ما هي “رابطة مكافحة التشهير وما علاقتها بالصهيونية؟

“رابطة مكافحة التشهير” (Anti-Defamation League) المعروفة اختصارًا بـ”ADL”، هي منظمة غير حكومية تأسست عام 1913 بهدف مكافحة معاداة السامية وأشكال التعصب والتمييز الأخرى. تشمل أنشطة هذه الرابطة تقييم جرائم الكراهية ومعاداة السامية في مختلف البلدان، وتقديم الدعم لجهات إنفاذ القانون لملاحقة المتطرفين، وتوفير برامج تعليمية لمكافحة العنصرية والتمييز، بالإضافة إلى نشر مواد تعليمية حول الهولوكوست. يقع المقر الرئيسي للرابطة في مدينة نيويورك، ولديها حوالي ثلاثين مكتبًا إقليميًا في أنحاء الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مكتب واحد في إسرائيل.[1]

على الرغم من المهام التي حددتها الرابطة لنفسها عند تأسيسها، إلا أن أنشطتها التنفيذية تجاوزت تدريجيًا نطاق أهدافها. تعمل الرابطة حالياً في مجالات لا علاقة لها باليهودية أو بحماية مصالح اليهود. نستعرض في ما يلي بعض تدخلات هذه الرابطة في مجالات لا تمت بصلة لاختصاصها الأصلي.

تأثير نفوذ رابطة مكافحة التشهير في تغيير المعتقدات الدينية

منذ عام 1948 حتى اليوم، خصصت رابطة مكافحة التشهير جزءًا كبيرًا من جهودها القانونية لدعم الإجراءات التي يمكن وصفها بأنها “إضعاف المعتقدات الدينية”. وقد تقدمت هذه الرابطة بالعديد من الدعاوى القضائية التي غالبًا ما يتم النظر فيها من قبل المحكمة العليا الأمريكية. أسفرت هذه الدعاوى عن حظر الصلاة في المدارس، وحظر التعليم الديني خلال ساعات الدروس، وحظر تشغيل الترانيم الدينية في المدارس، بالإضافة إلى حذف الكتاب المقدس(الإنجيل) من المناهج الدراسية.

أسفرت تدخلات هذه الرابطة عن تبني الحكومات لمواقف محايدة وسلبية تجاه القضايا الدينية، حيث تم منع عرض أية فنون ذات طابع مسيحي، وحظر قراءة الأدعية في المحاكم وأداء القسم الديني للمسؤولين.[2] تركّز رابطة مكافحة التشهير بشكل خاص على إزالة تقاليد المسيحية الغربية (أحد فروع المسيحية) من الأماكن العامة مثل المدارس، في حين أنه يدعم بشكل ملحوظ الترويج لطقوس “الدين العصري الجديد” أو ما يُعرف بـ«New Age religion».

تمثل حركة العصر الجديد مجموعة واسعة من الممارسات والمعتقدات الدينية التي تتسم بطابع انتقائي وغير منهجي، مما يجعل تعريفها بشكل دقيق أمرًا صعبًا. تُعتبر هذه الحركة مزيجًا متنوعًا من المعتقدات والاتجاهات الروحية التي بدأت في الانتشار منذ النصف الثاني من القرن العشرين، لا سيما في الدول الغربية.

تجمع هذه الحركة بين أفكار ومفاهيم مستمدة من مسارات روحية ودينية وفلسفية وحتى علمية مختلفة، مما يجعلها تُعتبر حركة انتقائية بامتياز. تتأثر العديد من معتقدات وممارسات العصر الجديد بالروحانيات الشرقية مثل البوذية والهندوسية والطاوية، لكنها تُقدم في قالب حديث وغربي. في تعاليم هذه الحركة، يتم أحيانًا التركيز على قوة الإنسان الكامنة وقدرته على تغيير ظروف حياته أكثر من التركيز على القوة والإرادة الإلهية. كما أنه يوجد مكانك بارزة للسحر واستخدام القوى الخارقة للطبيعة.

من اللافت للنظر أنه على الرغم من انتقادها المستمر للمسيحية ومحاولات تهميشها، فإن رابطة مكافحة التشهير تدافع عن أنشطة مثل السحر واستخدام مادة البيوت (peyote) المخدرة باستخدام حجج التعديل الأول للدستور![3]

بالإضافة إلى ذلك، ومنذ إعلان مبدأ “الجدار الفاصل بين الدين والدولة” (Wall of Separation) الذي أزال شرط الالتزام الديني كشرط لتوظيف العاملين الحكوميين في أمريكا، أصرت رابطة مكافحة التشهير، بالتعاون مع حلفائها النافذين، بما في ذلك المحاكم العليا، على تطبيق صارم للفصل بين الدين والدولة.4.[4]

العمليات السرية للإيباك ورابطة مكافحة التشهير

تعتمد رابطة مكافحة التشهير (ADL) بشكل كبير على أموال تجارة المخدرات غير المشروعة لتعزيز نفوذها داخل الكونغرس الأمريكي. كما تمتلك كل من رابطة مكافحة التشهير واللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك) وحدات تجسس سرية تستخدم لجمع معلومات تُستغل في الابتزاز، وتلجأ إلى أساليب غير أخلاقية لاستهداف معارضيها السياسيين.

كشف غريغوري سلابودكين، أحد الموظفين السابقين في إيباك، عن وجود وحدة تُعرف باسم «Plumbers» داخل المنظمة. تستهدف هذه الوحدة النشطاء السياسيين، بمن فيهم اليهود، من خلال المراقبة والتهديد بهدف قمع المعارضة. قام سلابودكين بفضح الأنشطة السرية لإيباك، بما في ذلك توزيع ملفات الابتزاز، مما كشف المزيد عن طبيعة هذه المنظمة.[5]

على الرغم من أن أهداف وأساليب اللوبي الصهيوني إيباك تبدو مختلفة عن رابطة مكافحة التشهير، إلا أن كلا منها يتفق في دعم النظام الصهيوني والمصالح المشتركة بينهما في هذا المجال، مما يجعلهما متفقين في العديد من القضايا. إلى درجة أن إيباك قامت تحت قيادة توماس داين، بتعيين إيمي غوت، أحد الموظفين السابقين في ال ADL، لتنسيق العمليات بين المنظمتين وتعزيز تعاونهما السري.[6]

إخماد أصوات المعارضين

تواجه منظمتا رابطة مكافحة التشهير (ADL) واللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك) انتقادات بسبب استهدافهما ليهود بارزين يعارضون آرائهما، حيث أنهم يقومان باتباع أساليب تقوم على الترهيب والتخويف بدلاً من الدفاع عن مصالح اليهود.[7] من بين هؤلاء المعارضين الذين تعرضوا لحملات تشويه وهجمات من قبل هذه المنظمات هم نورمان فينكلشتاين، وتوني جودت، وجيمي كارتر، وآخرون.

نورمان فينكلشتاين (Norman Finkelstein) هو كاتب وناقد وناشط سياسي أمريكي يهودي، معروف بمواقفه الانتقادية والجريئة تجاه سياسات إسرائيل واللوبيات الداعمة لها في الولايات المتحدة. ينتقد فينكلشتاين احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وسياستها تجاه الفلسطينيين، وسياسات الاستيطان. ويرى أن هذه السياسات تمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، مما يسبب معاناة شديدة للفلسطينيين.

كما يوجه فينكلشتاين انتقادات حادة للوبيات المؤيدة لإسرائيل، وخاصة إيباك، ويعتقد أن هذه الجماعات تمارس نفوذًا كبيرًا على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، وتعمل على قمع حرية التعبير ومنع أي انتقاد لإسرائيل.

بالإضافة إلى ما ذكرناه، قامت منظمة رابطة مكافحة التشهير بحملات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووسائل إعلامها، بما في ذلك قناة “برس تي في”، حيث اتهمتها زورًا بالإرهاب، كما سعت إلى فرض رقابة على جمیع البرامج التي تنتقد سياسات إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات بائت بالفشل في الغالب، إلا أنها تعكس رغبة رابطة مكافحة التشهير في تشويه الروايات وإسكات الانتقادات الموجهة إلى الصهيونية وسياسات إسرائيل.[8]

كما ظهر من التقارير التي كشفت عن الاتحاد ضد التشهير أن هذه المنظمة قامت بمراقبة أنشطة نعوم تشومسكي، (Noam Chomsky) المفكر والنظري السياسي البارز المعروف بآرائه الانتقادية تجاه إسرائيل والسياسة الخارجية الأمريكية. تُشير هذه الوثائق السرية، التي تم الكشف عنها من خلال جهود بحثية، أن رابطة مكافحة التشهير كانت تراقب أنشطة وتصريحات تشومسكي، خاصة تلك المتعلقة بانتقاده لإسرائيل والسياسة الخارجية الأمريكية.

هذه الممارسات تثير تساؤلات جادة حول حقيقة حرية التعبير الفردي والخطاب السياسي في الغرب، مما يسلط الضوء على التناقضات بين الشعارات التي تعلنها والممارسات الفعلية.[9]

تستخدم منظمة الاتحاد ضد التشهير (ADL) الضغوط المالية والسياسية والإعلامية للتأثير على المصادر العلمية والأكاديمية بهدف ترويج الروايات المؤيدة للصهيونية تحت غطاء الادعاءات العلمية. وتشمل هذه الجهود تعديل محتويات الموسوعات لصالح إسرائيل والهولوكوست.[10] من أبرز الأمثلة على ذلك محاولات المنظمة لتحرير صفحات ويكيبيديا باستخدام أسماء مستعارة، مما أثار مخاوف بشأن تضارب المصالح. وعلى الرغم من زعم ADL الالتزام بإرشادات التحرير في صفحات ويكيبيديا، إلا أن منتقدي هذه التعديلات يشككون في نزاهتها، خاصة تلك المتعلقة مباشرة بالمنظمة نفسها.[11]

تسعى منظمات مثل رابطة مكافحة التشهير، التي تخفي أجندات صهيونية تحت ستار الدفاع عن اليهود، بشكل عام، إلى إسكات كل الأصوات المعارضة، حتى تلك التي تنبع من اليهود المناهضين للصهيونية. وقد أدت هذه الجهود إلى منع نقل المعلومات الدقيقة إلى جزء كبير من المجتمع العالمي.

هذه المنظمات تقوم بالتنسيق مع وسائل الإعلام الصهيونية الكبرى لخلق أجواء مليئة بالقمع والسيطرة على الرأي العام العالمي، ما يؤدي إلى التعتيم على الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين وفي أنحاء العالم. كما تسعى هذه المؤسسات بأسماء وشعارات مخادعة وقوانين ظاهرها قانوني، لتحقيق هدف واحد فقط: إسكات جميع المعارضين للصهيونية وإخفاء الحقيقة المروعة وراء هذه السياسة العالمية.

 

[1] غولمبسكي، سينثيا. «رابطة مكافحة التشهير | محاربة الكراهية والتمييز.» دائرة المعارف البريطانية، 31 أكتوبر 2024.،

[2] تقرير المعلومات التنفيذية. الحقيقة القبيحة حول رابطة مكافحة التشهير. منشورات تنفيذية، 1992، الصفحات 104-105.

[3] نفسه، ص ۱۰۵

[4] نفسه

[5] نفسه، ص 126 – 128

[6] نفسه، ص ۱۲۸

[7] نفسه

[8] اللوبي الصهيوني وحملة التشهير التي تقودها رابطة مكافحة التشهير ضد إيران: جهود عبثية من قبل قناة برس تي في.» قناة برس تي في، 11 سبتمبر 2023.

[9] وينستانلي، عيسى. «ملفات سرية تكشف أن رابطة مكافحة التشهير تجسست على نعوم تشومسكي.» الانتفاضة الإلكترونية.

[10]“رابطة مكافحة التشهير أم رابطة من أجل التشهير؟” مركز دراسات اليهود، 14 نوفمبر 2023، jscenter.ir/jews-and-the-media/jews-and-culture/9779

[11] «رابطة مكافحة التشهير قد تكون انتهكت قوانين ويكيبيديا – تعديل مقالاتها الخاصة.» فوروارد، 9 أبريل 2021، forward.com/news/467423/adl-may-have-violated-wikipedia-rules-editing-its-own-entries.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *