اللوبي الصهيوني آيباك؛ أقوى لوبي صهيوني في أمريكا

اللوبي الصهيوني "آيباك"؛ أقوى لوبي صهيوني في أمريكا

اللوبي الصهيوني آيباك وتأثيره على السياسات الأمريكية

يشير مصطلح “اللوبي” في السياسة إلى الجهود المنظمة التي تبذلها مجموعات أو أفراد للتأثير على قرارات الحكومات أو المؤسسات. تتنوع أنشطة اللوبي بأساليب متعددة، منها التواصل المباشر مع المسؤولين الحكوميين لبحث قضايا محددة، وتنظيم حملات عامة تهدف إلى جذب انتباه المجتمع والضغط على صناع القرار. كما تشمل هذه الأنشطة بناء التحالفات وتعزيز العلاقات مع الأطراف المؤثرة، إضافة إلى تقديم الدعم المالي للمرشحين خلال فترات الانتخابات، بهدف تعزيز مصالحهم وتحقيق أهدافهم.[1]

تعد لجنة شؤون الأمريكية والإسرائيلية العامة«American Israel Public Affairs Committe»، المعروفة اختصارًا باسم “آيباك” (AIPAC)،[2] إحدى أقوى وأكبر مجموعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تهدف إلى تعزيز السياسات الداعمة لإسرائيل في السلطات التشريعية والتنفيذية الأمريكية.

يتألف لوبي “آيباك” من أفراد ومجموعات علمانية، ومسيحيين صهاينة، وأمريكيين من أصول يهودية يدعمون المشروع الصهيوني. تأسس هذا اللوبي عام ١٩٥٤ على يد “آيزايا إل. كينن” (Isaiah L. Kenen)، الذي كان ناشطًا سياسيًا مؤثرًا ولوبياً بارزًا يعمل لصالح حكومة إسرائيل. تعود جذور تأسيس “آيباك” إلى “لجنة العلاقات العامة للأمريكيين الصهاينة”، التي أُسست عام ١٩٥٣ على يد أحد اللوبيين المرتبطين بالحكومة الإسرائيلية، بهدف مساعدة إسرائيل في التغطية على مجزرة “قبية” وتداعياتها السياسية.

“قبية” هو اسم قرية في الضفة الغربية تعرضت لهجوم من الجيش الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون، حيث قُتل العديد من سكانها، الذي كان معظمهم من النساء والأطفال.

يُعتبر “آيباك” اليوم إحدى أكثر المنظمات الداعمة لإسرائيل نفوذاً في الولايات المتحدة. نشأ هذا اللوبي استجابةً للنزاعات والصراعات البعيدة عن حدود الولايات المتحدة، وليس بناءً على احتياجات أو مصالح الشعب الأمريكي. يمتلك “آيباك” بالإضافة إلى مقراته في واشنطن العاصمة ونيويورك، فروعًا في مناطق مثل تل أبيب، القدس، والضفة الغربية لنهر الأردن.

يشكل اليهود الأمريكيون النواة الأساسية للوبي الصهيوني “آيباك”، حيث يعملون بنشاط لتغيير سياسات الولايات المتحدة الخارجية لصالح إسرائيل. لا تقتصر جهودهم على التصويت للمرشحين المؤيدين لإسرائيل فحسب، بل تشمل أيضًا كتابة الرسائل، وتقديم التبرعات المالية، ودعم المنظمات المؤيدة لإسرائيل.

مع ذلك، لا يشارك جميع اليهود الأمريكيين في هذا اللوبي، حيث يعتبر العديد منهم أن إسرائيل ليست قضية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهم. على سبيل المثال، أظهرت استطلاعات الرأي في عام 2004 أن حوالي 36% من اليهود الأمريكيين يعتبرون علاقتهم بإسرائيل “ضعيفة جدًا” أو شبه معدومة.[3]

تأثير “آيباك” على الرأي العام والسياسيين الأمريكيين

من الواضح أن التركيز الرئيسي في السياسة الخارجية الأمريكية هو الحفاظ على مصالحها الوطنية، ومع ذلك، وعلى مدى عدة عقود، خاصة بعد حرب الأيام الستة عام 1967، أصبح العنصر المركزي للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط هو العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

يعود هذا بشكل رئيسي إلى السياسة الداخلية للولايات المتحدة، ويتأثر بلوبي مثل اللوبي الصهيوني “آيباك”. هذا اللوبي يقنع الرأي العام الأمريكي بأن هناك تطابقًا بين مصالح الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني، وأن كليهما يشترك في مصالح وأهداف واحدة.

لا يوجد أي لوبي آخر يمتلك نفس القدر من الثروة والنفوذ الإعلامي والقدرة التشريعية مثل “آيباك”. لا يمكن تجاهل قدرة هذا اللوبي الفائقة على تعبئة الشخصيات البارزة والمؤثرة. فالمؤتمر السنوي لـ “آيباك” الذي يُعقد كل عام في شهر أبريل يجذب جميع القادة الرئيسيين في الكونغرس، وأعضاء الحكومة الرئيسية، وأكثر من نصف أعضاء الكونغرس، وهذا ما يعكس دعمهم المطلق لإسرائيل.[4]

استراتيجيات “آيباك” في كسب الدعم الأمريكي

يستخدم اللوبي الصهيوني “آيباك” استراتيجيتين رئيسيتين لتحفيز الولايات المتحدة على دعم إسرائيل. الاستراتيجية الأولى تتمثل في التأثير على الحكومة والكونغرس الأمريكي. يتمتع هذا اللوبي بنفوذ كبير في واشنطن، حيث يضغط على الكونغرس والسلطة التنفيذية لتقديم دعم مستمر لإسرائيل.[5] أما الاستراتيجية الثانية فهي التأثير على الرأي العام. بفضل قوته، يقوم “آيباك” بتشكيل الرأي العام الأمريكي كما يشاء، ويروّج لروايات معينة عن إسرائيل. تشمل هذه الروايات أساطير حول نشأة إسرائيل وتقديم وجهات نظر إسرائيل في القضايا السياسية الحالية. الهدف من هذه الاستراتيجية هو قمع الآراء النقدية وضمان الدعم المطلق لإسرائيل من الولايات المتحدة، حيث يُعتقد أن المناقشات الحرة والنقدية حول العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قد تدفع الأمريكيين إلى تبني مواقف تختلف عن أهداف “آيباك” وإسرائيل التي يدعمها.[6]

بشكل عام، تُعد منظمات مثل “آيباك” وإن بدت ظاهريًا تدافع عن مصالح اليهود وتعزز العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن تكتيكاتها السرية، مثل مراقبة المنتقدين وتشويه سمعتهم سواء كانوا يهودًا أو غير يهود، أثارت قلقًا حول نواياها الحقيقية بين الرأي العام الأمريكي. حتى أن شريحة واسعة من اليهود الأمريكيين تعتقد أن “آيباك” لا تمثلهم.

إلى جانب كسب دعم الرأي العام الأمريكي، تُعد إحدى الوظائف الأساسية لـ “آيباك” تربية الأطفال والمراهقين اليهود-الأمريكيين، بحيث تُصبح إسرائيل والصهيونية جزءًا لا يتجزأ من هويتهم، ويتم تلقينهم أن إسرائيل هي “الوطن الموعود” الذي يجب الهجرة إليه. حتى وإن لم يغادر هؤلاء الولايات المتحدة يومًا، فإنهم، بفضل الأفكار التي زُرعت في عقولهم، يرون في إسرائيل خيرًا مطلقًا، ويعتبرون أي معاداة لها خطأً جسيمًا. يمكن ملاحظة سلوك هؤلاء الأشخاص في المشاهد العنيفة التي يعارضون بها المسيرات الداعمة لفلسطين في الجامعات الأمريكية.

في النهاية، يتحول هؤلاء الأفراد إلى أدوات مطيعة تهدف إلى تلميع الصورة الدموية لإسرائيل. وبشكل عام، يمكن اعتبار تشكيل لوبيات مثل “آيباك” أو منظمات مثل “هليل”[7] جزءًا من جهود إسرائيل لتحسين صورتها الإعلامية بين الأمريكيين وتجنيد المزيد من المؤيدين في معركتها ضد جبهة الحق.

 

[1] نيلسون، نانسي جو. “الهيكل التنظيمي للصهيونية.” مجلة الدراسات الفلسطينية 10:1

[2] «American Israel Public Affairs Committee»

[3] اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة أول استنطاق معمق لتداعيات العلاقات الاميركيةالإسرائيلية، تأليف: جون ميرشايمر وستيفن وولت. الناشر: دار بينجوين، 2007، “484 صفحة

[4] بيترس، جيمس. قوة إسرائيل في الولايات المتحدة. منشورات كلاريتي، 2006، الصفحات 170-172.

[5] المصدر نفسه، ص 15

[6] المصدر نفسه، ص 16-15

[7] Hillel منظمة صهيونية ثقافية نشطة في معظم الجامعات الأمريكية، تهدف إلى دعم السياسات الصهيونية والمعادية للفلسطينيين من خلال الطلاب اليهود.

المشارکة

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *