كيف يتم التمهيد لظهور الإمام المهدي عليه السلام؟

كيف يتم التمهيد لظهور الإمام المهدي عليه السلام؟

زيادة عدد الصالحين وتكثيف الفتن والاختبارات مطلع ظهور الإمام المهدي عليه السلام

ما هي أبرز الصفات التي يجب أن يتحلى بها المنتظر لظهور الإمام المهدي عليه السلام؟ وكيف يمكن للصالحين الوصول إلى السلطة في بداية ظهور الإمام المهدي عليه السلام؟ وما هي الآليات التي تساهم في تحقيق ذلك؟ مع انتشار الفتن والاختلاط بين الحق والباطل في آخر الزمان، هل من الممكن التمييز بين الصالحين والأشرار؟

تعد حادثة ظهور الإمام المهدي عليه السلام حدثا دوليا عالميا یؤثر على حياة البشر في جميع الأبعاد الفردية والاجتماعية، ویؤسس حضارة جديدة ذات مقومات حديثة. من الواضح أن تغييرات عظيمة بهذا الحجم وبهذا المستوى من التأثير لا يمكن أن تحدث في فترة زمنية قصيرة.  فالتغييرات الجذرية التي تسبق الظهور المبارك تتدرج وتتصاعد تدريجيًا حتى تبلغ ذروتها بلحظة خروج الإمام من الكعبة الشريفة ومبايعة أنصاره له.

في سياق سلسلة مقالاتنا التي تستشرف مستقبل العالم من منظور القرآن الكريم، نتناول في هذا المقال آيات قرآنية مهمة تتحدث عن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وخصائص أنصاره، والأحداث الجسام التي ترافق هذه الواقعة الكبرى.

 

الاعتدال والوسطية من صفات أنصار المهدي عليه السلام

إن كل ضرر يلحق بالبشر ينبع من الإفراط والتفريط في شتى مناحي الحياة. يُعد الإفراط والتفريط من أخطر الآفات التي تهدد استقرار حياة الإنسان في الدنيا وتؤثر سلبًا على مستقبله الأبدية في الآخرة. ومن أراد أن يكون من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام حقًا وأن يساهم في تعجيل ظهوره المبارك، فعليه أن يسلك طريق الاعتدال والوسطية، وأن يتجنب الزيادة والنقصان في شؤونه كافة، سواء كانت دنيوية أو أخروية.

في العديد من آيات القرآن الكريم، يصف الله سبحانه وتعالى دين الإسلام بأنه دين الاعتدال، ويصف أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنها أمة وسطية. من بين هذه الآيات، الآية 143 من سورة البقرة التي يقول فيها: «…و جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ…». فإذا سار الإنسان في حياته على الصراط المستقيم، طبقًا لقوانين الإسلام بمعناها الحقيقي، ستدار شؤونه الدنيوية والأخروية على أكمل وجه. أي أنه سوف يستمتع بحياة متوازنة تجمع بين متطلبات الدنيا والآخرة. مثل هذا الشخص يكون دائمًا سعيدًا وهادئًا؛ لأنه يوفق بين جميع جوانب حياته. وفي المقابل، يعاني الشخص الذي يقع في الإفراط أو التفريط دائمًا من اضطرابات نفسية؛ لأنه يهمل جزءًا من حياته على حساب جزء آخر.

لا يوافق الإسلام قط هذا النوع من الحياة، فمن يعيشه لا يستطيع القيام بأعمال عظيمة ذات أثر عالمي. ولهذا السبب، يصف الله تعالى الأمة القادرة على بناء المستقبل بأنها أمة وسطية تحافظ على توازنها على الصراط المستقيم، متجنبة التطرف والتقصير. يقول الله تعالى: {قل كلّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبِّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}.[1] إن كلمة “فتربصوا” تدل على الأمر بالانتظار، وكأن الله تعالى يحيلنا إلى المستقبل. وقد روى الإمام الكاظم عليه السلام عن أبيه أن المراد بالصراط المستقيم في هذه الآية هو الإمام المهدي عليه السلام، وأن من اتبعه فهو الذي على الهدى.[2]

 

زيادة قوة الصالحين وعددهم عند تحقق المستقبل الموعود

كما ذكرنا، فإن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، هو حدثٌ سيغيّر وجه الحضارة البشرية جذريًا، حيث سيقوض أركان الحضارة المادية المفسدة، ويبني حضارة جديدة قائمة على القيم الإنسانية السامية والإلهية. من الواضح أن تحقيق مثل هذا التحول العظيم يتطلب قوةً جماهيريةً واسعةً، فليس بمقدور مجموعة صغيرة أن تحقق مثل هذا الإنجاز العظيم. يشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في سورة الجن، الآية 24، حيث يقول تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا”، أي أن الكافرين سيواصلون كفرهم وظلمهم حتى يروا عذاب الله، وحينها سيعرفون من هو الأضعف والأقل عددًا.

مثالاً صارخًا على تنامي قوة جبهة الحق وتراجع جبهة الباطل في عصرنا، نجد ما حدث في معركة طوفان الأقصى. لم يتوقع أحد أن تنجح مجموعة صغيرة نسبيًا في حشد العالم أجمع ضد المستكبرين. فبالرغم من أن عدد المقاومين في غزة وفلسطين محدود، إلا أن عشرات الملايين من الناس حول العالم، من مختلف الأديان والجنسيات، خرجوا في مظاهرات واسعة تضامناً مع الشعب الفلسطيني. وهذا في حين لم نشهد قط مثل هذا التعبير العالمي عن التضامن مع أي قضية ظالمة أو نظام استبدادي.

مثال آخر على قوة الإيمان و ازدياد أعداد الصالحين في آخر الزمان هو المشي في الزيارة الأربعينية، حيث يجتمع ملايين البشر من مختلف الأديان والمذاهب حول محور قائد سماوي واحد. إن حماس الزوار في الأربعين قد أثبت للعالم أجمع أن الإمام الحسين عليه السلام، رغم استشهاده منذ قرون، لا يزال يتمتع بجاذبية وقوة تجذبان ملايين العاشقين من شتى أنحاء العالم، وتجمع بينهم أواصر المحبة والوئام. وهذه ظاهرة فريدة لم تشهدها البشرية من قبل لأي شخصية تاريخية. فإذا كان الإمام الشهيد يستطيع جمع هذه الأعداد الهائلة، فمن البديهي أن يكون التأثير أعظم وأقوى إذا كان الإمام حياً.

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة، ولا سيما ما شهده العالم من تضامن إنساني واسع في قضية طوفان الأقصى، أن ثقافة أربعين الحسين قادرة على تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية لتصل إلى كل ربوع الأرض. لقد أظهرت أربعين الحسين وقضية فلسطين أن الوحدة الإنسانية ممكنة، وأن غالبية الشعوب تتوق إلى العدل والحرية وتكره الظلم والاستكبار. هذا التوجه الشعبي المتنامي، الذي نشأ عن تلاحم قلوب الناس، يزداد قوةً يوماً بعد يوم، مما يشكل أرضية صلبة لظهور الإمام المهدي عليه السلام. إن هذه الحركة الجماهيرية العارمة لا يمكن وقفها أو إعادتها إلى الوراء، مهما حاول أعداء الله وأعداء الإنسانية. فكما أن حملات التشويه والتعتيم الإعلامية لم تستطع منع الملايين من الحضور في زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام، فإن أي محاولة لمنع تحقق هذا الحلم الإلهي ستبوء بالفشل. إن هذا هو إرادة الله، وهو ما يشير إلى أن المستقبل يحمل في طياته آمالاً عظمى للإنسانية.

 

تمييز الصالحين من الطالحين قبيل ظهور الإمام

يذكر الله سبحانه وتعالى في الآية 17 من سورة الحديد إحياء الأرض بعد موتها، حيث يقول: «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ!» أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى أن معنى “موت الأرض” في هذه الآية هو انتشار الظلم والفساد، وأن “إحياء الأرض” يعني قيام العدل والإصلاح. وبالمثل، فإن الإمام الباقر عليه السلام ربط بين “موت الأرض” والكفر، وبين “إحياء الأرض” بظهور الإمام المهدي عليه السلام الذي سيقيم العدل في الأرض. وقد وردت تفسيرات أخرى في هذا السياق عن أهل البيت عليهم السلام تشير جميعها إلى ظهور الإمام المهدي عليه السلام كسبب لإحياء الأرض.

تُبيّن هذه التفاسير أن ظهور الإمام المهدي عليه السلام كمنقذ موعود في الأديان، سيؤدي إلى زوال الكفر والظلم من العالم، وحلول السلام والعدل والمودة بدلاً منهما. إلا أن هناك نقطة جوهرية يجب التأكيد عليها، وهي أن زوال الكفر والظلم بشكل كامل، والقضاء على الكافرين والظالمين على يد الإمام المهدي عليه السلام، لن يحدث إلا بعد فصل المؤمنين عن الكافرين تمامًا. طالما بقي هناك احتمال لهداية كافر واحد، أو ولادة مؤمن من نسل الكافرين، فإن الله تعالى لن يعذبهم: «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»[3]. هذا هو منهج الله، فهو الرحيم العادل، لا يظلم أحدًا من عباده.

لكن يبقى سؤال هام: كيف سيتم هذا الفصل بين المؤمنين والكافرين؟ وما هي العوامل التي ستكشف النقاب عن نفاق المنافقين وتوضح حدود الإيمان والكفر؟

إن فهم إجابة هذا السؤال يتطلب منا فهم سنة الله في الغربال. فالله تعالى يضع الناس في مواقف واختبارات تكشف عن حقيقتهم، لتظهر نواياهم الحقيقية. فمن كان قلبه مضيئًا ولكنه ضل الطريق، سيهتدي إلى الصراط المستقيم، ومن كان منافقًا متظاهرًا بالإيمان، سيكشف زيفه. وهذا الغربال سيزداد شدة في آخر الزمان، حتى تتضح معالم الحق والباطل تمامًا، وتهيأ الظروف لظهور الإمام المهدي عليه السلام.

ويقول العلماء الكبار إن قضية فلسطين هي من أهم معايير تمييز الحق عن الباطل في عصرنا. ففلسطين هي ساحة الصراع بين الحق والباطل، وموقف كل إنسان من قضية فلسطين وجرائم إسرائيل في الأرض، يكشف عن انتمائه الحقيقي لأي جبهة.

سنستمر في دراسة الآيات القرآنية التي تتحدث عن ظهور الإمام المهدي عليه السلام في مقالاتنا القادمة.

 

[1] . السورة طه، الآية 135.

[2] . بحارالانوار، ج  24، ص 150

[3] . سورة الفتح، الآية 25.

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *