

في هذا المقال، وهو الأخير ضمن سلسلة مقالات “مستقبل العالم في القرآن”، سنتناول أولاً العلاقة بين اضطرار البشر وظهور المنجي؛ ثم سنناقش في النهاية وصول الإنسان إلى أسمى المقامات بعد ظهور المنجي.

 

الصلة بين أقصى درجات اضطرار البشر وظهور المنجي

 من بين الآيات الشهيرة لدى المسلمين، تأتي الآية 62 من سورة النمل والمعروفة بآية “أَمَّن يُجِيب”. غالباً ما تُقرأ هذه الآية في لحظات الشدة لطلب رفع البلاء والمشكلات، حيث تذكرنا بأن الله وحده هو القادر على إزالة الكرب و استجابة الدعاء. بالإضافة إلى ذلك، تحمل الآية إشارات لمستقبل البشرية وظهور الإمام المهدي (عليه السلام). قال الله تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ». أي أهؤلاء الذين تتخذونهم شركاء مع الله خير، أم الذي يستجيب دعاء المضطر حين يدعوه، ويزيل عنه السوء، ويجعلكم خلفاء الأرض؟ أإله مع الله؟ ما أقل ما تتذكرون!

في العديد من التفاسير المأثورة عن المعصومين(عليهم السلام)، ورد أن هذه الآية نزلت في شأن الإمام المهدي(عليه السلام)، وأنه المصطلح الحقيقي للمضطر. ففي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «والله كأني أنظر إلى المهدي(عليه السلام) وهو مستند إلى الحجر الأسود، ويدعو الله بحقّه… ثم قال: والله إن المضطر في كتاب الله في آية “أمّن يجيب” هو هو».[1] وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «نزلت هذه الآية في المهدي من آل محمد(عليهم السلام)، والله إنّه المضطر، عندما يصلي ركعتين في مقام إبراهيم، ويرفع يديه إلى الله بالدعاء، فيستجيب الله دعاءه، ويرفع عنه كل المصاعب، ويجعله خليفة على الأرض».[2]

الواقع هو أن الإمام المهدي(عليه السلام) في فترة غيبته هو المضطر الحقيقي. فهو يشهد جميع أشكال الظلم والفساد والعدوان والعنف والانحرافات التي يرتكبها البشر، لكنه بسبب غيبته وعدم وجوده المباشر في المجتمع، يجد نفسه غير قادر على التدخل بشكل مباشر لإصلاح وضع العالم. هذا الأمر يسبب له معاناة شديدة ويمتلئ قلبه بالحزن العميق. الإمام المهدي (عليه السلام) هو الأب السماوي والروحي لجميع البشر على وجه الأرض، ويملك عطفًا ومحبةً للناس تتجاوز بمراحل ما يشعر به الوالدان تجاه أبنائهم. كما يصعب على الأب أن يشاهد معاناة أبنائه دون أن يتمكن من تقديم العون لهم، فإن الإمام أيضًا يشعر بالحزن العميق لأنه يرى مصائب البشر وآلامهم، ورغم قدرته على مساعدتهم، يجد نفسه غير قادر على التدخل بشكل مباشر فعليًا. هذا الواقع يشكل عبئًا كبيرًا على قلب الإمام المهدي(عليه السلام)، ويجعله يتحمل ألمًا وضغطًا يفوق التصور.

لكن يجب أن نلاحظ أن غيبة الإمام هي ليست بسبب رغبته أو تقصيره، بل هو مشيئة الله و نتيجة تصرفات الناس. باستثناء عدد قليل من الناس حول العالم الذين يدركون عظمة مقامه ودوره في نظام الخلق، فإن معظم البشر، وحتى العديد من الشيعة، ليس لديهم فهم صحيح لوجوده كإمام، وبالتالي لا يشعرون بالفرق إذا ما كان حاضرًا أو غائبًا، ولا يبذلون أي جهد لإزالة العوائق أمام ظهوره. في ظل هذه الظروف، إذا ظهر الإمام ستكون حياته في خطر، وسيتم اغتياله بلا شك على يد الحكومات الفاسدة والمستكبرة، تماما كما استشهد الأئمة الآخرون (عليهم السلام). لذلك، حتى يتم تهيئة الظروف وتتحرك مجموعة كبيرة من الصالحين للعمل على التمهيد لظهوره، ستستمر غيبته وتستمر مشاكل العالم.

عندما نتحدث عن الاضطرار، يجب أن ندرك أننا نحن مضطرون أيضا. لم يحدث في أي فترة من التاريخ اضطرار على الأرض بمثل ما نشهده في هذه الفترة الحالية. في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا المقال، يموت عشرات الأشخاص حول العالم بسبب الجوع. ملايين البشر في شتى أنحاء العالم محرومون من أبسط وسائل الراحة والرعاية الصحية. كل عام، ينتحر الآلاف نتيجة الأزمات النفسية والروحية. في أماكن مثل فلسطين، حيث حجم الاضطرار كبير لدرجة أن الأطفال يفقدون الأمل في أن يكبروا؛ إذ أنهم يرون أقرانهم يُقتلون أمام أعينهم كل يوم.

هذا الحجم الهائل من الاضطرار والألم والضغط يؤدي أحياناً إلى يأس بعض المؤمنين، حتى يصلوا إلى الشك في وعد الله بالنصر، ويخشون أن تظل الظروف على هذا الحال إلى الأبد. ولكن يجب أن ندرك أن كل هذا جزء من الامتحانات الإلهية والتهيئة لظهور المنجي. إن رؤية هذه المشكلات، على الرغم من كونها مؤلمة جداً، تحمل رسالة إيجابية وهي قرب الفرج. على هذا الأساس صُمّم نظام الخلق: كلما بلغت الصعوبات ذروتها، يحدث الفرج. تسرى هذه القاعدة في كل نظام الخلق. مع غروب الشمس تبدأ الظلمة بالتدريج، وتصل إلى ذروتها في آخر الليل، ثم يظهر في قلب هذا الظلام نور أبيض بشكل عمودي، وهو الفاصل بين نهاية الليل وطلوع الفجر، ثم يمتد هذا النور تدريجياً حتى يملأ الأفق بالنور. إن حال البشرية في آخر الزمان يشبه ذلك. تزداد الظلم والفساد والظلم الاجتماعي المتأصل في حكم الاستكبار العالمي حتى يشعر الناس وكأنهم يختنقون، ولا يوجد من يمكنه إنقاذهم سوى منجي. عندما يصل هذا الاضطرار إلى ذروته، سيحدث الظهور.

 

وصول الإنسان إلى أعلى مقام في ظل الإمام المعصوم

إن حق حاكمية العالم هو حصري لرسل الله وممثليه على الأرض. هؤلاء فقط هم الذين يعرفون الطريق الصحيح للحياة، ويمكنهم أن يقودوا البشر نحو هدف الخلق وقمة السعادة. ولكن للأسف، تم سلب هذا الحق منهم باستمرار عبر التاريخ، وأصبحت السلطة في أيدي من لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، ويسعون خلف متع وهمية وزائلة دون أن يترددوا في انتهاك حقوق البشر لتحقيق رغباتهم. لن تحرم البشرية من الوصول إلى هدف الخلق فحسب   تحت حكم هؤلاء الطغاة، بل وحتى من الحد الأدنى للحياة الكريمة.

 

مع اقتراب الظهور، وبسبب الاضطرار الشديد الذي يعمّ العالم، يبدأ أصحاب العقول النيرة والواعية في إدراك أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار على هذا الحال. لا بد أن تتغيّر هذه المعادلة و يعود حق الحاكمية المغتصب من قبل المستكبرين إلى أصحابه الحقيقيين لإنهاء معاناة البشر الطويلة. هنا ينهض هؤلاء الأفراد ويقومون بالثورة ضد الوضع القائم، وتؤدي ثورتهم إلى ازدياد قوة جبهة الحق تدريجيًا، وتتهيأ الساحة لإقامة حكومة الصالحين واستقرار دين الله في العالم تحت قيادة الإمام المعصوم.

يعتقد الشيعة والسنة أن الشخص الذي سيُنهي معاناة البشر الطويلة ويقيم دين الحق على الأرض هو فرد يُدعى المهدي(عليه السلام) من أهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) . مع ظهوره، سيعمّ الأمن والسكينة في العالم، وسيتمكن الناس من التوجه إلى الله بدون خوف من التهديد أو الاستهزاء، وسيطبّقون القوانين الإلهية في حياتهم. في ظل هذه الأجواء، ستتلاشى المؤثرات الخارجية المثيرة للفتنة، وسيكون بوسع البشر الوصول إلى النمو والتكامل الشامل بسهولة أكبر مما هو عليه الآن . تحت ظل حاكمية الإمام المعصوم، يتحرر الإنسان من عبودية النفس الحيوانية، ويصل إلى مقام “خليفة الله” على الأرض من خلال عبودية الله، وهو أعلى مقام يمكن تصوره للإنسان، مقام تغبطه عليه حتى الملائكة.

 

سنتحدث في المقالات القادمة بالتفصيل عن ماهية هذا المقام وكيفية الوصول إليه.

 

 

 

[1] . الغيبة للنعماني، ص 314

[2] . القمي، تفسير القمي، ۱۴۰۴ق، ج۲، ص۱۲۹

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *